الفصل المائة والرابع والثمانون: معبد النور الذهبي للرحمة العظمى
____________________________________________
تحدث دو غوانغ بقناعة راسخة وقد اعتلت محياه نظرة ملؤها الصلاح. فبصفته من الرعيل الأول لمعبد النور الذهبي للرحمة العظمى، ومنذ أن شق طريقه من الضعف إلى القوة، كانت فلسفته على الدوام هي إعلاء راية العدل واجتثاث جذور الشر.
ورغم أنه قد بلغ في نهاية المطاف مصاف أقوى الرجال في عالم الخلود، وتحكم في حياة وموت ما لا يُحصى من الخلق، إلا أن هذا المبدأ الراسخ لم يتزعزع في قلبه قط. وفي نهاية المطاف، لم يتردد في أن يبذل حياته ذاتها في سبيل تحقيق ما آمن به في قرارة نفسه.
وبطبيعة الحال، فإن الموت ليس بالأمر الهين لمن يبلغ هذا المستوى من الزراعة. ففي الظاهر، بدا أنه قد مات، وتحول العالم الصغير الذي في جسده إلى محضِ عدم. لكن بفضل قوته الخاصة وقوانين هذا العالم، استطاع أن يحتفظ ببصيص من وعيه الكامل، ليدخل النهر الأسود مصطحبًا معه ذلك العالم الصغير.
وبينما لم يحمل الأقوياء الآخرون سوى شذرات ضئيلة من الوعي، كان هو الوحيد الذي احتفظ بوعيه كاملًا، مما عنى أن أمامه فرصةً سانحةً للبعث من جديد والعودة إلى عالم الخلود إن هو ثابر على التدريب لوقت طويل. بيد أن دو غوانغ صرف النظر عن هذه الخطة في تلك اللحظة بالذات، بعد أن تكشفت له حقيقة غو شانغ وكل ما يحيط به من ريبة وشك.
فرغم وسامة ذلك الشاب، إلا أن طبيعته كانت مظلمةً أشد الظلمة. وبحكم سنوات تدريبه الطويلة، استطاع دو غوانغ أن يرى بنظرة واحدة عدد الأبرياء الذين أزهق روحهم. فالشر في حد ذاته ليس هو ما يثير الخوف، بل ما يثيره هو غياب من يتصدى لهذا الشر.
ولقد لاحظ حالته الغريبة بعد لقائهما بفترة وجيزة، فقد كان يستهلك عمره في سبيل اكتساب قوة هائلة، لكن جسده كان عجيبًا بحق. فرغم استهلاكه لحياته بجنون، لم تظهر عليه أي علامة من علامات تضاؤل حيويته. 'هل عمره لا نهائي، أم أنه يمتلك وسيلة لاستعادة حياته بسرعة؟'
أيًا كان السبب، فقد عقد دو غوانغ العزم على قتله، فلو تُرك لينمو ويتعاظم، لجرّ على عالم الخلود بأسره كوارث لا نهاية لها. "إن لم أذهب أنا إلى الجحيم، فمن ذا الذي سيذهب إليه!"
همس دو غوانغ بهذه الكلمات وهو يخفض كفه، ثم أحنى رأسه قليلًا، فانطلقت من خلفه تسعة وتسعون تنينًا ذهبيًا ذا خمسة مخالب. ودوت زفرات التنانين في أرجاء هذا العالم، وكان كل تنينٍ منها ينفث طبقات من الضوء الذهبي الذي أضاء المكان بأسره، مجسدًا بذلك غاية معبد النور الذهبي في إرساء العدل في الأرض وإنارة قلوب الناس.
ومع انحسار قوة جسده بشكل حاد، ناجى دو غوانغ بوذا في سرّه قائلًا: "أرجوك، اسمح لي يا بوذا!"
شعر غو شانغ بخطرٍ مميتٍ يحدق به. لقد أدرك في قرارة نفسه أنه لا مفر له من هذا الراهب الجبار. وبعد أن ألقى نظرة سريعة على لوحة النظام، قرر أن يعدّل عمره مباشرة، ليجبر نفسه على الموت والبعث من جديد.
'لا أدري متى سألقاهم مجددًا بعد هذه الولادة الثانية.' ومضت في عينيه صورٌ لشخصياتٍ ألفها، ومرت به ذكريات الزهور والنباتات التي أشرقت عليها الحكمة بعد ولادته الثانية؛ شجرة الفاكهة الصفراء، والعشبة الخضراء، وغيرهم ممن عملوا لأجله. وفي النهاية، لم يبقَ في عينيه سوى صورته هو، وصورة تلك الشجرة البيضاء الهائلة التي تملأ عالمه.
رفع دو غوانغ رأسه فجأة. ففي اللحظة التي كان على وشك أن يقضي فيها على غو شانغ، ومضت في ذهنه مشاهدٌ خاطفة لم يرها من قبل. رأى أرضًا مألوفة تعلوها سحاباتٌ زاهية الألوان، وعلى كل سحابة وقفت شخصيةٌ ضخمةٌ تنبعث منها هالةٌ عميقةٌ لا قرار لها. وبجوارهم، كانت وحوشٌ ميمونةٌ شتى تردد الأناشيد، في مشهدٍ يفيض بالانسجام والوئام.
