16 - ذكريات ملك و رغبة ساقط بالتغيير

كان السماوي يقف بعيدا عن الدائرة التي رسمها الملك و لا يمكنه الاقتراب ..
لم يكن بأستطاعته الاقتراب .. و كذلك من معه لم يستطع اي منهم الاقتراب ..
اصوات من بالخارج لم تكن مسموعة له ..


لم يكن مهتما بهم ..

تركهم الملك خلف ظهره و استمر بالاقتراب بخطوات بطيئة و ثابتة ناحية الساقط ..
استمر بالاقتراب الي ان اصبح تماما بجانبه ..



الملك : " كان علي حق عندما حدثني عنك اول مرة ..
لم يبالغ بالامر عندما قال انك مجنون .. "


كان الامر اشبه بلمحات من ماضي ..
كانت تلك جزء من ذاكرة الملك لما حدث ..
كانت ذكرى قديمة ..


الملك : ما اشبه يوم البارحة باليوم .. !


" قالها و هو يبتسم و كانت تلك الدائرة تتوهج من حوله .. "


الملك : " اتذكر تماما ما حدث ذلك اليوم ..
اذكره جيدا كما لو كان قد حدث البارحة ..


و كيف لي ان انسى ذلك اليوم ..
كيف لي ان انسي ذلك اليوم الذي فقدت فيه اخي .. ! "


" كان ينظر للساقط عندما كان يتحدث لنفسه و يتذكر ما حدث .. "


الملك : مثلك تماما ..
و مثل اي سماوي اخر اختار اخي ان يضحي بحياته كي ينقذني ..
و لكن اخر لحظاته كانت مختلفة .. مختلفة كل الاختلاف عنك ..


حدث ذلك قبل ان يتم كلا نا سن الثانية عشر من عمره ..
و كما فعلت انت تماما طلب مني الذهاب معه لمكان بعيد ..
مكان لا يتواجد به الكثير من الناس .. مكان خالى ..


بداء اخي حديثه الى بهدوء ..
قائلا ..


" احتاج منك المساعدة .. اريد منك المساعدة .. "


لم افهم ما كان يقصده حينها .. فكان ردي له حينها بسيطا ..


" ما الذي حدث .. ؟!
و ما الذي يمكنني تقديمه لك .. ؟! "


ابتسم بهدوء مرة اخرى فعاود الحديث قائلا ..

" رآيت لون اجنحتي .. "

الملك : لم يكن قد انتهي من حديثه و اذا به يقوم بأظهار اجنحته امامي ..
لم تكن تصدق عيناي ما كانت تراه ..


فلقد كانت تلك الاجنحة التي كانت لديه ذهبية ..
كان اخي سماويا بينما كان من المفترض ان اكون انا ساقطا ..


لم يكن قد انتهي من حديثه بعد .. تحدث مرة اخرى و بهدوء ..

" اريد منك المساعدة .. "


الملك : كنت مضطربا حقا لما رآيت .. كنت خائفا حقا كنت خائفا حقا بسبب ما رآيت ..
كنت مدركا تماما لحقيقة ما سيحدث لي ان علم احدهم بحقيقة كوني ساقطا ..


قلتها له بصوت متردد

" و مـ...ما الذي يمكنني ان اقدمه لك الان .. ؟! "


و بهدوء شديد كان رد أخي لى ..


" اعتاد ان يكون وحيدا و سيظل كذلك ..
سيعيش حياته وحيدا و كذلك ستنتهي حياته وحيدا .. "


الملك : لم افهم قط ما كان يحاول أخي اخباري به حينها ..


لكن رغم ما رآيته ذلك اليوم ظل هو هادئا ..

الي ان تحدث مرة اخرى فائلا ..



" سأخبرك بكل ما اعرفه ..

سأخبرك بكل ما رآيته .. و بكل ما ستراه انت ..


سأخبرك بما حدث في الماضي .. وسأخبرك بما سيحدث بالمستقبل ..

و انت من سيقرر كيفية سير الامور .. "


الملك : كانت ابتسامة هادئة تعلو وجه اخي ذلك الوقت ..

و كانت تلك الابتسامة مرسومة علي وجهه عندما تحدث الى حينها ..




" قدرتي هي " الاستبصار " ..

قدرتي علي الاستبصار مطلقة .. استطيع ان آرى ما حدث فيما مضي بعين من رآوه ..

