الفصل التاسع: على حلبة الفنون القتالية وخارجها, قتال حتى الموت
____________________________________________
على حلبة النزال، وقف غو شانغ وليو في وجهًا لوجه، وقد تحلّق الجمع من حولهما يرقبون المشهد في صمت وترقب. وبدأ الهمس يسري بين الحاضرين، يتساءل بعضهم في حيرة: "من هذان الشابان؟ وأي ضغينةٍ ساقتهما إلى حلبة النزال؟"، فهذه الساحات العشر التي خصصتها طائفة لوه يي لم تكن إلا لتسوية النزاعات الدامية بين التلاميذ، حيث يُباح فيها كل شيء، ولا يُستغرب وقوع الضحايا.
وسرعان ما تقدّم أحد المطلعين ليوضح الأمر لمن حوله قائلًا: "الشاب طويل القامة هو لي آن، الذي قبله المعلم الأكبر ليكون آخر تلاميذه قبل شهرين، أما قصير القامة فهو ليو في، الذي اتخذه الشيخ الأكبر تلميذًا له قبل شهر واحد.
إن المنافسة بين عائلة لي وعائلة ليو في مدينة دا يي على أشدها، لذا فمن الطبيعي أن يصل بهما الأمر إلى هذا الحد".
وما إن وصلت هذه الكلمات إلى مسامع ليو في حتى بدأ يستعرض تقنيات الملاكمة التي يتقنها، وقد احتقنت عيناه بالدم وهو يصرخ بغضب: “هيا تقدم يا لي آن!”.
نظر إليه غو شانغ بهدوء، وقد استشعر نية القتل الصريحة في نظرات خصمه، فأدرك أنه يخطط حقًا لإنهاء حياته، فارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، كمن ينظر إلى مهرج يؤدي دورًا سخيفًا. زأر ليو في وقد استثارته تلك النظرة: “ما معنى هذه النظرة في عينيك؟”، ثم اندفع خطوة إلى الأمام، مبادرًا بالهجوم.
هز غو شانغ رأسه في أسى وهو يتمتم: “يا لها من شخصية سيئة، يبدو أن عائلة ليو لم تجد من ترسله إلى هنا سوى هذا الأحمق، لقد خلت ديارهم من الرجال حقًا!”، فازداد ليو في غضبًا على غضبه، وحشد كل قوته في قبضتيه، واندفع بكل ما أوتي من عزم، ولو أن لكماته تلك أصابت غو شانغ، لكان مصيره الموت أو العجز الدائم في نظر الجميع.
صاح أحد التلاميذ من بين الحشود في ذهول: “يا للعجب! لقد أتقن ليو في قبضة تكسير الصخور ووصل بها إلى مستوى المدخل! يا له من وحش، ولم يمضِ على تدريبه سوى شهر واحد!”. وقبل أن يتم جملته، انطلق صوت مكتوم، ولمح خصمه خيالًا أبيض يمرق من أمامه كلمح البصر، فقطب ليو في حاجبيه في حيرة، فلم يعد يرى لي آن أمامه، وفي اللحظة التالية، شعر بألم حاد يخترق ظهره، فهوى على وجهه أرضًا في سقطةٍ مُذلة، تهشّمت معها بشرة وجهه وتفجّر الألم من جديد.
اتسعت عينا تلميذ آخر وهو يصرخ غير مصدق: “هذه السرعة! هذه هي الأرجل الروحية في مستوى الكمال! يا إلهي، ما هذا الشعور الساحق بالقوة! يا له من إحساس قاهر!”.
وقف غو شانغ شامخًا في وسط الحلبة، بثيابه البيضاء الناصعة، وتنهد تنهيدة خفيفة ثم قال بصوت هادئ: “وداعًا”، وغادر الحلبة على الفور، وواصل طريقه نحو المكتبة غير آبهٍ بما خلّف وراءه. ظل ليو في ملقى على الأرض يعاني عجزًا تامًا، يئن بصوت خافت من الألم الحاد الذي مزق صدره. هرع عدة من أتباعه نحوه وساعدوه على النهوض، وهم يصرخون بقلق: “أيها السيد الشاب!!!”.
