منذ أن كنت صغيرا وقد اعتدت على رؤية خاتم كبير بإصبع جدي “والد أبي” خاتم ذو حجر أزرق يستحوذ على نظر كل من تقع عينه عليه إذ أنه جميل للغاية، لم يكن ليخلعه جدي من إصبعه قط لدرجة أنه أصبح هو والإصبع جزءا واحدا لا يمكن استغناء أحدهما عن الآخر؛ أنا شاب لدي من العمر تسعة عشر عاما ونسكن بمملكة البحرين.

حكايتي مع الجن:

منذ أن كنت صغيرا مررت ببعض المواقف الغريبة والمريبة والتي كنت أجهل تمام تفسيرها إلا لمدة واهنة، بدأت حكايتي مع الجن عندما كنت طفلا في السادسة من عمري، أتذكر ذلك اليوم جيدا وكأنه أمس، كنت نائما بمنزل جدي وكنا في فصل الشتاء ببرودته القارصة، وفي منتصف الليل فتح الباب على مصرعيه بشدة، استيقظت فزعا من النوم، وشاهدت ما حفر في ذاكرتي ونفسي طوال حياتي، شاهدت رجلا عليه ثياب بيض وكان طوله بطول الأشجار أو يفوقها أيضا، لقد كان يتجول في حديقة منزلنا ذهابا وإيابا، حبست أنفاسي من هول ما رأيت، لم أستطع الصراخ على الرغم من حاجتي الماسة إليه لينقذني جدي، لقد تجمد سائر جسدي لم تكن لي حيلة سوى مشاهدة ما يحدث، وبعدها بلحظات تبخر ذلك الرجل في الهواء، لم أتمكن من النوم طيلة الليل ومازال جسدي يرتعد والعرق يسيل من كل أجزاءه على الرغم من صقيع الجو…

وأخيرا حل الصباح جريت مسرعا إلى جدي لأوقظه وأقص عليه ما شاهدت ليلا، فابتسم جدي ابتسامة كاد أن يقتلني بها، سألته قائلا: “لماذا تضحك يا جدي؟!، ألا تصدقني؟!”

أجابني قائلا: “لا تقلق يا حبيب جدك إنه سومور وهو صديق جدك، ولا يؤذي أبدا فاطمئن”.

وعلى الرغم من صغر سني إلا أن أسئلة كثيرة شغلت بالي حينها، ولم أستطع أن أخرجها ولم أستطع أيضا أن أجد إجابة لها عند جدي، من هو ذلك السومور، وكيف لمثل ذلك الشيء أن يكون صديقا لجدي، وما القصة وراء الخاتم الذي بإصبع جدي والذي لا يخلعه مطلقا، والذي كلما سألته عنه أجابني قائلا: “إنه يحميني من أهوال العالم الخفي”.

تداولت الأيام وكبرت وكنت كل يوم أشاهد سومور لدرجة أنني تعودت على وجوده في حياتنا، وما زلت لا أجد إجابة لكل التساؤلات التي بداخلي، وبمرور السنون كبر جدي وازداد مرضه بسبب كبر عمره، كنت متعلقا للغاية بجدي الحنون أمكث معه دوما ولا أتركه؛ وفي يوم من الأيام عندما اشتد عليه المرض وهو على فراش المرض استدعاني وقال: “تعال يا عزيز قلبي سأجيبك عن كل الأسئلة التي حيرت قلبك، ألم تكن تسأل عن سر خاتمي الذي أرتديه دوما ولا أخلعه؟!، وحيرتك إجابتي عن سؤالك بأنه يحميني، وازداد فضولك لتعرف خاتم يحميني من أي شيء، وما سر سومور، اليوم سأجيب لك عن كل هذه الأسئلة، ولكن عدني قبلها بأن كل ما سأخبرك به سيظل سرا بيننا لا يعلم عنه أحد”.

