الفصل الرابع مئة والتاسع عشر: الإمبراطورية تكتشف الاتحاد وقصر السامسارا
____________________________________________
قضى نينغ تشينغ شوان الفترة التالية في راحة وسكينة، منهمكًا في ترتيب مكتسباته من أطلال التايتان. لم ينقطع عن حديثه مع روح السلاح، لونغ جي، في محاولة دؤوبة لمساعدته على استعادة ذكرياته المفقودة.
وفي غضون ذلك، لم يغفل عن التحقيق في أمر سلاسل الأرواح، وقد كشف عن الأسباب الخفية التي أدت إلى سقوطها في تلك الأطلال العتيقة.
إن إقليم كون لون الكوني وإقليم الطائر القرمزي الكوني يقعان، بالمعنى الدقيق، تحت سماء كونٍ عظيمٍ واحد. كل ما يفصلهما هو اختلاف الاتجاه، ووجود عواصف زمانية ومكانية عاتية بينهما.
وحين اكتشف فضاء الإله الرئيسي هنا عالم الموتى، كانت العوالم السبعة آنذاك قد اندمجت بالفعل مع آلاف العوالم الأخرى، لتشكل ما يُعرف اليوم بعوالم هونغ مينغ الثلاثة آلاف.
وشعر بارتياح عميق في قلبه حين علم أن ديوان الظلمات ما يزال قائمًا، وأن إرثه لم ينقطع مع تعاقب الأزمان.
سرعان ما انقضى نصف شهر آخر كلمح البصر. وفي ذلك اليوم، طرأ على دانتان نينغ تشينغ شوان تغيرٌ فاق كل تصور.
فما إن أدار دورة تدريبه السماوية إلا وتدفقت إليه قوة مصدر النجوم بكميات هائلة لا حدود لها، وكأنها نهر جارف لا يعرف حاجزًا أو سدًا.
وتحسبًا لأي انتباه غير مرغوب فيه، تحرك بحذر شديد، مكتفيًا بتجربة يسيرة قبل أن ينهي تدريبه على الفور.
همس لنفسه وعيناه تلمعان ببريقٍ أخاذ: "لقد نجحت، هذا هو أول دانتان نجمي إمبراطوري لي". ومنذ تلك اللحظة، انعكس دانتانه على امتداد نجم المجرة الإمبراطوري بأسره.
فبفضل حجم نجم المجرة الإمبراطوري الهائل، لو أنه استوعب قوة مصدر النجوم بالكامل، لأحدث عاصفة كونية عاتية، ولكانت قوته قد اخترقت حواجز عالم صهر النجوم في لمح البصر.
ولو كرر هذه العملية لأكثر من ستة أشهر، لما كان بلوغه عوالم أسمى بالأمر العسير.
وهذا كله لم يكن سوى أثر دانتان نجمي إمبراطوري واحد، فلو ازداد العدد ليشمل أقاليم نجمية عدة، لما احتاج نينغ تشينغ شوان إلى وقت طويل ليستعيد قوته التي كان عليها في عصر الاتحاد، قوة ملك آلهة ذي تسع نجوم.
ولأن الدرب الذي يسلكه الآن هو مرحلة تمهد للوصول إلى النكبة الثالثة لملك آلهة ذي تسع نجوم، فإنه ما إن تنتهي رحلة تطوير حياته هذه، وتتحد هيئتاه في كيان واحد، سيبلغ كمال ذاته الحقيقية، وسيملك قوة قتالية تفوق كل خيال.
ومن نافذة مسكنه المنحوت، ألقى نينغ تشينغ شوان نظرة على السماء المرصعة بالنجوم، فرأى النجوم الإمبراطورية البعيدة، وبمجرد أن حرك فكره، نشأ بينه وبينها رابط خفي.
لقد استيقظت من جديد موهبته الأصيلة التي تعكس العوالم السماوية.
