الفصل المئة والخامس والتسعون: سليل الأسرار السماوية
____________________________________________
صاح رجل من المارة فجأة محذرًا: "أيها الشاب، إنه لكاذب دجال، لا تصدقه!"، فما كان من الداوي العجوز إلا أن انفجر غضبًا وكشف عن طبيعته الحقيقية قائلًا: "تبًا لكم! أتشوهون سمعتي؟ حذارِ أن أدعو عليكم بالبتر وانقطاع النسل!".
وكان المارُّ هو الآخر حاد الطباع، فما إن سمعه حتى ردَّ عليه الشتيمة بمثلها، وشمّر عن ساعديه وقد همَّ بالاشتباك معه. سرعان ما تجمهر الناس من حولهم لمشاهدة ما سيحدث، ولكنهم في معظمهم كانوا يؤازرون الرجل ويشاركونه في تأنيب الداوي العجوز.
راقب يي سوي فنغ المشهد وفي قلبه تسلية، فلم يكن يدري ما الذي فعله هذا العجوز ليجلب على نفسه كل هذه الكراهية. وحين رأى أن الرجلين على وشك التشابك بالأيدي، سارع بالتدخل لإيقافهما وقال بهدوء: "لا بأس، لا ينقصني المال. وإن ثبت كذبه، فلن يفلت مني بسهولة".
أطلق المارُّ شخرة باردة، ثم عقد ذراعيه ووقف جانبًا يترقب ما سيؤول إليه أمر الداوي العجوز. لم يكن هذا الأخير راضيًا بدوره، ولكنه ما إن رأى الحشد يتزايد من حوله حتى لمعت عيناه بطمع خفي، وهمس في نفسه: 'هي هي، سأستعرض مهارتي أمام هؤلاء العوام اليوم، وسأكسب ما يكفيني من طعام لوقت طويل'.
غير أنه حافظ على هدوء مظهره، فمسح على لحيته وسأل بصوت رصين: "أيها الشاب، ما الذي تود أن أكشف لك عنه؟ هل هو الزواج، أم الثروة، أم مستقبلك؟".
ابتسم يي سوي فنغ وقال: "ألست عرّافًا؟ إذن أريدك أن تقرأ قدري اليوم".
شعر الداوي العجوز ببعض الإحباط، فهذا لطلبٌ لا يجرؤ عامة الناس على تقديمه. لكنه كان واثقًا جدًا من قدراته، فقال بصوت عالٍ: "حسنًا!". ثم ألقى نظرة على من حوله وأطلق شخرة، والتقط تعويذة وراح يخط عليها بأصابعه بسرعة فائقة.
"انطلق!"، صاح الداوي فاشتعلت التعويذة في الهواء، ثم مدَّ سبابته ووضعها بين حاجبيه وسحبها إلى الأسفل وهو يصيح: "عين السماء!". ظهر أثرٌ أحمر متوهج يشع ببريق خافت، فتعالت صيحات الدهشة من الحاضرين وقد بدا الأمر حقيقيًا بالفعل.
علت وجه الداوي نظرة فخر، فقد كان راضيًا جدًا عن استجابة الناس من حوله. إنها مهارته الحقيقية، شيء يفوق الخيال! بعد ذلك، ومن خلال عين السماء، حاول أن يختلس النظر إلى حياة يي سوي فنغ. لكن في لحظة خاطفة، سرت قشعريرة جليدية غطت روحه بالكامل، فلم ير أي قدر على الإطلاق، بل رأى رعبًا لم يشهده في حياته قط!
"آه!"، بصق الداوي العجوز فمًا كبيرًا من الدماء، وتراجع جسده إلى الوراء وهو يرتجف من الصدمة، ثم أشار إلى يي سوي فنغ وقد تلعثم لسانه وعجز عن الكلام. في هذه الأثناء، كان يي سوي فنغ قد عثر على ما كان يبحث عنه، برج صغير محطم، يقبع بصمت في أعمق جزء من روح الداوي العجوز.
'يا سلالة تيان جي، لكم حقًا طرقكم الخاصة'.
فوق بحر شاسع لا حدود له، ظهر ظلان من العدم. كان أحدهما يي سوي فنغ، والآخر هو الداوي العجوز الذي كان يقرأ له الطالع قبل قليل. كان أثر الدم القرمزي لا يزال واضحًا على صدره، وقد اعتلت وجهه نظرة حائرة يمتزج فيها الخوف بالارتباك.