بداية دب بقلبي شعور الخوف فقد بدا جدي جديا للغاية وكأنه يخفي شيئا ما أعظمه، والدليل كثرة المواثيق والعهود التي أخذها علي قبل أن ينطق بكلمة واحدة، تنهدت وبعدها حبست أنفاسي واستجمعت كامل تركيزي وانتباهي لأعرف الحقيقة كاملة، الحقيقة التي لطالما شغلت تفكيري وشتتت انتباهي…

أمسك جدي بيدي وبدأ يقص علي قصته…

السر وراء الخاتم الأزرق:

بدأت القصة يا حفيدي العزيز من قرابة الخمسين عاما، عندما كنت في ريعان بداية عمر الشباب كنت أتنقل مع أصدقاء لي من بحر إلى آخر مع صاحب لسفينة ضخمة، كنا نستثمر كل موسم في الغوص لجمع اللؤلؤ من باطن البحر، وبنهاية كل موسم كنا نعود إلى ديارنا بأرض الكويت، فيبيع صاحب السفينة اللؤلؤ الذي تم جمعه ويعطي كل واحد منا ما قدره الله سبحانه وتعالى له من نصيب؛ ولكن في إحدى الرحلات بينما كنت أغوص أبحث عن اللؤلؤ لفت ناظري شيئا لامعا في قاع البحر، قد وجدت الخاتم الذي لطالما حيرك ولطالما سألت عنه، عندما صعدت على متن السفينة وبعدما سلمت ما وجدت من لؤلؤ جلست أنظفه، ذهلت بمنظره فكما ترى هيئته ملفتة تماما للأنظار ومحببة للقلوب، فإن ما وقعت عليه عينك لا تقد أن ترفعها، وبعدها وضعته بإصبعي، كان قد حل الظلام وبعدما تناولنا الطعام وأدينا الصلاة خلدنا في نوم عميق من شدة التعب وجهد العمل، لم يوقظنا إلا صرخات عالية من صاحب السفينة، كانت صرخات استغاثة وكأنه يغرق في مياه البحر الهوجاء.

جزعنا إليه جميعا لننقذه وعلى الرغم من سرعتنا وتمحصنا لمكان صوته إلا أننا لم نتمكن من إيجاده ولا إنقاذ حياته، وبهذه الطريقة فقدنا صاحب السفينة أخنا الكبير الذي لطالما حن علينا ونصحنا بكلماته الجميلة؛ وما هي إلا لحظات قلائل حتى شاهدت أن كل من أصدقائي واحدا تلو الآخر يسحب نحو المياه، وكأن شيئا خفيا لا أتمكن من رؤيته يجرهم من أرجلهم للماء جرا، حاولت إمساك وإنقاذ أي منهم ولكن بلا جدوى، أخذت أنادي وأصرخ عليهم ولكن كان قد فات الأوان.

وجدت نفسي على السفينة وحيدا ترتعد كل فرائسي، أين أصدقائي وماذا أصابهم، لا أقدر على تصديق كل ما حدث معي، أعلم ذلك أم حلم؟!، ليتني نائما وأحلم، ليته لم يكن أكثر من كابوس مزعج وسأصحو منه؛ ولكن علت أصوات ضحكات أرعبتني حقا، وبعدها نشبت نيران فوق المياه من كل الاتجاهات، نيران تقترب من السفينة حتى نشبت فيها، أدركت أن نهايتي قد حانت جثوت على ركبتي ناطقا للشهادتين، وقارئ لما تيسر لي من بعض آيات القرآن الكريم، وطالبا لغفران الله سبحانه وتعالى وعفوه.

كان جسدي بالكامل يرتعد والعرق يكسو كل خلية بجسدي، تسارعت دقات قلبي وازدادت أنفاسي، ولكن الله لطف بي حينما أتت رياح هوجاء فتغيرت أصوات الضحكات إلى أصوات تعذيب وألم، وبعدها ظهر لي رجل غريب الشكل أبيض الثياب، ناداني باسمي وطمأنني وأوصاني بألا أخاف، كيف لا أخاف وهو لوحده كفيل بأن يجعل كل من على الكرة الأرضية يخاف؟!؛ احترقت السفينة بالكامل حملني ذلك الرجل وحلق بي في الهواء، كل ذلك كان لساني قد لجم وانتابتني برودة غريبة بكل أجزاء جسدي منعتني من أي شيء، وجدت نفسي ملقى على الشاطئ واستفقت على صوت رجل عجوز يوقظني، لقد أكرمني كثيرا فأخذني إلى منزله وأطعمني، حاول معرفة ما حدث معي بغرض التخفيف من حدة حالتي فأخبرته أنني كنت على متن سفينة بالبحر ولسوء أحوال جوية غرقت السفينة ونجوت بأعجوبة كبيرة من الموت لم أخبره بباقي القصة لأنه من المؤكد لن يصدقني حيث أن نفسي لم أصدق ما حدث على الرغم من كونه أمام عيني؛ وبتلك الليلة حلمت بنفس الرجل صاحب الثياب البيضاء، أخبرني بأنه من الجن المسلم الذي لا مخافة منه مطلقا، وأنني بدءا من هذه اللحظة سأراه يوميا، وأهم شيء حذرني من عاقبة خلع الخاتم الأزرق من إصبعي، ففي خلعه حياتي، فالجن الكافر يتربص لي وينتظر الفرصة الحاسمة بخلع الخاتم من إصبعي؛ بقيت لمدة طويلة مع الرجل وقد كان لديه مزرعة لا يقوى على العمل بها لكبر سنه، فكنت له بمثابة الابن الذي لم ينجبه ردا لجميله إذ أنه لم يكن لديه إلا فتاة وحيدة في غاية الجمال والأدب والعذوبة، كان منزله ومزرعته هنا بالبحرين، لم أفكر يوما في العودة إلى الديار (الكويت) خشية من سؤالي عن صاحب السفينة وأصدقائي؛ وكان “سومور” يزوروني كل ليلة حتى تعودت على وجوده بحياتي، وذات ليلة سألته عن السر وراء الخاتم الأزرق وعدم خلعي له من إصبعي؟!

