كان يجلس على العشب الطويل في الحديقة، متكئاً على شجرة خضراء عالية كثيفة الأوراق، متظللاً في ظلها من أشعة الشمس الساطعة في السماء الصافية.
زقزقات الطيور انتشرت مع هبوب نسيم الهواء البارد، مختلطة بضحكات الأطفال و جدالات البالغين، كان الجو حيوياً و نشيطاً.
في حين ظل هو يقرأ رواية رومانسية، منغمساً مع أحداثها و فاقداً للإحساس بمحيطه، ارتسمت على وجهه ابتسامة دافئة عندما خيل له أنه مكان البطل.
'ياله من محظوظ، لما لا تتقرب مني الفتيات مثله!' كان يفكر في هذا حتى أخرجته من أوهامه كرة قدم أصابت وجهه.
إعتذر منه الأطفال و اخذوا كرتهم، تاركين إياه يغمغم بغضب.
'تباً لهؤلاء الأطفال دائما يفسدون علي الأجواء، في المرة القادمة التي تأتي فيها الكرة نحوي، سأركلها بقوة محلقة فوق سور الحديقة، ليتعلموا درسهم ولا يعبثوا معي مجدداً..هيهيهيه' إلتوت شفتيه بغرابة وهو يضحك كالمجنون بمفرده، متخيلاً نفسه يتنمر على الأطفال.
وفي لحظة، وكأنه اختنق بلعابه، تقطعت أنفاسه و سعل بعنف.
على مقعد مقابل له، لمح فتاة جميلة أسرت قلبه البريء من النظرة الأولى، تتصفح هاتفها وشعرها الأسود البراق يتمايل مع الريح أمام وجهها الأبيض المستدير، بعيون واسعة تتلألأ بوهج لامع، مع خدود وردية ممتلئة، نسى كيفية التنفس وهو يحدق في الفتاة تعيد شعرها خلف اذنها.
'يا لها من فتاة جميلة، لكم أريد أن اصادقها، فقط التحديق بها يجعلني أنسى همومي' فرك عينيه في عدم تصديق 'لو كان "هو" مكاني حتما كانت لتتقرب منه..آاااخ.. لما أفكر فيه الآن، إن لم تتقرب مني هي، فيجدر بي أنا أن أبادر، ولكن كيف؟ هممم!'
غارق في تفكير عميق استمرت تعابيره في التناوب بين الفرح، الحيرة، السعادة، التردد وحتى الخوف، لا أحد يعلم ما كان يتخيل، لقد مرت عدت دقائق على هذا الحال.
لكن الوقت لم ينتظره و سبقه شخص آخر إلى الفتاة، بل مجموعة من ثلاثة فتيان، أحاطوا بها بينما جلس زعيمهم معها على المقعد، قدمه اليمنى فوق اليسرى، و لف يده حول عنقها.
أبعدت الفتاة يده عنها وصرخت عليه بغضب و نظرة حادة اعترت وجهها، لكنه أعاد إمساكها من معصمها و تحدث ثم ضحك فتبعه أصدقاؤه، انزعجت الفتاة و قاومت دون جدوى.
'هاه!! تبا، هل فقدت فرصتي؟' توتر و إستقام واقفاً، لم يسمع حديثهم لكن من الواضح له أن العصابة تتحرش بها.
'لا هذا لا يمكن، لابد لي من التدخل، امم..أوه على العكس هذا أفضل، بهاته الطريقة لدي عذر لأتقرب منها، لكن أربعة على واحد!، حتى أنا سأجد هذا صعباً..، لا إنها تستحق المخاطرة، سأصبح بطلها و انقذها من المتحرشين، بعدها ستعجب بي'
تردد للحظة قبل أن يعقد العزم على مساعدتها.
و هب مسرعا إليهم يصيح "هاي انتم! ماذا تفعلون في وضح النهار في مكان عام كهذا؟ اتركوا الفتاة المسكينة في حال سبيلها و ارحلوا قبل أن تصل الشرطة"
"من هذا؟ أهو من معارفك؟" تحدث الزعيم، وعيناه على الفتاة.
