0 - مدخل | صانع الوشوم.

كانت الساعة تقترب من العاشرة مساءً، وكان الهواء البارد ينساب عبر زجاج المقهى، بينما تناثرت قطرات المطر على الزجاج، تعكس ضوء الشارع الخافت، جلست راڤين في ركنها المعتاد بجانب النافذة، تحتسي قهوتها السوداء بصمت بينما تقلب صفحات دفتر صغير بين يديها.

كانت الليلة هادئة فقد انتهت خدمة المقهى لليوم، لا ضجيج زبائن مزعجين ولا موسيقى صاخبة، تمامًا كما تحب. منذ أن قررت اعتزال عملها القديم، بدأت تشعر بالراحة والسلام الذي لطالما سعت إليهم.

على الجانب الآخر، جلس خالها، إليوت، متكئًا على الكرسي بإهمال، بينما يتصفح هاتفه بحماس واضح. كان شابًا في أواخر العشرينات من عمره، ذا شخصية مرحة وميالة إلى العبث، على عكس راڤين تمامًا. وبينما كانت هي تفضل الصمت والهدوء، لم يكن يتوقف عن الحديث أو إلقاء التعليقات الساخرة.

«أنتِ في عالم آخر مجددًا.» قالها بنبرة مازحة، فرفعت حاجبها بكسل.

«على الأقل عالمي أكثر هدوءًا من ثرثرتك المستمرة.» ردت دون أن ترفع عينيها عن الأوراق، مما جعله يضحك بخفة.

«هاه! انظري لهذا، راڤين.» قال إليوت بعد لحظات وهو يدير الهاتف نحوها، يعرض عليها صفحة مليئة بالصور لوشوم دقيقة التصميم. «لماذا لا تحصلين على وشم؟ ربما شيء يناسب مزاجك الكئيب!»

رفعت حاجبها ببرود. «وشم؟ ولِم قد أفعل ذلك؟»

«لا أدري، لمجرد التغيير، شيء يضيف لمسة من الحماس في حياتك بدلًا من تصرفك و كأنكِ عجوز في السبعين.» قال بمزاح، قبل أن يعود ليقلب في الصور، «أوه، انظري لهذا التصميم! خفاش؟ تمامًا يناسبك، بما أنك تفضلين الظلام والعزلة.»

اكتفت بنظرة جانبية قبل أن تعود إلى قهوتها. لكنه لم يتوقف، بل تابع الحديث بمرح: «ألا تشعرين برغبة في المغامرة؟»

لفتت انتباهها بعض التصاميم عندما أدار هاتفه نحوها. لم تكن مهتمة بفكرة الوشم من قبل، لكن الآن... ربما شعرت بأنها ليست فكرة سيئة.

«أين يقع هذا المكان؟» سألت بصوت هادئ، مما جعل إليوت يرفع رأسه باندهاش حقيقي.

«مهلًا، هل أنتِ جادة؟!» رمش مرتين قبل أن ينفجر ضاحكًا. «لم أكن أتوقع أنكِ ستفكرين في الأمر فعلًا! أعتقد أنني سأدوّن هذا في التاريخ.»

«قلتُ أين يقع المكان، لا تكثر الكلام.»

نظر إليها بشك، ثم ألقى نظرة أخرى على الصفحة، «حسنًا، يبدو أنه يقع في شارع ريفنلو. ربما عشر دقائق من هنا؟ لكن مهلا، هل قررتِ ماذا ستختارين؟»

«ليس بعد.» رفعت كتفيها بلامبالاة.

«سأرسل إليكِ رابط الصفحة لتختاري إذًا.»

أسندت ظهرها إلى الكرسي، بينما أمسكت هاتفها تضغط على الصفحة، تتصفح التصميمات.

مررت إصبعها على الشاشة، حتى توقف إصبعها فجأة عند صورة جذبت انتباهها.

إيليوت لاحظ الشرود الذي غرقَت فيه، فمال للأمام قليلًا، ناظرًا إلى هاتفها قبل أن يرفع حاجبه.

ثم قال بنبرة ساخرة: «حسنًا، إذا كان وشم جمجمة أو عظام مكسورة يستهويكِ، فأظن أنكِ وجدتِ فنانكِ المناسب.»

لم تعطه أي رد هذه المرة، بل استمرت في التصفح لتجد رسالة مثبتة تقول:

«الوِشم ليس مجرد نقش... بل سر محفور تحت الجلد. إذا كنتَ تبحث عن شيء مختلف، فأنت تعرف كيف تجدنا.»