وما إن استقام ليو في واقفًا، حتى بصق دفقة من الدماء القانية، ثم اسودّت الدنيا في عينيه وفقد وعيه على الفور. علت وجوه أتباعه علامات الهلع، فقد كانوا جميعًا من شباب عائلة ليو، ولم يأتوا إلى هنا إلا لمساعدة ليو في في مهمته الوحيدة، وهي القضاء على لي آن.
وضع أحد الأتباع إصبعه تحت أنف ليو في وفمه، ففزع لما اكتشفه وصرخ: “لقد مات السيد الشاب!!!”، فهرع الآخرون ليتأكدوا بأنفسهم، فشحبت وجوههم من هول الصدمة. دوى صراخهم في المكان: “أيها السيد الشاب!!! لقد قُتل السيد الشاب، لو علم السيد الأكبر بذلك، فلن يُكتب لنا النجاة!! لم يعد أمامنا سوى خيار واحد!”.
قال أحدهم وقد غدا وجهه شاحبًا كورقة خريف: “يجب أن نقتل لي آن، أو على الأقل نجعله عاجزًا، بهذه الطريقة فقط يمكننا أن نقدم تفسيرًا للسيد الأكبر”.
وضعوا جثة ليو في على الأرض، وتبادلوا نظرات حاسمة، فقد كانوا مختلفين عن بقية التلاميذ، إذ دخلوا طائفة لوه يي وهم بالفعل محاربون في عالم نينغ تشي، وكان عددهم خمسة، وباتحادهم معًا، سيكون القضاء على لي آن أمرًا يسيرًا.
تحركوا بخفة كالأشباح، ووثبوا في الهواء ليقطعوا طريق غو شانغ للمرة الثانية، وصاح أحدهم وقد أطلق طاقة التشي الحقيقي من جسده في هجوم متواصل: “مت يا لي آن!”. وسرعان ما أحاط به الآخرون من كل جانب، وسدوا عليه كل منافذ الهرب، بينما صاح أحدهم في عجلة: “أسرعوا، لابد أن بعض التلاميذ قد أبلغوا قاعة تنفيذ القانون الآن!!”.
لم يتحرك غو شانغ من مكانه قيد أنملة، بل رفع رأسه وقد ارتسمت على وجهه اليافع بسمة ساخرة، وقال ببرود: “لا أجد ما أقوله حقًا، فالقاتل يُقتل”. وفي اللحظة التي شنوا فيها هجومهم، تطايرت قبضات غو شانغ وقدميه كالعاصفة، وسدد لكمة مباشرة إلى صدر أول من هاجمه، فأحدثت دويًا مكتومًا، وانطلق الرجل إلى الوراء وطار في الهواء مسافة تزيد عن ثلاثة أمتار، وقد انطبع أثر قبضة غو شانغ على صدره، وفي لحظة طيرانه، حطمت قوة غو شانغ الهائلة خطوط طاقة قلبه، فمات في الحال.
صرخ الباقون: “اقتلوه!!”، وواصلوا هجومهم المحكم، لكن غو شانغ ظل على هدوئه، بوجه خالٍ من أي تعابير، وهو يرد عليهم بهدوء قاتل. فكر في نفسه قائلًا: 'لا بأس، سأكشف عن زراعتي في عالم نينغ تشي، لقد تراجعت عن فكرة استخدام طاقتي الداخلية لقتلهم جميعًا في لحظة واحدة، فأنا أخشى إن كشفت عن مستواي الحقيقي أن يكتشف أحد الكبار أمري ويأخذني لتشريحي ودراستي، من الأفضل أن أتوخى الحذر'.
