الفصل الخمسمائة والسادس والعشرون: اكتشاف نظام جديد
____________________________________________
بعد أن قضى على السيد الشاب الثالث والإمبراطور زين وو، تلقى غو شانغ إشارة من السماء والأرض، مدركًا أنه قد أنهى بذلك كل العلل والأسباب العالقة بهذا العالم. لم يطل المكوث فيه طويلًا، فلم يكن في قلبه أي تعلق يربطه بذلك المكان، وبمجرد فكرة واحدة، غادر ذلك الكون بإرادته. وما إن رحل، حتى انهار كل شيء من حوله وتحول إلى عدمٍ لا تدركه الأبصار.
حين عاد غو شانغ إلى عالمه الصغير، استشعر حالته على الفور، وتساءل في قرارة نفسه: 'هل فشلت حقًا؟'. لقد ابتكر أسلوبه الفريد بدمج فنون شتى، لكن معظم تلك الفنون كانت مستقاة من التنين السلف، الذي لم يتجاوز عالمه حد عالم التسعة والعشرين. ورغم أن غو شانغ قد صاغها من جديد، إلا أنه لم يرفع سقف قوته إلا إلى عالم الثلاثين.
بعد أن بلغ تلك المرحلة، وجد نفسه عاجزًا عن تعزيز قوته الشاملة، مهما ارتحل بين العوالم المختلفة. لم يعد أمامه سبيل لزيادة قوته سوى انتظار مرور الزمن، والاعتماد على الانفجار الأسي لينمو ببطء. لم يشعر غو شانغ باليأس أو الإحباط أمام هذه العقبات، بل عبر الزمن وحيدًا لآلاف السنين، حتى وصل إلى الحقبة التي وُلد فيها التنين السلف.
شاهد غو شانغ بنفسه أول تنين حقيقي يظهر في الوجود، فتى أحبه العالم بأسره منذ لحظة ولادته. كانت الموارد والكنوز تتهافت عليه من كل صوب، فلم يمضِ وقت طويل حتى شبَّ التنين السلف وهيمن على العالم بأسره. لكنه بعد أن بلغ تلك المكانة، وجد نفسه في مأزق، فقد كان العالم آنذاك يفتقر إلى مسار تدريب مكتمل، ووجد التنين السلف نفسه قد وصل إلى نهاية الطريق.
إن أراد الاستمرار في التقدم، لم يكن أمامه خيار سوى أن يشق طريقه بنفسه خطوة بخطوة. ولكي يتمكن من ابتكار فنون جديدة، فكر مليًا، ثم اتخذ قرارًا جريئًا وتخلى عن تدريبه، ليجوب العالم وحيدًا. لحسن حظه، كان الناس في ذلك الزمن على قدر من النقاء، فلم يواجه خطرًا يُذكر في رحلته، بل كان يجد دائمًا من يمد له يد العون من الطيبين.
هكذا ظن التنين السلف في نفسه، لكن غو شانغ، الذي كان يراقب كل شيء من منظور شامل، رأى الحقيقة بوضوح. لم يكن كل الناس بتلك الطيبة، بل كانوا قلة قليلة، ولكن لأن السماء كانت ترعى التنين السلف، فقد كان دائمًا ما يلتقي بتلك القلة الطيبة في طريقه.
بعد مئات السنين من الترحال، أدرك التنين السلف حقيقة ما في قلبه، فعاد إلى جبله وبدأ تأملًا طويلًا منعزلًا. انكب خلال تلك الفترة على قراءة ودراسة تجارب أسلافه في التدريب، يجمع ويصوغ ويبتكر، حتى استغرق ألفي عام كاملة ليصمم لنفسه مسارًا فريدًا يناسب طبيعته الخاصة.
عندها، حشد قوة العالم بأسره ليحقق اختراقًا عظيمًا، وارتقى إلى عالم داو أكثر اتساعًا. وما تلى ذلك كان أشبه بقصة مرسومة، فمهما كان العدو قويًا أو الموقف خطيرًا، كان دائمًا ينجو من المحن سالمًا، بل ويخرج منها أكثر قوة ونضجًا، وكأنه بطل خُطَّت له الروايات، محبوب هذا العالم الأوحد.