ضاقت عيناها قليلًا وهي تعيد قراءة الكلمات... ربما جزءًا منها كان متحمسًا لهذا القرار المفاجئ.

وضعت هاتفها في جيبها، ثم نهضت من مكانها وهي تسحب سترتها الجلدية عن ظهر الكرسي.

«إلى أين؟» سأل إيليوت وهو يرفع حاجبه.

«سأخرج لبعض الوقت.» ردت باقتضاب، وهي ترتدي سترتها.

«لا تقولي لي أنكِ ذاهبة الآن؟!»

ابتسمت له نصف ابتسامة وهي تتجه إلى الباب.

«وإن كنت؟»

«راڤين، الجو ممطر، والوقت متأخر.»

«لستَ أبي، إيليوت.»

رفع يديه باستسلام، يعرفها جيدًا، ويعرف متى يكون الجدال معها بلا فائدة.

«حسنًا، افعلي ما تريدين، لكن إن اختفيتِ فجأة أو وجدتِ نفسكِ في حفرة تحت الأرض، لا تقولي إنني لم أحذرك.»

ضحكت وهي تفتح الباب، ليصطدم وجهها بنسيم الليل البارد. استدارت نحوه سريعًا قبل أن تغادر.

«سأكون بخير.»

خرجت إلى الشارع تاركة إليوت ينظر خلفها وهو يهز رأسه. أخذت خطواتها تقودها نحو العنوان المحدد، دون أن تدرك أن هذه الخطوة الصغيرة ستكون بداية لأمر لم تتوقعه أبدًا...

لم تكن راڤين من النوع الذي يغير رأيه بسهولة. حين تتخذ قرارًا، تمضي فيه حتى النهاية. لذلك، عندما وجدت نفسها تقف أمام مبنى قديم بنوافذ معتمة، لم تشعر بالتردد.

رنَّ الجرس الصغير فوق الباب حينما دفعته بهدوء. خطت إلى الداخل، حيث قابلها ضوء خافت ورائحة حبر ممزوجة بخشب محترق. الجو كان دافئًا بطريقة مريحة، والجدران مغطاة برسومات الوشوم—تنانين، جماجم، رموز قديمة، وأشياء أخرى كثيرة.

عيناها الباردتان تمسحان المكان سريعًا، قبل أن تستقر على الشخص الواقف خلف الطاولة.

كان صانع الوشوم واقفًا هناك، قميصه الأسود نصف مفتوح ليكشف عن وشوم تغطي ذراعيه وعنقه. كان مشغولًا برسم تصميم على ورقة أمامه، لكن عندما شعر بوجودها، رفع عينيه ببطء نحوها.

كان شابًا ذا ملامح حادة، شعره داكن، عينيه بلون أسود لا يُكشف عمقه بسهولة. لكن رغم هدوء تعابيره كان يبثّ حضورًا طاغيًا. نظر إليها للحظة، قبل أن يتكئ على الطاولة ويسأل بنبرة رخيمة:

«أي خدمة؟»

لم تجبه مباشرة. فقط أخرجت هاتفها، قلبت بين الصور للحظات، ثم أظهرت له الصورة.

جمجمة متشققة، تتخللها عروق سوداء تمتد كالجذور، وأسفلها سهم مكسور.

رفع حاجبه قليلًا، ثم نظر إليها مجددًا. بدت ملامحها ثابتة، لا توحي بشيء. لم يكن هناك أثر للحماس أو الخوف، ولا حتى ذلك التوتر المعتاد الذي يرافق الزبائن الجدد.

«تصميم ثقيل.» علّق بصوت منخفض، وهو يعيد النظر إلى الصورة. «أي معنى وراءه؟»

حدّقت فيه للحظة قبل أن ترد ببرود: «مجرد وشم.»

لم يبدُ عليه الاستغراب، لكنه لم يتحرك على الفور أيضًا. فقط أدار رأسه قليلًا، وكأنه يقيّمها بطريقة لم تعجبها ولم يُلِح بالسؤال أكثر. ثم أشار لها بالمضي خلفه. تحرك إلى غرفة جانبية، حيث كان هناك كرسي جلدي مائل وطاولة مليئة بأدوات الحبر والإبر.

الجو كان أكثر دفئًا هنا.

أشار إلى الكرسي الجلدي أمامه، وهو يقول بنبرة هادئة:

«اجلسي إذن، لنبدأ.»

