الفصل الأربعمائة والثالث والأربعون: إنهاء كل شيء
____________________________________________
في نظر غو شانغ، كان عابر المحن ذاك قويًا بحق، بل يمكن القول إنه أقوى كائنٍ في هذا العالم بأسره إن قُيِّمت الأمور على أساس القوة القتالية الحقيقية. وبسبب هذه القوة التي لا تُضاهى، لم يكن في هذا العالم من يهتم لأمره أو يكترث له، وهذا ما جعله يتصرف بحريةٍ مطلقة.
لكن ما حيّر غو شانغ هو السبب الذي يدفع رجلًا بهذه القوة الخارقة إلى أن يرضى بدور الخادم لعرقٍ آخر. والأمر الأشد غرابة هو تلك الرائحة الخاصة التي فاحت منه، رائحةٌ لم يفهمها غو شانغ، والتي كانت تشي بأن السيد الذي يخدمه ليس بالشخص العادي، وفي هذا الأمر ما يثير الفضول.
قال عابر المحن وهو يهز رأسه غير مكترثٍ بما يجري أمامه: "تختلف دروبنا، فما جدوى الحديث؟ لقد انتهى كل شيء الآن، فاقتلني". ثم أردف بهدوءٍ تام: "أو كما تقولون في كوكبكم، إن الدروب المختلفة لا تلتقي أبدًا".
عندما رأى غو شانغ موقفه ذاك، فقد الرغبة في مواصلة الحديث معه. لقد كانت هذه هي المرة الأولى التي يلتقي فيها بكائنٍ قويٍّ له مثل هذه الهواية الغريبة على الرغم من العوالم الكثيرة التي خبرها، لقد كان منظره شاذًا بحق، وتنم نظرته للأمور عن خللٍ عميق. وبفرقعةٍ من أصابعه، أطلق غو شانغ قوةً جبارةً أزهرت في الفضاء للحظة، فأردت عابر المحن قتيلًا في لمح البصر.
وهكذا، باءت محاولة هي مينغ الثانية بالفشل الذريع. لكن هذه لم تكن النهاية، بل بدايةٌ جديدةٌ لكلٍ من هي مينغ وغو شانغ. أصدر أمره إلى جميع الدروع الآلية بالعودة إلى الكوكب، لتواصل حراسة البشر وضمان سلامتهم. ثم تتبع بقايا الهالة التي خلّفها عابر المحن على جسده، وفتح شقًا فضائيًا بجواره، وخطا بثقةٍ نحو الكون المظلم. هذه المرة، إن لم تحدث مفاجآت، فإنه بتدمير ذلك الكون المظلم، سيفهم خيوط السببية كلها ويعود إلى عالمه الحقيقي.
"سيدي، لقد تأكد مقتل عابر المحن". استمع هي مينغ إلى الصوت الآلي الصادر من جواره، فتغيرت ملامح وجهه مرارًا وتكرارًا. 'لا، إن قوة عابر المحن تعد من بين الأقوى في الكون المظلم بأسره. إن كان قد فشل، فأي فرصة لي في الفوز؟'
خطر له هذا الفكر، لكن سرعان ما نسي أمر الانتصارات والهزائم التافهة. فمقارنةً بموت عابر المحن، لا قيمة لكوكبٍ عاديٍّ يُذكر. 'لقد ساءت الأمور حقًا، كيف لي أن أشرح هذا لأمي؟!' كان كل من في الكون المظلم يعلم أن والدته مغرمةٌ بعابر المحن إلى حد الهوس، وكانت تلبي له أي طلبٍ دون قيدٍ أو شرط، في علاقةٍ غريبةٍ لم يفهمها أحد.
لو علمت والدته بموته، لغرقَت في حزنٍ عميقٍ سيدوم طويلًا. بعد صراعٍ داخليٍّ قصير، أمر هي مينغ الآلة بجواره أن تنقل الرسالة. فما سيحدث بعد ذلك لم يعد أمرًا يمكنه حله بنفسه. "سيدي، والدتك في طريقها إلى هنا. وبالحكم من إفرازات الهرمونات في جسدها، يبدو أنها غاضبةٌ جدًا. نرجو منكم الاستعداد".
لم يكن هي مينغ بحاجةٍ لكلمات الآلة، فقد كان مستعدًا نفسيًا للضرب والتوبيخ. لكن بعد وقتٍ قصير، أومضت الآلة بجانبه بضوءٍ أحمر، تلاه صوتٌ حادٌ ومزعج. صدر صوتٌ آلي: "تم رصد متسلل". "هل ترغب في اتخاذ إجراءاتٍ دفاعية؟" "الطاقة في جسد المتسلل تتجاوز الحدود، وقد تم تفعيل وضع الدفاع التلقائي". "بدء الدفاع التلقائي رسميًا. سيدي، نرجو الاستعداد لمشاهدة المعركة والتراجع".