وأسفل تلك الأرض، وقف شخصٌ يشير بإصبعه مباشرةً نحو السماء. كان وجهه غريبًا على دو غوانغ، لكن طباعه كانت نسخةً طبق الأصل من غو شانغ الذي يقف أمامه. وفي تلك اللحظة، كانت حالته غريبةً أيضًا، إذ كان يحرق عمره باستمرار لتتجمع في جسده قوة جبارة، قوة سحقت بزخمها وحده عددًا لا يُحصى من الأقوياء في السماء.
أصابت الدهشة دو غوانغ وهو يرى ذلك المشهد، فقد أحرق هذا الرجل مليارات السنين من عمره دفعة واحدة! لقد تجاوزت قوته في تلك اللحظة عوالم يوان يو الثمانية والعشرين بمراحل.
وانطلق من عينيه شعاعٌ من ضوءٍ أحمر، لم يتحمله أيٌّ من أولئك الأقوياء. فسحقتهم توابع هذا الضوء وحدها دون أن تترك لهم أثرًا من وعي، وحرمتهم طبيعته القاتلة من أي فرصة لدخول العالم الصغير أو النهر الأسود بوعيهم المتبقي. ووقف وحيدًا على الأرض الصفراء، في خلفية موحشة ومقفرة. لكن هالة القتل التي كانت تنبعث من خلفه كانت لافتةً للنظر إلى أبعد الحدود.
أدرك دو غوانغ فجأة أن هذه الصورة كانت رسالةً من بوذا، وفهم مغزاها على الفور. لم يكن بوسعه أن يقتل غو شانغ، بل إن هذا الأخير سيصبح أكثر قوة في المستقبل. 'إن استهلاك العمر لزيادة القوة هو أسلوبٌ ملتوٍ وشرير، ولا يجب أن يبقى في هذا العالم!'
ورغم أن حالته الراهنة لم تكن تختلف عن ذلك، إلا أن العزيمة في قلبه كانت ثابتةً كالجبال. "بوذا رحيم!" ردد دو غوانغ رمزًا في صمت، ثم تحرك مباشرةً لينفذ ما عزم عليه.
في عالم الخلود، وتحديدًا في أكثر بقاعه ازدهارًا في الشرق، حيث يقع معبد النور الذهبي للرحمة العظمى. وفي مواجهة قاعة بوذا، لم تكن أصوات التراتيل تتوقف. وفجأة، شعر رئيس المعبد لهذا الجيل بشيء في قلبه، فتوقفت يداه عن الحركة، وأدار رأسه لينظر إلى تمثال بوذا في المعبد.
وتوقف الرهبان الكبار والصغار في الأسفل بدورهم، وفعلوا الحركة ذاتها، وقد علت الدهشة وجوههم جميعًا. وبجانب رئيس المعبد، قطب راهبٌ كبير الأذنين حاجبيه قائلًا: "يا أخي، إن هذا هو السلف يتواصل مع بركة الإيمان!" ثم أردف بانفعال: "لا بد أن هذا النور البوذي القوي يعود إلى بوذا المقدس لمعبدنا!"
فقد قضى بوذا المقدس حياته كلها في فعل الخيرات، وكان رحيمًا لا يميل إلى القتل. وحتى في مواجهة أعتى الأشرار، لم يلجأ قط إلى القوة، بل اعتمد على قلبه البوذي الورع ليؤثر فيهم ببطء. وقد ذاع صيته في أرجاء عالم الخلود لمئات الآلاف من السنين دون أن يخبو.
لم يقتصر تقديره على معبدهم فحسب، بل إن جميع القوى الأخرى في عالم الخلود، كبيرها وصغيرها، كانت تكن له احترامًا عميقًا. لكن رئيس المعبد هز رأسه برفق وقال: "رغم أن نور بوذا المقدس مهيبٌ كذلك، إلا أن تاريخ بوذا يخبرنا أن شخصًا واحدًا فقط هو من استطاع بلوغ هذا المستوى من النور البوذي القوي!"
فهم الراهب الذي بجانبه على الفور، وامتلأت عيناه بالدهشة وهو يسأل: "أخي، هل تقصد...؟"
ابتسم رئيس المعبد ابتسامة وديعة وأجاب: "نعم، إنه السلف دو غوانغ."
وتحت أنظار الجميع، انبثق من تمثال بوذا في القاعة الرئيسية فجأة شعاعٌ من ضوءٍ أخضر زمردي، سرعان ما تكثف ليتحول إلى عمودٍ من النور انطلق مباشرة نحو السماء. كان زخمه قويًا يهز الأرواح، وقد ترددت أصداء قوته في أرجاء عالم الخلود بأسره. لاحظت كل القوى الكبرى هذا الحدث، وتساءل الجميع بفضول عما جرى، ولماذا تواصل معبد النور الذهبي للرحمة العظمى مع بركة الإيمان بعد انقطاع دام ثلاثة ملايين عام؟