الجزء الثالث من الفصل الخامس
......................................................
استيقظ جونبي في غرفة ذو رائحة بشعة, مساحتها 10 أمتار مربعة, بابها عبارة عن عمدان حديدية تكشف خلفها الدرج المؤدي إلى المخرج.
الكلمة اللائقة لوصف مثل هذه الغرف هي زنزانة.
سرير مزدوج أشبه بطاولة جراحة معدنية مزودة بقيود حديدية مرمي في طرف الغرفة
رائحة الموت و العفن تفوح من المكان.
للوهلة الأولى يبدو السطح المعدني للطاولة نظيفا و براقا, لكن على ما يبدو أنه من الصعب التخلص من رائحة الدم العالقة التي تكومت مع مرور السنين.
في تلك الزنزانة كان كلتى قدمي و يدي جونبي مربوطة بقيود جلدية.
"و هذه الغرفة تكون؟ "
رمحت كاتارينا جونبي بنظراتها من أعلى ثم جاوبته.
" إنها مَصنع"
"مصنع؟"
"نعم صحيح مصنع تربية اللحم المصنَّع"
أخذ جونبي نفسا عميقا, هذا أسوأ موقف يمكن أن أمر فيه.
فبهذا الموقف بدأت مشاعر سلبية تفيض عند جونبي و بدى الفتى نصف مستسلما, ينزل العرق البارد من جبينه
وفي هذا الكرب سأل جونبي.
"تقولين ….. تربية؟"
هزت كاتارينا رأسها في صمت, ثم قالت
" الطعام في هذا الطابق……… المحاصيل……. تحوي ما يكفينا من الفيتامينات و المعادن"
"لكن" أضافت
"عندما تعيش هنا لفترة طويلة, ستكتشف أنك بحاجة ماسة للبروتين, لا ينمو هنا فاصولياء أو عدس أو أي محصول فيه بروتين, لا حيوانات أو حتى حشرات, ….. كل ما يأتي هنا هو بعض الوحوش التي قد تضل طريقها في حالات نادرة……… و حتى إذا حالفنا الحظ فإن كمياتهم لا تكفي"
"لا ما كنت أقصده ….هو تربية اللحم المصنع, هل هو تربية البشر و جعلهم يتكاثرون لتغذية عليهم, بمعتى آخر مزرعة بشر؟"
"لا أنت مخطئ , فذالك يأخذ وقتا طويلا و لا يحقق كميات مرضية"
"إذا كيف يصنع المصنع اللحم؟"
" ألم تلاحظ أن هذه نقطة أمان؟…...لا أظن أنني بحاجة إلى توضيح المزيد"
إلتقط جونبي أنفاسه.
في الواقع لقد رأى جونبي بعينه مذا يعني كونه في منطقة الأمان, كما أن جونبي ناقش الأمر مع كاتارينا سابقا.
"رغم أن كثافة الحبيبات هنا قليلة, إلى أنها لازالت منطقة أمان, يد أو يدان مقطوعتان, ستنموان لوضعهما الطبيعي في أقل من أسبوعين"
"إذا القصد من تربية كان…."
لم يكن يريد سماع المزيد, لم يستطع أن يمنع نفسه من التأكد.
"لا تقولي لي, أن التربية تكون في صورة…. عملية قطع و تعافي متكرر… أهكذا هي تربيتكم للحم؟"
"أجل التعافي في منطقة الأمان لا يحتاج إلا لسعرات حرارية لا يهم ما مصدرها, لكي تتعافى تحتاج إلى طاقة, و بالتالي ستكون أنت مكنة تصنيع اللحوم لدينا ندخل في فمك المحصول لتخرج لنا اللحم"
"لكن, …….هل أنتم راضون بهذا, ألا تجدونا خطبا فيه "
" "بهذا "استطعنا البقاء, بالإضافة ليس لدينا العلم بأي طريقة أخرى"
"لكن هذا….. "
رفعت كاتارينا رأسها إلى السقف, عينيها تتجنب نظرات جونبي.
"سأقولها بوضوح,...... لديك 2 ل 3 سنوات لتحياهم, و بعدها ……..لن تموت لكن, …...لن يكون هناك فرق بينك و بين الميت.
"ما الذي تعنينه؟"
"لا أعتقد أن كلماتي بحاجة للتوضيح, أعتقد أنه لديك الذكاء الكافي لفهمها"
تبسمت كاتارينا باستهجان و هزت رأسها يمينا ثم شمالا.
