الفصل الثلاثمائة والحادي والثلاثون: تفاعل
____________________________________________
أخفى غو شانغ شريط التعليقات الذي كان يظهر أمامه، فهذا النظام الخاص بالبث المباشر يشبه إلى حد بعيد ما قرأ عنه في الروايات، إذ يمتاز بخاصية فريدة تمكنه من تسجيل محيطه بزاوية كاملة دون أي نقاط عمياء، كما يتيح للمشاهدين تحريك الشاشة كيفما شاؤوا لاستكشاف ما حوله.
دون شريط التعليقات، لم يكن بوسعه أن يرى ما يقوله مستخدمو الإنترنت في عالمه القديم، لكنه لم يلقِ لذلك بالًا. على الجانب الآخر، كانت شعبيته تتزايد بسرعة هائلة مع استمرار البث، لتقفز بمعدل الملايين في كل ثانية تمر. ورغم رؤيته للأرقام وهي تتصاعد بجنون، ظل قلبه هادئًا ومطمئنًا لثلاثة أسباب.
أولها البيئة التي وجد نفسه فيها، وثانيها حركات هوانغ غو شو وهي تدلكه بلطف، أما السبب الثالث فكان الطبيعة الاستثنائية لنظام البث ذاته. فبسبب التقنية الغامضة التي يتمتع بها، عجز أهل عالمه القديم عن إيقافه قسرًا، حتى إن محاولاتهم لإيقاف الخوادم وقطع الإنترنت باءت بالفشل، فقد ظلت شاشة بثه معروضة أمام الجميع دون أن يقدر أحدٌ على إزالتها.
كانت هذه العوامل الثلاثة كفيلة بجذب الانتباه من كل حدب وصوب، فبدأ الناس يتناقلون خبر بث غو شانغ حتى انتشر كالنار في الهشيم، وتزايد عدد مشاهديه ككرة ثلج متدحرجة. ففي أي عالم كان، يظل الفضول هو أسرع السبل لجذب اهتمام الناس. وفي غضون دقائق معدودة، تجاوز عدد المشاهدين المليارين، ووصلت شعبيته إلى مئات المليارات.
كان بوسعه الآن شراء أثمن العناصر في متجر النظام، إلا أن تلك الأشياء لم تعد ذات فائدة له. تساءل في نفسه: 'إذًا، ما الجدوى من هذا النظام؟' وبعد أن فرك عينيه، أعاد غو شانغ إظهار شريط التعليقات مرة أخرى، لكنه هذه المرة ضبط وتيرة ظهورها وفرض عليها قيودًا متنوعة.
بطبيعة الحال، كان بقوة بصره قادرًا على رؤية جميع التعليقات مهما بلغت سرعتها، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للبشر العاديين في الطرف الآخر، فمن دون فرض تلك القيود، سيصبح التواصل الطبيعي معهم أمرًا مستحيلًا.
وما إن تباطأت وتيرة التعليقات حتى انهالت الرسائل من كل صوب، حيث شرع الكثيرون في تبادل الأحاديث حول مواضيع شتى، وكان معظمهم يرغب في التواصل مع غو شانغ. ظهر تعليق يقول: "أين صاحب البث؟ ولماذا هذا المنظر خلاب إلى هذا الحد؟"
وكتب آخر: "دعك من المنظر، فأنا أكثر فضولًا بشأن تلك الصبية الصغيرة!"
فجاء ردٌ ساخر: "توقفوا عن الحديث، إنها ربة منزل!"
وتبعه تعليق مازح: "يا إلهي، لقد أضعتها دون قصد، أرجوكم أخبروني بالعنوان لأستعيدها على الفور."
أومأ غو شانغ برأسه وقال بهدوء وهو يضللهم: "كما ترون، أنا وحدي وهذا شاطئ."
فرد أحدهم متهكمًا: "هذه أول مرة أسمع فيها كلمات بهذا القدر من الدقة!"
وقال آخر: "كلمات صاحب البث جميلة حقًا!"
وعلّق ثالث: "يالها من موهبة فذة! لم يعد هناك الكثير من أمثالك في الاتحاد البشري، أقترح أن تتخلصوا منه فورًا."
ألقى غو شانغ نظرة عابرة على التعليقات المتدفقة، ثم لوّح بيده وأخرج زجاجة عصير، فانفتح غطاؤها من تلقاء نفسه، وتحول العصير بداخلها إلى أعمدة مائية تدفقت ببطء إلى فمه.
"يا للعجب، أهذا سحر؟"
"لا تكن ضيق الأفق أيها الأحمق، من الواضح أن هذا ليس سحرًا، بل ضرب من الشعوذة."
"تبًا لكم، أرى أن هذا فنٌ من فنون الخداع البصري المتقدمة."
