في أزقة مدينة "الرماد" الفقيرة، حيث تتشابك البيوت المتداعية وتفوح رائحة البؤس في كل زاوية، عاشت " إيلا" ووالدتها حياة قاسية. كانت " إيلا" في السادسة من عمرها، تتميز بشعرها الأحمر الناري الذي يتناقض بشدة مع زرقة عينيها الفاتحة الصافية، كصفاء سماء نادرة الظهور فوق هذه البقعة الكئيبة. كانت والدتها امرأة نحيلة شاحبة، تحمل على كتفيها عبء المرض والفقر.
كانت "إيلا" الصغيرة ترى الألم يتغلغل في جسد والدتها يومًا بعد يوم، والسعال الجاف يهز كيانها الضعيف. لم تملك "إيلا" سوى قلب صغير مليء بالحب والقلق، وعينين تراقبان ذبول أغلى شخص في حياتها. كانت والدتها تحاول أن تخفي أوجاعها بابتسامة باهتة، تحكي " لإيلا" حكايات خرافية عن أميرات قويات وسحرة طيبين، لكن واقعهم المرير كان أقسى من أي حكاية.
في أحد الأيام الباردة، استيقظت " إيلا" لتجد الغرفة أكثر هدوءًا من المعتاد. لم تسمع صوت أنفاس والدتها الدافئة. نظرت إليها فوجدتها مستلقية بلا حراك، وجهها شاحبًا وعيناها مغمضتين للأبد. شعرت " إيلا" بقلبها الصغير يتمزق، وعالمها المحدود ينهار فوق رأسها.
بعد أيام قليلة من الوحدة واليأس، اكتشفت " إيلا" سرًا ظل كامنًا بداخلها. بينما كانت تحاول رفع دلو ماء ثقيل، شعرت بقوة غريبة تسري في عروقها، والدلو يرتفع بسهولة وكأنه ريشة. في البداية خافت، لكن سرعان ما أدركت أنها تستطيع فعل أشياء لا يقدر عليها الأطفال الآخرون. كانت تستطيع تحريك الأشياء عن بعد، وإحداث تغييرات طفيفة في محيطها دون أن تلمسها.
بدأت " إيلا" تستخدم قدرتها الجديدة لمساعدة المحتاجين في قريتها. كانت تخفي أرغفة الخبز في بيوت الأرامل، وتدفع برفق عربات كبار السن المحملة بالأغراض. كانت تفعل ذلك سرًا، تخشى أن يكتشف أحد قوتها الغريبة.
لكن في أحد الأيام المشؤومة، هاجم وحش القرية. كان مخلوقًا ضخمًا ذو مخالب حادة وأعين متوهجة بالشر. دب الرعب في قلوب القرويين، وهربوا مذعورين تاركين ممتلكاتهم خلفهم. رأت " إيلا " الوحش يتجه نحو كوخ عجوز كانت دائمًا لطيفة معها، فاندفعت دون تفكير.
استخدمت " إيلا" كل قوتها السحرية الصغيرة. رفعت الحجارة والأخشاب وألقتها على الوحش، ثم جمعت قوة غير مفهومة ووجهتها نحوه، مما أدى إلى تراجعه وهو يزمجر ألمًا. في النهاية، سقط الوحش أرضًا بلا حراك.
لكن بدلًا من الشكر والامتنان، نظر القرويون إلى " إيلا" برعب. همسوا بكلمات مثل "ساحرة" و "قوة شيطانية". انتشر الخوف بسرعة، وتحول إحساسهم بالنجاة إلى شك وريبة تجاه هذه الطفلة ذات القدرات غير الطبيعية. نبذوها وتجنبوها، معتقدين أن قوتها نذير شؤم.
تائهة وجائعة، طردت " إيلا" من القرية التي حاولت حمايتها. وبينما كانت تسير وحيدة في الطرق المتربة، صادفت كوخًا صغيرًا تفوح منه رائحة الخبز الطازج. كانت تقف أمامه امرأة عجوز ذات وجه بشوش وعينين طيبتين. رأى العجوزة نظرة اليأس في عيني " إيلا" ، فدعتها للدخول وأعطتها قطعة خبز دافئ.
كانت تلك أول وجبة حقيقية تتناولها " إيلا" منذ أيام. شعرت بفرح غامر لدرجة أن الدموع تجمعت في عينيها الزرقاوين. للمرة الأولى منذ وفاة والدتها، شعرت بلطف إنسان.
لكن خبر
"الساحرة الصغيرة"
وصلت هذه الأخبار أيضًا إلى مسامع " كاسيان" ، ساحر البرج العظيم. كان " كاسيان" يبلغ من العمر قرنًا كاملًا، لكن مظهره كان شابًا وسيمًا، يتمتع بعينين حادتين تخفيان وراءهما حكمة السنين وقوة سحرية هائلة. سمع " كاسيان" عن الطفلة ذات القدرة الفريدة، وشعر بفضول غريب تجاهها. لم تكن قوتها مجرد سحر عادي؛ كانت شيئًا مختلفًا، شيئًا نادرًا.
قرر " كاسيان" الذهاب بنفسه للعثور على هذه الطفلة. شعر بمسؤولية تجاه هذه الموهبة النادرة، وخشي أن تقع في الأيدي الخطأ أو أن يدمرها الخوف والجهل. انطلق " كاسيان" في رحلة هادئة نحو المنطقة التي قيل إن الطفلة ظهرت فيها.