.

.

كانت الشمس الصافية تلقي بأشعتها الدافئة على إقطاعية الماركيز رون ، و لكن هذا الجو الدافئ لم يكن كافيا لإذابة النظرة الجليدية التي تسكن عيني قائد الثوار ، كلاود الأحمر .

كان يقف وسط شوارع إقطاعية رون ، يحمل فأسه الذهبي بيده اليمني و بيده اليسرى يحمل بلورة زرقاء سحرية تمده بتقارير حول كتائب جيشه الأخرى التي تهاجم الإقطاعيات الأخرى .

وجهه خال من أي تعابير مما يعكس تركيزه و جديته التامة .

تتمثل أمامه معركة الكتيبة الثالثة من قواته المسؤولة عن الهجوم على هذه الإقطاعية .

كانت أعين الثوار تشتعل بلهيب الثورة ، كانت الرغبة في التغيير مختبئة في نظرات الجميع .

هدف هذا الصراع هو تغيير وضعهم ،

القتال من أجل حقوقهم ،

الرغبة في مستقبل أفضل من أجل الجيل القادم في هذه الإمبراطورية.

كل واحد من الثوار جعلته مجموعة من الظروف القاسية يقاتل النبلاء المعتبرين كمركز قوة في امبراطورية الغريفين .

هذا القتال يجسد الصراع الأبدي بين العامة و النبلاء في هذا العالم و الصراع بين الحرية و الظلم .

إثر تحديقه في المعركة المتمثلة أمامه ، تمتم كلاود ببرود :

" لا بد من التضحيات للفوز في هذه الحرب ."

في كل مكان ، رقصت السيوف و الرماح التي تنسجم مع صوت تعويذات وصرخات السحرة .

الأمطار الحمراء من الشجار و المعركة تطايرت في الهواء ، تخلق لوحة دموية تعكس بلا رحمة حقيقة الحرب .

وسط هذا الصخب ، كانت المباني القديمة تشهد على تحطيم الزجاج و تصدع الجدران ، مما يعكس وحشية الصراع .

الأزقة الضيقة كانت تشهد مواجهات قتالية يعتمد فيها طرف الثوار على استراتيجية حرب العصابات و هي استراتيجية تهدف إلى عدم تلاحمهم بشكل مباشر مع قوات الحرس التي تفوقهم في العدد .

المغزى من هذه الإستراتيجية هي إصابة العدو بأكبر عدد من الأضرار و إطالة القتال لأطول وقت ممكن .

لم يعرف الثوار المغزى من هذه الخطة لكنهم يؤمنون أن قائدهم لن يقوم بشيء يضرهم .

كل ما عليهم الصبر و الإيمان بخطة كلاود الأحمر .

رائحة الدخان و الأتربة المتطايرة تلتصق بالأنوف ، و الأصوات التعويذات و الإنفجارات تتراقص مع النسمات الدافئة .

كانت المعركة تجسد مشهد مأسوي و جميل في نفس الوقت ذاته .

وسط هذا الجو الفوضوي ، كانت عيون كلاود تتابع المعركة ببرود وثبات ، لم يتحرك من مكانه طيلة الوقت كأنه ينتظر الوقت المناسب للتحرك .

فجأة و كأن الزمن توقف ، اقترب أحد حراس الإقطاعية من كلاود بسيفه المشرق ، و كانت حركاته تتكاد تكون لامعة في ضوء النهار .

كان الهجوم غير متوقع ، لكن سرعة بديهة كلاود جعلته يستجيب بفورية .

" مت ، يا قائد الخونة ." صرخ الحارس بنظرات محتقنة بالدماء ،

كما لو أن البرق قد ألقى بظلاله على المكان ، حرك كلاود فأسه الذهبي بسرعة فائقة ، انطلق في مسار سريع ، يتلاشى و يظهر بسرعة لا تصدق .

كانت حركاته دقيقة و فعالة . الحارس الذي هاجم كلاود لم يكن لديه وقت للرد .

في لحظة واحدة ، تحركت يد كلاود بشكل انسيابي و متناغم ، فأسه ارتفع بزاوية حادة و وجهه نحو الحرس بقوة هائلة .

اخترقت حافة الفأس الهواء بصوت صاخب و قطعت رأسه بدقة و قوة لا تصدق .

" ضعيف للغاية ."

ظلت اللحظة معلقة كما لو أن الزمن توقف ، و كلاود واقفا هناك يراقب المعركة ببرود كأن شيئا لم يحدث و جثة الحارس ساقطة أمامه .

