الفصل المائتان والتاسع والسبعون: النجم الأزرق، عالمٌ بديل

____________________________________________

وقف على المنصة معلمٌ شابٌ أنيقُ الهندام، يلقي كلماته ببراعة وفصاحةٍ قائلًا: "أيها التلاميذ، لقد حان أوان الجد والاجتهاد! لم يتبقَ سوى عامٌ واحدٌ يفصلكم عن امتحان القبول في الكلية، وهو اليوم الذي سيتحدد فيه مصيركم والمدرسة التي ستنتمون إليها، فمستقبلكم ومستقبل البشرية بأسرها مرهونٌ بذلك اليوم."

ثم أتبع حديثه بنبرةٍ حماسيةٍ: "بصفتنا أفرادًا من النجم الأزرق، يتحتم على كل واحدٍ منا أن يحمل في قلبه وعيًا وروحًا قتاليةً من أجل الاتحاد البشري!" غير أن التلاميذ الجالسين أمامه كانوا قد ألفوا مشهده ذاك حتى ملّوه، فاستمر كلٌ منهم في شأنه الخاص دون أن يلقي له بالًا.

لم يأبه المعلم بتصرفاتهم التي اعتادها هو الآخر، فقد كانت كلماته تلك مجرد استعراضٍ موجهٍ لعدسة المراقبة المعلقة إلى جواره. ثم أردف قائلًا بنبرةٍ ختامية: "لقد قلت كل ما ينبغي قوله، والأمر متروكٌ لكم الآن لتفعلوا ما ترونه صوابًا! تذكروا أن تتدربوا بانتظامٍ خلال العطلة، فالتدريب كالإبحار عكس التيار، إن لم تتقدموا فسوف تتراجعون."

أمسك المعلم قطعة طبشورٍ وشرع يخط على السبورة سطورًا متتاليةً من الواجبات المنزلية. وما إن رأى التلاميذ ذلك الكم الهائل من المهام، حتى ارتسمت على وجوههم ملامح الامتعاض والتجهم، بينما استقام غو شانغ في جلسته ببطء، وأسند ظهره إلى مقعده ثم راح يتأمل محيطه بعينين نصف مغمضتين.

كان الفصل الدراسي فسيحًا للغاية، مقسومًا إلى جزأين يفصل بينهما ممرٌ يؤدي إلى المنصة. قاطعه صوتٌ خفيضٌ من فتى يجلس إلى جواره، متسائلاً: "ما خططك لهذه العطلة يا وانغ شيو؟" التفت غو شانغ نحوه وهو يستوعب ببطءٍ سيول الذكريات التي انبثقت في ذهنه، ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خفيفةٌ وأجاب بهدوء: "إنها عطلةٌ وحسب، سأقضيها في اللعب والنوم، ليس لدي أي ترتيباتٍ خاصة."

تنهد الفتى بأسفٍ وقال: "كنت أعلم أنك ستقول ذلك! كنا نخطط للذهاب في رحلة استكشافية إلى جبل تيان شينغ، سمعت أن وحوشًا جديدةً قد ظهرت هناك." أجابه غو شانغ بينما كان عقله يموج بالمعلومات التي تتكشف له: "تلك المنطقة لا تزال غير مستكشفةٍ بالكامل، ولم تقع بعد تحت سيطرة الاتحاد البشري، قد يكون الأمر محفوفًا بالمخاطر، لذا أنصحك بالبقاء في منزلك والنوم."

رد الفتى بحماسٍ وعيناه تلمعان: "وماذا إن كان هناك خطر؟ أمثالي يجب أن يتأرجحوا على حافة الموت، فهذا هو المعنى الحقيقي للحياة!" وبعد أن ألقى كلماته تلك بنبرةٍ مفعمةٍ بالثقة، بدأ يجمع أغراضه من على الطاولة، وفي تلك اللحظة، كان غو شانغ قد أدرك حقيقة وضعه بالكامل.

لقد وجد نفسه في مجتمعٍ حديثٍ من نوعٍ خاص، فريدٌ بالفعل، فلم يسبق له أو لأيٍ من نُسَخه أن زاروا مجتمعًا كهذا خلال وجودهم في العالم الوهمي، فقد كانت معظم العوالم التي مروا بها ذات طابعٍ قديمٍ وأنظمة زراعةٍ مختلفة.

منذ زمنٍ سحيق، كان هذا العالم نسخةً طبق الأصل من النجم الأزرق الذي يعرفه في ذاكرته، يسير على وتيرةٍ طبيعيةٍ من التطور. لكن في يومٍ من الأيام، ظهرت بوابةٌ غامضةٌ فوق سمائه، تصل هذا العالم بعالمٍ آخر تدفقت منه جحافل الوحوش لترتكب المذابح بحق البشر.

وفي ذلك اليوم المشؤوم، غلف ضبابٌ أبيضٌ كثيفٌ كوكب النجم الأزرق بأسره، واستمر على حاله لعامين ونصف. وتحت تأثير ذلك الضباب، بدأ البشر يوقظون قدراتٍ خارقةً متنوعةً في دواخلهم، وبعد حقبةٍ طويلةٍ من التطور والاتحاد، تأسس مجتمع الفنون القتالية الحالي بنظامه الصارم.

في بادئ الأمر، وقف البشر عاجزين أمام الوحوش، لكن مع بزوغ فجر عددٍ من الأبطال الأقوياء، بدأت كفة الميزان تميل لصالحهم، حتى تمكنوا في نهاية المطاف من السيطرة على العالم الآخر بالكامل. وعلى مر آلاف السنين التالية، ظلت بواباتٌ أخرى تظهر بين الحين والآخر، تصل النجم الأزرق بعوالم مجهولة.

