الفصل المائتان والثامن والثمانون: لم تعد سو تشيان تليق بك
____________________________________________
عندما رأى غو شانغ مظهر الطرف الآخر الحقيقي، عُقِد لسانه دهشةً. كل ما أراده هو أن يتدرب في هدوءٍ وسكينة، فلمَ أمسى الأمر بهذه الصعوبة! لكنه حين نظر إلى تعابير وجه وانغ بينغ لينغ، استحى أن يصارحها بما يجول في خاطره.
صاح غو شانغ آمرًا وهو يفرقع أصابعه: "يا مايك، ستتولى رعاية أختي الثانية من الآن فصاعدًا!"، وعلى إثر ذلك، ظهر مايك فجأة إلى جواره.
ما إن وقعت عيناه على وانغ بينغ لينغ الفاتنة حتى اتسعتا ذهولًا، فكانت تلك المرة الأولى التي يرى فيها بشريةً بهذا الجمال الأخاذ. لطالما ظن أنه لا يميل إلا إلى القطط، لكن رؤيتها اليوم أيقظت في نفسه شعورًا مفاجئًا بأنه قد يميل إلى البشر أيضًا.
تحدث مايك بصوتٍ جذاب وقد ارتدى في لمح البصر حلةً أنيقة، ممسكًا بسيجارٍ في يده اليمنى وباقة أزهارٍ بين ذراعيه، ثم رمق وانغ بينغ لينغ بنظرةٍ ملؤها الود قائلًا: "سيدتي الجميلة، اسمي مايك". ثم تابع وهو ينفث خيطًا طويلًا من الدخان ويقدم إليها الأزهار التي بين يديه: "فالأزهار الفاتنة لا تليق إلا بالسيدة الأكثر فتنة".
تساءلت وانغ بينغ لينغ وقد أثار المشهد فضولها: "أخي، من أين أتيت بهذا القط؟ إنه لمسليٌّ حقًا". أخذت منه الأزهار بسرعة ثم راحت تربت عليه برفق وهي تتفحصه، وأضافت بتعجب: "هذا المخلوق لا تبدو عليه أي أمارة للقوة، لكنه يتمتع بذكاءٍ عالٍ، يا للغرابة!".
تجهّم وجه غو شانغ، وركل مايك على مؤخرته قائلًا بصرامة: "هذه أختي، فلتلزم حدودك!". حكّ مايك رأسه في حرج، بينما راح ذيله يتأرجح بخفةٍ خلفه.
قال مايك على مضض: "يا سيدي، في أي عصرٍ نحن؟ الجميع يؤمن بالحب الحر...".
ازدادت تعابير وجه غو شانغ حدة، فهز رأسه وأمسك برأس مايك هامسًا في أذنه بلهجة لا تخلو من تهديد: "الحب بين الأجناس المختلفة قد يكلفك حياتك، وأثق أنك تعي هذا جيدًا".
ابتسم مايك ابتسامة مرتبكة، ثم قال وهو يكشف عن صفين من الأسنان البيضاء الناصعة: "يا سيدي، عليك أن تجد لي بعض القطط الظريفة بسرعة، فأنا فتى يافعٌ تفيض منه الحيوية، وقد أرهقتني طاقتي مؤخرًا!".
"أنت..."، ثم صمت غو شانغ وقد عجز لسانه عن الرد. شمّر عن ساعديه، وجرّ مايك إلى خارج الكهف ليلقنه درسًا قاسيًا.
كان هذا المخلوق قويًا للغاية، فمهما ضربه بقسوة لم يكن ليموت، وكأنه خرج من إحدى القصص المصورة. حتى إن غو شانغ شك في أنه أشد صلابة منه، لكنه لم يخلُ من نقاط ضعف، أهمها خوفه من الألم.
بعد أن خضع لجلسة تأديبٍ فكري وأخلاقي على يدي غو شانغ، تخلى مايك عن كل أفكاره ولزم جانبه في طاعة، متحولًا إلى قطٍ وديع. ومنذ ذلك الحين، استقرت وانغ بينغ لينغ في الكهف المجاور لكهف غو شانغ، حيث كانت تتواصل يوميًا مع عائلة وانغ تشيوان في عالمه القديم لنقل المعلومات، إلا أن الأيام هنا كانت تمر عليها مملةً إلى حد ما.
لاحظت أن أخاها الصغير قد أصبح زارعًا، يقضي أيامه بين التأمل والتدريب العميق. لم تعد قادرة على استيعاب مستوى زراعته، وأدركت أنه قد فاقها بمراحل شاسعة.
وبينما كانت تحدق في أسراب جنود الأفاعي في الخارج، لمعت في ذهنها فكرة مفاجئة. تذكرت أنها حين ذهبت للبحث عن أخيها، رأته يطلق العنان لعدة أفاعٍ عادية، بالإضافة إلى تلك الأفعى الغريبة التي استدعاها...
'هل يعقل أن أخي على صلة بعشيرة الأفاعي منذ زمن طويل؟ أو ربما تربطه بهم علاقة خاصة؟'، راودتها هذه الأفكار فشعرت بقشعريرة تسري في جسدها، 'يا له من أمرٍ مخيف!'.