" ما الذي حدث ؟"

" كيف مات كيفن ؟"

" ظننت أننا تمكنا منه ؟"

" قوي للغاية "

" وحش . كيف يمكننا إيقافه ؟"

كانت الحركة كالفن الحي . بينما تعالت صيحات الدهشة و الخوف من جانب الحراس الآخرين ، بدا كلاود الأحمر و كأنه رمز للقوة الفائقة و البراعة القتالية يبث الرعب في قلوب الأعداء .

……

" لنزد الأمر تشويقا ، أليس كذلك يا جيريمي ؟"

تمتم سامويل المبتسم بهذه الكلمات و الدم الأحمر الطازج يرش وجهه ،

لم يرمش هذا الأخير قط إثر قتله لشخص أخر بل ظل يبتسم بهدوء ناحية الدوق ماكنزي منتظرا رد فعله ، مما جعل معظم النبلاء يشعرون بالخوف من إمبراطورهم لأول مرة منذ توليه للحكم .

" هل … قتلها حقا ؟"

" كيااااااه"

" ياإلاهي لقد جن ، لقد جن ." صرخ أحد النبلاء الصغار و هو يتراجع للخلف ،

" كياااااه ، إليانور ."

توالت الصرخات الممزوجة بالخوف و الفزع من النبلاء حيث أشعت الدهشة و الرعب في عينيهم .

بينما ظل الدوق ماكنزي و سامويل يحدقان بسكون في بعضهما الأخر محاولين توقع حركة الأخر التالية .

فجأة ، لمع ضوء أحمر شديد في جثة إليانور الساقطة على الأرض ، أعمى جميع الحاضرين في قاعة الولائم .

بدأ الضوء الأحمر يلتف حولها كالألعاب النارية ، و كأنه يرسم أنماطا سحرية في الهواء . الأمور أصبحت غريبة و خارقة ، حيث تراقصت الألوان و الأنوار بشكل فريد حولها .

ثم ، و كأن قوة غامضة تتدفق من الضوء ، بدأت الجروح على عنق إليانور في الإختفاء تدريجيا . الدم الذي كان يغطي وجهها تلاشى و البشرة إستعادت لونها الطبيعي .

كانت العظام تتحرك بلطف إلى مكانها و الجسم يستعيد حيويته .

ثم في لحظة ساحرة ، الضوء الأحمر تلاشى و ظهرت إليانور بمظهر جديد . شعر ذهبي و عيون ذات لون أحمر فاتح كأنها عيون الشياطين .

الحاضرون لم يصدقوا ما يرون ،

" ماذا حدث ؟" تساءل أحد النبلاء بصوت هامس ،

" كيف ؟؟؟ …. هذا النهار يصبح أكثر ترويعا شيئا فشيئا ."

" ما هذا ؟ هذا ليس سحرا ؟"

" هل عادت للحياة ؟ ماهذا؟؟"

حدقت إليانور في عيني سامويل بعداء شديد و هي تبتعد عنه بحذر ممسكة حلقها بيدها الرقيقة .

من الواضح ، أن إختبار الموت شخصيا نقش جرحا عميقا في عقليتها مما جعلها تصبح صامتة ،

ظلت تحدق في سامويل المبتسم و هي تتراجع .

النبلاء كانوا ينظرون بدهشة و رعب إلى هذا الحدث الغريب الذي لا يمكن تفسيره .

" هل تظن أنك تستطيع سحري باستخدام شامان ؟ هل قللت مني لهذه الدرجة ؟" رن صوت الإمبراطور الساخر في جميع الأنحاء ،

" هاه "

حدق الدوق في إليانور بعيون شبه مذهولة متجاهلا تعليقات سامويل الساخرة ،

رغم أنه كان قد خطط لسحر الإمبراطور تحت لعنة الشامان للتخلص منه بسهولة ، و كان يعلم بقدرات الشامان من خلال قراءته للكتب القديمة ، إلا أن رؤية هذه القدرة النادرة شخصيا جعلته يتفاجأ و يشعر بجشع لا يوصف .

إذا إمتلك مثل هذه القوة فيصبح لا يقهر في إمبراطورية الغريفين ، لكن لسوء الحظ لا يمكن للدوق العبث مع حليفته لأن القوى خلفها مخيفة بشكل لا يوصف .