سار التنين السلف بخطى ثابتة نحو قمة هذا العالم، حتى بلغ عالم الخمسة والعشرين. وعندما أدرك الفجوة بينه وبين هذا العالم، بدأ في خلق أعداد هائلة من التنانين تحمل دمه، وصنفها إلى مراتب ودرجات بحسب نقاء سلالتها. لم يتوقف عند هذا الحد، بل واصل دراسة نفسه وعرق التنانين.
بعد مئات الآلاف من السنين، تطور عرق التنانين بسرعة وظهرت عيوب كثيرة. ولحل هذه المشكلات، ابتكر التنين السلف تقنية جديدة، وهي ذاتها عالم الخيال الذي تدرب عليه غو شانغ في زمن سحيق. وقف غو شانغ من منظوره الشامل يراقب هذا المشهد عن كثب، فرأى العملية برمتها من بدايتها إلى نهايتها، وازداد فهمه لعمق تفكير التنين السلف.
مرت سنوات لا تُحصى، وواصل التنين السلف الذي ظل صامتًا لدهور، ابتكاراته سعيًا لتعزيز قوته. وبعد تجارب وتضحيات لا حصر لها، نجح في خلق العالم الحقيقي. ومنذ تلك اللحظة، بدأت قوته تنمو بسرعة هائلة مرة أخرى، فلم يستغرق الأمر سوى عشرة آلاف عام ليرتقي من عالم الخمسة والعشرين إلى عالم التسعة والعشرين.
كان غو شانغ يتحكم في الزمن باستمرار، يراقب بعناية فهم التنين السلف وخلقه لقوة السبب والنتيجة. في تصميم التنين السلف، كانت هذه القوة هي الأقوى والأكثر تفرّدًا في العالم، وقد بذل جهدًا عظيمًا ليتمكن من السيطرة عليها واستخدامها كما ينبغي، وقد اكتسب غو شانغ رؤى جديدة من منهجه.
وهكذا، قضى آلاف السنين في نهر الزمن يراقب عملية خلق تقنية فريدة. وعندما شعر بالكمال، عاد إلى عالمه الصغير، وبدأ يركز على ذاته، محاولًا خلق تقنية تجعله أقوى، تمامًا كما فعل التنين السلف في الماضي السحيق. سارت العملية برمتها بسلاسة ودون أي عوائق، وكان الزمن هو الثمن الوحيد.
لكن الزمن بالنسبة لغو شانغ الآن كان أقل الأشياء قيمة، فعمره لا نهائي ولا نهاية له تلوح في الأفق. بعد مرور عشرة آلاف عام، فتح غو شانغ، الذي كان يجلس متربعًا في عالمه الصغير، عينيه فجأة. أشرقت من عينيه أضواء مبهرة متعددة الألوان، ومد يديه يشعر بكل سمات القوة في هذا العالم، وفي تلك اللحظة، اتصل بخيط رفيع من قوة السببية.
خطا خطوة إلى الأمام ووصل إلى أطراف عالمه الصغير، ونظر إليه من منظور فريد، هذا العالم الذي خلقه وظهر معه. رأى في عينيه وهجًا عظيمًا ينبعث ببطء من داخل العالم، وهجًا لا يمكن تمييز لونه أو وصفه بالكلمات، وبسببه كان العالم الصغير بأكمله قادرًا على العمل بقوة.
أدار بصره، فوجد أن عوالم الخالدين الصغيرة جميعها تملك ذلك الوهج. وليس هذا فحسب، بل كان هناك عمود ضخم من النور تحت قدميه. 'هذه القوة تفوق السببية'، همس لنفسه، 'وبسبب وجود هذا الوهج، تستطيع العوالم والمخلوقات أن تتطور وتتكاثر وتتغير'.
كان غو شانغ يعيد تشكيل إدراكه باستمرار، ثم قال في نفسه: 'سأطلق عليه اسم الجذر'. بعد أن قضى عشرة آلاف عام ودمج كل المعارف من الأزل حتى الآن، طور منظورًا فريدًا وشعر بوجود الجذر. لكن هذه كانت مجرد البداية، فكل ما كان يستطيعه الآن هو أن يراه، دون أن يلمسه أو يستخدمه أو يسيطر عليه.
تحول وعيه إلى خيوط رفيعة، وفي لحظة واحدة، ربط غو شانغ كل جذور العوالم معًا. ورغم أن وعيه لم يتمكن من لمسها، إلا أنه استطاع أن يستشعر ببطء المعلومات الكامنة في الجذر عن بعد.