ومازال جدي يكمل القصة التي شدت أعصابي …

وذات يوم سألت “سومور” عن قصة الخاتم الذي بإصبعي وعن السر وراء عزم الجن الكافر على قتلي في اللحظة التي أخلعه من إصبعي، سمعت صوت ألم وحسرة في أنفاسه فقال: “حسنا، سأخبرك بقصة الخاتم الأزرق وقصة مملكة بلهيت”.

قصـــة الخاتم الأزرق وقصــة مملكــة بلهيت:

منذ زمن بعيد، زمن يناهز الستمائة عام كانت لدينا نحن الجن المسلمون أقوى مملكة عرفها الزمان والتاريخ بعالمنا “عالم الجن”، والتي تقع بعالمكم أنتم الإنس ببابل، كان يحكمها ملك قوي وعادل “الملك سابور”، واستطاع بحكمته وقوته توحيد القبائل المسلمة وجمعهم تحت راية الإسلام والتوحيد، لم يكن ليترك شيئا للقدر إلا وخطط له، كان ملكا مخضرما للغاية، أعد عدته فجهز جيشا قويا للغاية للاستعداد لأي من هجمات الجن الكافر، والذين كانوا يطمعون بالزئبق الأزرق الذي يتواجد بكثرة في مملكتنا.

كنت المسئول عن كل شئون الملك “سابور” وزوجته “هند” التي لطالما أحبها ولم يحبب غيرها، وكانت ثمرة حبهما الأميرة الجميلة “سلمى”، لم ينجبا غيرها، وقد كانت جميلة للغاية لدرجة أن كل قبائل الجن لم يشهدوا لجمالها مثيل، كانت تكبر كل يوم أمام عيني وكل يوم تزداد جمالا ورقة عن اليوم الذي يسبقه؛ وذات يوم جاء رسول من ملك ملوك الجن الكفرة “الملك ساسان” وبيده رسالة، وقد كان محتواه أنه يرغب في الزواج من ابنته الوحيدة والتي ذاع صيتها بالجمال والرقة والعذوبة، ثار الملك “سابور” غضبا وقام بحرق الرسالة على الفور أمام رسولها، وأملاه رسالة شفوية يمليه على ملكه: “أخبر ملكك بأننا لا نزوج بناتنا للكفار الفجرة”.

غضب ملك ملوك الجن الكفار “الملك ساسان” غضبا ليس له مثيل، وبعد فترة وجيزة جاءتنا أخبار من مصادرنا الموثوق بها بأنه يجهز جيشا لا قبل له، وأنه يريد قتالنا من أجل رفض طلب زواجه، تهيأ “الملك سابور” للقائه، وكان الفوز حليفنا في هذه المعركة الدامية؛ ولكننا لم نسلم شره فلم يفقد حياته ولا إصراره وعزيمته بالمعركة بل ازداد حنقا وغضبا علينا فاستعان بسحرة من يهود الإنس كما استطاع من توحيد قبائل وممالك الجن الكافر تحت رايته، علاوة على أنه كان ماكرا وخبيثا للغاية فقد استطاع بمعاونة ساحرة حقيرة متمكنة في سحرها الأسود اللعين من منطقة ضفاف بعمان سجن الأميرة “سلمى” في الخاتم الأزرق؛ انقلب حال الملك “سابور” رأسا على عقب حزنا على ابنته الوحيدة حبيبة قلبه، لم يهدأ له بالا محاولا إيجاد أي طريقة لإنقاذ ابنته السجينة ولكن كل محاولاته آلت بالفشل حيث أن السحر الذي أتقنته الساحرة الشمطاء كان قويا للغاية لدرجة أنه لا يقوى أي جن مهما بلغت قوته وعظمته من الاقتراب منه، ومن تجرأ على ذلك احترق.

