الفصل المئتان والتاسع والثلاثون: أطلال القصر الخالد
____________________________________________
نفض يي سوي فنغ عن رأسه تلك الأفكار الغريبة التي راودته، ثم لوّح بيده، فأطلق شعاعًا من النور الساطع أحاط بغو يو لان ليحميها، فهي لم تكن سوى في عالم الأرض. وبعد أن أتم ذلك، قفز مباشرة إلى الماء، فحدث على الفور تذبذب فضائي خافت، وتماوجت تموجات بطيئة في المكان.
في طرفة عين، وجد يي سوي فنغ نفسه قد انتقل إلى عالم عجيب، حيث كانت سماؤه ليست بالسماء التي عهدها، وأرضه ليست بالأرض المألوفة. تناثرت في الفراغ أوعية محطمة، بعضها معلق أفقيًا وبعضها الآخر عموديًا. لكن الغريب في الأمر أن قوة الجاذبية في هذه القارة الممزقة لم تتأثر، حتى أنه كان بوسعه رؤية كائنات حية تتنزه على قطعة من اليابسة معلقة في السماء.
"من أنتم!" دوى صوت فجأة من الأعلى. رفع يي سوي فنغ رأسه ليرى مشهدًا أغرب، فقد كانت أمامه قطعة يابسة أخرى معلقة رأسًا على عقب، وعليها بضعة مساكن خالدة، وكان سكانها يرفعون رؤوسهم وينظرون إليه بدهشة.
أطلق يي سوي فنغ صيحة خافتة، وارتفع جسده بسرعة خاطفة نحوهم، وفي اللحظة ذاتها، انبعثت من صيحته قافية داو عظيمة جمدتهم في أماكنهم على الفور. وبينما كان يحلق عاليًا، بدأت قوة الجاذبية تتغير تدريجيًا، فتحول جسده من الصعود إلى الهبوط، وكاد أن يسقط على تلك اليابسة المعلقة.
بسرعة، عدّل يي سوي فنغ وضعية جسده وهبط بخفة بجوار تلك المجموعة. كانت نظراتهم تمتلئ بالغضب والخوف، وقد احمرت وجوههم من شدة الإحراج، لكنهم عجزوا عن النطق بكلمة واحدة.
تجاهلهم يي سوي فنغ وأخذ يتفحص محيطه. كانت على هذه اليابسة عدة غرف علوية منهارة، وتحيط بالمباني تشكيلات فوضوية في كل مكان. ويبدو أن هذه المجموعة كانت تحاول فك تلك التشكيلات بحثًا عن أي كنوز قد تكون مخبأة في الداخل.
في تلك اللحظة، كان ليو روي آن قد حلق ووصل إلى جانبه وقال: "يا سيدي، هذا هو محيط الأطلال الخارجي، وما نبحث عنه يقع في الأعماق." أومأ يي سوي فنغ برأسه، ثم مد إصبعه ورسم بضع إشارات في الفراغ، فتلاشى التشكيل الفوضوي الذي كان يغطي الغرف العلوية على الفور.
بعد ذلك، مد يده بحركة خفيفة، فتطايرت نحوه كل الأشياء من الداخل، من قوارير وجرار، إلى سيوف طويلة ودروع ثمينة. أمسك يي سوي فنغ بقارورة بشكل عشوائي ولمسها برفق، فتحولت القارورة المصنوعة من يشم دهن الخروف إلى مسحوق ناعم في لمح البصر واختفت، وظهرت أمامهم بضع حبوب روحية مستديرة.
سرعان ما أدرك أن هذا النوع من الحبوب الروحية لم يكن سوى ما يستخدمه المتدربون من المراتب الدنيا في تدريبهم اليومي. أما الأسلحة السحرية الأخرى، فلم تكن ذات مرتبة عالية. يبدو أن هذا المكان كان مسكن التلاميذ العاديين في القصر الخالد قديمًا. وبسبب مرور زمن طويل جدًا دون أي حماية، تحللت كل الأسلحة والحبوب الروحية في غضون أنفاس قليلة وتلاشت كالغبار.
