الفصل الأربعمائة والرابع والتسعون: العودة إلى بيت الأم
____________________________________________
على الرغم من شهرة تشين يي الواسعة، كونه أحد أقطاب الشبكة العنكبوتية والدائم التألق في عالم الأعمال، فقد بدا منزله على بساطةٍ لافتة. لم يكن فيلا فارهةً، ولا مجمعًا سكنيًا حديثًا وفاخرًا، بل كان مجرد حيٍّ عاديٍّ للغاية يُدعى "مجمع ضوء الشمس".
عندما وصلوا إلى بوابة المجمع، أخرج شياو في بطاقة دخولٍ من جيبه وأومأ للحارس، فضغط الأخير على زرٍ ليفتح البوابة الحديدية الكبيرة. شعر غو شانغ بهالةٍ قويةٍ تنبعث من الحارس على نحوٍ خفي، فقد كان يتمتع بقوة حيويةٍ ودمٍ غزير، مما جعله يُخمّن أنه من سلالة أهل الفنون القتالية العريقة.
وفي طريقه، لمح غو شانغ العديد من الوجوه المألوفة، شخصياتٍ إعلامية اعتاد رؤيتها على شاشة التلفاز، بل وحتى مسؤولين متقاعدين من الاتحاد البشري كانوا يظهرون باستمرار في الاجتماعات الرسمية. عندئذٍ، تراجع غو شانغ عن فكرته السابقة، وأدرك أن هذا المجمع لم يكن عاديًا البتة.
بدا جليًا أن كل من يقطن هنا كان ذا نفوذٍ ومكانة، وأن بمقدور أيٍّ منهم إطلاق غيضٍ من فيض قوته لسحق أمثال شُو وَن تشيانغ الذي يعمل تحت إمرته. بعد أن انعطفا عند زاوية الطريق، وصلا إلى بنايةٍ من ستة طوابق لا تحتوي على مصعد، فصعدا الدرج خطوةً بخطوة.
وقف غو شانغ أمام الباب بوجهٍ خالٍ من التعابير وهو يحمل سلة فواكه، بينما ضغطت تشين جينغ على جرس الباب برفق. ومع رنين الجرس، فُتح الباب من الداخل ليكشف عن امرأةٍ في عقدها الرابع.
"سيدتي!" هتف شياو في بلهفة.
"أمي!" صاحت تشين جينغ ودمعةٌ تترقرق في مآقيها، ثم ارتمت مباشرةً في أحضان والدتها.
على الرغم من بعض التجاعيد التي خطت وجهها، إلا أن سمتها وبشرتها كانا لا يزالان على قدرٍ كبيرٍ من النضارة والهيبة، وتشي ملامحها بأنها كانت فاتنة الجمال في شبابها. مسحت المرأة دموع ابنتها برفق، ثم أبعدتها قليلًا بلطف، وأخذت تتفحص غو شانغ بنظراتها.
وبعد أن تفحصته للحظات، أومأت برأسها وقالت: "لا بأس به، لا يزال مفعمًا بالحيوية".
ارتسمت ابتسامةٌ خفيفةٌ على وجه غو شانغ، وقال بكل احترام: "أمي!".
ضحكت المرأة حين سمعت هذا اللقب، وقالت: "أسرعا بالدخول، فإن العجوز لم يكف عن ذكركما طوال العامين الماضيين". ثم أضافت بنبرةٍ جادةٍ بينما كانا يخطوان إلى الداخل: "كل شيء جاهز، فلنحل مشكلات صهرنا أولًا".
كان ديكور المنزل بسيطًا للغاية، فالأثاث والأرضيات كلها مصنوعة من الخشب، وفيما عدا بعض الأجهزة الإلكترونية الضرورية، كانت المقتنيات الحديثة قليلةٌ إلى حد الندرة. وأكثر ما لفت انتباه غو شانغ مرآةٌ ضخمةٌ معلقةٌ على جدار غرفة المعيشة تكاد تملؤه بأكمله.
بجانب المرآة، كان هناك مذبحٌ صغيرٌ وُضعت عليه ثلاثة تماثيل، وفي وسطه مبخرةٌ غُرست فيها ثلاثة أعواد بخورٍ طويلة، يتصاعد منها خيطٌ رفيعٌ من الدخان تفوح منه رائحةٌ زكية.
وقف غو شانغ مذهولًا، وراودته فكرة: 'إن لم تخني الذاكرة، فهذه التماثيل الثلاثة تبدو وكأنها تمثل الأسلاف الثلاثة الأنقياء: يوان شي تيان تسون، ولينغ باو تيان تسون، وداوده تيان تسون'.
وبينما كان غو شانغ شارد الذهن في أفكاره، خرج رجلٌ في منتصف العمر من بابٍ جانبيٍّ ببطء، وقال بصوتٍ أجش: "يا له من عبق شرٍ قوي! لقد جلبت معك الكثير من المتاعب أيها الوغد الصغير".
التفت غو شانغ نحو مصدر الصوت، فرأى رجلًا يرتدي سترةً رمادية، بجسدٍ منحنٍ قليلًا ووجهٍ شديد الصرامة، يُنبئ مظهره بأنه من أولئك الذين لا يترددون في توجيه اللعنات لكل من يعترض طريقهم.