الفصل الثلاثمائة والحادي والسبعون: نزال الاختراق
____________________________________________
بفضل دماء هؤلاء الخمسة، ارتقى غو شانغ بنجاح إلى المستوى الخامس، وشعر بقوة جسده وقد تعاظمت بشكل ملحوظ. غير أنه لم يشعر بشيءٍ يذكر، ففي نهاية المطاف، كان يمتلك قوةً هائلةً في ماضيه، وما بلغه الآن ليس سوى استعادةٍ يسيرةٍ لشيءٍ من تلك القوة الغابرة.
مع ازدياد قوته، اتسع نطاق ميدانه الخاص، حتى بات يغطي نصف مساحة الضباب الأسود. فلو أنه نشر ميدانه عند حافة الضباب، لتمكن من منع توسعه بالكامل. عند هذه المرحلة، أدرك غو شانغ أيضًا القوة الحقيقية للضباب الأسود، فقد كانت تفوق المستوى الخامس، لكنها لم تبلغ المستوى السادس بعد، وإن كانت تقترب منه بشكلٍ لا نهائي.
وفيما هو مستغرقٌ في تأملاته، قاطعه صوت ليو شينغ تاو فجأةً قائلًا: "يا سيدي، يبدو أنهم على وشك النجاح". على الشاشة أمامه، كان شيوخ مملكة يويه الخمسة يضعون اللمسات الأخيرة على تشكيلتهم التي أوشكت على الاكتمال.
انبثقت قوةٌ غريبةٌ من مركزهم لتنتشر في أرجاء الضباب الأسود وتغلفه في لمح البصر، وقد نجحت هذه القوة في صد توسعه المستمر. في تلك اللحظة، بدا الرجل ذو المظهر الأنيق شرسًا للغاية، وكأن كارثةً قد حلت به، ولم تكن تعابير وجوه رفاقه الآخرين أفضل حالًا.
وقف غو شانغ مكتوف الذراعين يراقب المشهد بهدوء، فبفضل رؤيته الفريدة التي منحته إياها قوته الجديدة، استطاع أن يدرك بلمحةٍ واحدةٍ وظيفة التشكيلة وهدف أولئك الخمسة. لقد وسّعوا بحر العدم إلى أقصى حدوده، ثم مزجوا الأنوار الخمسة ذات السمات المختلفة، ليخلقوا قوةً غريبةً قادرةً على كبح جماح الكيان الغريب.
أخذت هذه القوة تتسرب ببطء إلى داخل الضباب الأسود، وما إن تتغلغل بما يكفي، حتى تتمكن من ختمه بالكامل. ولكن بدا أن خطأً فادحًا قد وقع، فقد ازدادت مقاومة الضباب الأسود شراسةً، حتى لم يعودوا قادرين على قمعه.
تحت أنظار غو شانغ، أزهر ضوءٌ أسود فجأةً في قلب الضباب، ثم أطلق الرجال الخمسة المرتبطون بنور العدم صرخاتٍ مدويةً الواحدة تلو الأخرى، وتناثروا في كل اتجاهٍ كالأزهار المتطايرة. تجمّع الضوء الأسود بعدها ليُشكل هيئةً بشريةً غامضة، لكنها بلا ملامح وجهٍ أو أظافرٍ أو حتى جلد. كان منظره غريبًا للغاية، وفي موضع قلبه، كانت أضواءٌ زرقاء تتراقص بلا هوادة.
ضحك الكيان الغريب ضحكةً مدويةً أجشّة، وقال بصوتٍ حاد: "آه، يا له من شعورٍ رائعٍ بالحرية! إنه لأمرٌ مذهلٌ ومريحٌ للغاية". خطَا خطوةً إلى الأمام، وفي اللحظة التالية، ظهرت خلفه وجوهٌ لا تُحصى لرجالٍ ونساءٍ وأطفال، كانوا جميعًا يندفعون إلى الأمام بجنونٍ وكأنهم يحاولون اختراق حاجزٍ منيعٍ يمنعهم، فكان المشهد برمته في غاية الغرابة.
قال الكيان الأسود بحماس: "أعلم أنكم تتوقون إلى الحرية مثلي، لكن مهمتكم لم تنتهِ بعد. سأضطر إلى إزعاجكم لبعض الوقت، ولكن لا تقلقوا، فلن تكونوا وحيدين مثلي، فرفاقكم سيزدادون عددًا يومًا بعد يوم". تحركت عيناه، وسرعان ما وقع بصره على غو شانغ الواقف على مسافة.
رن صوت ليو شينغ تاو في أذنيه: "يا سيدي، تفيد تقارير الآليين أن قوة هذا الكائن تزداد بسرعةٍ فائقةٍ في كل لحظة، إنه أمرٌ غريبٌ للغاية. أرجوك، كن حذرًا أشد الحذر". ألقى غو شانغ نظرةً، وتأكد من صحة كلامه، لكنه رأى ما هو أبعد من ذلك.