"حسنا, التهرب من الشرح ليس جيدا, سأوضح بالتفصيل, ماذا سيحدث……., بشكل دوري, سيتم قطع أطرافك, و من ثمة سينمو من جديد ليتم قطعه عندما يكتمل النمو, و أثناء تلك العملية ستخسر القليل فالقليل من عقلك, حتى تصبح مجنونا تماما"
"حسنا أظن أني سأفقد عقلي فعلا لو مررت بذالك, لكن سؤالي هو حينما أموت أو بالأحرى في حال عدم وجود مغامر ماذا تفعلون؟"
"إن كان هناك مغامرون نستخدم المغامرون إن لم يكن, فإنا نستخدم أنفسنا , قبل أن تأتي هنا, الشخص الذي كان مكانك, كان أخي الأصغر"
بان* ضرب كاترينا كفيها ببعض.
"القوانين بسيطة, سيتم حجزك هنا, و سيتم أخذ المني الخاص بك بشكل دوري, كما سيتم قطع أطرافك بشكل دوري"
لجونبي الذي قرر أن يخرس و يستمع أكملت كاتارينا
"أعلم أن ما أقوله قد يبدو سخيفا, لكن مع إستوفاء القوانين فإنا سنعاملك بكامل الإحترام"
دمعوع تجري على خديها, تنهدت كاتارينا بعض الهواء و قالت.
"أنا آسفة, هذه القرية………, أرجو أن تنقذها………...فلا , وسيلة أخرى لدينا"
وهكذا حملت كاتارينا ساطوراً يبلغ طول ذا حد طول متر واحد.
ثم لوحت به, ليضرب مفصل قدمه اليمنى.
"أنا آسفة"
ووووووفف* صوت قطع الريح
أتبعه ,دش* صوت صوت ضرب الساطور
صرخ جونبي في نفسه صرخة وحش ثائر.
لقد تعدى الأمر الألم ,و كل ما كان يشعر به هو شعور ساخن في مفصل قدمه.
تناثر الدم كالنافورة, لكن لم يكن ذلك كافيا لفصل قدمه عن جسمه.
بعد الصرخة لم يقوى جونبي على قول شيء"ها ها " كان أنفاسه مقطوعة و كانت عيونه تذرف بالدموع.
فتحت كاترينا فمها متأسفةً
"أعتذر سأقطعها كليا بالضربة التالية"
و مع هذه الكلمات ضربت كاتارينا قدم جونبي مرة أخرى.
تن* رن صوت تصافح الحديد بالحديد معلنا وصول حد الساطور لسطح الطاولة المعدنية مخترقا رجل جونبي.
"آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ"
و هكذا خسر جونبي قدمه, و بدأ يصرخ كالمجنون.
تحركت كاتارينا بسرعة لوقف النزيف, أمسكت قطعة من القماش و ضغطتها على الجرح, ثم, ربطت القطعة على مفصل قدمه.
بالإضافة إلى وجود بعض الحبيبات الفضية التي ساعدت على تسريع تخثر الدم ووقف النزيف.
لقد كان النزيف يجف بسرعة مدهشة فقد كان ذلك نتيجة لمزيج بين إسعاف أولي و إسعاف منطقة الأمان.
و مع ذهاب الألم شيئا فشيئا, ظهرت على جونبي إبتسامة ضعيفة.
مع وجود تلك فأنا لن أموت بسهولة.
و هكذا….. مر الوقت و بغضون ساعة واحدة إلتأم الجرح تماما.
بعد الألم و المعاناة و نزف الدم نظر جونبي أمامه ليرى كاتارينا حاملة ما كان يوما من الأيام قدمه اليمنى
"و ….. سوف تأكلون هذا, صحيح؟"
"اليوم هو حفل إستقبالك, لذا لن نضيع من قطعت لحمك أي بروتين, سيأكل الجميع من هذه القطعة"
"أراد جونبي لوهلة قول شيء ما لكنه هز رأسه أفقيا, و منع فمه من الكلام.
"هممم, ما الأمر؟"
"لا لا شيئ, مجرد سؤال صغير"
"مذا, لا تخف لو عندي الإجابة فلن أخفيها عنك"
"ذاك الباب الحديدي, ألن تغلقيه ؟"
"لا في الوقت الحالي, و حتى تنمو قدمك من جديد فنحن نفكر أن نتركك بلا قيود"
في تلك اللحظة رفع حونبي جسده العلوي, ثم سأل وهو جالس.