حتي و ان لم اكن موجودا ..


أستطيع ان آرى ما يجري حولي بعين من يرونه ..

أستطيع ان آرى ما يحدث حولي حتي و ان لم اكن موجودا ..


و يمكنني رؤية المستقبل بعين صاحبه ..

و مهما كانت عدد المرات التي احاول رؤية السمتقبل فيها اجده اسواء مما كان عليه ..


حدث ذلك فيما مضى ..

قبل زمن بعيد عندما سلبت الحياة من عالمنا ..


و ما قيل حينها ان ساقطا هو من سلب الحياة كانت حقيقة ..

كانت حقيقة ...


لكن ما حدث لاحقا كان مختلفا .. ربما لن تصدقني حتي و ان اخبرتك ..

لكنك ستراه عاجلا ام اجلا .. سترى الحقيقة كاملة بعيناى .. "




الملك : كانت تلك اخر لحظة من حياتي اذكرها و انا بجانب أخي ..

كانت تلك اخر كلماته و كانت تلك اخر لحظاته ..



فقدت الوعي و لم استيقظ الا بعد ان فات الاوان ..

استعدت الوعي و كنت خائفا .. و لم افهم ما كان يحاول أخي القيام به ..

و لم افهم قط ما كان يحاول أخباري به ..



استعدت الوعي و كان جميع من حولي سعداء ..


" أخيرا استعاد " السماوي " وعيه .. ! "



الملك : كانت تلك هي اولى الكلمات التي سمعتها ..


لم اصدق ابدا ما سمعته توا ..

لم اصدق ابدا ما سمعته توا .. و لم استطع التصديق الا عندما حاولت اظهار اجنحتي ..


"كيف لي ان اكون سماويا و اجنحتي بلون أس.. "


كان ما يزال هناك عدد كبير من الجنود و الحراس السابقين للملك واقفين حولي ..

و كان يبدوا عليهم انهم سعداء بعودتي ..


بداء احدهم يتحدث بصوت هادئ ..


" حاول اخيك قتلك قبل وقت قليل ..

و لحسن الحظ اننا تمكننا من انقاذك .. تمكننا من انقاذك و قمنا بقتله .. !"




الملك : استمر بالحديث حينها لكنني لم اكن منتبها لحديثه ..

كيف لي ان انتبه و ابقي بكامل وعيي بعد ان سمعت ما قال ..


من كان يجب ان يموت ذلك اليوم لم يكن أخي بل كان من المفترض موتي انا ..

ما الذي حدث حينها ..




" وضع يده علي رأسه و كان الامر اشبه برؤيته للحظات من الماضي .. "



الملك : اذكر جيدا ما رأيته ذلك اليوم ..

رأيت الحقيقة بعينيه هو ..!


لم تكن قدرة الاستبصار ملكا لي من البداية ..

و لم يكن من المفترض بها ان تكون ملكا لي كذلك ..



رآيت ما فعلها اخي ذلك اليوم بعينيه هو ..

و سمعت ما كان يحاول وقله لي كذلك ..


كنت فاقدا للوعي و كان هو يقترب من جسدي الملقي علي الارض بهدوء ..

ظل يقترب بخطوات هادئة كعادته و كانت عيناه تدمعان لسبب ما ..


ظل يقترب مني الي ان اصبح بجانبي ..

كانت اجنحته ما تزال ظاهرة فقام بقطعها جميعا

و كان هو ما يزال واقفا بجانبي ..



صوت تمزقها ..

و شعوره باللأم و هو يمزقها لازلت اذكره الي اليوم ..

كان يبكي و هو يمزقها ..


كان يبكي بينما كان يمزقها ..

لازلت الي اليوم لم استطع ابدا ادراك سبب بكائه و هو يمزقها ..

لكنه بمجرد ان مزق كل اجنحته اذكر جيدا ما كان يحاول اخباري به ..



رآيت كل ما حدث بعينيه ..

سمعت صوته بينما كان يحاول قطع اجنحتي ..



" انا حقا اسف ..

و لكنني أفعل ذلك لحمايتك ..


بداية بما حدث فيما مضي ..

لا احد يعلم من اين قد جاء .. و لا يعلم احد متي حدث ذلك لكنه حدث حقا قبل زمن بعيد ..


