الفصل المئة والسادس والستون: روح القلم
____________________________________________
لقد كانت قوة تتجاوز حدود هذا العالم بالكامل، قوة يمكن وصفها بأنها فوق السقف المتعارف عليه! رفع يي سوي فنغ الخاتم السماوي قليلًا، فهاجت قوانين الداو من حوله استجابة له، وكأنها ترحب به في حضرتها. ثم ما لبثت أن انكمشت أفكار الرجل الغامض وتلاشت.
أومأ يي سوي فنغ برأسه برصانة، ثم خطى بهدوء إلى داخل الكوخ المصنوع من القش. وفي الداخل، كان شاب يرتدي قميصًا أبيض قد أسدل شعره الطويل، جالسًا على ركبتيه بجوار طاولة منخفضة، كانت تزينها كنوز الدراسة الأربعة، وإلى جانبها لوحة فنية بديعة.
رُسمت في اللوحة أزهار الخوخ والكمثرى في أوج تفتحها، تنضح بجمال أنيق يأسر الألباب. مجرد النظر إليها كان كافيًا ليبعث في النفس شعورًا بالسكينة والطمأنينة العميقة.
عندما دخل يي سوي فنغ، ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجه الشاب وقال بصوت هادئ: "تفضل بالجلوس أيها الضيف". وبإشارة منه، ظهر كرسي مصنوع من خشب الخوخ والكمثرى من العدم.
جلس يي سوي فنغ وألقى نظرة متفحصة على الرجل الذي أمامه دون أن ينبس ببنت شفة. ضحك الرجل بخفة وسأل: "هل لي بمعرفة اسم ضيفي الكريم؟"
أجابه يي سوي فنغ بهدوء: "يي سوي فنغ".
قال الرجل: "اسمي سو مو. أستطيع أن أشعر بأنك أيضًا شخص خضع لسلطان سماوي".
تنهد يي سوي فنغ وهز رأسه قائلًا: "وأنا أيضًا أستطيع أن أشعر بأنك لست سو مو الحقيقي، أليس كذلك؟".
وما إن تفوه بهذه الكلمات الغريبة حتى تغير وجه "سو مو" في لحظة. قطّب حاجبيه فجأة، وامتلأت عيناه بظلام دامس، ثم انبعث من حول الكرسي قوة قانون أسود متجسد، أحاطت بـ يي سوي فنغ من كل جانب ولفته بالكامل.
دوى في أرجاء الكوخ صوت شبحي مفعم بالجشع قائلاً: "قوانين سماوية تأتي إلى عتبة بابي! يا لها من وليمة شهية!".
وفي تلك الأثناء، ارتفعت فرشاة الكتابة من على الطاولة وحلقت في الهواء، ثم انفجر رأسها الحاد بطاقة مرعبة غطت رأس يي سوي فنغ، وانبثقت منها قوة جذب هائلة كادت أن تسحق كل شيء.
وحين ظنت روح القلم أنها قد نجحت في مسعاها، انبعثت تنهيدة هادئة.
صدرت تموجات رمادية من الموضع الذي يجلس فيه يي سوي فنغ، وبددت على الفور قوانين الظلام التي كانت تحيط به. حتى الفرشاة التي كانت تحوم فوق رأسه تعرضت لصدمة عنيفة، فتكسرت شعيراتها وتحولت إلى مسحوق ناعم تناثر في الهواء.
صاح "سو مو" في ذهول وهو يحدق بما حدث: "كيف يمكن هذا!". أما يي سوي فنغ، فقد بقيت ملامحه هادئة كما كانت، فمنذ اللحظة التي دخل فيها، أدرك أن الشاب الجالس أمامه يفتقر لأدنى هالة بشرية، وأنه ليس سوى وعي متجسد لتلك الفرشاة.
سأله يي سوي فنغ بنبرة ثابتة: "لا يمكنك إيذائي، فالآن أخبرني، أين هو سو مو الحقيقي؟".
لكن "سو مو" بدا غير راغب في الاستسلام، فقد تحول منظره إلى الغضب والوحشية وزمجر قائلًا: "لم ينته الأمر بعد!".
وما إن أنهى كلامه حتى أظلم كل ما حولهما فجأة. وفي لحظة، وجد يي سوي فنغ نفسه في عالم غريب يتكون بالكامل من الحبر والمداد، حيث تتشابك قوانين هذا العالم وتتداخل لتشكل قفصًا دنيويًا مروعًا، حتى لو دخل إليه متدرب في مرحلة الماهايانا، لربما عجز عن الخروج منه.
تساءل يي سوي فنغ ببرود: "هل أنت متأكد من أنك لا تريد أن نتحدث بهدوء؟".
لم يأت الرد إلا على هيئة ضحكة قاتمة ومكتومة: "桀...".