سرعان ما تمالك هذا الأخير نفسه ، و حدق ببرود ناحية سامويل مجيبا :

" سامويل غريفين ، ما معنى هذا التصرف ؟"

لمعت عيون ماكنزي الحمراء بضوء أحمر قاتل و هو يكشف عن ضغط كاسح جعل النبلاء المحيطين يسقطون أرضا .

" ما معناه ؟ ألا تعلم ."

ابتسم سامويل بتهكم ،

" حسنا ، حسنا ، لا تحدق في كأنك تريد إلتهامي ، حسنا دعني أنعش ذاكرتك . عانيت الشهر السابق من العديد من محاولات الإغتيال ،و بعد بحث سهل ، اكتشفت أن مصدر القتلة هو أنت ، أيها الدوق الأكبر النبيل . لكن ، لا أفهم لماذا لم تتحرك شخصيا ؟ هل أنت مختل عقليا ؟"

ظل الدوق محافظا على هدوئه ثم تمتم بابتسامة استفزازية ،

" كفى من هذا الهراء ، سامويل ، حتى لو كان الأمر صحيحا ، هل تظن أن أي أحد هنا يمكنه دعمك؟"

" دعمي ؟!"

"نحن ندعمه ." صرخ كل من ماغنوس و تلميذه في وقت واحد ،

" أنا أدعم الإمبراطور حتى الموت." تمتم إيدن ببرود و هو يقف خلف سامويل رفقة مجموعة من الفرسان المباشرين .

تذبذبت عيني الدوق ماكنزي و هو يحدق في إيدن متسائلا عن ما يخطط له .

" هاه ، يدعمك فقط السحرة و بعض الفرسان المباشرين ." أضاف الدوق بتهكم ،

" أما أنا فيدعمني …"

مباشرة بعد ذلك ، تحرك جميع النبلاء من نبلاء مؤثرين إلى نبلاء صغار خلف الدوق ماكنزي ،

جميعهم وعدوا بفوائد كبيرة مقابل خيانتهم لعائلة الغريفين ، كما ساعد غباء و ضعف سامويل السابق في نجاح خطة الدوق كليا .

بابتسامة باردة ، كشف الدوق عن ألوانه الحقيقية و عن دعم النبلاء له ،

خطط طويلا لهذه اللحظة ، لذلك من الواضح أنه لن يتراجع بسبب تغير سامويل غريفين في الأونة الأخيرة ،

" هل تظن أنك تستطيع هزيمتي ؟"

" تركتك تلعب طويلا . التحالف مع الثوار و السحرة ، استيلاؤك على تلك النقابة الصغيرة المسؤولة عن الإغتيال .."

" قتلت بعض أتباعي ، حتى أنك قمت بجعل أحد الكلاب التي روضتها بصعوبة تخونني ."

" هل تظنني لا أعلم ، لم أعمل جاهدا طوال هذه السنوات ليخدعني طفل صغير مثلك ."

يمكن للدوق أن يرى ملامح الذعر و الخوف على وجه سامويل كأن روحه تم التهامها بالكامل ،

" لقد فاجأتني حقا بتغيرك هذا ، حتى أنني أردت تسريع العملية . لكن هل تظنني جاهلا ؟"

" أنت فتى مثير الشفقة ."

انتشى الدوق بملامح الخوف الظاهرة على جانب سامويل ،

بالتوتر البادي على وجه ماغنوس و تلميذه أرون ،

و بالفزع المنقوش على ملامح سامويل .

مستمتعا بالمنظر ، أمسك الدوق ماكنزي بزجاجة من النبيذ و صب لنفسه كأسا ببطء .

كانت الغرفة مليئة بالتوتر و الصمت ، حيث كان النبلاء يترقبون بانتظار مزيد من التطورات .

إذا نشبت معركة فسيفوز طبعا فصيل النبلاء هذا ما آمن به الدوق دون حساب متغير إيدن ,

لكن ، الدوق يعرف أن الفارس إيدن سيساعده بشكل سري .

كما أنه أوصى النبلاء الموالين له بجلب أسلحتهم لأن الحفلة قد تتحول إلى ساحة معركة .

يمكن للمرء أن يرى العديد من النبلاء الذين يلعبون بخواتمهم المكانية التي تحتوي على اسلحتهم من كثرة التوتر .

لو كان الأمر في الماضي ، لتم منع إدخال القطع الأثرية في الإحتفالات الكبرى داخل الامبراطورية أو سيتم اعتبار الأمر خيانة كبرى .

