'الفصل الأول.'
أقوى يد لملك الشياطين (1)
.
.
.
يدٌ بيضاء باهتةٌ إلى حدّ الشحوب ضربت على المكتب بقوة.
وما كان تحتها سوى ورقةٍ بيضاء.
بعد توقُّفٍ قصير، تراجعت اليدُ ببطءٍ تاركةً الورقةَ وحدها.
الرجل الذي كان يراقب اليدَ وهي تبتعد، حوَّل نظره إلى الورقة على المكتب. عيناه اللتان كانتا تنظران إليها باستخفافٍ توقفتا فجأةً عند رؤية كلمة "طلب استقالة" مكتوبة عليها، ثم اتسعتا كالكرات الكبيرة.
قبل أن يرفع رأسه مسرعًا، وقفَ الرجل الآخر بشعرٍ أبيض وعينين حمراوين، كان يراقب كلَّ ما حدث دون أدنى ارتعاش، محدقًا مباشرةً في عينيْ الرجل المُذعورتين، ثم قال بصوتٍ جامدٍ كتعبير وجهه:
— "سوف استقيل من عملي."
***
إن كانت للإمبراطورية "أبطالها"، فلجيش ملك الشياطين "قادة الفرق".
إذا قدّمت الإمبراطورية جنرالاتها الأكفّاء، فسيقدّم ملك الشياطين بالطبع "قادة فرقه".
هم سيوفه ودروعه، ورموز قوّته بكل ما تحمله الكلمة.
رسميًا، يوجد اثنا عشر قائد فرقة، من القائد الأول حتى القائد الثاني عشر... لكن في الواقع، هناك فرقة أخرى مُخفاةٌ علنًا، لدرجة أنّ صفة "السرّية" لا تنطبق عليها!
الفيلق الصفري (0).
سرٌ يعرفه كل سكان قلعة ملك الشياطين، بل وحتى أعداؤهم في جيش الإمبراطورية!
فرقة يقودها ذلك الذي قتل "بطل البشر الأخير"، وهي بالفعل الورقة الأقوى لملك الشياطين.
ورقةٌ تبعث الطمأنينة بمجرّد امتلاكها... والآن، يقف قائدها فجأةً قائلًا إنه سيتخلّى عن منصبه!
— "مستحيل! مـسـتـحـيـلٌ جـدًّا!!"
"لا يمكنني أن أفرّط في موهبة مثلك بهذه السهولة!"
بهذه العزيمة، أمسك ملك الشياطين "كافير" ببنطال مرؤوسه وانهار على الأرض!
في الواقع، كان الأمر غريبًا منذ البداية.
فالقائد المعروف بقلّة كلامه وحركته، جاء بنفسه إلى هنا! حتى أن كافير شعر بفرحٍ طفيفٍ لرؤيته...
لكن كل هذا ليُعلن استقالته؟!
'لا بدّ أنه لا يعنيه حقًا... مجرّد كلمة عابرة كعادته. يجب أن يكون الأمر كذلك!'
رفع رأسه وهو ما يزال ممسكًا ببنطال القائد، ليتقاطع نظره بعيونه الحمراء
سقط صمتٌ ثقيل.
لو كان الأمر كما يتوقع، لالتقط القائد رسالته من نظراته
"بعد كل هذا التوسل، لا يمكنك حقًّا أن تستقيل... أليس كذلك؟"
'هل نجحت الخدعة؟'
ارتجفت عيناه المتجمدتان رغمًا عنهما رجفةً خفيفةً بالكاد تُلحظ... لكن ملك الشياطين الذي كان يركز عليه بكل حواسه، لم يفوتها.
'لقد تأثر! إذن لا مجال للتراجع الآن.'
أطلق ساق قائده التي كان ممسكًا بها منذ قليل، وقفز إلى قدميه فجأةً، ثم أمسك بكتفيه بقوة عوضًا عن ذلك.
"لماذا؟! ما الذي لا يعجبك؟! هل عاملوك الجنود بطريقة غير لائقة؟ أم أن أحدهم استهان بك لأنك إنسان؟ مَن ذلك الوغد؟! سأجعل روحه تزول في الحال...!"
رغم حدّة صوته، كان يعرف في قرارة نفسه أن هذا مستحيل.
"ديون هارت"... ذلك 'الإنسان' الذي يُدعى في قلعة ملك الشياطين "ديمون أروت"، والذي يحتل عمليًا مكانةً لا تليق إلا بملك الشياطين نفسه!
الإنسان الوحيد في القلعة.
ورغم أنه لا يعرف كيف يتعامل معه باقي البشر، إلا أنه -على عكس باقي الشياطين- كان يُظهر نفورًا شديدًا من رؤية الدماء.