أما الخوف، فسببه أنه حين حاول التكهن بحياة يي سوي فنغ، ارتدَّت عليه تلك الهالة المرعبة وأجبرته على بصق الدماء. وبعد ذلك مباشرة، أمسكه يي سوي فنغ من ياقته وحمله بعيدًا دون أن يجد في نفسه أدنى قدرة على المقاومة. وأما الارتباك، فكان بسبب هذه الرحلة الغريبة التي أخذه فيها هذا الكائن المرعب، يحلقان تارة في عنان السماء، ويغوصان تارة أخرى في أعماق المحيط.
أخيرًا لم يستطع الداوي العجوز الصبر أكثر فسأل بصوت خافت: "ذاك... سيدي، ما الذي نفعله؟".
"ألست عرّافًا؟ هذا هو دورك الآن." ابتسم يي سوي فنغ، ثم أخرج شجرة استنارة وضرب بها عقدة سماوية أمامه.
ابتسم الداوي العجوز في حرج وقال: "أمام سيدي، لا أجرؤ على التباهي بمهاراتي المتواضعة". لقد أدرك بالفعل أن قوة الشخص الذي أمامه تفوق توقعاته تمامًا، ورجَّح أنه وجودٌ قد بلغ مرحلة المحنة السماوية! لم يتكلم يي سوي فنغ، وبعد أن انتهى من ترتيب كل عُقد السماء في تلك المنطقة، استدار برأسه وسأل فجأة: "هل تعرف من هم أسلافك؟".
فوجئ الداوي العجوز بالسؤال وقال: "عاش أسلافي جيلًا بعد جيل في جزيرة الطائر الأصفر. إذا كان سيدي مهتمًا، يمكنني أن أطلعك على شجرة عائلتي".
هز يي سوي فنغ رأسه. يبدو أن الداوي العجوز لا يعلم أنه سليل أحد أجيال الشيخ تيان جي. وهذا منطقي أيضًا، فلو تركوا وراءهم أي أثر واضح، لربما عثرت عليه تلك القوى المعادية. فسأله مرة أخرى: "وماذا عن بقية أفراد عشيرتك؟".
عند ذكر هذا، أظلم وجه الداوي العجوز قليلًا وأجاب: "في هذا الجيل، لم يبقَ سواي. ولكن في الماضي، كان أسلافنا من بين أعظم الكائنات شأنًا".
أومأ يي سوي فنغ برأسه وتنهد قليلًا. فوفقًا لما قيل له، كانت السلالة التي تركها الشيخ تيان جي وراءه عظيمة الشأن في بدايتها حقًا. لكن الزمن تغير، ولم يبقَ منهم الآن سوى هذا الداوي العجوز، وهو رجل لا يرقى لمستوى أسلافه، سيدٌ في اللهو والعبث، يقضي أيامه كلها مخمورًا.
قال يي سوي فنغ بنبرة جادة: "أنا صديق لسلفك. تذكر، كان سلفك شخصًا جليلًا يضع العالم في قلبه، فلا تسئ إلى سمعته في المستقبل". لقد كرّس شيوخ تيان جي من كل جيل حياتهم لهذا العالم، ولا ينبغي لأحفادهم أن يعيشوا بهذه الطريقة المهملة.
ذُهل الداوي العجوز، ثم قال باحترام: "سأتبع تعاليم سيدي".
"حسنًا، هيا بنا، سآخذك إلى مكان آخر." وبعد أن قال ذلك، أمسك بالداوي العجوز واختفيا معًا.
بعد بضعة أيام، عاد يي سوي فنغ إلى جزيرة هو شين. لقد جاب العالم من جنوبه إلى شماله، زارعًا على طول طريقه آلافًا من أشجار الاستنارة عند كل عقدة سماوية مر بها، وبهذا يكون قد بلغ المستوى المطلوب لاحتضان روح الداو السماوي. أصبح الخفقان داخل البيضة السوداء أكثر وضوحًا، ويبدو أنه لن يمر وقت طويل قبل أن تفقس.
أما الداوي العجوز، فقد أحضره يي سوي فنغ وأسكنه في مدينة السحاب، وأوصاه بأن يعيش حياة كريمة في المستقبل، وأن يسارع بترك ذرية له من بعده. وقبل أن يغادر، أخذ البرج الصغير المحطم من أعماق روحه.
في هذه اللحظة، كان البرج الصغير موضوعًا على الطاولة الحجرية أمامه، لا يشع بأي هالة على الإطلاق. 'يتكون من اثني عشر طابقًا.' تفاجأ يي سوي فنغ قليلًا، فعلى الرغم من أن البرج محطم، إلا أنه كان من الممكن رؤية أنه كان كاملًا في الماضي ومكونًا من اثني عشر طابقًا.
'لا أدري إن كانت هذه نسخة مقلدة، أم أنه كنز الداو السحيق الحقيقي'.