لم استطع ابدا رؤية حقيقة ما حدث حقا ذلك اليوم ..

لكنني اعلم جيدا بحقيقة ما حدث لاحقا .. فلقد رآيت الحقيقة كاملة ..


وضع القانون بهدف حماية عالمنا او هذا ما كان من المفترض به ان يكون ..

وضع القانون ذلك اليوم و كانت شروطه بسيطة


بسيطة جدا وهي ...

" قتل كل ساقط بمجرد اتمامه للثانية عشرة .. "


منذ ان وضع ذلك القانون و الي اليوم ..

لم يمت اي ساقط .. "


الملك : " كان قد انتهي من قطع اجنحتي حينها ..

و بداء بمبادلة اجنحتي التي قطعها توا بأجنحته هو ..

و كان ما يزال يتحدث بينما كان يقوم بذلك ..


" لا ادري ان كنت تسمعني ام لا ..

و لا ادري حقا ما ان كنت ستصدقني ام لا .. لكنني اثق انك اكتسبت قدرتي الان ..

سترى الحقيقة بعيناي و اتمنى ان تصدقها ..



منذ ان وضع ذلك القانون لم يمت اي ساقط ..

كل سماوي اختار التضحية بحياته فقط كي يضمن نجاة اخيه ..



لم اكن انا الاول و اثق بأنني لن اكون الاخير ..

في القريب العاجل سترزق بطفلين .. و اظن انك تدرك حقيقة ما يعنيه الامر ..



احدهما سيكون ساقطا و الاخر سماويا ..

سيحاول السماوي انقاذ حياة اخيه بأي ثمن .. و سيفعل ..

لكنه سيتمادي حقا في الامر ..


ان كنت سأصفه بكلمة واحدة فقط

فسيكون ذلك الفتي اكثر جنونا مني بكثير .. "



كان ينظر للساقط عندما تحدث ..


الملك : اذكر و انا آراه ذلك اليوم و هو يحدثني عنك اول مرة ..

اذكر انه كان يبتسم نوعا ما عندما تحدث عنك اول مرة ..


لكن ابتسامته تلك لم تدم طويلا ..

فلقد رآيته و هو يبكي بعد ان تحدث عنك ..



" لا ادري ان كنت تراني الان ام لا ..

لا ادري ان كنت تسمعني الان ام لا ..

و لا ادري حقا ان كنت قد صدقت ما اخبرتك به الان ام لا ..



لكنني اريد ان اطلب منك طلبا واحدا ..

اتوسل اليك .. ضع نهاية لما يجري ..



سأمت حقا من رؤيته و هو يعاني ..

ليس مهما عدد المرات التي احاول فيها رؤية مستقبله ..


فمهما كانت عدد المرات التي احاول فيها

كنت دائم ما اجد مستقبله اشد ظلمة مما كان عليه سابقا ..


" اعتاد ان يكون وحيدا و سيظل كذلك ..
سيعيش حياته وحيدا و كذلك ستنتهي حياته وحيدا .. "


لا يهم عدد المرات التي كنت احاول فيها أيجاد طريقة لانقاذه

مهما كانت عدد المرات التي كنت احاول فيها دائما ما كانت تنتهي جميعها بالفشل ..



رآيته و هو يموت امام عيناى مرارا و تكرارا ..

و رآيته و هو يعاني مرارا و تكرارا ..


ادركت متأخرا انني لن يكون بمقدوري انقاذه ..


لكن انت يمكنك ..

أنقذه من وحدته .. أنقذه من معاناته المستمرة ..

لا تدعه ليكون وحيدا مرة أخرى .. "


الملك : كانت تلك هي اول مرة بحياتي آرى فيها اخي يبكي بشدة ..

كانت اول مرة بحياتي ايضا آراه و هو يتوسل لاجل شخص اخر ..


لم استطع ابدا رؤية ما حدث لاحقا ..

فلقد قام بقطع عيناه ليمنحهما الى ..



الملك : كانت حياة طويلة .. طويلة جدا

عشت الكثير من الوقت الي ان اكتفيت ..


لقد كان أخي علي حق عندما وصفك بالجنون ..



و يبدوا الوضع اسواء بكثير مما ظننت .. اسواء بكثير مما كان يتوقعه اخي ..

