لم يُعر وو مينغ نظرة السلف العاشر أي اهتمام؛ فقد كانت كلمتا "العدم السالب" و"العدم الموجب" كافيتين لإيقاظ يقين قديم في قلبه.
أخيرًا، عرف موطن ولادته الجديدة .
"عشيرة وو"، العشيرة الوحيدة التي تجرأت على اتخاذ "العدم" اسماً لها.
" لم أتوقع أن الحظ و المصير الذي جمعته في تناسخي السابع ، ضحيت به في الثامن ، له هذا الثأثير ، بحيث ولدت في جيل ستنزل به معمودية السماء ، كذلك ولدت في عشيرة عريقة كعشيرة وو " فكر وو مينغ مع نفسه.
تدفقت الذكريات إلى ذهنه، تذكر تناسخه الثاني، حين وُلد في "عصر البداية"، العصر الذي بزغت فيه الكائنات الذكية الأولى، تجسدات طبيعية للداو:
الوحوش السماوية كالتنين، والعنقاء، والنمر الأبيض...
والوحوش الشيطانية مثل وحش الثعلب ووحش الخنزير...
ثم جاء العمالقة،
وبعدهم ظهر البشر الأوائل، أولئك الذين سُمّوا بالبشر الفطريين.
في ذلك العصر، وُلد من جوهر العالم نفسه، بشريًّا فطريًا اتخذ من الأرض بساطًا ومن السماء غطاءً.
وبينما بدأ يشق طريقه في هذا العالم الغريب عليه، التقى برجل عجوز قدّم نفسه باسم "وو يوان"، مؤسس عشيرة وو.
كان ذلك العجوز أول من مد له يد العون، دله على أسرار العالم الجديد الذي استيقظ فيه، وقدّمه إلى القواعد والموازين التي تحكمه.
دعمَه بالموارد والحماية، خاصة في أيام ضعفه الأولى.
ورغم المساعدة، بقي وو مينغ حذرًا. فبعد ملايين السنين التي عاشها في تناسخه الأول، كان الحذر قد أصبح جزءًا من كيانه. لكنه، ومع مرور مئات السنين، لم يجد في سلوك العجوز ما يثير الريبة. لو كان يحمل شرًا في قلبه، لما انتظر كل هذا الوقت؛ كان بإمكانه القضاء على وو مينغ وهو لا يزال ضعيفًا، دون الحاجة إلى التمثيل.
لم يكن وو مينغ خائفًا، لكنه لم يكن متهورًا كذلك. بإمكانه استعادة جزء من قوته من التناسخ السابق ولو مؤقتًا، حتى إن لم يستطع الفوز على الأقل بإستطاعته الهروب ، لكنه كان يعلم أن ذلك سيؤثر على أساسه ويضعف مستقبله، فاختار الانتظار والمراقبة.
بقي إلى جانب وو يوان، يستغل حمايته وموارده، حتى وصل إلى مرحلة "لمس الداو" في ذلك العصر، أو ما كان يُعرف لاحقًا بـ"المرحلة الأعلى" في "عصر الازدهار". بعد ذلك، غادر بحجة رغبته في رؤية العالم.
غير أن طلب وو يوان قبل رحيله ترك أثرًا غريبًا في قلبه؛ فقد طلب منه أن يناديه بـ"الجد"، رغم غياب أي قرابة دم بينهما آنذاك. وحتى الآن، لم يفهم وو مينغ السبب الحقيقي خلف ذلك الطلب.
و لهذا كانت " عشيرة وو " ، واحدة من الأشياء القليلة التي تركت أثراً عميقا في قلبه .
أعاد صدى صوت السلف العاشر الذي غادر بالفعل ، وو مينغ من ذاكرته ، ذاك الكائن الذي غادر دون أن يترك خلفه سوى كلمات قليلة:
"فليُقِم أحدكم بإعداد تشكيل تجميع الدم، ولتُجمع المواد الأرضية والسماوية المناسبة لبناء الأساس بتشي الدم.
لا تقلقوا بشأن المواد البشرية... لقد أرسلت بعضها مسبقًا إلى القاعة السحيقة. "
" وإن احتجتم المزيد... فقط أعلموني.
سأصطاد بعض السياديين الزائفين لإعداد ما يكفي.
كلما أسرعتم، كان أفضل.
بفضل لياقته الخاصة وخلفيته، قد يكون قادرًا على استخدام تشكيل تجميع الدم قبل سن الثامنة."
صمتٌ ثقيل تبِع الكلمات.
في القاعة، تجمدت نظرات وو شوان وبقية الشيوخ في مكانها. ما زالت أصداء الكلمات تتردد في عقولهم، خاصة الطريقة التي نطق بها السلف العاشر عبارة "السياديين الزائفين"، وكأنهم أعشاب ضارة يمكن اقتلاعها في أي لحظة.
قشعريرة خفية تسللت إلى أعماقهم.
بعد كل شيء... هم أنفسهم لم يتجاوزوا مرحلة الأعلى.
في لحظة... مرت خمس سنوات .
داخل الجزيرة الأم ـ جزيرة اللاشيء ، كان القصر الأبدي شامخا في قلبها ، يعلو فوق كل شيء ، كرمز للسلطة و الغموض . قصر من الذهب الأسود الخالد ، لا يعكس الضوء ، بل يبتلعه ، محاط بالرموز الرونية القديمة و الغريبة ، مبديا مجد العصور .