"لنذهب." فقد يي سوي فنغ اهتمامه، واستعد للتحليق نحو الأعماق مع ليو روي آن. على طول الطريق، كانت المشاهد المماثلة تتكرر في كل مكان، فالجاذبية هنا مضطربة، والقوانين مختلة، وكل شيء يعمه مشهد من الفوضى العارمة.
كلما توغلوا في الداخل، ازدادت الفوضى حدة، حتى أنهم كانوا يرون أحيانًا كتلتين من اليابسة تتداخلان معًا في منظر غريب. وبالطبع، صادف أيضًا العديد من رجال قصر الأباطرة التسعة، كانوا يستكشفون بحذر الأماكن التي قد تحتوي على كنوز. وقبل أن ينبسوا ببنت شفة، كان يي سوي فنغ قد قيّدهم جميعًا في أماكنهم، فهو لم يرغب في قتل أحد دون سبب، ولم يرد أن يزعجه أحد.
بعد مرور ساعة تقريبًا، اقترب يي سوي فنغ ورفاقه أخيرًا من مركز الأطلال. كان الوضع هنا أكثر فوضوية، حيث انتشرت القوانين المشوهة في كل مكان، وكان الخطر يتربص بهم من كل زاوية. فلو غفل المرء لحظة، لكان مصيره الهلاك، حتى لو كان مبجلًا خالدًا. ولكن في هذا المكان، بدأت تظهر أشياء ثمينة أخيرًا.
"يا سيدي، ذاك هو برج المخطوطات الخفية للقصر الخالد." أشار ليو روي آن إلى قطعة يابسة في البعيد وقال: "عندما أتينا في المرة السابقة، لم نتمكن سوى من دخول محيطه الخارجي، حيث حاصرتنا قوانين الفوضى العميقة هناك." أومأ يي سوي فنغ برأسه، ثم أخذهم معه وحلق نحو البرج، فمكان كهذا يستحق إلقاء نظرة عليه.
بعد فترة وجيزة، وصلوا إلى وجهتهم. وكما هو متوقع، كان هناك أيضًا رجال من قصر الأباطرة التسعة الخالد، وكان معظمهم من مرتبة المبجل الخالد، بالإضافة إلى اثنين من شبه الأباطرة يتزعمانهم. كان أحدهما بارعًا بشكل واضح في فن التشكيلات، وباستخدام مجموعة كبيرة من الأدوات، كان يحاول فك الخطوط المعقدة أمامه.
أثار ظهور الغرباء قلقهم على الفور، فاستلوا أسلحتهم وهموا بالهجوم. لم يمنحهم يي سوي فنغ فرصة حتى لتثبيت أقدامهم، فقيّدهم في أماكنهم بلمح البصر، ثم تقدم نحو البرج.
أمامه، كان ينتصب مبنى شاهق فائق الروعة، إلا أن شرخًا هائلاً كان يقسمه من المنتصف، وتتشابك حوله قوانين عنيفة للغاية. نُقشت على واجهة المبنى الشاهق ثلاث كلمات قوية ومهيبة: برج المخطوطات الخفية. وفي محيطه الخارجي، تم ترتيب مجموعة من التشكيلات الدقيقة للغاية، وكان الطرف الآخر للتشكيل يؤدي مباشرة إلى داخل البرج. كان من الواضح أن هؤلاء الأشخاص قد حققوا بعض التقدم.
لوّح يي سوي فنغ بيده، فأعاد حرية الحركة لشبه الإمبراطورين. "أيها السلف، نحن من قصر الأباطرة التسعة الخالد." كان رد فعل من هم في مرتبة شبه الإمبراطور مختلفًا تمامًا. ففي اللحظة التي تحرك فيها يي سوي فنغ، أدركوا مدى قوته المرعبة، لذا خاطبه بكل احترام، لكنه حرص على توضيح هويته.
قال يي سوي فنغ بهدوء: "أعلم من أنتم، دعني أرى ما حصلتم عليه من برج المخطوطات الخفية." بدا التردد واضحًا على وجهي شبه الإمبراطورين، لكن بعد لحظة من الصراع الداخلي، لم يختارا المقاومة، وأخرجا حقائب التخزين الخاصة بهما بطاعة.