'لهذا... إذا تصرّفتُ بهذه الطريقة، فلابد أن يستجيب!'
—وكما توقّع تمامًا...
في اللحظة التي حاول فيها ديون مغادرة المكتب، اُمسك معصمه فجأةً بقوة!
عندما التفت إليه، كانت تلك العيون الحمراء التي تذكّره بالدم تحدّق به بثبات. حاول الملك أن يجذب زاوية شفتيه إلى الأعلى في ابتسامة متكلفة.
'...يبدو أنه أخيرًا أصبح مستعدًا للحوار.'
لو أراد أن يهرب، لاستطاع ذلك بسهولة.
لكن أمامه كان أقرب مساعديه، الذي قدّم للتو استقالته، والأهم أنه هو نفسه من خطط لهذا الموقف. لذا بدلاً من المقاومة، تنهد تنهيدةً دراميةً وجلس على المقعد بتحدٍ واضح.
"سأسألك مرة أخرى: ما السبب؟"
"...هل ستقتلني؟"
بدلاً من الإجابة، جاءه سؤالٌ آخر. سؤالٌ جعل قلب الملك يتوقف للحظة.
قتله؟! أي كلمات مرعبة هذه؟!
أثارت الكلمات ذعره لدرجة أنه رفع رأسه فجأة، لتصطدم عيناه بالعينين الحمراوين اللتين تحدقان به بلا رمش، ببرود مخيف.
اضطر لإطلاق ضحكة مكتومة.
'لم أكن أقصد ذلك، لكن إذا ضغطت عليه أكثر، قد ينهال عليّ بالفعل ويقتلع رقبتي!'
رغم أنه ملك الشياطين الذي لا يُهزم إلا من قبل الأبطال، إلا أن الرجل أمامه كان يشكل تهديدًا حقيقيًا.
لو قرر هذا الرجل استهداف رقبته، فحتى الملك سيتعرض لأضرار جسيمة. سيكون الأمر مزعجًا للغاية.
فانطلق صوت الملك، بنبرةٍ ناعمةٍ واضحٍ فيها محاولة تهدئة الموقف:
"أنا لن أقتلك! فقط أخبرني السبب، فضولٌ لا أكثر."
"...إنه..."
بعد صمتٍ قصير، فتح فمه ليُجيب— وفجأة...
'...فجأة؟'
"دم! دماء!!"
"آه."
انهمر الدم بغزارةٍ على المكتب المليء بالأوراق، بسلاسةٍ وكأنه أمرٌ طبيعي!
مد الملك يده بشكلٍ انعكاسي ليمسك بالدماء، لكن عقله كان مشغولاً تماماً بحيث لم يستطع حتى التفكير بأي رد فعل آخر.
هل هو سُم؟
لا، فقد استخدم تعويذة كشف السموم بمجرد رؤيته الدم، ولم تظهر أي نتيجة.
إذن، الاحتمال الوحيد هو...
الأعراض الجانبية.
رسمياً، 'ديون هارت' هو من قتل البطل.
البطل نفسه!
وبالطبع كان عليه أن يدفع ثمناً باهظاً، مما جعل جسده الهش أساساً ينهار تماماً.
ومنذ ذلك الحين، أصبح يتقيأ الدم بين الحين والآخر، تماماً كما يحدث الآن.
'الحقيقة مختلفة بالطبع، لكن النتيجة واحدة في النهاية.'
تذكر الملك أن هذه ليست المرة الأولى التي يسعل فيها ديون دماً، لكنه لاحظ بوضوح أن وتيرة الحوادث زادت مؤخراً.
—صر على أسنانه!
انقبضت أصابعه لا إرادياً عند فكرة أنه قد يفقد هذا الكنز البشري.
في تلك اللحظة، وكأنه أدرك الموقف متأخراً، وضع ديون يده على فمه وتراجع خطوتين عن المكتب.
صوته، الذي بدا بوضوح أنه يحاول كبح الدم، خرج بصعوبة:
"اعذرني... الأوراق..."
"الأوراق ليست المشكلة الآن! طبيبه! أحضروا طبيب الفيلق صفر فوراً! مريضه يعاني الآن، فأين هو بحق الجحيم؟؟؟!!"
هزّ صراخ الملك العالي كل أركان قلعة الشيطان، مما أشعل فوراً حالة من الفوضى العارمة.
***
من بعيد، جاء الطبيب المسؤول "بين" يهرول بخطوات متعثرة.
