الفصل الثلاثمائة والثاني: شجرة الحياة
____________________________________________
بلمسةٍ خفيفةٍ منه، بدأت شجرة الصفصاف العملاقة في التحول. غمرت هالةٌ زمرّديةٌ كثيفةٌ كيانها، فحجبت عن غو شانغ كل ما يراه. وفي خضم هذا التبدل، أخذ طيفٌ وهميٌّ يتجسد رويدًا رويدًا.
وما هي إلا لحظاتٌ حتى تلاشت شجرة الصفصاف العظمى عن الوجود، ليحل محلها شابٌ يرتدي قميصًا أخضرَ بهيًّا. ما إن ظهر حتى تبدلت ملامح غو شانغ، فقد انفجرت طاقةٌ هائلةٌ في أرجاء عالم النبات.
'لا بد من الرحيل!' همس غو شانغ في نفسه، وقد أخذ نفسًا عميقًا قبل أن يشق فضاء المكان ويغادره على عجل. أما الشاب ذو القميص الأخضر فلم يبرح مكانه، بل ترك الانفجار يجتاحه ويلتهمه عن آخره.
وحينما انقشع غبار الكارثة، كان عالم النبات قد تحول إلى أطلالٍ دامرة، وذوت فيه كل أشكال الحياة، بما في ذلك القديسون الثلاثة الأقوياء. لم يكن بوسعهم امتلاك أي قوة للمقاومة أمام انفجارٍ كهذا. لم يبقَ صامدًا في وجه الدمار سوى ذلك الشاب ذي القميص الأزرق.
"ما الداعي لكل هذا العناء." هز رأسه وعلى وجهه أمارات الأسى، ثم أردف قائلًا: "إن ظهوري يستتبع بالضرورة فناء الحياة، ولكن في المقابل، فما لا يُهدَم لا يُبنى، وما يُهدَم سيقوم على أنقاضه بناءٌ جديد. إن ظهور الأشياء الجديدة يترافق دائمًا مع زوال القديمة، تلك هي الفلسفة الأزلية..."
بأنامل رشيقة أخذ ينسج خيوط الخلق، ومع كل حركةٍ من حركاته، انطلقت أشعةٌ من نورٍ أخضر زمردي لتغمر عالم النبات من جديد، وهو يتوسط هذا المشهد المهيب. وحيثما وصلت تلك الأنوار، أخذت التربة تهتز وتتمخض، ثم انبثقت براعم صغيرة ندية، سرعان ما نمت وتحولت إلى نباتاتٍ شتى، فبعث الحياة في كل شيء وأعاد للوجود رونقه وبهاءه.
في تلك اللحظة، اهتز الفضاء بجواره مرةً أخرى، وخرج منه غو شانغ الذي نظر بدهشةٍ إلى العالم الجديد أمامه. 'لا عجب أن هذا الكائن معمرٌ إلى هذا الحد، لقد اتضح أنه شجرة الحياة في هذا العالم!' لقد امتص ذكريات الرجال الأقوياء الذين كانوا هنا، وعرف بعضًا من تاريخ هذا العالم.
لقد وُلد عالم النبات في البدء من برعمٍ لشجرة الحياة، وعلى مر العصور التي لا تُحصى، ومع نمو الشجرة واتساعها، تطور العالم واشتد عوده. والآن، بعد مئات آلاف السنين، تحول إلى فضاءٍ عظيمٍ يزخر بشتى أنواع النباتات، وكان غو شانغ قد أيقظ شجرة الحياة للتو، أو بالأحرى أجبرها على الاستيقاظ.
في لحظة صحوتها، احتاجت الشجرة إلى امتصاص قوة حياةٍ هائلة، مما أدى لا إراديًا إلى موجة انفجارٍ عاتية اجتاحت العالم بأسره، وكانت كفيلةً بقتل أي كائنٍ في العالم الروحي على الفور.
"أُحييك يا سيدي!" حركت شجرة الحياة أكمامها الطويلة وحيّت غو شانغ بتحيةٍ مهيبة، ففي ذاكرتها، كان وجودها مدينًا لهذا الرجل.
"حسنًا." لم يكن غو شانغ مندهشًا إلا من قوة الحياة الهائلة التي يمتلكها هذا الكائن، والتي فاقت بكثيرٍ أشجار الخضرة الأبدية التي قابلها من قبل. لكن الأهم من ذلك كان الدم الذي يجري في عروقه. مد غو شانغ يده، فما كان من شجرة الحياة إلا أن فتحت جرحًا في جسدها طواعيةً وعصرت ما فيه من دماء.
تدفقت كميةٌ هائلةٌ من الدماء الزمردية الخضراء لتندمج في جسد غو شانغ. كانت طاقة دم شجرة الحياة قويةً للغاية، فبمجرد أن امتص القليل منها، شعر غو شانغ بقوةٍ تملأ كيانه، وأصبح أكثر حيوية ونشاطًا.