لكنه هذه المرة لم يكتفِ بعكس النجوم الإمبراطورية وحدها، بل شمل انعكاسه كل ما في السماء من نجوم حارسة، وشظايا حلقات نجمية، وتجمعات نيازك، وكل جرم سماوي آخر.
كان هدفه المحدد هو أن يجعل من فن إله الكون خاصته، فن العملاق الكوني، قوة أعظم مما كانت عليه من قبل.
فعندما تصبح كل أجرام السماء جزءًا لا يتجزأ من جسد العملاق الكوني، ألا يعني ذلك أنه هو الكون، وأن الكون هو ذاته؟
اتخاذ النجوم الإمبراطورية كدانتان، والمجرة كشرايين تسري فيها الدماء، فكرة لم يجرؤ أحد على تصورها، لا في إقليم الطائر القرمزي الكوني ولا في إقليم كون لون الكوني.
أما نينغ تشينغ شوان، فلم يكتفِ بالتفكير في الأمر، بل كان في طريقه لتحويله إلى حقيقة ماثلة.
ومضى الزمن من جديد، فقد كانت فترة الراحة في خطة التدريب الخاصة شهرين كاملين، ومضى تدريبه بسلاسة ويسر دون أن يعكر صفوه أحد.
وفي الوقت ذاته، في إقليم النجوم المركزي لإمبراطورية أتلان، وبالتحديد في كوكب مأهول بالحياة يفوق حجمه حجم أي نجم إمبراطوري عادي بمئة ضعف، اجتمع اليوم عدد غفير من الآلهة الذين قدموا من كل حدب وصوب في السماء.
إنه نجم أتلان، الكوكب الأم لإمبراطورية أتلان، الذي شهد تاريخها الطويل ونموها عبر العصور، وهو أيضًا المركز الذي تتركز فيه السلطة الإلهية للإمبراطورية بأكملها.
فقد تلقى كلٌ من الملاك راسيل، والملاك ميكائيل، وغيرهما من الآلهة العظام الذين يمسكون بزمام السلطة في الهياكل المقدسة، أمرًا بالحضور، وها هم الآن قد اجتمعوا في قاعة العرش الملكي.
وبمجرد إلقاء نظرة على القاعة، ترى تماثيل الآلهة الشامخة التي تملأ المكان، وتشع منها إرادة إلهية مهيبة تضفي على المكان جلالاً وقدسية لا تُنتهك.
جلس عشرة من أسياد الهياكل المقدسة حول طاولة مستديرة في صمت، يترقبون شيئًا ما، إلى أن دخل عليهم من خارج القاعة شيخٌ يرتدي رداءً أبيض.
عندئذ، نهضت الآلهة العشرة وقالت بصوت واحد: "يا أبي".
رفع الشيخ يده مشيرًا إليهم بالجلوس قائلاً: "اجلسوا جميعًا، لا داعي لهذه الرسميات".
ثم قال بصوت هادئ: "لقد دعوتكم اليوم بشأن ذلك الشاب المستدعى من مجموعة مجرات أندروميدا الفائقة، نينغ تشينغ شوان، الذي أيقظ روح سلاحٍ يعود لحضارة عتيقة، وأظن أن الخبر قد وصلكم جميعًا". ثم التفت إلى ميكائيل وأضاف: "لقد وقع هذا الأمر في أراضيك يا ميكائيل، فلتخبرينا بالتفاصيل".
نهضت ميكائيل، وعلى وجهها ابتسامة وديعة وملامحها تنم عن وقار واعتزاز، وقالت: "ينحدر نينغ تشينغ شوان من كوكب الأرض، وقد اكتشفت موهبته الفذة التي لا مثيل لها قبل عام ونصف، فقمت باستدعائه استدعاءً خاصًا".
"وفي المرحلة الأولى من خطة التدريب الخاصة، تمكن من احتلال المركز الأول في قائمة المئة الأقوياء، ويعد إنجازه هذا من بين أفضل عشرة إنجازات حققها الأوائل على مر العصور".
