الفصل ٢٤٩

« قرية الأموات »

لاحظ يوهان شيئًا غير عادي داخل المنزل، نهض يوهان من مكانه ودخل إلى المنزل ليزيل شكوكه، لكن في اللحظة التي وضع فيها ساقه داخل ذلك المكان، غرق قلبه وهو يرى المنظر، كان هناك اثنان من الهياكل العظمية ملقاة على الأرض داخل المنزل، كان ذلك المكان صغيرًا من الداخل، شعر يوهان بالرغبة في التقيؤ بعد رؤية هاتين الجثتين بالقرب من الزاوية، لكنه تمكن من السيطرة على نفسه

سمع خطى خلفه فأدار رأسه ونظر إلى أميليا، كانت تنظر إلى هذين الهيكلين العظميين مع تعبير غير مبالٍ على وجهها، فقدت البريق على وجهها عندما نظرت نحو هذين الهيكلين العظميين، كانا والديها، الأشياء التي أخبرته بها عن والديها كانت كلها صحيحة

شعر يوهان بقشعريرة تسري في جسده عندما رأى تلك الفتاة الصغيرة بهذه الطريقة، اقترب منها وضمها بين ذراعيه، وأغلق عينيها بيديه، لم يعرف لماذا فعل ذلك، لكنه لم يرد لها أن تراهم على هذه الحالة، فأخذها إلى خارج المنزل، نبض قلب يوهان بصوت أعلى، لا يستطيع حتى أن يتخيل أن هذه الفتاة الصغيرة كانت تعيش مع جثث والديها المتوفين، اللذين ماتا منذ فترة طويلة، لدرجة أنهليس لديهما حتى أي جلد على هياكلهما العظمية

داعب يوهان ظهرها بعدما أخرجها من المنزل، كانت هادئة وهي بين ذراعيه بدأت أنواع مختلفة من الأفكار تدور في ذهنه، ولم يكن هناك سوى طريقة واحدة لمعرفة ذلك، عدها وضع يوهان أميليا على الأرض ونظر إليها بابتسامة على وجهه

"ابقي هنا يا أميليا، لا تذهبي إلى أي مكان، حتى داخل منزلكِ، سأعود" قال يوهان وهو يداعب رأسها، نظرت بهدوء إلى يوهان وهو يقول لها هذه الكلمات، أومأت له برأسها قليلاً، لم تكن تعرف لماذا أو كيف، لكنها شعرت بالراحة حول يوهان، وعرف يوهان أيضًا أنها كانت مهتمة به، ربما لم تر أي إنسان حول هذا المكان في السنوات القليلة الماضية؛ لأن هذا المكان يقع في منطقة معزولة نوعًا ما عن القرى الأخرى

لكن في أعماقه، كان يوهان يعلم أن شيئًا فظيعًا قد حدث هنا، وأراد معرفة كل شيء عن هذا المكان، تحرك يوهان وأقترب من أحد المنازل بعدما ترك أميليا أمام منزلها، وبركلة واحدة، فجر الباب وشق طريقه داخل ذلك المنزل

غرق قلبه وهو يرى في نفس المشهد أمام بصره، خمسة هياكل عظمية ملقاة على الأرض، ثلاثة منها هي هياكل عظمية لأطفال

أحكم يوهان قبضته، وفي اللحظة التالية اقترب من منزل آخر ولدهشته، رأى مشهدًا مألوفًا، فشقّ طريقه نحو المنازل واحدًا تلو الآخر، حتى مرّ على أكثر من عشرين منزلاً، كل تلك المنازل مليئة بالموتى، وبقاياهم ملقاة داخل منازلهم

تمتم يوهان: "المكان كله مليء بالموتى، هل جميعهم انتحروا معاً؟" وبينما كان ينظر إلى بقايا عائلة ترقد أمام عينيه، شدد يوهان قبضته، ورأى المشهد المروع أمام بصره وغادر المنزل، ولم يجرؤ على الذهاب والبحث في منزل آخر، إذ كان يعلم ما ينتظره؛ امتلأ قلبه بالأسى والحزن وهو يسير في الطريق، ورأى أميليا واقفة أمام منزلها وتنظر في اتجاه يوهان

اقترب منها وجثا على ركبتيه ونظر إليها بمودة، كانت هذه الفتاة الصغيرة وحيدة داخل القرية بأكملها، تعيش جثث بجانب والديها

نظرت إلى يوهان بنظرة مشوشة "هل أنت حزين؟" سألت نفس السؤال مرة أخرى

هزّ يوهان رأسه ردًا عليها قائلاً: "لا، أنا لست حزينًا، أنا سعيد لأنني لم أغادر هذا المكان بعد أن وقفت على قدميّ مرة أخرى" رد عليها يوهان، وفي اللحظة التالية، عانقها

قالت أميليا وهي تشعر بالراحة في حضن يوهان: "أنت دافئ، تمامًا مثل أمي"

"تمامًا مثل والدتك"

ردت أميليا على يوهان: "نعم، كلما شعرت بالبرد، كانت والدتي تمسك بي هكذا، حتى أشعر بالدفء"

أخذ يوهان نفسًا عميقًا وهو يداعب ظهر أميليا، وكانت عيناه مبتلتين، وكانت الدموع تتدفق من عينيه عندما سمع تلك الكلمات من فم أميليا، عانقها بشدة وبقي هناك لبضع دقائق

لكن شيئًا ما لفت انتباهه عندما شعر بوجود مألوف، وفي اللحظة التالية نزل رجل عجوز من السماء بسرعة البرق

"أخيرًا وجدتك أيها الشقي" هبط ليون على الأرض بقوة عندما قال هذه الكلمات، وقفز يوهان بضع خطوات إلى الوراء بينما كان يحمل أميليا بين يديه، ورأت أميليا أن يوهان يمسك بها بإحكام من الخوف

"ماذا تظن أنك تفعل، جدي ليون، هل تحاول إخافتنا هكذا؟" صرخ يوهان وهو ينظر نحو جده، ثم حول نظرته نحو أميليا

"لا بأس، هو غير مؤذٍ، لا داعي للخوف منه" هدأ يوهان أميليا، لكنها أخفت وجهها على صدره

تفاجأ ليون عندما سمع يوهان، لكنه لاحظ بعد ذلك فتاة صغيرة بين ذراعيه، كانت تبدو خائفة منه، ابتسم ليون بمرارة وهو يلمس لحيته البيضاء الطويلة

"من هي هذه الطفلة يا بني، وماذا تفعل بحق الجحيم داخل هذه القرية المهجورة؟ لقد استغرق الأمر مني بعض الوقت لتتبع موقعك، ولكن أخيرًا، أصبحت قادرًا على الشعور بوجودك" قال ليون وهو ينظر إلى يوهان

عند سماع كلمات جده، ظهر الحزن على وجه يوهان، ولكن قبل أن يفتح فمه، انفجرت الأرض مجدداً، عندما نزل الرجل العجوز لين من السماء، ومع ذلك، قبل أن يلعن يوهان بسبب اختفائه المفاجئ من وادي المائة سم، سقطت نظرته على الفتاة التي كانت تمسك يوهان مثل طفل قرد

"من هي هذه الطفلة، وماذا تفعل بحق الجحيم داخل هذه القرية المهجورة؟" سأل الرجل العجوز لين نفس السؤال الذي طرحه عليه الرجل العجوز ليون قبل لحظات قليلة

"إنها أميليا، وهذه القرية هي منزلها"

2023/09/19 · 86 مشاهدة · 811 كلمة
LELOUCH
نادي الروايات - 2024