كان الظلام كثيفا... ليس كظلام الليل, بل كغلالة خانقة تسحب الهواء من الرئتين. وعي سيرافين تلاشى كرماد في عاصفة, لكنه لم يختف. كان عالقا... في داخله.
فتح عينيه في مكان بلا جدران, بلا ارض, بلا سماء. العدم ذاته يحتضنه ببرودة جارحة. صدى انفاسه كان الصوت الوحيد, ومع ذلك لم يشعر انه وحيد, الخوف لم يكن شعورا... بل كيانا واقفا خلفه, يتنفس معه.
انقبض صدره, وذاك الالم الموعج قد عاد. ليس الم الجسد, بل الم الحقيقة. كل صراخ كبته, كل نظرة احتقار تجرعها, كل خدلان مر عليه... كانت تطفو الان, تلسعه كنيران خفية. راى صورا تتراقص حوله:
والديه, اصدقائه, و... اخته راى ذكرياته معهم. وفي الخلف, تواجد الدوق ينظر له بنظرة معقدة.
اغمض عينيه, ودمعة تسقط هلى خده.
ولاول مرة, بعد وصوله الى هذا العالم الغريب عنه. يعترف انه... خائف.... خائف من الموت, ومن المجهول الذي ينتظره.
***
اشتعلت بقعة صغيرة من الضوء داخل العدم, تومض برعشة كانها نبض قلب عاد من الموت.
نهض سيرافين وسط الركام والدماء, وعيناه تلمعان ببريق احمر وزرقة جليدية متضاربة. الدم يسيل من جبينه, جسده متقرح, لكن داخله... كان مشتعلا.
"اخرج كل شيء... سيرافين. "
عاد الصوت, لكن هذه المرة اتبع كلماته.
زمجر من اعماقه, صرخة تمزقت من حنجرته:
"ااااااه!! "
اهتزت الارض تحت قدميه وانفجرت موجة رهيبة من حوله سقط الوحش الاول ارضا وهو يان اذناه تنزفان كانت الصرخة محملة بالغضب, بالقوة الكامنة في دمه المختوم.
لم ينتظر. في لحظة, انقض على الوحش الثاني رفع ساقه اليمنى عاليا, واطلق "دوليو شاجي" ضربة دائرية جانبية اصابت راس الوحش مباشرة, فدار برقبته مرتين قبل ان يرتطم بلارض ويخر صريعا.
اما الثالث, فزار وتقدم كالثور. لكن سيرافين كان اسرع. تبث قدميه, خفف وزنه, ثم انحنى وقدف جسده للامام بحركة "سونال ماكي" ضربة حادة بجحد كفه اللى عنق الوحش, تبعها ب"يوبتشاجي" ركلة جانبية اخترقت اضلاعه.
تراجع الوحش, يلهث, ثم سقط.
وقف سيرافين وسط الساحة, صدره يرتفع وينخفض, يده تنزف , عرقه مختلط بالثراب والدم.
بدا وعيه يتلاشى, لكن قبل ذلك.
عاد الصوت من جديد :
"نجوت... لكن هذه البداية فقط. "
ظهرت شاشة شفافة امامه :
"اختبار الدم التالي... بعد 5 ايام
النجاة... خيارك الوحيد. "
ثم فقد وعيه.
****
مرت يومان. وسيرافين ينهك جسده بالتدريب فقط لينسى,
ينسى ذلك الحلم, انه يقنع نفسه انه مجرد حلم... لكن صوت داخله يخبره العكس.
تنهد. وهو يشق طريقه الى جناحه.
بعد استحمامه, وقف امام المراة, نظر الى نفسه. وجهه صار اكثر شحوبا, وتحت اعينه اكياس من الهالات السوداء.
"هذا مضيعة للجمال. "
تنهد مرة اخرى. ودهب لارتداء ملابسه, وقف امام الخزانة وقرر ان يرتدي شيئا جميلا.
من اول يوم له هن,ا وهو يرتدي فقط ملابس عادية لتسهل عليه الحركة, وبعد رؤيته الملابس الموجودة هنا, قرر تدليل نفسه قليلا علا وعسى ان يظهر بمنظر لائق بصفته ابن الدوق.