لقد كان هذا الكيان يمتص البشر الذين ابتلعهم الضباب الأسود، ومع كل إنسانٍ يبتلعه، يربط روحه به ويخلق منه دمية، وفي الوقت ذاته، تزداد قوته بمقدارٍ ضئيل. غير أن هذه الزيادة كانت مجرد طاقةٍ خالصةٍ وقوةٍ جسدية، ولا علاقة لها بمستوى عالمه.
وبينما كان يواصل التفكير، دوّى صوت الرجل في منتصف العمر في أذنيه فجأة: "أيها الفتى، اخرج من هنا بسرعة!". ثم أردف بقلقٍ بالغ: "لقد استهنا بقوة هذا الكائن، لن يمر وقتٌ طويلٌ قبل أن يخترق رسميًا ويصل إلى المستوى السادس".
تحدث الرجل الأنيق بسرعةٍ وإلحاح، لكن كل كلمةٍ نطق بها كانت واضحةً تمامًا: "عليك أن تذهب إلى هذه الأماكن التي ذكرتها، وابحث عن طاردي الأرواح الأقوياء. هم وحدهم من يستطيعون حل هذه المشكلة!".
لمّا رأى أن غو شانغ لم يحرك ساكنًا، صاح الرجل في منتصف العمر بقلق: "كف عن التباطؤ، ستموت هنا إن لم تغادر فورًا!".
قال الرجل الأشقر بصوتٍ خافت: "يا سيدي، أشك أن هذا الفتى يخبئ ورقةً رابحة، وإلا لما كان بهذا الهدوء". وفي تلك الأثناء، كانت عيناه تتفحصان جسد غو شانغ بحثًا عن أي شيءٍ يثير الريبة، لكن دون جدوى.
قالت المرأة ذات الشعر الأخضر ببرود: "إن كنت تتظاهر بالقوة، فاغرب عن وجوهنا فورًا. وإن كنت تملك حقًا القدرة على حل كل شيء، فتحرك بسرعة! ما أشد تباطؤك!". كانت هيئته وتلك الهالة التي تحيط به وتعبيراته تشبه تمامًا طاردي الأرواح رفيعي المستوى الذين رأوهم، مما أثار اشمئزازها.
أومأ غو شانغ برأسه، ثم هزه قليلًا، وسحب بنجاح خمس قطرات من دمائهم، كاشفًا عن هوياتهم الحقيقية. في هذه اللحظة، وقد ارتقى إلى المستوى الخامس، كان لا يُقهر تمامًا أمام أي خصمٍ دون المستوى السادس. ولو أُتيح له بعض الوقت الإضافي للاستعداد أو استخدام وسائل مساعدة أخرى، لتمكن من قتل كائنٍ من المستوى السادس.
وما إن كُشفت هويات الخمسة، حتى كان الكيان الغريب قد اكتشف غو شانغ وظهر أمامه في لحظة. قال وهو يضحك: "رجلٌ بصحةٍ جيدة. لا بأس، لا بأس، بنيته قوية، ولحمه سيكون طيب المذاق". مرر كفه على خده برفق.
في اللحظة التالية، تحول إلى شيخٍ طاعنٍ في السن أبيض الشعر، وكانت طباعه التي أظهرها شديدة الشبه بالبشر، حتى أنه لا يمكن تمييزه للوهلة الأولى. نظر إليه غو شانغ بلا أي تعابير على وجهه، وفي تلك اللحظة، كان ميدانه قد توسع بالكامل ليشمل الكيان الغريب أيضًا.
ضحك الشيخ وقال: "أيها الصغير، أتريد مهاجمتي؟ شجاعتك تستحق الثناء، لكن من الواضح أنك تستخدمها في المكان الخطأ". في اللحظة التالية، تحررت الوجوه التي لا حصر لها خلفه من قيودها واندفعت نحو غو شانغ.
دوت ضحكاتٌ حادةٌ وصرخاتٌ مدويةٌ في جميع أنحاء فضاء الضباب الأسود. ولكن قبل أن يتمكنوا من الاقتراب من غو شانغ، تحولوا إلى رمادٍ وتبددوا تمامًا، فمع قدرة مضاعفة الضرر عشر مرات، لم تكن لديهم أي فرصةٍ للنجاة.
قطب الشيخ حاجبيه قليلًا ونظر إلى غو شانغ بدهشة: "لم أتوقع أنني كنت مخطئًا". ثم أضاف: "لكن الأمر لا يختلف كثيرًا، فمهما فعلت، لن تفلت من مصيرك المحتوم لتصبح طعامي".
تنهد غو شانغ وقال: "لا أدري لماذا يتحدث الأشرار أمثالكم بهذا القدر من الهراء؟". ثم بسط ميدانه، وانتقل فوريًا خلف الكيان الغريب، ليهبط من السماء سيلٌ جارفٌ من نور العدم الساطع.