في عالم الفوضى، عالم “شوانهوانغ”، أصل الوجود ومنبع الخلق الأول،

ذلك العالم المغمور بالغموض والمفعم بالطاقة الإلهيّة الكثيفة التي تملأ الفضاء بين السماء والأرض.

أراضيه ومحيطاته تمتد بلا نهاية، حتى تبدو وكأنها لا تُحدّ بزمانٍ ولا مكان،

فلا تُرى له نهاية ولا يُدرك له طرف، كأنه الكون ذاته وقد تجسّد في صورة عالمٍ واحد.

ينقسم هذا العالم العظيم إلى قسمين هائلين:

قارة التنين اللازورديّ، وقارة السماء الزرقاء القديمة.

أما قارة التنين اللازورديّ، فهي تتفرّع إلى أربع مناطق رئيسيّة:

الأراضي الجنوبيّة، والأراضي الغربيّة، والأراضي الشماليّة، ثمّ الأراضي الصحراويّة القاحلة الشاسعة.

في الشمال تمتدّ الجبال الجليديّة الشاهقة،

ومن أعماق السماوات تنبع الأنهار النجميّة الاثنا عشر،

تجري عبر الوديان السحيقة والغابات البريّة الواسعة التي تعجّ بالوحوش الروحيّة والشياطين الشرّيرة،

وفي أعماق تلك الجبال تقيم الطوائف الطاويّة والسلالات القديمة منذ العصور السحيقة، حارسةً أسرار السماء القديمة

في ذلك الأفق الفاصل بين السماء والأرض،

تقف شخصيّة رجلٍ في منتصف العمر، مرتديًا رداءً ذهبيًّا داكنًا، كأنّه الإمبراطورُ البشريّ القديم الذي عاد من عمق الأزمنة الغابرة.

تشعّ منه جلالةٌ سماويّةٌ وهيبةٌ لا تُوصَف، وهو ينظر إلى العالم من الأعالي قبل أن يهبط ببطءٍ نحو الأرض،

تُحيطُ به هالةٌ من النور الإلهيّ تُضفي على وجوده رهبةَ الخلود.

رفع يده بهدوءٍ مهيب، فتجمّد الفضاءُ من حوله،

وتجمّعت الطاقة النجمية الإلهيّة في كفّه، متّقدةً بضوءٍ ذهبيٍّ يعجز البصر عن احتماله.

وفي لحظةٍ واحدة، امتدّت كفٌّ نجميةٌ عملاقة، تشعّ بنورٍ إلهيّ يخترق السماوات،

امتدّت إلى مئات الآلاف من الأمتار، تشقّ الفراغَ اللامتناهي حتى اخترقت حدودَ مدينةِ السماء المرصّعة بالنجومِ القديمة.

ارتعشت المجرّات، واهتزّت الكواكب والنجوم التي لا تُعدّ ولا تُحصى،

وارتعدت مليارات الكائنات الحيّة تحت وطأة القوة السماويّة التي لا تُقاوَم.

ثم انحدرت تلك الكفّ، كأنّها حُكمٌ إلهيّ عظيم لا يُردّ،

فلم يستطع المزارعُ الشريرُ القديم مقاومتها،

يصرخُ بصوتٍ يملؤه عدمُ الرغبةِ في الموتِ والفناء،

قبل أن تسحقه الكفّ في ضبابٍ من الدماء الحمراء، مُبيدةً جسدَه وروحَه في آنٍ واحد.

.

.

.

بعد أن مضت مليارات السنين وتقلبات الزمن القاسية،

في أعماق إمبراطورية سلالة تشين، داخل مقاطعة كينغ،

وفي الفناء الخلفي لعشيرة لونغ العريقة،

جلس فتى في السادسة عشرة من عمره على سريرٍ خشبي بسيط، مرتديًا ثوبًا أبيض ناصعًا كالثلج، يفيض نقاءً وصفاءً.