لكن التغير الأكبر كان في مستوى زراعته، فمع استمرار امتصاص الدماء، أخذ مستواه الذي ارتقى إليه للتو يزداد طبقةً تلو الأخرى، حتى بلغ ذروة عالم القديس في غمضة عين. بعد أن وصل إلى هذه النقطة، بدا أن شجرة الحياة قد بلغت حدها الأقصى، فقد شحب وجهه وبدا جسده واهنًا وهو يطفو في الهواء، وأصبحت قطرات الدم التي يعصرها أقل فأقل.
"لمَ هم جميعًا بهذا الضعف؟" هز غو شانغ رأسه مستنكرًا، ثم أطلق كل الدماء في جسده وأعادها إليه. فبفضل مخزون طاقته الذي لا ينضب، كان بإمكانه تكثيف الدماء بلا حدود. ورغم أن جودة دمائه كانت أدنى، إلا أن ميزتها كانت في كميتها التي لا تنتهي.
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ حتى استعادت شجرة الحياة طاقتها، وهكذا، أعاد الاثنان الكرّة مرارًا وتكرارًا. وبعد أن تكرر هذا الأمر ثلاث عشرة مرة، نجح غو شانغ في الوصول إلى حده الأقصى، وارتقى بزراعته إلى المستوى الأدنى من رتبة المبجل.
وقفت شجرة الحياة على الأرض مترنحة، وكان جسدها يرتجف قليلًا. ألقى غو شانغ كميةً كبيرةً من الدماء وأدمجها كلها في جسد شجرة الحياة، مساعدًا إياها على العودة إلى ذروة قوتها. بعد ذلك، واصل امتصاص الدماء ليزيد من طاقة تكثيف النسخ في جسده، وهذه المرة، كانت حاجته للدم أقل بكثير، فبلغ هدفه بعد ثلاث محاولاتٍ فقط.
في عالم النبات النابض بالحياة، شرع في تجميع نُسَخٍ مطابقةٍ له تمامًا، ثم دمج كل ثلاثين نسخةً في مجموعةٍ واحدة، ليحولها إلى كائناتٍ إلهيةٍ قوية. مر الوقت ببطء، وبعد فترةٍ وجيزة، ظهرت حول غو شانغ أعدادٌ لا تُحصى من النسخ الإلهية.
"بهذا العدد، ينبغي أن نتمكن من إيقاف مورس ذاك!" وكأنه يتنبأ بما سيحدث في المستقبل، خفض غو شانغ رأسه والإثارة تملأ قلبه.
بعد أيامٍ قليلة، كان جوف الكوكب قد تحول إلى خرابٍ ودمار. أمسك غو شانغ بورقةٍ في يده، وهو يطفو في الهواء بصمت. وفجأة، ظهر شقٌ ذهبيٌّ أمام عينيه، ثم أخذ الشق يتسع طبقةً تلو الأخرى، وبدأ الفضاء المحيط به يتكسر، ودوى صوت فرقعةٍ متواصل.
في غمضة عين، ظهرت حفرةٌ سوداءُ ضخمةٌ أمامه، ثم امتدت منها كفٌ غليظة. الغريب في الأمر أن هذه الكف كانت خاليةً من أي لحمٍ أو دم، وكأنها هيكلٌ عظميٌ مثالي، حيث كانت عظامها واضحةً للعيان، ويمكن رؤية كل مفصلٍ فيها بوضوحٍ تام.
بعد أن خرجت الكف، طرقت حول الثقب الأسود لبرهة، فظهرت المزيد من الشقوق على حافته، واتسعت الفتحة أكثر. ومع سلسلةٍ من أصوات التكسير، برز رأسٌ ضخمٌ من الثقب.
"ها أنا ذا قد أتيت!!" سند مورس نصف جسده وزحف إلى الأمام بكل قوته. لم يكن على وجهه أي أثرٍ للحم أو الدم، لكن كان بإمكان المرء أن يشعر بحماسته وفرحته من خلال حركاته.
وقف غو شانغ على مسافة، يراقب بهدوءٍ ذلك العملاق الذي يظهر ببطء. 'مورس هيكلٌ عظميٌ متقن. يمكنني أن أكتسي باللحم والدم، ولكن بسبب اشمئزازي منهما، كنت أظهر دائمًا بهذه الهيئة. إنها فرصةٌ مناسبةٌ لزيادة قوتي مرةً أخرى.' فدماء كائنٍ قويٍّ من العالم الروحي هي كنزٌ لا يُقدّر بثمن.
أما سو مينغ، الذي كان يراقب المشهد من بعيد، فقد أخذ يهز ساقه اليمنى دون توقف. "هل هذا هو مورس؟ يا له من كائن! إنه أروع بكثير مما وُصف في الرواية." ثم ابتسم بحماس وقد فتح فمه على وسعه.
لوّح غو شانغ بكفه، فظهرت كل النسخ الإلهية التي كثّفها من قبل في لمح البصر.