نظرت إليه للحظة، ثم تحركت ببطء وجلست على الكرسي. شعرت بانتباهه المسلط عليها يراقبها بعينيه وهي تخلع سترتها.

«أين سيكون الوشم؟» سأل بينما كان يرتب الأدوات.

«على معصمي.» رفعت يدها وأشارت إلى الجزء الداخلي من معصمها الأيسر ثم رفعت كم قميصها لتكشف عن بشرتها.

أومأ وهو يمسك يدها بين أصابعه برفق، وكانت لمسته دافئة على بشرتها الباردة.

لم تشعر بالراحة من هذا التلامس والقرب بينهما ولكنها تحملت ولم تظهر ذلك.

بدأ العمل. كانت الوخزات الأولى حادة قليلًا، لكن ليست مؤلمة كما توقعت. أبقت نظرها على الجدار المقابل، لكنها كانت تشعر بعينيه بين الحين والآخر، كأنه يدرس ملامحها بصمت.

لم تحرّك ساكنًا. لم يرفّ لها جفن حتى وهو يضغط الإبرة على بشرتها، كأن الألم لا يعني لها شيئًا. كانت نظراتها ثابتة، باردة، خالية من أي رد فعل.

أغلب من يجلسون على هذه الطاولة يكونون متوترين، يتألّمون، أو على الأقل يحاولون التظاهر بأنهم لا يتألّمون... لكنها؟ لا شيء، لا ارتجافة، لا شهقة، ولا حتى تعبير عابر.

وهذا وحده كان كافيًا لإشعال فضوله أكثر، فلا شيء في وجهها ينبض بالحياة، وكأنها ميّتة من الداخل.

ابتسم ابتسامة صغيرة، مالت زاوية فمه بكسل وهو يراقبها، واصل عمله في صمت للحظات، لكن لم يستطع منع نفسه من التحدّث، نبرته هادئة، مسترخية:

«أتعلمين؟ عادة، عندما أصنع وشمًا لأحدهم، أستطيع أن أخمّن قصته... أن أقرأ ما خلف الوشم. لكن أنتِ؟ أنتِ أشبه بصفحة ممزقة من كتاب قديم، الصفحة مفقودة، والكتاب أُحرق منذ زمن.»

توقفت الإبرة لثانية، ثم عادت للحفر على جلدها مجددًا.

«إن كنت تبحث عن قصة درامية، فلن تجدها هنا.»

رفع عينيه إليها، طرف ابتسامته لم يختفِ تمامًا، كأنه يراقب فريسة نادرة.

«جميعهم يقولون ذلك في البداية.»

لم تجبه. لم تكن بحاجة إلى خوض نقاش بلا فائدة.

ظل يراقبها للحظات، عيناه تلمعان بشيء أقرب إلى التحدي، ثم عاد للتركيز على عمله، خطوط الحبر الأسود تلتف على بشرتها مثل نقش قاتم، كأنها وُلدت به.

«هذا الوشم سيبدو مثاليًا عليكِ.» قالها بصوت هادئ.

لم ترد، ولم تتحرك. لم تفعل أي شيء يجعله يشعر أنها حتى سمعته. كان هذا أكثر ما يجذب انتباهه— هذا الجمود المتقن، كأنها ليست هنا، أو ربما كأنها شبح جالس أمامه، بلا نبض، بلا روح.

لكن هذا لم يمنعه من التحدث. لا، لم يكن من النوع الذي يسكت بسهولة عندما يجد ما يسلّيه.

«يُقال إن البشر يختارون الوشوم لتذكير أنفسهم بشيء ما... لكنكِ تبدين كمن يختار وشمًا لدفن شيء ما.»

هذه المرة، لم تتجاهله. تحرّكت عيناها، نظرة واحدة فقط، لكنها كانت كافية لجعله يشعر وكأنه يحدّق في فراغٍ بلا نهاية. صوتها اخترق الفراغ بينهما، هادئًا، ثابتًا:

«وإذا لم تتوقف عن الثرثرة... سيكون دفنك أنت.»

تجمدت ابتسامته للحظة، قبل أن تتحول إلى ضحكة خفيفة، عميقة، مستمتعة أكثر من كونها متفاجئة.

«أوه، أنا بالتأكيد أحب الزبائن الحادّين مثلكِ.»

لم ترد مباشرة. فقط حدّقت به للحظات، ومررت أصابعها على سطح الطاولة الخشبية بجانبها، ثم مالت برأسها قليلًا قبل أن تقول بصوت خافت:

«إذا كنتَ لا تستطيع العمل دون ثرثرة، حينها قد يكون الوقت مناسبًا لاختبار كيف يبدو وشم على جثة.»