لم اعد قادرا علي رؤية العالم الثاني .. اظن ان جميع من فيه لقو حتفهم


لم تحن بعد لحظة موتك يا صغيري ..

علي الاقل الي ان تأتي " نور "


ابتسم العجوز و كانت تلك هي اخر كلماته ..
بدائت تلك الدائرة التي رسمها علي الارض بالتوهج و كان الساقط بمنتصفها



حدث ذلك قبل بضع دقائق من الان ...
و قبل موت الساقط ...



ساقط : "كل شئ من حولي يمر ببطئ شديد ..
كما لو ان الزمن توقف عن المرور ..


جسدى بارد .. وبلكاد يمكنني الشعور بأطرافي ..
و جراحي لا تتوقف عن النزيف .. دمي يسيل من جسدي ..

و جسدي لم يعد يستجيب لى .. جسدي الان يرفض الحراك ..!
هذا ما يسمونه بالموت اذا ..


اظن انه لم يعد لدي الكثير من الوقت ..
كل شئ قد انتهي الان ..


اظن ان ابنته بدأت بستعادة وعيها الان ..
انتهيت .. ! "


و بينما كان يسقط و يلفظ انفاسه الاخيرة
فتح الساقط عيناه كما لو انه ادرك شئ ما ..


فتح عيناه بهدوء لتتغير معها تعابير وجهه
و بداء بالحديث بصوت متقطع ..



ساقط : " سحقا ..
سحقا .. في النهاية لم يتغير شئ ..
لم يتغير شئ .. "


فتح عيناه بشكل واسع كما لو انه كان مستائا من امر ما ..
كانت عيناه تدمعان دما و بدا كأنه كان يشكوا من خطب ما ..


اذا الامر لم يكن مهما من البداية ..


لم يكن للامر معني من البداية .. !



من البداية لم يكن مهما الاتجاه الذي انوي السير فيه او الي متي يمكنني السير فيه ..
فمهما تقدمت بالسير اجد نفسي عدت من حيث بدأت و لم يتغير شئ ..


كم مرة تكرر الامر الي الان .. ؟!

كم مرة علي ان اعاني فيها بعد حتي تختفي تلك الابتسامة من علي وجهك .. ؟!
كم مرة علي ان آرى فيها من حولي يموتون بينما اراك و انت تبتسم ..


الي متي علي ان اعاني ..؟!
الي متي تنوي ان يستمر الامر حتي تشعر بالرضي .. ؟!


الي متي سيستمر كل شئ بالسير كما تريد ..
سحقا لك .. " ثيميس "

لن يسير الامر كما تريد هذه المرة .. لن اسمح بذلك ...


لن تسير الامور كما كنت تريد هذه المرة ..
هذه المرة لن اتخلى عنهم و لن اترك احدهم يموت .. "


ارتكبت الكثير من الاخطاء بحقهم مرارا و تكرارا ..
رآيتهم يموتون امام عيناي مرارا و تكرارا ..


هذه المرة لن يتكرر الامر ..
" رايان " " رينيه " " نيفيريا " و " شاريوس "
لن ادع احدهم يموت .. و ليس لدي نية بالتخلي عن احدهم بعد الان ..


لن اتركهم يموتون ..
فرصة اخرى بعد .. فرصة اخري كي اصحح الامور ..
هذه المرة لن اتركهم يموتون ..


بمكان اخر ..

السماء اشد ظلمة بكثير و سماء ذلك العالم لا شئ فيها

الا قمر واحد يضئها و له لون احمر كلون الدماء تماما ..


كان ذلك الشخص واقفا و يغطيه الظلام عندما تحرك من مكانه ..

هيئته تبدوا هيئة بشري و له صوت مئلوف ..



ثيميس : ليس مهما عدد المرات التي ستحاول فيها ..

و ليس مهما اي الطرق التي ستحاول السير فيها ..


تدرك جيدا ان جميعهم سيتخلون عنك ..

تدرك جيدا انهم اول من سي لق ون حتفهم ..


سيموت الجميع ..

سيموت الجميع و بلا استثناء ... و في النهاية انا و انت فقط من سنبقى ..


.

.

.

يتبع


ياريت الفصل يكون نال اعجابكم

و ياريت تعذروني علي اي اخطاء املائية

2018/10/04 · 572 مشاهدة · 2223 كلمة
4p7
نادي الروايات - 2024