أما أنا، الواقف فوق السجادة الحمراء للملك التي لوثتها بقع دم قبيحة، فكانت أفكاري بسيطة للغاية:
"تبًا! لقد خرب كل شيء."
كل ما أردته هو تقديم استقالتي والمغادرة بسلام.
لكن بدلاً من ذلك، تقيأت دمًا، لوثت الأوراق، لوثت السجادة، وأزعجت الطبيب المسؤول...
أليس هذا الوضع المثالي لتتعرض للضرب؟
بل إن الضرب سيكون نعمة مقارنة بما قد يحدث.
فالآخرون شياطين.
لو كانوا بشرًا، لكانوا قد غضبوا ونسوا الأمر.
أما الشياطين، فسيهرعون نحو سيوفهم صارخين:
"قدّم الاعتذار بدمك!"
لهذا وقفت شاحبًا، متصلبًا كالخشبة، أحاول يائسًا الاستجابة لفحص "بين".
"سيد ديمون، هل تسمعني؟ كم إصبعًا ترى الآن؟"
"ثلاثة."
أجبتُ بكل انضباط، محاولاً البقاء على قيد الحياة، بينما استعدت ما حدث قبل قليل.
اسمي "ديون هارت".
بسبب سوء فهم طفيف... أو بالأحرى، ليس "طفيفًا" أبدًا!
في قلعة ملك الشياطين، يعرفونني باسم "ديمون أروت".
في الواقع، سبب تقديمي لاستقالتي هو بالضبط هذا "سوء الفهم" الكارثي...
وأما سوء الفهم، فهو أن الجميع في قلعة ملك الشياطين -بما في ذلك الملك نفسه- يعتقدون خطأً أنني قوي بشكل مهول!
هاه، يا للسخرية! حتى طباخ القلعة ربما كان أقوى مني... على الأقل هو شيطان في النهاية!
لكن هذا ليس المهم الآن.
هذا التقدير المبالغ فيه الذي لا ينتهي زرع بداخلي رعباً حقيقياً، وكأنه ينذرني بأنه يجب عليّ الانسحاب قبل فوات الأوان.
هل تقول أن التقدير الجيد أمر إيجابي؟ نعم، لكن بحدود معقولة.
المبالغة في التقدير تجلب الكوارث. خاصةً عندما تكون في قلعة ملك الشياطين! حتى الملك نفسه يبالغ في تقدير قوتي ويعاملني وفقاً لذلك. تخيل لو اكتشف الحقيقة؟
سيكون ذلك اليوم هو اليوم الأخير في حياتي. ولن يكون موتاً هادئاً بكل تأكيد.
'أريد الهرب.'
لكن إذا هربت فجأة دون كلمة، فسيأتي الملك بجيشه مطارداً لي قائلاً: "لا يمكنني أن أفرط في موهبة مثلك!" وقد لا ينتهي الأمر عند القبض عليّ فحسب، بل ربما يسجنونني أو -في أسوأ الحالات- يقتلونني.
'حتى بين البشر، هناك من يقول: 'إذا لم أستطع امتلاكك، سأحطمك!' فكيف بالشياطين؟'
لم أسمع قط بمقولة أن الأعداء يتشابهون، لكن يبدو أن شغفهم بالاحتفاظ بالمواهب يشبه تماماً إمبراطور البشر!
لو أخبرتهم الحقيقة، فلن يصدقوني. وحتى لو صدقوني، قد يصرخون: 'لقد خدعتني كل هذا الوقت؟!' ثم يقطعون رأسي!
لهذا قررت مواجهة الموقف وإنهاؤه بنفسي.
كنت مستعداً حتى لمراقبة الأجواء، ثم ترك رسالة الاستقالة والاختفاء مثل الرياح لو ساءت الأمور.
لكنني لم أتوقع أبداً أن يتشبث ملك الشياطين ببنطالي ويسقط أرضاً!
"مستحيل! مـسـتـحـيـل جـداً!!"
كنت أتوقع بعض المقاومة، لكن...
'هذا لم يكن جزءاً من الخطة!'
بنطالي؟! أليس لديك أي كبرياء كملك للشياطين؟!
صرخت داخلياً، لكني لم أستطع حتى أن أتحرك.
ببساطة... لأنني كنت مرعوباً.
'ملك الشياطين يتدلى من ساقي! تباً، إنه ملك الشياطين نفسه!'
إنه ملك الشياطين الذي واجه الأبطال عبر العصور والذ دافع دائمًا عن قلعة ملك الشياطين دون أن يتلقى سوى خدوش طفيفة!
بمجرد أن يحرك إصبعه، ستنتهي حياتي في لحظة - بوووف!