كان اسمه لونغ تشين، ابن بطريرك العشيرة لونغ هاو.

ورغم أنه وُلِد في سلالةٍ اشتهرت بقوة أرواحها السماوية،

إلا أنّه كان عاجزًا عن زراعة الروح السماوية منذ ولادته،

وهو عارٌ لا يُغتفر في نظر أفراد عشيرته الذين لم يتوقفوا عن السخرية منه.

لكنّ لونغ تشين لم يستسلم.

فبينما انشغل الآخرون بزراعة أرواحهم السماوية،

اختار طريقًا آخر أكثر قسوة وصلابة — طريق صقل الجسد البدائي،

التقنية القديمة التي توارثتها العشيرة منذ العصور الغابرة.

كان يؤمن في أعماقه أنه سيُثبت للجميع يومًا ما

أنه قادر على أن يُصبح رجلاً قويًّا وعظيمًا، يُغيّر مصيره بيديه.

جلس لونغ تشين بهدوء، ثم أغمض عينيه وبدأ بتشغيل تقنية «تنقية صقل الجسد القديمة».

وفي اللحظة التالية، اهتزّ الهواء من حوله، وبدأت الطاقة الروحيّة تتدفّق من السماء والأرض نحوه بشراسة،

كما لو أنّ جسده تحوّل إلى ثقبٍ أسود لا قعر له، يبتلع كل ما حوله دون رحمة.

تدفّقت الطاقة الروحيّة من السماء والأرض، متجمّعةً كأنهارٍ من النور،

واندفعت نحو الدانتين الواقع في أسفل بطنه من الجهة اليمنى.

كانت تيارات الطاقة تدور بعنف داخله، تُحدث دوّامة هائلة من القوة،

بينما أخذت عضلاته وعظامه تتقوّى وتصلب، وخطوط الطول في جسده تتّسع وتنمو،

تتوهّج بخيوطٍ من النور الغامض كأنها أنهار من طاقة الحياة تجري داخله.

لقد ظلّ لونغ تشين عالقًا في المستوى الثاني من عالم تكثيف التشي والدم لوقتٍ طويل،

غير قادرٍ على التقدّم ولو خطوة واحدة رغم محاولاته المستميتة.

لكن في تلك اللحظة، ومع تدفّق الطاقة بعنفٍ لا مثيل له،

شعر كأن شيئًا في داخله تحطّم — حاجزٌ كان يقيّده منذ زمن.

انفجرت موجة من القوة داخله، تزلزلت معها أنفاسه،

وامتدّت طاقةٌ حمراء مائلة إلى الذهبي من جسده،

لتعلن اختراقه إلى المستوى الثالث من عالم تكثيف التشي والدم!

تأرجح شعره الفضيّ بفعل العاصفة الروحية التي ولّدها جسده،

وفي عينيه اشتعل بريقٌ متوهّج بالعزم والإصرار.

لقد بدأ طريقه نحو القوة الحقيقية.

شعر لونغ تشين بطاقةٍ غريبة تسري في عروقه،

هادئة في ظاهرها، لكنها تحمل في أعماقها قوةً لا تُقاس.

نبضُ جسده تغيّر، وأنفاسه أصبحت أكثر عمقًا وثباتًا،

كأن جزءًا من العالم اتّحد مع كيانه في تلك اللحظة.

في أعماق الدانتين، دوّت خفقة خفيفة،

ومنها انبثق وميضٌ ذهبيّ خافت تلاشى سريعًا،

لكنه ترك وراءه أثرًا لا يُمحى،

كأن ختمًا غامضًا قد وُلد داخله للتو.

رفع لونغ تشين رأسه نحو السماء،

وعيناه تتلألآن بضوءٍ هادئٍ مليءٍ بالإصرار.

لم يكن يعلم ما الذي ينتظره في الطريق أمامه،

لكنّه أدرك شيئًا واحدًا:

أنّه لن يتراجع بعد الآن.