دوت سلسلة من الأصوات الآلية، تلتها على الفور هديرٌ كثيف. ظهرت شتى الإجراءات الدفاعية في مدينة الشجرة، وتجمع الخدم من كل حدبٍ وصوب حوله، ثم اندفعوا بجنونٍ نحو ذلك الطيف الذي ظهر خارج أسوار المدينة. كان من بينهم سحرةٌ يحملون عصيهم ويتلون تعاويذهم، وممارسون يعقدون أناملهم للتواصل مع السماء والأرض، وكان أغلبهم محاربين عراة الصدور، بعضلاتٍ مفتولةٍ وطاقةٍ دمويةٍ غزيرة.
وبينما كانوا يهاجمون، تجمعت حولهم مختلف الأسلحة الحرارية والسحرية، مصوبةً فوهاتها في آنٍ واحدٍ نحو الشخص الذي ظهر في مدينة الشجرة. 'كيف يعقل هذا؟' لقد تأسس الكون المظلم منذ عصورٍ لا تُحصى، وكانوا الكيان الأقوى والأكثر غموضًا في الكون بأسره. لم يفعلوا طوال تلك الدهور سوى النهب والتنمر على الآخرين، فكيف يجرؤ أحدٌ على اقتحام معقلهم الرئيسي؟
لم يستطع هي مينغ أن يتخيل ذلك، لكن الأمر قد حدث بالفعل، وأمام الحقائق الراسخة، لم يكن لديه مجالٌ للجدال. وفقًا لما عرضته الآلة بجواره، ظهر كائنٌ ذو أساسٍ كربوني فجأةً بالقرب من مدينة الشجرة، وكانت الطاقة في جسده قويةً لدرجة أن الآلة نفسها عجزت عن تحليل رقمها الدقيق.
'أليس هذا الرجل هو ذلك الحثالة؟ يا إلهي، أي نوع من الأعداء جلبتُ على الكون المظلم؟' إن لحقت بالكون المظلم خسائر فادحة بسبب ظهور هذا الدخيل، فسيغدو هو آثمًا يستحق كل لومٍ وعقاب. وحتى لو بذل والداه قصارى جهدهما، فلن يتمكنا من إنقاذ حياته.
'لا، لا يمكنني أن أقف مكتوف اليدين أنتظر حتفي!' لقد كبر للتو، ولم يستمتع بعد بالكثير من مباهج هذا العالم، فكيف له أن يموت هكذا؟ بوجهٍ يزداد قتامةً، ضغط هي مينغ على زرٍ بجواره دون تردد، وفتح بشكلٍ عشوائيٍّ شقًا فضائيًا في الكون، ثم استقل سفينةً فضائيةً وانحشر بداخلها.
في الوقت نفسه، حوّل كل القوة التي تخص الكون المظلم إلى ذاته، ليصبح كيانًا مستقلًا بذاته. ورغم أنه سيفقد حماية الكون المظلم، وقوته الجسدية الهائلة، وموهبته الفذة، إلا أنه سيتمكن من الإفلات من مطاردة الكون المظلم لفترةٍ وجيزة، والحصول على أمانٍ مؤقت. فبهذه السفينة الفضائية، سيظل قادرًا على البقاء على قيد الحياة في أي كوكبٍ. وكلما طالت مدة تأخيره، زادت فرصه في النجاة.
ولكن، ما إن دخل نصف سفينته في الشق الفضائي، حتى ظهر طيفٌ فجأةً في غرفته الصغيرة. "تحذير، تحذير، لقد اخترق الهدف جميع القيود وظهر في المنطقة الآمنة". "تحذير، تحذير، الهدف يحمل قوةً تجاوزت الحد المسموح به، الرجاء الفرار بسرعة، الرجاء الفرار بسرعة".
استمرت الآلة بجانبه في إصدار أصوات التحذير والطنين. شعر غو شانغ بالانزعاج من ذلك، فصفعها بيده محطمًا إياها إلى أشلاء. وأخيرًا، بسحبةٍ رقيقة، انتزع الضباب الأسود من داخل السفينة الفضائية، محولًا إياها إلى سحابةٍ من غبار.
"يا صديقي العزيز، لِمَ هذا التعجل في الرحيل؟" قال غو شانغ ببرودٍ وهو يمسك عنق هي مينغ من الهواء ويجذبه أمامه. "لم أحتسِ معك كوب شايٍ جيدٍ بعد، فكيف لك أن تغادر هكذا؟ يا له من أمرٍ مؤسفٍ ومملٍ للغاية".
كان هذا الكائن هو السبب الرئيسي في الأزمة التي حلت بذلك الكوكب، وكان هذا الكون المظلم هو أصل الداء. كافح هي مينغ بقوةٍ، لكن دون جدوى. فمقارنةً بقوة غو شانغ، كانت الفجوة بينهما شاسعةً حقًا. صرخ هي مينغ بيأس: "أنت... لا يمكنك قتلي!"
"ليس في هذا العالم شيءٌ لا يمكنني فعله". بعد أن نطق بهذه الكلمات المتعجرفة، قبض غو شانغ على عنقه بلامبالاة، وأزهق روحه.