اخد اول ماوقعت عليه يده.
القماش كان فخما بلون كحلي داكن, تتخلله تطريزات فضية دقيقة, وكانها خيوط نسجت من ضوء القمر.
قميصه التصق بجسده بطريقة انيقة, والسروال الاسو,د من نوع خاص من الجلد الناعم, التفت حول ساقيه كانه صنع خصيصا له, مانحا له مظهرا مهيبا وواثقا. عباءة خفيفة زينت بحواف مطرزة بيد فنية. تدلت من كتفه الايسر, تزيد من هيبته.
نظر سيرافين الى نفسه في المراة, بنظرة طويلة طرف فمه ارتفع باستخفاف وقال ;
" لو كنت انا خصم لي... لتوقفت فقط لاتامل اناقتي. "
ثم اخد ربطة من الطاولة لربط شعره, بسبب الحرارة, ولم بهتم بالقاء نظرة على شعره, فتوجه للخروج من هذا الجناح الكئيب.
فتح الباب بخطوات واثقة. وخرج الى الرواق الطويل. سكون... ثم عيون, اعين كثيرة من كل الزوايا, خدم وحراس. الكل توقف ينظر اليه وكانهم راوا شبحا.
سيرافين في الخارج, كان يبدوا واثقا, وهو يشق طريقه الى الخارج, لكن من الداخل كان متوترا :
'ياالهي هل ابدوا غريبا بهذه الملابس'
'لم يكن يجب علي الخروج '
وهو يسير في الرواق, غارقا في افكاره. ظهر امامه الدوق, واقفا كعادته كتمثال من الرخام البارد, يلبس عبائته الداكنة, ونظراته الحادة تسبق صوته دائما.
لم يكن يتوقع رؤيته هنا, فقفز قليلا الى الوراء برعب. الخدم ورائهم كتموا انفاسهم, وبدت الهيبة التي رسمها سيرافين لنفسه, وكانها تكسرت للحظة امام الدوق.
لكن سرعان ماحاول تمالك نفسه , وقبل التفوه بكلمة لاحظ نظرات الدوق... لم تكن قاسية, كعادتها, كان ينظر الى سيرافين مطولا, وكانه يراه لاول مرة;
تجمد الجو بينهما, لا احد تكلم;
'هل علم انني لست ابنه انها نهايتي'كان سيرافين يبكي من الداخل, لكن صوت الدوق, اخرجه من افكاره.
نطق الدوق, بصوت منخفض لكن حاد:
"لقد تغيرت. "
'وانت... لازلت تمشي كانك تحمل ثقل العالم. '
رفع سيرافين ذقنه بكبرياء : " من الطبيعي ان ابدو مختلفا لقد اصبحت اقوى"
الدوق بقي صامتا للحظة, ثم اقترب منه خطوة وقال بهدوء :
"قوي? ... كنت اتحدث عن شعرك. "
صمت, ثقيل خيم لثانية, قبل ان يعم الرواق بضحكات مكتومة, من الخدم والحراس. وهم يراقبون ابن الدوق وقد انخفظت هيبته امام جملة واحدة.
سيرافين رمش عدة مرات, وعقله يحاول استعاب ماحدث.
'هل... هل يسخر مني بسبب ربطة شعري'
ثم تنحنح بخفة, وتابع سيره, وكانه لم يسمع شيئا, لكن خطواته كانت اسرع مما قبل.
***
توقف الدوق ينظر الى ظهر ابنه يبتعد ,بخطوات سريعة, كتفاه مشدودان, وغضبه واضح في كل حركة, تنهد, وقال بخفة :
" لقد قصدت انه اكثر وسامة بعد ام جمع شعره... لكنه فهمني خطا. "
لم يكن الدوق معتادا على توضيح او المديح, لكنه في تلك اللحظة, شعر بشيء غريب. ابتسامة خفيفة تشكلت على فمه, نادرة, بالكاد ترى.
ثم استدار بهدوء, واختفى بين اعمدة القصر وغموص اروقته. كانه لم يكن موجودا منذ البداية.
________________________________________________________________*
احب مشاهد سيرافين والدوق ههه
بدكم اوريكم صورة الدوق