ومن دهائه كان يعد جيشا عظيما لم تشهد قبائل الجن مثيلا له منتهزا فرصة انشغال الملك “سابور” بالبحث عن طرق لإنقاذ ابنته، وقد كان قد استعان بسحرة اليهود في العمل على إخفاء مخططه ونيته تجاه ما يعد له؛ وما هي إلا أيام معدودات جتى قدم إلى مملكة بلهيت بجيش لا قبل له به، كان جيشا ضخما للغاية، وقد تعمد فيه الملك “ساسان” الكافر قتل الملك “سابور” وزوجته الملكة “هند” بخلاف الآلاف المؤلفة من مسلمي الجن الذين ضحوا بأرواحهم فداءا لأرضهم، وما تبقى منهم قد تشرد في الجبال.

أما أنا فقد أوصاني ملكي قبل رحيله على ابنته الوحيدة، وقد استطعت من تهريب الخاتم بمساعدة أحد بني الإنس، وقد كان صديق لي، فتمكنا من تهريبه على متن سفينة، ولكن كان الملك “ساسان” قد علم بأمرنا فأغرق السفينة وكل من عليها ولكن لا أحد من الجن تمكن من لمس الخاتم خشية من احتراقه بسبب السحر اللعين الذي به، ومنذ تلك اللحظة وأنا أنتظر بالقرب من الخاتم بعدما صار مستقرا بأعماق البحر حتى جاءت اللحظة التي التقطته فيها ووضعته بإصبعك، ولذلك السبب لم يتمكن أي منهم “الجن الكافر” إيذائك بذلك اليوم بسبب ارتدائك للخاتم الذي محجوزة به الأميرة “سلمى”؛ كما أتطلع للحظة التي تتحرر فيها أميرتي الصغيرة “سلمي” وتتمكن من تجميع مسلمي الجن من جديد وتعيد أمجاد مملكة بلهيت من جديد كسابق عهدها منتهجة نهج أبيها وأجدادها.

سأل جدي سومور: “وهل من طريقة يمكنني بها مساعدة الأميرة سلمى وفك ما أصابها من سحر وطلاسم؟!”، رد عليه سومور: “أنت لن يمكنك فعل أي شيء، ولكن حفيدك من سيفعل كل شيء حيث أنك ستعطيه الخاتم الأزرق قبل وفاتك”.

لم أكن حينها أفكر حتى بالزواج، وبعد مرور عدة سنوات تزوجت من ابنة صاحب المنزل والمزرعة الذي لطالما ساعدني واعتبرني ابنا له، وبعدها رزقت بوالدك ومن ثم نورت حياتنا جميعا بقدومك، حيرني سؤالا وكنت ضروريا أسأل جدي عنه على الرغم من تعبه الشديد والمتزايد…

جدي ولماذا أنا بالتحديد من بإمكانه مساعدة أميرة الجن؟!

جدي: “لا أعلم حقا إجابة لسؤالك، ولكن كل ما أستطيع قوله لك أن سومور بالتأكيد سيعلمك بكل شيء”.

أشار إلي جدي بأن آخذ الخاتم من إصبعه ولكني ارتجفت خوفا من الخاتم نفسه، وخوفا على جدي بأنه بعد كل هذه السنوات الطوال وأخيرا سيخلع الخاتم، ولكن يمكن أن يكون في ذلك حياته، لم أشأ أن آخذه لكن جدي أصر وأخبرني: “بدون الخاتم للاقيت وفاتي من يوم حادثة السفينة الغريبة كأصدقائي، وإني لأشعر بدنو أجلي لذلك أرح قلبي وخذه أمام عيني”.

وبالفعل أعطاه لي جدي وما هي إلا بضعة ساعات قليلة حتى فارق الحياة راحلا، كنت متعلقا به للغاية، شعرت بفراغ كبير بكل حياتي ولولا وصيته لتمنيت الموت واللحاق به؛ أشعر بمسئولية كبرى تجاه سومور وأميرته “سلمى”، بمسئولية كبرى تجاه الخير لكي ينتصر على الشر بكل ألاعيبه الماكرة الخبيثة.

وبأول ليلة بعد فراق جدي جاءني “سومور”…

سومور: “البقاء لله ولا تحزن هذه سنة الحياة تسير على الكل، والموت لا فرار منه”.