مرّ الزمان كلمح البصر، ومضت خمس سنواتٍ على قدوم غو شانغ إلى عالم الأفاعي. بلغ عمر عظام جسده الآن اثنين وعشرين عامًا، وبفضل علامة الثعبان السماوي، ازدادت ملامحه وسامةً ورقيًا.
خلال خمس سنواتٍ من التدريب المتواصل، ارتقى مستوى زراعته بسرعةٍ هائلة، حتى بلغ الآن المستوى الأدنى من عالم الملك. لكنه أدرك أن الطريق يزداد وعورةً كلما توغل فيه، وأن الارتقاء في المستقبل سيتطلب منه المزيد من الوقت والجهد.
في تلك السنوات الخمس، اصطحبته سي شا شا إلى مناطق أخرى من عالم الأفاعي، حيث منح الاستنارة لمئات الكائنات القوية التي فاقت عالم الإمبراطور، بالإضافة إلى ثمانية أباطرة.
بل إنه أحضر عشبةً من عالم آخر يفوق عمرها مئة ألف عام، وبعد أن منحها الاستنارة، تحولت مباشرة إلى كائنٍ قويٍّ من عالم القديس. أذهل هذا الأمر سي شا شا، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تدرك فيها مدى عظمة قدرة غو شانغ التي لا تُصدق.
صار لدى عشيرة الأفاعي الآن قديسان، وبفضل بركات القوى المحلية المختلفة، لم يعد عليهم أن يقلقوا بشأن الأعداء الأقوياء القادمين من العالم الخارجي في المدى المنظور.
وفي عصر أحد الأيام، كان غو شانغ ووانغ بينغ لينغ ومايك يجلسون معًا، يحدقون في أكبر شاشة عرضٍ ضوئيةٍ في الكهف، حيث كان مشهدٌ من فيلم سينمائي يُعرض عليها. كان هذا جهاز عرضٍ قد حصل عليه من نظامه الخاص، يخزن عشرات الآلاف من الأفلام الكلاسيكية، ويعمل بالطاقة الشمسية، ويتمتع بقدرة عرضٍ مذهلة.
كان الثلاثة يتناولون الفشار والجبن والنقانق وغيرها من المسليات وهم يتابعون الفيلم. بعض هذه الأطعمة حصل عليها غو شانغ من نظامه، والبعض الآخر أخرجه مايك من العدم.
تحسس غو شانغ الأمر بعناية، وتأكد أن مايك لا يمتلك قوة الفضاء، لكنه مع ذلك أخرج هذه الأشياء من لا شيء، وهو ما أثار حيرته. وحين سأله عن ذلك، لم يستطع مايك نفسه أن يفسر الأمر، فكل ما يذكره هو أنه يستطيع إحضار تلك الأشياء بمجرد التفكير فيها، دون أي منطقٍ يُذكر.
بعد انتهاء الفيلم، مسحت وانغ بينغ لينغ دموعها قائلة: "يا إلهي، كم هذا مؤثر!". كانت فتاةً حساسة، وقد أثرت فيها أحداث القصة المؤثرة حد البكاء. فالبطل والبطلة مرا بالكثير من المصائب، لكنهما في النهاية لم يظفرا بنهاية سعيدة، فيا لها من مأساة.
أمسك مايك سيجاره بفمه، وقدم إليها علبة مناديل برفق، ثم قال بصوته الجذاب: "كثيرٌ من الأمور في هذا العالم مقدرة سلفًا، ولا نملك القدرة على تغييرها. كل ما بوسعنا فعله هو أن نبذل قصارى جهدنا قبل أن تحل النهاية، كي لا نترك وراءنا أي ندم".
لم تتوقع وانغ بينغ لينغ أن ينطق بمثل هذه الكلمات، فلم تملك إلا أن ترمقه بنظرةٍ عميقة. لكن في اللحظة التالية، انقضت عليه قبضة غو شانغ، فطرحته القوة الهائلة بعيدًا، حيث تحول إلى نجمةٍ لامعة واختفى في عنان السماء.
سأل غو شانغ بصوتٍ هادئ وهو يوضب جهاز العرض: "أختي، كيف حال عائلتنا في الآونة الأخيرة؟"، فقد كان يعلم أنها على تواصلٍ دائمٍ معهم.
أجابت وانغ بينغ لينغ بهدوء: "كل شيء على ما يرام، لا يوجد ما يدعو للقلق".
ثم سألت فجأة: "بالمناسبة، هل ما زلت تذكر سو تشيان؟".
"هل تقصدين تلك الفتاة من عائلة سو في بي هاي؟"، أجاب غو شانغ وقد تذكر بالفعل وجود شخصية كهذه في ذاكرته.
"نعم، إنها هي، خطيبتك السابقة. قبل شهرين، تمزقت خطوط طاقة الفتاة فجأة، ولم تعد قادرة على مواصلة تدريبها. وقد شخص الأطباء حالتها بأنها لن تتمكن أبدًا من الارتقاء وتجاوز عالم الفانين طوال حياتها".
"والدي يريدك أن تعود لتفسخ هذه الخطبة، ففي النهاية، وبسبب ما وصلت إليه من مكانة، لم تعد سو تشيان تليق بك".