لم تكن تحب الأشخاص الذين يتعاملون معك كأنك صديقهم المقرب من أول لقاء والتدخل في شؤونك... خاصة الرجال، فلم تحب التعامل معهم على الإطلاق.

ابتسم من جديد، لا يأخذ كلماتها بجدية، لكنه هذه المرة رفع يديه مستسلمًا، قبل أن ينحنى قليلًا وهو يمسك الإبرة، ملامحه اقتربت منها بما يكفي ليشعر بأنفاسها، لتبتعد سريعًا للوراء.

غمغم بصوت خافت:

«حسنًا، حسنًا، لقد فهمت... لا مزيد من الكلام.»

ساد الصمت المشحون، لم يكن هناك سوى صوت الإبرة وهي تلامس بشرتها، وصوت أنفاسها الهادئة. أما هو، فظل يراقبها من طرف عينيه، مستمتعًا بهذا الهدوء المتوتر بينهما.

بعد فترة قصيرة أنهى آخر لمسة من الخطوط السوداء على بشرتها ثم رفع الإبرة عنها، مسح الحبر الزائد على الجلد بإصبعه برفق قبل أن يميل قليلًا للخلف، يتأمل العمل الذي تشكل أمامه بفخر، ثم نظر إليها بابتسامة جانبية.

«انتهينا.» قالها بنبرة هادئة، لكنه لم يبتعد فورًا.

رفعت راڤين نظرها إليه، عينيها الباردتان لا تزالان محايدة، لكنها عندما تحركت لتنظر إلى وشمها، كان هناك وميض خفيف من الإعجاب، سرعان ما أخفته.

لم تعلق، ثم سحبت يدها تعيد تغطية ذراعها، ارتدت سترتها، وعندما همّت بالمغادرة، تحدثت بصوت خافت :

«كم السعر؟»

لم يجب مباشرة، بل مال إلى الوراء، متظاهرًا بالتفكير، بينما كانت عيناه لا تزالان عليها.

«على حسابي هذه المرة.»

ضاقت عيناها. «لا أقبل الهدايا.»

«أتعلمين؟ الوشم ليس مجرد رسم على الجلد، إنه رسالة... انعكاسٌ لصاحبه، لرغباته، لمخاوفه... حتى تلك التي لا يدركها. أما أنتِ...» أمال رأسه قليلًا، وكأنه يحاول كشف دواخلها. «فما زلتِ لغزًا.»

نظرت إليه بنظرة فارغة، ثم قالت بصوت هادئ ، يحمل تهديدًا واضحًا.

« ألم يخبرك أحد من قبل أن تتوقف عن تحليل الآخرين، وأن تهتم بشؤونك.»

صمت لثوانٍ، قبل أن يضحك ضحكة خافتة، غير متوقعة، وكأنه استمتع بردّها أكثر مما يجب.

وضعت النقود أمامه، واستدارت لتغادر. لكن قبل أن تصل إلى الباب، فُتح فجأة، ودخل رجل ضخم البنية، عريض الكتفين، بملامح خشنة ونظرة حادة. كان يحمل كيسًا صغيرًا في يده، لكنه تجمّد في مكانه فور أن رأى وجودها، وكأنه لم يتوقع أن يجد أحدًا هنا.

توقفت في مكانها، ورفعت نظرتها نحو الرجل، بينما صانع الوشوم اكتفى بالتنهد وهو يتكئ على الطاولة، يمرر يده في شعره بلا مبالاة.

«حقًا؟ ألم نتفق على عدم المجيء إلى هنا أثناء العمل؟» قالها بنبرة كسولة وهو يعتدل في جلسته.

لكن الرجل لم يرد عليه، بل ركّز نظراته على راڤين الواقفة أمامه.

«من هذه؟» قالها بصوت خشن، واضح أنه غير مرتاح لوجودها.

«مجرد زبونة.» قال صانع الوشوم بنبرته الهادئة.

في النهاية، قرر الرجل تجاهلها تمامًا وتوجه مباشرة نحو صانع الوشوم، واضعًا الكيس أمامه.

راڤين خرجت إلى الهواء البارد، استنشقت بعمق، محاولة طرد أي أثر لذلك الشعور الغريب الذي خلفه ذلك الرجل في عقلها.

لم يكن هناك سبب منطقي لعدم ارتياحها له، لكنها تعلمت أن تثق في حدسها، وهذا الرجل... كان مريبًا.