في أعماقه ، وجدت قاعة مظلمة - القاعة السحيقة ، بالكاد تنيرها مشاعل خافتة في الزوايا ، كأنها تصارع للبقاء . يغمرها الضباب الأسود ، ضباب أسود يشع أرواحا ، يائسة ، غاضبة ، خوف ...
لكن رغم كل هذه التعابير الصارخة ، كان السكون المميت يلف المكان .
في منتصف هذه القاعة ، على وسادة داوية ، جلس طفل صغير .
كان ذا وجه مورد ، ملامحه طفولية وسيمة ، و شعره الرمادي تعلوه لمسة من السواد ، لكن ما ميزه حقا كانت عيناه .
عينان سوداوان ... مجرد ظلام ، كأنهما هاوية بلا قاع ، مليئتان بالتقلبات ، و بحكمة تفوق عمره . ذلك التباين بين براءة الملامح و شيطانية النظرة ، جعله يبدو وسيما على نحو بارد ، مريب ، و جذاب في آن واحد.
أمامه ، في الفراغ ، طفت كرة الدم ، تتصل بخيط دموي رفيع نسجته طقوس مريعة . وسط تشكيل محكم ، تجمعت جثث ممزقة ، و موارد أرضية و سماوية تفيض بتشي الدم ، تلك الجثث... غير عادية ، كل واحدة تطلق هالة قوية و عميقة رغم موتها.
لقد كانت بقايا أولئك الذين انجذبوا لرؤية نهر التناسخ أثناء ولادة وو مينغ، وماتوا على يد السلف العاشر في لحظة واحدة. لم تُترك جثثهم لتتحلل، بل جُمعت أرواحهم ودماؤهم ، داخل تشكيل شيطاني . على مدى خمس سنوات، حُوّلت أجسادهم إلى مصدر دائم لتغذية وو مينغ، دعمًا لطريقه في تقوية الجسد عبر تشي الدم.
"وف..."
فتح وو مينغ عينيه ببطء، وزفرة طويلة خرجت من صدره، كأنها تحمل معها أثقالًا خفية.
"وصل جسدي إلى حده... حتى مع بنية مبشر التناسخ."
تمتم بصوت خافت، خالٍ من أي انفعال.
وقف بهدوء، ورفع قبضته، ثم وجه لكمة نحو الفراغ.
كان الهواء نفسه يئن، وصوت الصفير الناتج عن اندفاع القبضة أحدث تموجًا في الضباب المحيط.
توقف لحظة، عبس قليلاً، وغمغم:
"حوالي 12000 جين... أي ما يعادل 6000 كيلوغرام."
ثم أردف دون أدنى تعبير:
"هذه القوة تقارن بمتدرب في الطبقة الثانية من تنقية الجسد – مرحلة تقوية العضلات... رغم أنني لم أبدأ تدريبي بعد."
لكن الحقيقة كانت أبعد من ذلك.
فرغم ظاهر المقارنة، فإن قوته تجاوزت بكثير ذلك الحد. الرقم النموذجي لمتدربي الطبقة الثانية هو ستة آلاف جين، وقد بلغ ضعف هذا الرقم بسهولة، دون أن يخوض رسميًا طريق الزراعة.
كان هذا بفضل لياقته الجسدية المتكاملة، سواءا جسديا أو من ناحية موهبة الزراعة . فوق ذلك، فإن ثمرة الداو — المتشكلة من زراعته عبر التناسخات السابقة — بدأت تستيقظ تدريجيًا، مع زيادة قوته ، مما يمنحه قوة تتجاوز مستواه الفعلي.
كان يعلم السبب جيدًا.
فهذا هو تناسخه التاسع... ورقم تسعة هو رمز الكمال.
منذ الأزل، كانت حدود مراحل الزراعة الفانية محصورة في تسع درجات. والطوائف التي أنتجت تسعة سياديي داو ، نزلت عليها لعنة السياديين التسعة، كأن هذا الرقم يلمس حدود المحرم.
وو مينغ، بهذا المعنى، كان يلامس الحدود المسموحة.
"كل ما علي فعله الآن هو انتظار بلوغي العاشرة..."
فكر بصمت.
"حينها سأبدأ رحلتي التدريبية من جديد. قبل ذلك، يجب أن أستمر بتجميع المزيد من تشي الدم، مما يجعل اختراقي في مرحلة تنقية الجسد سريعًا وسلسًا."
في هذا العالم، لا يمكن البدء رسميًا في الزراعة إلا بعد بلوغ الجسد سنّ النضج، عند العاشرة.
أغلب العباقرة يبدأون بتجميع تشي الدم منذ الثامنة، استعدادًا لذلك اليوم.
لكن وو مينغ، بحالته الاستثنائية، بدأ هذا قبل ثلاث سنوات كاملة من أقرانه.
القوة المسربة من ثمرة الداو داخل روحه، وقوة لياقته الفطرية، سمح له هذا ببدء تجميع تشي الدم مبكراً عن بقية العباقرة بثلاثة سنوات ، مما يعطيه ميزة من ناحية كمية تشي الدم و نقائه ، هذا سيوفر له قوة قتالية متجاوزًا مستواه ، كذلك سيساعده في مراحل التدريب اللاحقة أيضا .
مستمر إنشاء الله 💫.