الفصل الثلاثمائة والسادس والثلاثون: أأنا المخطئ؟
____________________________________________
"يا لها من مذيعةٍ جريئة!"، "إني لأعجبُ حقًا من أمثال هؤلاء المذيعين الذين لا يخشون الإحراج قيد أنملة". نظر غو شانغ إلى سيل التعليقات المنهمرة على شاشة الهاتف، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ صامتة. 'لا يزال هذا العالم مريضًا كما عهدته، يفعل المرء أي شيءٍ مقابل بضعة دراهم من الفضة'.
كانت الفتاة تحدق في شاشة هاتفها، تتأمل إشعارات الدعم التي لا تنقطع، وقد علت وجهها ابتسامة رضا. اقتربت من غو شانغ برفق وهمست في أذنه: "لقد ساعدتني كثيرًا أيها الزميل". ثم أردفت بكرمٍ واضح: "أخبرني ما تشتهي أن تأكل، فأنا من سيتكفل بالحساب اليوم، اطلب ما يحلو لك!".
أجاب غو شانغ ببساطة: "لنأكل بعض المثلجات إذن". لم يكن يرغب في هذا العالم العادي إلا أن يتجول قليلًا، ليستعيد ذلك الشعور الذي ألفه قبل رحلته عبر الزمن، فهذا العالم هو الأقرب إلى عالمه القديم الذي فارقه.
خلعت الفتاة قناعها، فكشفت عن ابتسامةٍ عذبة، وقالت: "جاء طلبك في وقته تمامًا، أتذكر أن هناك محل مثلجاتٍ شهيرًا في الجوار". فقال غو شانغ: "إذًا، فلننطلق". وسارا معًا بخطى وئيدة نحو وجهتهما.
كان الطريق إلى محل المثلجات معقدًا بعض الشيء، ورغم قصر المسافة، فقد كان عليهما أن يعبرا أزقةً عدة. وعند تقاطع طرقٍ ناءٍ، انطلقت سيارةٌ فجأة بجانبهما بسرعة جنونية، ثم توقفت للحظة قبل أن تسرع مبتعدةً وقد خلفت وراءها صرير عجلاتها.
"ما الذي يحدث؟" تساءلت الفتاة بفضول، لكنها كانت تعاني من قصر نظرٍ شديدٍ، فلم تستطع أن تبصر شيئًا بوضوح. قال غو شانغ بهدوء: "لقد صدمت عجوزًا كانت أمامنا، لكن السيارة التي دهستها لم تكترث لأمرها".
تنهدت الفتاة ثم قالت: "آه، دعنا نسرع في طريقنا ولا نساعدها". "ألا تخشين لوم الناس إن قلتِ هذا أمام متابعي البث المباشر؟". لوّحت الفتاة بهاتفها الذي كادت بطاريته أن تنفد وقالت: "يا هذا، لقد أوقفت البث منذ زمن".
ثم أكملت مبررةً موقفها: "علاوة على ذلك، ردة فعلي هذه طبيعية تمامًا. انظر، المكان خالٍ من الناس تقريبًا، ولا توجد أي كاميرات مراقبة. ماذا لو ساعدناها على النهوض ثم ابتزتنا؟".
"المال الذي أجنيه من البث المباشر يكفيني بالكاد لأعيش. فإن هي ابتزتني حقًا، فلن أكون المتضررة الوحيدة، بل سيمتد الأذى إلى والديّ أيضًا". تنهدت الفتاة وقد عجز لسانها عن وصف الموقف. في سالف الأيام، كانت الأجواء في هذا المجتمع لا تزال طيبة، ولكن بسبب هؤلاء العجائز الذين يبتزون الآخرين، فقد كثير من الناس ما كانوا يسمونه طيبة القلب.
"أنانية، ألا تبالغين في أنانيتك؟" في تلك اللحظة، قال شاب يرتدي حلة سوداء بصوتٍ خافت. ثم أكمل بنبرةٍ وعظية: "يجب أن نحمل في قلوبنا نوايا طيبة في كل الأوقات. انظري، لقد صُدمت بتلك الطريقة. إن لم يساعدها أحد، فغالبًا ما ستموت!".
تنهد الرجل ذو الحلة وأكمل: "أنا أؤمن دائمًا بوجود الخير والعدل في هذا العالم". وما إن أتم جملتيه حتى أسرع راكضًا، وساعد العجوز الملقاة على الأرض على النهوض، ثم أخرج هاتفه واتصل برقم الطوارئ.
صمتت الفتاة قليلًا، ثم تساءلت بصوتٍ خفيض: "هل المشكلة فيّ أنا؟". هز غو شانغ رأسه وقال: "ليست مشكلتكِ، بل مشكلة العالم بأسره". واصلا سيرهما إلى الأمام، بينما كان الرجل ذو الحلة يجري بعض الإسعافات الأولية، لكن من الواضح أنها لم تكن مجدية، وظلت العجوز فاقدةً للوعي.