توجهت مباشرة نحو سيارتها، لكنها لم تتحرك مباشرة، فتحت هاتفها، وألقت نظرة عابرة على صفحة الوشوم التي قادتها إلى هناك مرة أخرى. لا شيء مريب، مجرد تصاميم، صور لزبائن سعداء، وتعليقات عادية.

تنهدت وأغلقت الهاتف، ألقته على المقعد بجوارها، شغّلت المحرك، وقادت عائدة إلى منزلها دون أن تفكر كثيرًا. لم يكن لديها وقت أو اهتمام كافٍ لملاحقة حدسها الآن.

عادت رافين إلى شقتها، التي تقع فوق المقهى الصغير الذي تديره مع خالها إليوت، في شارع هادئ نسبيًا. النسيم البارد لفح وجهها وهي تصعد الدرج، ورائحة القهوة العالقة، القادمة من الطابق السفلي منحت المكان إحساسًا دافئًا.

ما إن فتحت الباب حتى استقبلها صوت إليوت، الذي رفع رأسه عندما سمعها تدخل، حاجباه معقودان قليلًا وهو يتفحصها بعينيه الفضوليتين.

«تأخرتِ... كنتُ أعتقد أنكِ لن تعودي الليلة.»

رفعت حاجبها وهي تراه جالسًا على الأريكة، قدماه ممددتان، منشغلاً بشيء ما على هاتفه، وكوب قهوة بين يديه، بخاره يتصاعد ببطء.

«لم أكن أعلم أن لديكَ صلاحية تسجيل حضوري وانصرافي.» قالت وهي تخلع سترتها وتعلقها قرب الباب.

«عندما تعيشين معي، هذا يأتي تلقائيًا.»

«ظننتُ أنني من أعتني بك، وليس العكس.»

«أنا أعتني بكِ أيضًا، بطريقتي.»

رمت بنفسها على الاريكة بجانبه، زافرة بصمت وهي تفرك عينيها قليلًا. لم يلبث إليوت أن سحب معصمها بلطف عندما لمح الوشم الجديد، مالَ للأمام وعيناه تلمعان باهتمام حقيقي.

قامت راڤين برفع يدها قليلًا لتسمح له برؤيته بوضوح أكثر.

ارتسمت على شفتيه ابتسامة واسعة. «رائع...» تمتم بإعجاب صادق، وهو يميل برأسه قليلًا ليتفحص التفاصيل عن قرب.

مد يده دون تردد، وأصابعه تمر برفق فوق الجلد المحبر، كأنه يحاول استشعار الخطوط الغامقة.«أعجبني جدًا، يناسبك تمامًا.»

راقبته رافين للحظة، مراقبةً تعابيره المندهشة التي لم يحاول إخفاءها. كانت تعلم أنه مهما ألقى تعليقات ساخرة، كان دائمًا أكثر من يتقبل خياراتها.

«ظننت أنك ستعترض أو تلقي مزاحك المعتاد عن ذوقي السوداوي.»

ضحك إليوت وهو يهز كتفيه بلا مبالاة. «بالتأكيد سوداوي، لهذا قلت إنه يناسبك.»

أطلقت تنهيدة مصطنعة قبل أن تضربه على كتفه بخفة. ثم علقت. «إن كنتُ سأستمر في الحديث معك وتحمل مزاحك الثقيل، فأنا بحاجة إلى كوب قهوة.»

نهض على الفور، وهو يقول بنبرة متفاخرة: «أوه، سأحضرها لكِ، لكنكِ تعلمين أن مهاراتي في إعداد القهوة متواضعة.»

«لقد اعتدت على قهوتك السيئة على أيَّة حال.»

ضحك بصوت مرتفع، وهي سمحت لنفسها بالاسترخاء أكثر على الأريكة، عيناها نصف مغمضتين، مستمتعة بهذا الهدوء الذي يح

يط بهما.

«كدت أنسى.» جاء صوته من المطبخ، ممزوجًا بصوت تحضير القهوة. «لا تنسي حفلة عيد ميلادي غدًا. لا أعذار.»

رفعت رأسها وابتسمت بخفة، «أوه، لا تقلق، لن أفوّتها.» قالت بنبرة جدية، رغم أنها في داخلها بدأت تبحث عن حجة مناسبة تهرب بها من هذه للمناسبة.

2025/04/10 · 7 مشاهدة · 2193 كلمة
Rein
نادي الروايات - 2025