فلو حركت قدمي عن طريق الخطأ وركلته... يمكنك تخيل العواقب دون حاجة لتجربتها!
لذلك ظللت واقفاً بلا حراك مثل تمثال، حتى قام هو بتحرير قبضته أولاً.
كنت متوتراً لدرجة أنني أؤكد لو تأخر الملك قليلاً في تحرير يده، لانتابتني تشنجات عضلية لا محالة!
على أي حال، وبغض النظر عن التغيير الذي طرأ على مشاعره، عندما التقيت نظراته أطلق قبضته ونهض فجأة.
حسن أنه ترك بنطالي، لكن هذه المرة أمسك بكتفي!
كأنه يحاول بأي طريقة الإبقاء عليّ، وضع يديه على كتفي ونظر مباشرة إلى عينيّ ثم بدأ يتدفق كالسيل بالكلام:
لكن اسمعني يا صاحب الجلالة...
"لماذا؟ ما الذي لا يعجبك؟"
في الواقع، سبب تقديمي لاستقالتي هو...
"هل أساء لك المرؤوسون؟ أم أنهم عاملوك بقسوة لأنك إنسان؟"
لقد عاملوني بلطف مفرط إلى درجة غير مريحة!
أنتم تعتقدون أن هذا "التعامل الذي يليق بقدراتي"، لكنني لست كذلك!
أنا حقاً لا أمتلك أي قدرات!
بل على العكس، أنا مجرد إنسان ضعيف، أقل قدرة حتى من الشخص العادي!
'كان عليهم أن يشكوا بي منذ البداية، عندما حاولوا تجنيدي.'
ما الفائدة من إنسان مثلي؟ كان عليهم أن يتساءلوا.
لكن جو المكان كان يشعرني أنهم سيقتلونني لو رفضت... فلم يكن لدي خيار.
...ها؟ بالفعل.. عندما أفكر في الأمر، لم يكن لدي أي خيار منذ البداية.
'...هذه حياتي.'
كتمت تنهدًا كاد يختنق به حنجرتي.
يجب أن أهرب من هذا المكان الآن، قبل فوات الأوان.
بما أن الملك، الزعيم النهائي نفسه، يعاملني بلطف غير متوقع، ربما لا يكون الهروب مستحيلاً تماماً...
"أي وحش تجرأ؟! سأقضي عليه حالاً..."
لا! لا لا لا!!
أمسكت به مذعورًا وهو يخطو بثبات نحو باب المكتب.
من سيهتم بمن يقتل؟ بالتأكيد سيلقى اللوم علي أنا!
أترى؟ حتى معاملتهم الطيبة المفرطة تصبح نقمة!
يا إلهي، لماذا أشعر أنني سأبكي؟
لحسن الحظ، يبدو أنه استعاد هدوئه، حيث جلس الملك مع تنهد ثقيل.
"سأسألك مرة أخرى.. ما السبب؟"
صوته الآن هادئ بشكل مخيف، يحمل في طياته تهديدًا خفيًا.
ربما يكون خيالي، لكن من الأفضل أن أكون حذرًا.
بدلاً من الإجابة، راقبت رد فعله وسألت:
"...هل ستقتلني؟"
آه، هذا ليس ما أردت قوله! التوتر جعل كلماتي تخرج أكثر مباشرة مما يجب.
وكما هو متوقع، اتسعت عينا الملك اللتان بيلضهما اسود قاتم -رمز قوته- وحدقتا بي بتركيز.
ما الذي تعنيه تلك النظرة؟
هل نظراته تعني: 'كيف عرف هذا؟'... أم أنها تفكر: 'أأقتله أم أتركه؟'...
ربما هي تعني: 'لهذا أكره المرؤوسين الأذكياء!'
هل يجب أن أعتذر الآن؟... بل هل سيبقي على حياتي حتى لو اعتذرت؟ كل ما يتخيله عقلي هو مستقبل مظلم لا محالة.
لم أستطع تحمل نظراته الثاقبة، فتجنبتها باضطراب بينما كانت شفتاي ترتجفان.
ثم هز رأسه فجأة، بينما كان يحلل وجهي وكأنه يقرأ أفكاري.
"بالطبع لن أقتلك. فقط أخبرني السبب... أريد أن أفهم."
ترددت للحظة... لكنها كانت مجرد لحظة.
بعد كل شيء، هذا هو الحوار الذي أردته. لا مفر منه.
عندما فتحت فمي لأجيب...
"...إنه..."
إنفجار!
ذلك الشعور المألوف... طعم معدني لاذع يملأ فمي وينتشر حتى أنفي.
"دم!! إنه دم!"
"آه."
.
.
.