كانت بعض تلك العوالم ضعيفةً للغاية، فسرعان ما ابتلعها النجم الأزرق وضمها إلى كيانه، بينما كانت عوالم أخرى على قدرٍ عظيمٍ من القوة، مما أجبر النجم الأزرق على حشد كل طاقاته لمقاومتها ودفع أثمانٍ باهظةٍ في سبيل ذلك. وإلى يومنا هذا، تحيط بالنجم الأزرق أكثر من عشرة آلاف بوابة، ويواجه أخطارًا مجهولةً في كل لحظة.

لكن السنين الطوال أنجبت عشرة كائناتٍ جبارةً في الاتحاد البشري، عُرفوا باسم قديسي العرق البشري العشرة. لقد وقفوا سدًا منيعًا في وجه غزو العوالم الأخرى، وحافظوا على سلام الكوكب واستقراره. كان هذا عالمًا عجيبًا بحق، بلغت فيه قوة البشر مستوياتٍ لم يسبق لها مثيل.

لم تكن هويته الحالية بسيطةً على الإطلاق، فوالده هو الرئيس التنفيذي لشركة أدويةٍ ضخمة، تُصنّع عقاقير مخصصةً للممارسين، وتتجاوز قيمتها السوقية تريليون عملة. كان والده، وانغ تشيوان، ذا صيتٍ ذائعٍ في الدول المجاورة، بل ويحتل مكانةً مرموقةً في الاتحاد البشري بأسره.

بعد انتهاء المعلم من توزيع الواجبات، لم يرغب أيٌ من التلاميذ في البقاء للحظةٍ إضافية، فغادروا الفصل الدراسي واحدًا تلو الآخر. أمسك غو شانغ حقيبته المدرسية وعلقها على كتفه، ثم سار بخطىً وئيدةٍ نحو الخارج، وقد ضغط عددًا هائلاً من حلقات السببية من العالم الخارجي في هذا الجسد، ولعل هذا هو السبب الذي أدى إلى هذا التغيير الجذري في العالم.

لم يكن عليه هنا سوى إتمام بضع حلقاتٍ من السببية، والتي لم تكن في حقيقتها سوى أمنيات صاحب جسده الأصلي. كان صاحب هذا الجسد يُدعى وانغ تسه، وبصفته سليل عائلةٍ ثرية، فقد كان ينعم بأفضل ما في الحياة من ترفٍ ومعلومات، إلا أن تربية والده وانغ تشيوان الصارمة جنبته الانزلاق إلى حياة اللهو والعبث التي يعيشها أمثاله من الفتيان المترفين، وإن لم تخلُ شخصيته من لمسة لامبالاةٍ وكسل.

كانت لديه ثلاث أمنياتٍ فحسب. الأولى، أن يصبح أقوى كائنٍ في العالم. والثانية، أن يجتاح كل العوالم الأخرى ليجلب السلام الحقيقي للنجم الأزرق. أما الثالثة، فقد كانت الزواج من غو تشيو. بدت الأمنيّتان الأوليان طبيعيتين، لكن الثالثة جعلت غو شانغ يتجمد في مكانه للحظة.

غو تشيو، طالبةٌ في فصلٍ آخر بنفس المدرسة التي يرتادها، وهي مؤسسةٌ بُنيت خصيصًا لأبناء الطبقة المخملية من أمثاله، فكل من فيها إما ثريٌ أو ذو نفوذ. وفي الحقيقة، كان والده هو أكبر مستثمرٍ في هذه المدرسة بحصةٍ تبلغ سبعةً وتسعين بالمئة.

لكن شأن غو تشيو كان أعظم من ذلك بكثير. فقديسو العرق البشري العشرة، الذين يحملون على عاتقهم مهمة الحفاظ على سلامة النجم الأزرق، يسيطرون بطبيعة الحال على جميع موارده. وقد أسس كل قديسٍ منهم عائلةً ضخمةً، انتشر أفرادها في مختلف القطاعات، وأصبح لهم تأثيرٌ بعيد المدى.

كانت غو تشيو تنتمي إلى إحدى تلك العائلات العشر الكبرى، عائلة غو. قيل إنها ابنة زعيم الجيل الحالي للعائلة، ورغم أنها لم تكن تحظى بالكثير من الدلال، إلا أن مكانتها في هذه المدرسة كانت لا تُضاهى.

هز غو شانغ رأسه مفكرًا: 'يا لها من فوضى، عليّ أن أتعامل مع الأمر بروية.' ثم واصل سيره نزولًا على الدرج. وبعد أن غادر بوابة المدرسة، انعطف يمينًا نحو منطقة وقوف السيارات المجاورة، حيث كانت سيارةٌ فارهةٌ للغاية تنتظره منذ مدة، وكان شعارها ولوحة ترخيصها لافتين للنظر.

اقترب منه رجلٌ أصلع وعلى وجهه ابتسامةٌ عريضةٌ وقال: "يا سيدي!" كان هذا سائقه وحارسه الشخصي في آنٍ واحد. ناوله غو شانغ حقيبته المدرسية وقال بهدوءٍ: "خذني إلى المنزل."

رد الرجل الأصلع وهو يفتح له باب السيارة بابتسامةٍ لم تفارق وجهه: "أمرك يا سيدي الصغير." جلس غو شانغ في السيارة وملامحه خاليةٌ من أي تعبير.

2025/10/18 · 65 مشاهدة · 1092 كلمة
ZEUS
نادي الروايات - 2025