ابتسم ابتسامةً خفيفة، وهمس بصوتٍ خافتٍ كالوعد:

“يوماً ما… سأجعل الجميع ينظرون إليّ من الأعلى.”

حين انقشعت خيوط الفجر الأولى عن مقاطعة كينغ،

كان الهدوء يُخيّم على ساحة عشيرة لونغ الواسعة.

نسيم الصباح يتسلل عبر أشجار الصنوبر العتيقة،

يحمل معه رائحة الندى الممزوجة بطاقةٍ روحيّة خفيفة تتراقص في الهواء.

خرج لونغ تشين من غرفته بخطواتٍ هادئة،

ملابسه البيضاء تلمع تحت ضوء الفجر،

وعيناه تشعّان بصفاءٍ جديدٍ لم يكن فيهما في الأمس،

وشعره الفضيّ يتحرك مع الريح كأنّ النور ينساب من خصلاته.

ما إن خطا إلى الممر الحجري حتى سمع صوتًا ناعمًا خلفه:

“يا سيد تشين… لقد كنتَ تتدرّب طوال الليل مجددًا، أليس كذلك؟”

التفت فابتسم بخفّة.

كانت تلك لين شيان، خادمته المخلصة التي رافقته منذ الطفولة،

فتاة ذات شعرٍ أسود طويل وعيون رمادية هادئة،

تحمل في يديها منشفةً ووعاء ماء دافئ.

قال بابتسامةٍ خافتة وهو يأخذ المنشفة منها:

“أجل، لكن هذه المرة… لم يذهب جهدي سدى.”

رفعت نظرها نحوه بدهشةٍ خفيفة،

فقد أحسّت بطاقةٍ مختلفة تنبعث منه، أكثر عمقًا وقوة.

“طاقتك… تغيّرت يا سيدي، هل…”

قاطعها بصوتٍ هادئٍ وحازم:

“لقد اخترقتُ المستوى الثالث من عالم تكثيف التشي والدم.”

تجمّدت في مكانها، تتأمل ملامحه المضيئة بالثقة،

ثم قالت بارتباكٍ ممزوجٍ بالفرح:

“هذا… لا يُصدق! يجب أن أبلغ البطريرك حالًا!”

أراد لونغ تشين أن يمنعها،

لكنها كانت قد ركضت بالفعل عبر الممرات الواسعة للعشيرة،

تدوس أرضية الحجر الرملي بخطواتٍ خفيفة،

وقلبها ينبض بالخوف والرجاء.

كانت تعلم أن خبرًا كهذا لا يمكن كتمانه،

فابن البطريرك الذي عُدَّ لسنواتٍ وصمة عار للعائلة

قد كسر قيوده أخيرًا — حدثٌ لن يمرّ دون ضجة.

في قاعة العشيرة الكبرى،

تسلّل ضوء الصباح من النوافذ العالية،

يلامس أعمدة الحجر الرمادي التي حُفرت عليها نقوشٌ لتنانينٍ سماويّة،

تتراقص بين الظلال والضياء.

جلس لونغ هاو على عرشه الحجريّ العتيق،

شخصيةٌ مهيبة تشعّ وقارًا وسكونًا،

عيناه العميقتان تشبهان بحرين يخفيان وراءهما أسرار العصور.

وإلى جانبه وقف بعض الشيوخ، يتحدثون بصوتٍ خافت،

حين دخلت لين شيان بخطواتٍ مترددة وانحنت قائلةً:

“يا سيدي البطريرك، السيد الشاب لونغ تشين… لقد اخترق المستوى الثالث من عالم تكثيف التشي والدم.”

ساد الصمت لثوانٍ طويلة،

ثم رفع لونغ هاو رأسه ببطء،

تلمع في عينيه دهشةٌ خافتة لم يستطع إخفاءها،

قبل أن تتحول إلى نظرة فخرٍ عميقةٍ مغطاةٍ بالهدوء.