"خلال فترة التعافي ستزال القيود, …..هاه, هل أنت متأكدة أنكم لا تريدون أن تقيدوني"
"لقد قلت لك من قبل, سناعملك بفائق الإحترام, و لهذا لن نقيدك حين لا يوجد داع لذلك, فالمخرج هنا يؤدي إلى مكان إقامتنا, حتى لو حاولت الهروب فذلك مستحيل بقدم واحدة"
"لقد فهمت" ظهرت بسمة ساخرة على وجه جونبي.
"السبب في فك قيودك هو إظهار الإحترام, لكن في الحقيقة هذا ليس السبب الوحيد"
"أكملي"
احمر وجه كاتارينا قليلا و ظهرت إبتسامة باهتة على فمها
"لا تنسى ..أني إمرأة…..و كما أنا نحتاج للحمك فنحن أيضا نحتاجك للإنجاب, لربما العلاقة بيننا الآن مشوهة لا صلاح فيها ,لكن أردت أن تكون العلاقة,............. علاقة و لو نوعما لائقة معك "
و في هذه اللحظة بدأ ضمير جونبي يبتعد و يموت.
حتى بعد كل الذي فعلته, أرادت كاتارينا علاقة حب عادية مع ضحيتها, لقد قالت ذلك بوجه جاد.
قالتها للرجل الذي قطعت منه طرفا ليوضع في مائدة الغداء, قالتها بوجنتين حمراوتين.
-إنهم مجانين ……..معاتيه ……...غير طبيعيين.
هذا صحيح هم غير طبييعين, هذا لو كانو في اليابان, في مكان خارج المتاهة لربما أخلاقهم ليست طبيعية, لكن هم هؤلاء الذين ترعرعوا في المتاهة الفاصلة, فما كانت أخلاقهم إلا ردة فعل للظروف المحيطة.
لربما جونبي رأى أن أفعالهم ما هي إلى سير مع تيار المتاهة, تيار سيؤدي بهم إلى كارثة في القريب العاجل.
لقد إستسلموا للظروف التي وضعتها المتاهة عليهم لقد إنصاعوا لأوامرها, و فعلوا كل ما في وسعهم للتعايش معها.
و حين أوصله تفكيره لهذه المرحلة, أراد أن يغير مصيرهم أراد أن يخبر كاتارينا بشيء, أراد أن يحذرها.
"لقد حان الوقت, سأذهب فوق, لا بد أن الجميع يتوقون للحم"
رفعت كاتارينا قدم جونبي لتحملها على كتفها.
"........."
"حسنا إذا , الليلة……. بعد الحفل…………...سآتي لرؤيتك, فاليلة ليلة زفافنا"
هز جونبي كتفيه باستهجان, و تمتم بصوت مسموع.
"رومنسية أم أيا كان جنون ملعون تريدينه, مصطلح ليلة زفاف, لم أرى في حياتي موقفا غير لائق أكثر من هذا لقوله الآن"
"همب…….قل ما تشاء"
و حينما أدارت ظهرها, "لكن…."قال جونبي م حاولا أن يوقفها أن يحذرها.
و لكن الرد الذي لقيه منها. ………
فركت كاتارينا يدها, على قدم جزنبي المقطوعة و همست بصوت مسموع
"إتادايكيماس" (شكرا على الطعام)
و لهذا في النهاية توقف جوني عن نطق الكلمات التي كان يريد أن يقولها.
وفي اليوم التالي.
صعد جونبي الدرج متكئا على عكاز صنعه بيديه, ثم تمتم و علامات الفزع على وجهه.
"حسنا, الذي سيحصل هو…"
دخل جونبي إلى غرفة بمساحة 30 حصيرة (حصيرة هي وحدة قياس يابانية للمساحة . 30 حصيرة تساوي 46متر مربع تقريبا)
نظرا إلى محتواها الداخلي يبدو أنها غرفة تناول الطعام.
و كما قالت كاتارينا لربما كانت أيضا الغرفة التي يعيش فيها سكان القرية.
أخذ جونبي نفسا عميقا ثم نظر حوليه.
طاولة طويلة في منتصف الغرفة, موزعة على سطحها أطباق من الحساء.
قد يظن الناظر أن الحساء يحتوي على لحم بقر, لكن جونبي يعلم تماما ما في داخل الحساء من لحم.