بدأت جبال الحبر الشاهقة في البعيد تتحرك كأفاعي بايثون سماوية هائلة. أما الأرض تحت قدمي يي سوي فنغ، فقد تحولت إلى محيط من الحبر الأسود، يلتهم ويذيب كل ما يلامسه.
تردد صدى صوت روح القلم في أرجاء السماء والأرض: "استعد لتتجرع ألمًا لا نهاية له!".
نفد صبر يي سوي فنغ، وقال بنبرة خالية من أي شعور: "ما دمت تصر على هذا، فلتلق حتفك إذن". تحول تعبيره إلى الجمود، ثم مد كفه وأطبق أصابعه في الفراغ. وفي لحظة، انفجرت قوة مفجعة تهز القلوب.
تحت تأثير تلك القبضة، بدأ عالم الحبر المهيب يتصدع بسرعة مذهلة، وفي غضون نفس واحد، وصل العالم إلى أقصى قدرة على التحمل ثم انهار بالكامل.
ومع صوت انشطار مدوٍ، عاد يي سوي فنغ إلى الكوخ. كان يمسك في يده تلك الفرشاة، بينما تجمدت نظرات "سو مو" في حالة من الصدمة والذهول الذي لا يصدق.
تلعثم "سو مو" بصوت مرتجف: "أيها... أيها السيد، يمكننا أن نتفاهم".
ابتسم يي سوي فنغ وهو يطبق كفه برفق. ومع صوت طقطقة حادة، انكسرت الفرشاة إلى نصفين. تدفقت منها قوانين سوداء هائلة كانت على وشك أن تنفجر وتجتاح المكان، لكن الخاتم السماوي ومض بضوء خافت، وظهرت تموجات رمادية غطت تلك القوانين كشبكة صيد، ثم بدأت تضغطها بسرعة.
صرخت روح القلم في عذاب: "لا!". لكن يي سوي فنغ لم يمنحها أي فرصة للنجاة. بدأت الفرشاة القادمة من خارج السماء تذوب، وتحولت تحت ضغط الخاتم السماوي تدريجيًا إلى حجر أسود سقط على راحة يده.
أما سو مو الذي كان أمامه، فقد بدأ يشيخ بسرعة مذهلة. جفت أصابعه البيضاء شيئًا فشيئًا، وغطت التجاعيد وجهه، وتحول شعره الأسود الطويل المتناثر إلى بياض ناصع.
وبعد فترة طويلة، رفع رأسه ببطء. كان وجهه الآن وجه رجل عجوز منهك، وكأن زيت حياته قد نضب تمامًا، وعيناه غائرتان بلا أي أثر للحياة. لكن يي سوي فنغ استطاع أن يشعر بأن روح سو مو الحقيقية قد عادت.
قال سو مو بصوت خافت وضعيف بالكاد يُسمع: "شكرًا لك... يا سيدي...".
عاد يي سوي فنغ للجلوس على الكرسي، وألقى بالحجر الأسود في عالمه الصغير، ثم قال: "أخبرني بكل ما حدث".
بدأ سو مو يسرد قصته ببطء شديد، حكاية تعود إلى أربعة آلاف عام مضت. في ذلك الوقت، لم يكن سوى تلميذ متواضع في طائفة ما، يؤدي الأعمال اليومية المملة والمتكررة بسبب موهبته المتواضعة في التدريب.
وفي أحد الأيام، تعرض سو مو للمطاردة من قِبل تلميذ آخر في الطائفة، وسقط من على جرف شاهق. ولكن رب ضارة نافعة، فقد هوى في كهف سري، حيث وجد ثمارًا روحية شفاء جروحه، وحصل على كنز ثمين أطلق على نفسه اسم "قلم تسانغ شنغ".
وبمساعدة ذلك القلم، عاد سو مو إلى الطائفة، وشق طريقه في مسار التدريب بقوة لم يسبق لها مثيل، ليصبح نجمًا صاعدًا. أما التلميذ الداخلي الذي أهانه، فقد لقي حتفه على يده في النهاية.
ومنذ ذلك الحين، انقلبت حياة سو مو رأسًا على عقب، وصار النجاح حليفه الدائم. سحق كل من اعترض طريقه، ووصل أخيرًا إلى ذروة القوة، وكان على وشك الصعود إلى عالم الخالدين. لكن قلم تسانغ شنغ أوقفه.
أخبرته روح القلم أن عالم الخالدين شاسع ومهيب، وأن عددًا لا يحصى من نوابغ السماء يعجزون عن مجاراة أصحاب الحظوظ العظيمة هناك. ونصحه بالبقاء في هذا العالم للحصول على شيء خاص للغاية من شأنه أن يعزز تدريبه، ليتمكن بعد صعوده من أن يظل شامخًا يتربع على القمة.
أما سو مو، الذي كان قد خبر مرارة ضعف الموهبة وسخرية الآخرين...