“أخبريه أن يدخل.”

وبينما كانت تخبره بالأمر،

كان لونغ تشين في فناء التدريب،

يشعر بنبض القوة الجديدة يتفجر في عروقه،

حين سمع صدى صوتٍ بعيدٍ يدوي في أرجاء العشيرة:

“لونغ تشين! تعال إلى قاعة العشيرة فورًا!”

ابتسم ابتسامة خفيفة،

وأجاب بهدوءٍ لنفسه:

“يبدو أن أبي علم بالأمر بالفعل…

بعد لحظات،

انفتح باب القاعة بخفوت،

ودخل لونغ تشين بخطواتٍ ثابتة.

توقّف عند منتصف القاعة، ثم انحنى قليلًا احترامًا:

“والدي البطريرك.”

تأمله لونغ هاو للحظةٍ طويلة،

ثم نهض من مكانه،

وخطا نحوه بخطواتٍ بطيئةٍ ولكنها واثقة.

لم يتكلم في البداية،

بل مدّ يده ووضعها على كتف ابنه،

وقال بصوتٍ دافئٍ رغم عمقه:

“لقد سمعت أنك اخترقت المستوى الثالث… هل هذا صحيح؟”

أجاب لونغ تشين بثقةٍ متواضعة:

“نعم، يا والدي.”

للحظة، لم ينبس الأب بكلمة.

ثم ضحك ضحكة قصيرة خفيفة،

ضحكةٌ نادرة لم يسمعها أحدٌ من البطريرك منذ زمنٍ بعيد.

“هاه… يبدو أن دماء عشيرتنا لم تخبُ بعد.”

ثم نظر إليه بعينين تملؤهما الحنان والفخر، وقال:

“لقد عانيت كثيرًا يا تشين.

كنتَ الطفل الذي لم يملك روحًا سماوية،

لكن رغم ذلك، لم تتوقف يومًا عن التدريب.

هذا ما يجعلني فخورًا بك أكثر من أي موهبةٍ ولدت مع أحدهم.”

شعر لونغ تشين بحرارةٍ تسري في صدره،

كان قد نسي تقريبًا آخر مرة لمس فيها والده كتفه بهذا الشكل.

أخفض رأسه قليلًا وقال بصوتٍ مبحوح:

“أبي… لم أفعل شيئًا بعد. ما زلت ضعيفًا مقارنةً بباقي أفراد العشيرة.”

لكن لونغ هاو ربّت على كتفه وقال بابتسامةٍ خفيفة:

“القوة الحقيقية يا بني لا تُقاس بالمستوى،

بل بالإصرار على السير حتى النهاية.

استمر، ولا تدع كلام الناس يطفئ نورك.”

ثم التفت نحو الشيوخ الواقفين وقال بحزمٍ ممزوجٍ بالفخر:

“من اليوم، لونغ تشين سيُمنح حق استخدام ساحة التدريب الداخلية،

وليُفتح له باب مكتبة التقنيات الأدنى،

فهو أثبت جدارته بجهده، لا بنسبه.”

انحنى الشيوخ في صمت، بينما اتّسعت عينا لين شيان بالدهشة والفرح.

أما لونغ تشين، فقد شعر أن الكلمات التي سمعها من والده

كانت أثمن من أي تقنية أو مورد روحي.

رفع رأسه بعزمٍ متقد، وقال بثقةٍ صادقة:

“أعدك يا والدي… أن أجعل اسم عشيرتنا يصدح في السماء من جديد!”

ضحك لونغ هاو ضحكةً هادئة،

وقال وهو ينظر إليه بعين الأب والفارس:

“هذا ما أريد سماعه من ابني.”

وفي تلك اللحظة،

تبدّد البرد القديم الذي كان يفصل بينهما،

وحلّ مكانه دفءٌ حقيقي

2025/10/20 · 19 مشاهدة · 1439 كلمة
نادي الروايات - 2025