على أي حال,بقايا من الحساء البارد في أسفل الأطباق تشير أن جميع الأطباق تم أكلها.
هذا صحيح أطباق من اللحم البشري الآن فارغة كأنها وجبة طبيعية.
لقد كان البعض مرمين على الطاولة البعض الآخر تدحرج على الأرض و بعضهم سقط على ظهره.
عددهم خمسون.
جميعهم مغطون بالقيئ و بعضهم تقيأ الدم.
مشى جونبي من بينهم يتفقد أحوالهم, جميعهم كانو ينازعون, و يتعذبون سكرات الموت.
و بعدها وقف جونبي أمام شخص محدد.
الموجودين في الغرفة تحولوا تقريبا إلى جثة هامدة, لكن من بين الخمسين نفرا, كانت هناك فتاة واحدة مازالت واعية لما حوليها.
"لماذا, ماذا حدث …...شيء كهذا …...؟
"أعتذر منك كاتارينا لكن لحمي مسموم"
على ما يبدو أن كاتارينا توقعت شيئا كهذا, لذا هزت رأسها يمينا ثم شمالا.
" ذاك لم يكن غير متوقع فأنت شخص قادم من المستويات السفلية, ليس من الغريب أن يكون لديك خصائص لا نفهمها"
نظر جونبي حوليه مجددا لتتغير ملامح وجهه كأنما بلع ذبابة.
"حسنا, هذا ما يقولونه من يزرع شوكا يحصد جراح, لقد ظننتم أنكم تزرعون لحما غير مدركين أنكم تزرعون موتكم, لذالك إن كنت تحقدين علي, حقدك في غير محله."
"نحن نحصد أفعالنا أهذا ما تقول, هذا هراء, كلماتك تحتاج إلى تعديل"
"هراء؟"
"نحن نفعل ما نفعله لكي نعيش, كل ما نفعله هو توفير بيئة مناسبة للعيش إن كنت تقول أن ما نفعله خطيئة هذا يعني أن وجودنا بحد ذاته خطيئة."
"أه" هز جونبي رأسه
"كلامكِ صحيح, ما تفعلونه ليس خطيئة لكنكم تعانون العواقبه"
".......؟"
"القصة بسيطة جدا……….لقد تم خداعكم من قبلي"
"خداعنا؟"
"خدعتموني في البداية و خدعتكم بعدها, لكن لكي أقول الحقيقة خدعتي كانت أسهل كل ما علي فعل هو إلتزام الصمت عن طبيعة سمي."
"ألا يعني ذالك أنك لا ترى خطبا في أكل لحم البشر, هذا يعني أنك وصلت إلى حالة من الأخلاق تخطت مفهوم الخير و الشر هاه"
"بالمناسبة, أين خبأتم أسلحتي في كل الأحوال أنت هالكة ……...دعيني أريحك من سكرات الموت."
"داخل الدرج"
إتبع جونبي تعليمات كاتارينا و ذهب نحو الزاوية ثم تفحص الدرج, ليجد على الفور ما كان يبحث عنه.
أمسك جونبي المسدس و اتجه نحو كاتارينا.
"حسنا …. ما أحاول أن أقوله هو, أن السذج يتم خداعهم"
ثم عبأ مسدسه
" هذا ما يسمى, معناة العواقب"
"سيتم قتلي من قبل الرجل الذي سيكون زوجي, لربما نهاية ملائمة لشخص يحمل دما ملعونا في شرايينه كدمي"
"لا دم ملعون و لا ما يحزنون, ليس هنا القضية, أعني دمك لا يهم البتة, لقد تعلمت درسي من أناس أضعف مني, و كما فعلت في هذه المتاهة, فإن القوي الذي يتهاون في القتال سيخسر ضد الضعيف, هذا لا شك فيه."
نظرت إلى العينان السوداوان الخاليان من رائحة المشاعر, ثم تفتحت في وجهها إبتسامة جميلة قبل أن تستسلم لمصيرها و تغمض عينيها.
"كان من دواع سروري أن أعلمك الدرس يا زوجي العزيز"
في تلك اللحظة صوب جونبي المسدس بين عينيها .
"حسنا إذا يا مهارة الجزار"
و أثناء سحبه للزناد قال "إتادايكيماس"
..................................................................
او يمكنك دعمنا من هنا
ملاحظة الفصول القادمة سيتم رفعها على المدونة فقط
https://twbaln.blogspot.com/2019/01/DS5.3.html