فتح يي سوي فنغ إحداها، فوجد بداخلها مجموعات من الأضواء المرتبة بعناية. أخرج إحدى كرات الضوء، وبدا أنها تحتوي على أسلوب تدريب من الدرجة العليا. "فن خالد من الدرجة العليا، هاو تيان ري تشاو." سرعان ما عرف يي سوي فنغ محتواه، لقد كان فنًا خالدًا. ثم تفحص الأساليب الأخرى، وكانت جميعها تقريبًا في مستوى الفنون الخالدة، فهذا النوع من المهارات هو الوحيد القادر على الصمود أمام اختبار الزمن الطويل.
بعد أن انتهى من تفحصها، ألقى حقيبة التخزين إليهم مجددًا، فهو لن ينحدر إلى مستوى سرقة الآخرين. ثم وجه نظره إلى برج المخطوطات الخفية أمامه، فقصر خالد عظيم كهذا لا ينبغي أن يحتوي على فنون خالدة فحسب.
كان يي سوي فنغ لا يزال مهتمًا جدًا بأساليب التدريب الخاصة بالقصور الخالدة القديمة. فرغم ثروته، كانت بعض أساليب الداو نادرة للغاية ويصعب شراؤها. وبعد تفكير، قرر الدخول واستكشاف الأمر بنفسه.
"أيها السلف!" فجأة، أوقفه شبه الإمبراطور البارع في التشكيلات. تردد للحظة، ثم قال: "يا سيدي، لقد اخترقت قوانين السماء والأرض هذا البرج بالكامل تقريبًا، والدخول إليه الآن محفوف بالمخاطر." لعل إعادة يي سوي فنغ لحقيبة التخزين قد أكسبته بعض الاحترام، فقرر في هذه اللحظة تحذيره من الخطر.
نظر إليه يي سوي فنغ، لقد كان هذا الرجل مثيرًا للاهتمام، ومختلفًا عن معظم الناس في عالم التدريب. سأله: "ما اسمك؟" ذُهل شبه الإمبراطور للحظة، ثم أجاب: "اسمي لو جينغ يي."
"هل أنت بارع في التشكيلات؟" سأل يي سوي فنغ مرة أخرى. بدا لو جينغ يي مرتبكًا بعض الشيء، ولم يكن يعرف ما الذي ينويه هذا السلف، لكنه أجاب بصدق: "أنا مجرد مبتدئ في درب التشكيلات ولا أجرؤ على الادعاء بالبراعة، لكنني حظيت ببعض الشهرة في قصر الأباطرة التسعة الخالد."
كان متواضعًا وحذرًا للغاية. نظر يي سوي فنغ إلى شبه الإمبراطور الآخر، الذي فهم ما يعنيه على الفور وقال: "الأخ جينغ يي يُعرف في القصر الخالد بلقب سيد التشكيلات السماوية. وفيما يتعلق بفن التشكيلات، لا يمكن مقارنته إلا بعدد قليل من الأباطرة الخالدين."
أومأ يي سوي فنغ برأسه وقال: "حسنًا، انتظرني حتى أخرج، وسنجد وقتًا لمناقشة درب التشكيلات." ترك علامة على لو جينغ يي، ثم استدار واخترق برج المخطوطات الخفية مباشرة. فتلك القوانين الفوضوية المتشابكة، التي بدت مرعبة في أعين غيره، لم تكن في نظره سوى خيوط عنكبوت واهية، مزعجة بعض الشيء، لكن من المستحيل أن تسبب له أي أذى.
بعد لحظات، ظهرت هيئة يي سوي فنغ داخل برج المخطوطات الخفية، حيث كان المشهد أكثر إدهاشًا. من الخارج، كان البرج ضخمًا بما فيه الكفاية، لكن المساحة في الداخل كانت أكبر بمئة مرة تقريبًا، وكأنه برج شاهق يلامس السماء.
وجد يي سوي فنغ نفسه في الطابق الأول من البرج. كان المكان مكتظًا بالرفوف التي لا نهاية لها، وعليها ملايين المجلدات من كل الأنواع، من صقل الحبوب إلى أساليب التدريب، مرورًا بالفصول المتنوعة والفنون المنسية، فكان يضم بين جنباته كل شيء. لو تمكن أحدهم من الحصول عليها جميعًا، لكان قادرًا على بناء فصيل عظيم بالاعتماد عليها وحدها.