بالتأكيد أنت “سومور”.

سومور: “نعم، أنا سومور، بالتأكيد لقد حكى لك جدك القصة كاملة؟”

نعم، أخبرني كيف لي أن أنقذ الأميرة “سلمى” ونحررها من سجنها؟!

سومور: “ليس الآن ولكن بعد عام من وقتنا هذا، يقال أنه العام الدموي وهو يحدث كل عشرة سنوات مرة واحدة وهي ظاهرة كونية طبيعية من صنع الخالق سبحانه وتعالى، اطمئن ولا تقلق سأكون بجانبك وسأحميك بكامل قوتي وعزمي ولو كلفني الأمر حياتي، حيث أن الجن الكافر حينها سينتهجون معك كل نهج وكل مسلك لمنعك من تحرير الأميرة سلمى”.

وبالفعل بكل لحظة كنت أرى فيها “سومور” ويكون دوما بالقرب مني وكأنه يحميني من خطر داهم ولكنه مجهول بالنسبة لي، وفي إحدى الليالي تغلب علي شعور الفضول فوجدت نفسي أسأله سؤالا بدافع الفضول الذي كاد أن يقتلني…

حقائق حول الجن وعالمه المخيف:

سومور هل بإمكاني أن أسألك سؤالا بدافع الفضول؟!

سومور: “نعم بإمكانك سؤالي ما شئت”.

هل هذا هو شكلك الحقيقي؟، وما حقيقة عالمكم (عالم الجن)؟

سومور: “إنه ليس شكلي الحقيقي، فكما تعلم أن من قدرات الجن التشكل بأي شكل نريد، ويعتمد على مدى قدرة وقوة كل جني منا وعلى مخزونه من الزئبق بلونيه الأزرق والأحمر، وقبل أن تسألني ليس كالزئبق الذي تملكونه أنتم معشر البشر، إنه مادة تتشكل لدينا نحن الجن ونخزنها في آبار ونعتمد عليها في قوانا كثيرا، ويحكم على كل مملكة من ناحية قواها بمدى امتلاكها للزئبق، أما عن مملكتنا “بلهيت” فقد اشتهرت كثيرا بامتلاكها لأعلى المخزونات من الزئبق الأزرق لذلك كانت مطمعا لملوك الجن الكافرين؛ أما عن الاختلاف بين لوني الزئبق فاللون الأزرق هو الصنف الطاهر النقي الذي نستخدمه نحن معشر الجن المسلمون، أما الأحمر فهو الصنف النجس الذي يمتلكه ويستخدمه معشر الجن الكافرون، والزئبق الأزرق أكثر قوة من الأحمر؛ أما عن أشكالنا فنحن نشبهكم بعض الشيء ولكن باختلافات، فلدينا أعين مثلكم ولكنها مستطيلة بعض الشيء، كما أنه لدينا آذان مدببة وقرون تختلف في كبرها من جن إلى آخر على حسب نوعه وصنفه؛ كما يوجد للبعض منا أجنحة تمكنه من الطيران؛ أما عن أطوالنا فتتراوح ما بين الخمسين سنتيمترا وحتى العشرة أمتار كل أيضا على حسب قوته ونوعه؛ أما عن الألوان فمنها الأبيض والأسود والأحمر والأزرق كل على حسب نوعه أيضا”

أسرار وحقائق حول ممالك الجن:

سألته وماذا أيضا عن ممالك الجن لديكم؟!

سومور: “نحن معشر الجن نسكن بباطن الأرض، أما عن البيوت التي نسكن بها فتختلف في أشكالها وتصميماتها من قبيلة لأخرى، فنحن معشر الجن المسلم نسكن ونبني بيوتنا بشكل بيضاوي بخلاف الجن الكافر الذين يبنونها بأشكال هرمية؛ أما عن طريقة تعايشنا وأعمالنا فنحن الجن المسلم نقوم بالزراعة ورعي الأغنام، أما عن الجن الكافر فيعيشون على كل وسائل السلب والنهب”.

تعجبت من كلامه فسألته: “أتزرعون وتحصدون مثلنا بباطن الأرض؟!، كما أنكم ترعون أغناما؟!”

سومور: “لا تتعجب كثيرا فلدينا مزارعا وأغناما وحقولا وأشجارا ولكنها سبحان الخالق في ملكه تختلف كثيرا عن التي تملكونها أنتم معشر البشر وتعتادون عليها”.