"اهتم بشؤونك و عد من حيث أتيت، لا تفتعل مشاكل معنا دون سبب"
"نحن نحذرك، اذهب بينما نحن لطفاء، قبل أن تتأذى"
"نعم نعم، لا نريد أن يقال عنا متنمرين، لكن إن كنت مصراً سنعلمك درساً لن تنساه، هاهاهاهه"
هدده كل واحد منهم بازدراء و طوقوه، ومع هذا لم تنقص عزيمته، بل زادت رغبته لضربهم.
"لطفاء! لستم متنمرين!! تقولون هذا و انتم تتنمرون على فتاة ضعيفة، أيها الأوغاد، إن لم يربيكم آباؤكم فسؤربيكم بنفسي"
قال هذا مباغثاً الفتى على يمينه بلكمة، و أتبعها بركلة افقية أرسلته محلقاً بضعة خطوات و سقط على الأرض.
حركاته السريعة فاجأت العصابة و اخذتهم على حين غرة، تخلص من واحد في لمحة ثم انقض على الثاني قاصفاً إياه بوابل من اللكمات، دافع الفتى الثاني بيديه لكن سرعان ما تخدرتا ولم يعد قادرا على تحريكهما، فأصيب في ذقنه و انتهى امره هو الآخر.
تقدم الفتى الثالث ليمسكه من ياقته بيسراه، و سدد لكمة مباشرة إلى وجهه بيمناه، و رغم ارتطام القبضة بوجهه إلا أنه لم يتزحزح من مكانه، بدل ذلك ابتسم ابتسامة عريضة، ثم أمسك اليد على ياقته و لواها بقوة من الأسفل إلى الأعلى اتجاه دوران عقارب الساعة، مصحوبة بركلة بقدمه اليمنى، اهتز الفتى الثالث للأعلى قبل أن يقع متأوها بألم.
بقي فقط الزعيم الذي تملكه الخوف، و تراجع عدة خطوات إلى الخلف يكاد يبلل سرواله، تقدم نحوه فوقع الآخر أرضاً متوسلاً الصفح عنه.
بعد أن أنقذها، استدار اليها و واجهها "هل أنت بخير؟ لم تتأذي صحيح؟!" كان يمرر يده على شعره مستعرضاً عضلاته.
"بفضلك أيها البطل، أنا لم أتأذى، شكراً لك، شكراً جزيلا!" سالت الدموع على وجهها وهي تشكره مبدية تعبيراً عن الإعجاب.
لم يستطع إخفاء السعادة على إبتسامته، و سار إليها مع نبضات قلبه تتسارع، تضببت رؤيته و تداخلت الألوان في محيطه، صوت ضحكات تتعالى دخل أذنيه.
شفتاها تحركتا في رؤيته، لكن لم يستوعب ما قالت، كل ما سمعه كان كلمات غير مفهومة، بعد لحظات بدأ يستوعب الكلام.
سمع أصوات الأطفال من حوله
"أيها الأخ، هل مازلت حياً"
"ربما هو ميت! اعطني عود ثقاب لأحرق جثثه"
"هاهو ذا تفضل"
ثم شعر بالحرارة تتصاعد من مؤخرته، وقف مصدوماً محدقاً في سرواله يحترق، ضرب النار بيده لكنها استمرت في الانتشار على سرواله، فما كان له إلا أن يزيله مسرعاً و يلقيه بعيداً.
"أنت لازلت حياً! لم لم تقل هذا قبل أن نشعلك ناراً؟"
"هيهيهي، كنا سنشويك حياً، هيهيهي"
"ماذا..ماذا حدث؟ هاه! وأين الفتاة الجميلة؟؟!" شعر بالدوار و سقط أرضاً ومع هذا مازال يدير رأسه بحثاً عن الفتاة.
"هاهاها.."
"أيها الأخ، أنت تبدو كمهووس منحرف بقولك هذا في حالتك هاته"
"آا!؟ ما الذي.." صوره الطفل من هاتفه ثم أراه الصورة، شعره المهذب صار فوضوي، و عينه اليسرى زرقاء منتفخة، و وجهه مغطى بالكدمات، كما أنه مجرد من سرواله و قميصه ممزق، كان في وضع مزرٍ بحق.
سخر منه الأطفال أكثر ثم هربوا بعد إلتقاط ال
مزيد من الصور له، وكل ما استطاع فعله هو الضحك بغباء.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
إن قرأت حتى هنا و اعجبتك القصة، أترك تعليقاً يتبث وجودك، و إن لم تعجبك اخبرني ما السيء فيها.