في زنزانته المظلمة، جلس البطل متكئًا على الجدار البارد، محاطًا بصمت ثقيل لا يقطعه سوى صوت أنفاسه المتعبة. الضوء الخافت المتسلل من فتحة التهوية العلوية كان يرسم ظلالًا باهتة على الجدران الحجرية، كأنها أشباح الماضي تطارده. تأمل يديه المليئتين بالجروح والندوب، كل واحدة منها تحمل ذكرى أليمة من ماضيه المظلم والغامض.
صوت خطوات ثقيلة اخترق السكون. لم يرفع رأسه، لكنه شعر بها تقترب ببطء، كأنها صوت حكم قادم لا محالة. توقف الصوت عند باب زنزانته، ثم صدر صرير حاد عندما انفتح الباب الحديدي.
في المدخل، وقف رجل ضخم البنية، طويل القامة، يكسوه ظلام كثيف كأن جسده جزء من العتمة المحيطة. قرونه البارزة وعيناه الذهبيتان المتوهجتان منحته مظهرًا أقرب إلى كابوس متحرك. زيراث... ظل الموت.
تقدّم زيراث خطوة واحدة إلى الداخل، صوته الأجش تمتم:
"سمعتُ أنك نجوت من المعركة الأخيرة."
لم يُجب البطل. بقي جالسًا في مكانه، ينظر إلى يديه بصمت. لم يكن عدم الرد عنادًا، بل ربما لم يكن لديه ما يقوله.
"النجاة... ليست دائمًا انتصارًا." تابع زيراث، متفحصًا البطل كأنما يبحث عن شيء في عينيه.
"لكنها الخطوة الأولى. السؤال هو… ما الذي يبقيك مستمرًا في هذا الجحيم؟"
لم يتحرك البطل. لم يُظهر أي رد فعل.
زيراث ابتسم ابتسامة غامضة، كاشفًا عن أنيابٍ حادة خفية. خطوة أخرى إلى الأمام، ظله يبتلع البطل بالكامل تقريبًا.
"الانتقام، أليس كذلك؟" قال بصوت هادئ، لكن فيه نبرة فهم عميق. "أراه في عينيك… تلك الشرارة التي لا تموت، اللهب الذي يرفض أن ينطفئ."
انحنى قليلًا للأمام، كأنما يُلقي بسر خطير:
"الانتقام نار تحرق صاحبها قبل عدوه. تأكد من أنك تستطيع السيطرة على لهيبها."
انتظر زيراث للحظة، وكأنه يتوقع ردًا، لكن البطل ظل صامتًا، يحدق في الفراغ. لم تكن هناك حاجة للكلمات، لأن عينيه قالتا كل شيء.
زيراث تنهد بصوت خافت، ثم رفع رأسه، عيناه تتجهان إلى السقف كأنه ينظر إلى شيء بعيد جدًا.
"أنا نتيجة تجربة فاشلة." قال بصوت خالٍ من أي عاطفة. "مزيج بين إنسان وعرق غير معروف. وُلدتُ في هذه الأرينا، وعشتُ عبدًا منذ صغري. هذا المكان هو كل ما أعرفه."
التفت إلى البطل مرة أخرى، نبرته هذه المرة كانت أكثر حدة:
"لكن هذا لا يهم الآن. المعركة القادمة ستكون اختبارًا حقيقيًا لك. استعد."
استدار زيراث، واتجه نحو الباب. قبل أن يخرج، توقف للحظة دون أن ينظر خلفه.
"لا تدع هذا المكان يلتهمك قبل أن تحصل على إجاباتك."
ثم اختفى في الظلام، تاركًا البطل وحده مرة أخرى… لكن هذه المرة، لم يكن وحده حقًا. كلمات زيراث بقيت في الهواء، تُحاصره أكثر من جدران الزنزانة نفسها.
رفع يده إلى وجهه، أصابعه تلامس ندبة قديمة على خده. لم يكن بحاجة إلى كلمات ليعرف أن شيئًا ما قد تغيّر داخله.
في الخارج، دوى صو
ت بعيد… كأنه صراخ مئات الأرواح المحاصرة.