لكن الآن فقد ضعفت عائلة الغريفين لدرجة لا تصدق ، لذلك لم يهتم أحدا بالقوانين المسنونة من طرفها .

" كنت أتوقع ذلك منك ، كما أنك أرسلت قواتك للهجوم على الإقطاعيات المجاورة لمنع الدعم على فصيلي عند بداية المعركة . لكن أنت لا تعلم سعة قواتي و حلفائي الحقيقية . شقي مثلك لن يحقق الأمر مثلي حتى لو عاش ألف عام."

" أوه ،كما دعني أتوقع ، خطتك تقتضي أن يحيط السحرة بالقاعة منتظرين إشارة العجوز ماغنوس للهجوم ."

" خطة مثيرة للإعجاب ، لكنني أعلمها للأسف ."

رفع الدوق بيده في السماء كإشارة ، ليسقط رأس بشري ملطخ بالدماء قرب سامويل ،

خطته هي تحطيم معنويات فصيل سامويل و جعلهم يشعرون بمرارة الخسارة .

" كياااااه "

" ماهذا ؟؟"

" كيااااه " صرخت مجموعة من النبيلات و هن يحدقن في الرأس الساقطة .

" تسك ،هل تعلم من هذه الحشرة يا ماغنوس ؟" بابتسامة ملتوية تمتم الدوق باستهزاء ،

" أنت ..."صر ماغنوس أسنانه و هو يحدق في رأس أحد أتباعه المقربين ، توم .

كان هذا الأخير ، مسؤولا عن وحدة السحرة التي ستساعد في الهجوم على جيريمي و النبلاء بعد حصولهم على الإشارة كما قال الدوق .

خطتهم هي كالآتي ، الإحاطة بقوات الدوق و مهاجمتهم من كل الجهات .

لكن ، بالنظر للرأس ، يمكن أن يستنتج ماغنوس فشل الخطة و تقليلهم من شأن الدوق .

" إنه رأس تلك الحشرة توم ، كنت أبغضه على أية حال ."

بتلويحة إصبع , أرسل جيرمي شعاعا من الكي فجر الرأس كالبالون ،

سبلاش

ليلطخ الدم فصيل سامويل ،

" أيها اللعين …"صرخ ماغنوس بغضب ،

" أنت أيها …" حرك أرون يديه رغبة في الهجوم على الدوق الثرثار ،

" ماغنوس ، أرون ، توقفا ." صدى صوت سامويل البارد في جميع أنحاء القاعة ،

" و لكن اللعبة انتهت الآن ، سامويل غريفين."

ابتسم الدوق ببرود و هو يرشف النبيذ ،

" لقد تركت مفاجأة سارة لأتباعك الأخرين ."

" أخيرا ، سينتهي عصر الغريفين و سيبدأ عصري . عصر عائلة ماكنزي ."

" هنيئا ، أيها الدوق … لا بالأحرى ، أيها الإمبراطور ماكنزي ." هنأ الكونت روكس ماكنزي بحيوية ، ليتبعه باقي النبلاء .

" يحيا الإمبراطور جيريمي ماكنزي !!!" صرخ النبلاء بالإجماع .

مباشرة بعد ذلك ، صفق جميع النبلاء الموجودين و بدأوا في تهنئة الدوق أمام سامويل بلا حياء .

…..

بعد وصول قوات قائد الثوار إلى قصر الماركيز ، بفضل تدخل كلاود الأحمر المتواصل الذي أخاف قوات حرس الإقطاعية .

سوووويش

فجأة ، ظهر المئات من الأشخاص الذين يرتدون ملابس سوداء ، بعضهم يبدوا كأنهم فرسان و البعض الأخر يبدو كسحرة .

أحاطوا بكتيبة قائد الثوار بشكل مفاجئ .

نفس الشيء حدث في جميع الإقطاعيات المستهدفة من طرف قوات سامويل ،

تم اقتيادهم كالخراف إلى وسط الإقطاعية لتتم مباغتتهم بصمت ،

مما يدل على قوة أفراد و موارد العدو .

نفس الشيء يحدث لإكس المتفاجئ نوعا ما من تغير الوضع .

.

.

ما هو رأيكم بمستوى الرواية لحد الآن ؟ المرجو بإدلاء رأيكم في التعاليق

2024/01/04 · 352 مشاهدة · 2055 كلمة
....وحيد
نادي الروايات - 2024