"أما روح السلاح التي تُدعى لونغ جي، فهو من أيقظها في أقل من ربع ساعة حسب ما قيل. وقد علمنا من لونغ جي نفسه أنه قادم من إقليم كوني آخر، من مملكة غو وو السماوية العتيقة التي تعود لحضارة قديمة".
"ورغم أنه نسي سبب مجيئه إلى هنا، فإن تحقيقات باحثي الإمبراطورية التي أجريت قبل سنوات تشير إلى أن تلك البارجة الحربية كانت على الأرجح وفدًا من مملكة غو وو السماوية، مما يعني أن تلك المملكة لا تضمر شرًا لإمبراطورية أتلان".
وحين أنهت ميكائيل حديثها، خيم الصمت على الملائكة التسعة الآخرين، وقد غرق كل منهم في أفكاره الخاصة.
إن هذا الشاب القادم من الأرض قد أحدث ضجة كبرى في أوساط قادة الإمبراطورية حين أيقظ لونغ جي، وقد وصلتهم الأنباء في حينها.
ولم تختلف تفاصيل ما حدث عما روته ميكائيل.
أومأ الأب الوصي برأسه، ثم تغيرت نبرة صوته لتصبح أكثر جدية وقال: "لقد دعوتكم اليوم لأمر آخر، فقد تمكن جاسوس الإمبراطورية في فضاء الإله الرئيسي من التواصل معنا مؤخرًا".
"وقد حمل معه معلومات استخباراتية بالغة الأهمية. وبناءً على هذه المعلومات، بالإضافة إلى أصل لونغ جي، يمكننا أن نؤكد تقريبًا أن مملكة غو وو السماوية العتيقة حقيقية، وأنها تقع في إقليم كوني آخر".
"غير أن مملكة غو وو السماوية قد اندثرت، وأصبحت القوة الحضارية الأعظم في ذلك الإقليم الكوني اليوم، بعد أن تناقلت شعلة الحضارة الإنسانية، تُعرف باسم الاتحاد".
أثارت هذه الكلمات دهشة الآلهة جميعًا.
همست ميكائيل باسم "الاتحاد؟"، وهي تردد الكلمة في ذهنها وكأنها تتذوقها.
"يقول جاسوسنا إن حضارة الاتحاد ذات إرث عظيم يفوق الخيال، وإنها تعمل جنبًا إلى جنب مع منظمة تُدعى قصر السامسارا، وقد شكلتا معًا كيانًا ذا نطاق هائل".
"وقد التقى جاسوسنا، أثناء تنفيذه مهمة من فضاء الإله الرئيسي في عالم قارة البرية البدائية، بأحد المتناسخين من قصر السامسارا، وكانت تلك هي المرة الأولى التي يصادف فيها فضاء الإله الرئيسي متناسخين من عالم آخر".
"ويخمن فضاء الإله الرئيسي أن قارة البرية البدائية تختلف عن العوالم الأخرى، إذ لا بد أنها تحتوي على ممر غامض سمح بالتقاء المتناسخين من الإقليمين الكونيين".
"لكن للأسف، عندما حاول متناسخو فضاء الإله الرئيسي عبور ذلك الممر، واجهتهم عوائق منعتهم من ذلك".
أحدثت كلمات الأب الوصي هذه صدمة عنيفة في قلوب الملائكة العشرة، وزلزلت كيانهم.
فإمبراطورية أتلان، التي طالما بحثت عن حضارات أخرى دون جدوى، قد توصلت إلى اكتشافات عظيمة متتالية في غضون شهرين فقط.
'هل هذه بشائر عصر جديد على وشك أن يبدأ؟'
تسارعت أنفاس ميكائيل قليلاً وهي تسأل بلهفة: "وهل تمكن الجاسوس من معرفة كيف وصلت روح السلاح لونغ جي وبارجة مملكة غو وو السماوية إلى عالمنا؟".