سومور أخبرني وهل من بشري يستطيع دخول عالمكم وقتما شاء؟!

سومور: “يوجد عدة مداخل تتصل بعالمنا وعالمكم ولكن القليل جدا من جنس البشر من يعلم عنها، فيستطيع زيارتنا من خلالها، وهناك البعض من بني الإنس من يتم خطفه والنزول به بباطن الأرض فكما تعلم كثيرا ما تحدث وقائع اختطاف واختفاء تكون معظمها بسبب الجن وأساليبهم المختلفة وقدرتهم التي تفوق خيالكم أنتم البشر”.

الآن هل يمكنني رؤية شكلك الحقيقي يا سمومور؟!

سومور بضحكة خفيفة: “أتعلم لن يمكنك رؤية شكلي الحقيقي، ليس لأنني لا أريد أن أريك إياه، ولكنني إن أصبحت على طبيعتي فلن تراني بطبيعة خلقك وخلقي الذي خلقنا الله سبحانه وتعالى عليه”.

تداولت الأيام بيننا، وبكل ليلة كان يأتي سومور ونتسامر سويا، لقد أصبح جزءا مهما في حياتي لا يمكنني الاستغناء عنه، عوضني ما فقدته من حنان وعطف جدي الراحل الذي لطالما اهتم لأمري ولكل شئوني منذ رحيل والدي عني في حادث سير…

وفي إحدى الأيام جاء سومور وقد بدا عليه الحزن الشديد، لم يتفوه بكلمة واحدة ولم يفعل أي شيء على غير عادته إلا أنه جلس بجواري حزينا…

ما بك يا سومور ولم تبدو حزينا هكذا؟

نظر إلي وبدا عليه وجعا شديدا وقال: “لقد أخبرني بعض معارفي من الإنس أن الملك “ساسان” قد استعان بسحرة اليهود مجددا ليمنعني من حمايتك، وخاصة وقد اقترب اليوم المنتظر (يوم ظهور القمر الدموي)”.

لا تقلق يا سومور لن يحدث شيئا، تفاءل بالخير تجده.

سومور: “ليس ذلك كل ما يقلقني، بل طلب منهم أيضا عمل طلسمة لك لكي لا تحرر الأميرة “سلمى” من سجنها فتدوم فيه للأبد”.

لا داعي للقلق، فآخر كلمات كانت على شفاه جدي قبل رحيله وأنا أتوسل إليه ألا يخلع الخاتم من إصبعه “قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”، وأنا حمدا لله لا أترك صلاتي مطلقا وأحصن نفسي دوما بالأذكار علاوة على حفظي لكتاب الله وكأن جدي رحمه الله تعالى كان يعدني لمثل ذلك اليوم، دعها على الله وستنفرج كل الكروب ولا تحزن يا سومور.

ولم يمر على حديثنا عن “ساسان” واستعانته بسحرة اليهود حتى اختفى “سومور” ولم أراه مجددا!

كان لزاما علي البحث طويلا والاستعانة بكل مصدر متاح وغير متاح لمعرفة كل ما يتعلق بظاهرة القمر الدموي حتى أتمكن من إتمام المهمة التي أسندت إلي من قبل جدي الراحل وسومور الذي لا أعلم عنه شيئا.

علمت كل شيء يدور حول ظاهرة الكون الغريبة التي لا تحدث إلا كل عشر سنوات مرة واحدة، وها قد حان موعدها ولكنني في حيرة من أرم ويتملكني خوف شديد من هذا الذي يدعى “ساسان” والذي يبدو أنه خبيثا للغاية ولا يعرف للملل ولا الفشل سبيل، ولكني دائما ما أدعو خلقي أن يلهمني القوة حتى أتمكن من هزيمة قوى الشر وتحقيق عدالته السماوية، فإنني أعلم من صميمي أنه سبحانه وتعالى قد اختارني لهذه المهمة…

لا أعلم حقا ما الذي سيحدث باليوم المنتظر، هل سأمكن حقا من تحقيق النجاح بفك الطلسمة من الأميرة “سلمى”؟!

أم سيعترض طريقي “ساسان” وجيوشه ويقوموا بقتلي؟!

على العموم إن حققت النجاح فسأعود لأروي لكم القصة كاملة، وإن لم أفعل فيمكنكم معرفة نهايتها بمفردكم…

لقد قتلني الجن!

تابعوني على Instagram

Oussama_Naili97

2020/07/27 · 275 مشاهدة · 2869 كلمة
Oussama_Naili
نادي الروايات - 2024