كانت معظم التعليقات التي تظهر على الشريط مجرد هراء لا معنى له، فتجاهلها غو شانغ واستمر في شأنه، يرتشف عصيره ويستمتع بتدليك هوانغ غو شو. اقتربت هوانغ غو شو من أذنه وهمست بصوت ناعم بينما كانت يداها الصغيرتان تواصلان التدليك بقوة: "سيدي، سمعت أن لديك حيوانًا أليفًا جديدًا، هل اسمه القط مايك؟"
أجابها غو شانغ وهو يخرج علبة عصير جديدة ويقدمها لها: "أجل، إنه قط يتمتع بذكاء خارق، لكنه ليس جادًا، يجدر بكِ ألا تختلطي به كثيرًا في المستقبل."
كانت هوانغ غو شو قد رأت هذا الشيء مرارًا حينما كانت في العالم الفاني، فلم تتفاجأ كثيرًا. أخذت العلبة وفتحتها بمهارة ثم ارتشفَت منها رشفة كبيرة. وقالت بطاعة وهي تحفظ كلمات سيدها في قلبها: "مفهوم يا سيدي!"
ابتسم غو شانغ ومسح على رأسها بحنان قائلًا: "أحسنتِ، أنتِ مطيعة حقًا."
وما إن رأى المشاهدون تعابير السعادة على وجه هوانغ غو شو، حتى انطلقت موجة أخرى من التعليقات التي لا طائل منها، فقال أحدهم: "يا له من وحش، يا له من وحش حقًا."
وسأل آخر: "كم دفع لكِ؟"
فيما كتب ثالث: "لقد رأينا كل أصناف النساء في هذا الزمن، لا شيء يثير الدهشة بعد الآن."
'إذًا، قدرة نظام البث هذا هي عرض حياتي لهم، وهم يمدونني بمشاعرهم، فأحصد أنا الشهرة وأستبدلها بالعناصر.' تنهد غو شانغ وقال لنفسه: 'هذا حقًا لا معنى له.'
وفي اللحظة التي كان يوشك فيها على إنهاء البث، ظهر أمامه سطر صغير من الكلمات فجأة.
[تنبيه: عند وصول الشعبية إلى ذروتها، سيتم فتح عالم المشاهدين التالي تلقائيًا.]
[تنبيه: بعد استيفاء شروط الإخفاء، يمكنك فتح القناة المؤدية إلى عالم المشاهدين.]
بعد أن قرأ هذين التنبيهين، شعر غو شانغ بأن هناك مؤامرة تُحاك في الخفاء. هذا يعني أنه إذا أراد فتح عالم المشاهدين التالي أو الذهاب إلى عالمه القديم في الجهة المقابلة، فعليه مواصلة البث المباشر.
بعد تفكير قصير، وجّه الكاميرا نحو نفسه وسأل: "هل يمكن لأحدكم أن يخبرني في أي عام نحن الآن من عشرينيات القرن؟" كان يرغب في التأكد مما إذا كان عالمه القديم المقابل هو نفسه الذي انتقل منه عبر الزمن، فإن كان كذلك، فالأمر سيصبح أكثر إثارة للاهتمام.
"هل يحاول صاحب البث أن يختلق أمرًا ما؟"
"هذا الأحمق يظن أنه سافر عبر الزمن، يا للسخرية!"
انقسمت التعليقات بين ضاحك وساخر ومستغرب، لكن أحدهم في النهاية قدم إجابة دقيقة: "نحن في الثالث والعشرين من مايو لعام ألفين وثلاثة وعشرين."
عندما رأى غو شانغ هذا التاريخ، ارتسمت على وجهه ابتسامة، فقد تذكر أنه حين انتقل عبر الزمن لأول مرة، كان اليوم هو الأول من ديسمبر لعام ألفين واثنين وعشرين. ثم سأل مجددًا وهو يحدق في الترجمة التي تظهر على الشاشة: "هل يعلم أحدكم ما الأحداث الكبرى التي وقعت في نوفمبر من عام اثنين وعشرين؟"
بعد بضع ثوانٍ، حصل بالفعل على سلسلة من الإجابات، كان من بينها مباريات كأس العالم، وبعض الأعمال التي أداها نجوم مشهورون وقاموا بالترويج لها، والأهم من ذلك كله، عدة مسلسلات تلفزيونية حظيت بشعبية جارفة.
'بناءً على المعلومات التي أمامي، فإن العالم القديم المقابل يشبه إلى حد كبير العالم الذي كنت فيه قبل انتقالي.' شعر غو شانغ ببعض الاهتمام يتسلل إلى نفسه، فحاول أن يسأل النظام مباشرة: "أيها النظام، أخبرني ما هو شرط الإخفاء؟"
لو تمكن من معرفة الإجابة من النظام، لكان ذلك أفضل، وإلا فسيضطر إلى اكتشافه بنفسه بالتجربة والخطأ.
[الشرط الأول هو أن تجعل الشخص في الجانب الآخر يصدق أنك سافرت عبر الزمن.]
[سيظهر الشرط الثاني عند إتمامك للشرط الأول.]
'يا له من أمر عجيب، ما زلت أخوض لعبة الاستمرار في هذه اللعبة.' تمطى غو شانغ وقرر أن يجرب حظه، فلو أمكنه ذلك، فإنه يأمل في إنهاء هذه الأمور قبل أن يذهب إلى العالم الحقيقي في المرة القادمة.