علقت الفتاة وقد تأثرت مشاعرها: "من النادر حقًا أن نرى شخصًا بهذه الطيبة في أيامنا هذه".
وصل الاثنان إلى محل المثلجات بسلاسة، وهناك طلبت الفتاة كأسين من مثلجات المانجو، بالإضافة إلى مشروبين مثلجين. بدت متحمسة للغاية وقالت: "يمكنك أن تخبرني بما تشتهي، سأدفع الحساب اليوم". لقد تلقت اليوم هدايا بقيمة تقارب الخمسة آلاف، وكل ذلك بفضل هذا الشاب الوسيم الذي أمامها.
"لا يوجد شيءٌ آخر أود أكله". هز غو شانغ رأسه وفتح كأس المثلجات، ثم غرف منه قضمةً بملعقة خشبية صغيرة، وقد أعادته هذه الرائحة إلى ذكرياتٍ قديمة. فقالت الفتاة: "إنها لذيذة، أليس كذلك؟ أؤكد لك أن تناول المثلجات في يومٍ حارٍ كهذا هو أسعد شيءٍ في الوجود". رفع غو شانغ إبهامه موافقًا: "صدقتِ".
بعد برهة، أنهى مثلجاته، ثم التقط المشروب البارد وغادر المحل وحيدًا. لم تتبعه الفتاة هذه المرة، فقد كان هو من رفض مرافقتها. كل ما أراده هو أن يتجول بمفرده، فوجود شخصٍ آخر بجانبه قد يؤثر على مزاجه، ولم تكن هناك حاجةٌ ماسةٌ لمرافقٍ على أي حال.
استدعى بعض المال في هذه البلدة الصغيرة، وبدأ يتجول في أرجائها. كلما صادف شيئًا لذيذًا أو ممتعًا، كان يشتري منه قطعةً أو اثنتين، يتأمله بعنايةٍ ويهدئ به مزاجه الذي يزداد تعقيدًا. وعند المساء، نزل في فندقٍ متوسط الحجم. وقف متكئًا على النافذة، يحتسي كوبًا من الشاي الساخن في صمت.
وفي الأسفل، كان طيفٌ نحيل يرتدي حلةً يمضي قدمًا بصمت. أدرك غو شانغ أنه ذلك الشاب الذي أنقذ العجوز في وضح النهار، وبدا أن مكروهًا قد أصابه.
كان الشاب يسير في الشارع خطوةً تلو الأخرى، تتردد في ذهنه كلمات العجوز وابنها وزوجته. "أنت لم تصدمني، فلماذا أنقذتني؟"، "من الواضح أنك مذنب!!"، "لم أكن أنا حقًا، بل كانت سيارة سوداء صدمتكِ ولاذت بالفرار"، "وأين دليلك؟ أرني دليلك لأراه".
"لا توجد كاميرات مراقبة في ذلك الشارع، لكني قابلت شخصين آخرين يمكنهما أن يشهدا لصالحي". "هاها، ومن يدري إن كان ما تقوله صحيحًا أم كاذبًا؟ على أي حال، ادفع المال، ادفع بسرعة!". "مرض والدتي لا يحتمل التأخير. إن لم تدفع المال وتسببت في تأخير علاجها، سأنشر قصتك على الإنترنت وأدمر سمعتك!".
كانت كلماتهم كأنصالٍ باردةٍ تخترق قلب الشاب. 'إذًا، أأنا المخطئ؟'. كان في حالةٍ من الذهول، يسير بخطى مترنحة. 'لا، لست مخطئًا'. 'فعل الخير هو الجانب المشرق في هذا العالم. يجب أن أستجمع شجاعتي!!'. قبض الشاب على يديه بقوة ومضى إلى الأمام بخطى واسعة.
مرت بضعة أيام على هذا النحو، ولم يتمكن من العثور على غو شانغ أو تلك الفتاة. رفعت العجوز وعائلتها دعوى قضائية ضده، بعد أن دفعوا للطبيب بعض المال سرًا لتزييف تقرير الإصابات التي لحقت بها جراء الحادث. وفي المحكمة، ترافع المحامي المخضرم الذي وظفوه ببراعة، وفي النهاية، أُجبر الشاب على تعويض العجوز بمئات الآلاف.
ضاعت كل مدخراته التي كدّ من أجلها طوال حياته. ليس هذا فحسب، بل حتى المنزل الذي ورثه عن والديه قد ضاع أيضًا. بعد فترة، وجد الشاب المحبط، وهو يحمل خنجرًا، طريقه إلى منزل العجوز في عتمة الليل.
وفي اليوم التالي، أذاعت إحدى المحطات خبرًا عاجلًا: "نوافيكم بخبرٍ مأساوي. في الليلة الماضية، أقدم شابٌ على قتل ثلاثة أفرادٍ من عائلةٍ واحدة، ثم انتحر".