كانت طاقته الحقيقية تتدفق بقوة، وبكل لكمة وركلة، كان يطيح بأولئك الأتباع الواحد تلو الآخر، ساحقًا إياهم بقوته المطلقة، فتناثرت أزهار الدم على الأرض، وسقطت خمس جثث هامدة ملقاة على الأرض كالنفايات، وقد علت وجوههم صفرة الموت. استدار غو شانغ، وأدار ظهره للمشهد المروع، ومضى في طريقه.
لم تتمالك إحدى التلميذات نفسها، فامتلأت عيناها بالنجوم وهي تقول بإعجاب: “ما أشد قوة تلميذ المعلم الأكبر الحقيقي!!”، فنظرت إليها رفيقتها بملل وقالت: “على ماذا تنظرين؟ إنه مجرد طفل في الرابعة عشرة من عمره!!”، فردت عليها الأخرى بحنق: “وماذا في ذلك إن كان في الرابعة عشرة؟ لقد تزوجت ابنة عمي فتى في الثالثة عشرة الشهر الماضي!”.
في تلك الأثناء، تنهد أحدهم قائلًا: “القتال خارج حلبة النزال... لقد أوقع تلميذ المعلم الأكبر نفسه في ورطةٍ كبيرة!”، فقواعد طائفة لوه يي كانت صارمة للغاية، ولا تسمح بالقتال إلا على حلبات النزال، وأي مكان آخر محظور تمامًا، وبقتله ليو في، بات من المؤكد أن الشيخ الأكبر سيقبض عليه لينال جزاءه.
غير عابئ بكل تلك الضجة، وصل غو شانغ إلى المكتبة ودخلها بسلاسة مستخدمًا رمز التلميذ الحقيقي الذي يحمله. كانت المكتبة تتألف من ثلاثة طوابق، تخفي بين رفوفها معظم فنون القتال الخاصة بطائفة لوه يي، وبفضل مكانته، كان له الحق في الاطلاع على جميع الفنون في كل الطوابق.
بدأ غو شانغ من إحدى زوايا الطابق الأول، يتصفح المخطوطات ببطء، وقد عقد العزم على حفظ جميع فنون القتال عن ظهر قلب، ليختار منها ما يناسبه لاحقًا بعد عودته، وبهذا لن يضطر للعودة كلما احتاج شيئًا في المستقبل.
وبفضل ذاكرته التصويرية، كان يلتهم الكتب التهامًا، فانتهى من حفظ إحدى وخمسين مهارة من المهارات الخارجية في الطابق الأول، ثم صعد إلى الطابق الثاني الذي احتوى على عدد أقل من الفنون القتالية، خمسة عشر فقط، من بينها ثلاثة أساليب داخلية، ولم يستغرق الأمر منه سوى عشر دقائق ليحفظها جميعًا.
وأخيرًا، وصل إلى الطابق الثالث، كان المكان شاسعًا، لكنه لم يضم سوى ثلاثة رفوف للكتب، وعلى كل رف مخطوطة واحدة لفن قتالي عظيم. كانت الأسماء كالتالي: «طاقة سيف تحطيم الجسد»، و«أسلوب الكركي الأخضر»، و«جسد فاجرا». كان الأول أسلوب سيف يمكن للمزارع بعد إتقانه من إطلاق العنان لطاقته الداخلية في هجمات مدمرة، وقد رأى غو شانغ أنه أقوى فن قتالي شاهده على الإطلاق ولا بد من تعلمه.
أما أسلوب الكركي الأخضر، فكان أسلوبًا داخليًا يهدف للحفاظ على الصحة، ويتميز بقدرته على تقوية الروح والتعافي من الإصابات، لكن طاقة التشي الحقيقي وطاقة الغانغ تشي التي يولدها كانت عادية جدًا، وتفتقر لأي قوة هجومية. وأخيرًا، كان جسد فاجرا أسلوبًا لتقوية الجسد، يمنح صاحبه دفاعًا جسديًا هائلًا ويزيد من قوته البدنية.
فكر غو شانغ لبرهة، ثم جلس القرفصاء دون تردد، وبدأ في محاولة التمرّن على أسلوب الكركي الأخضر، فعلى الرغم من أن هذا الأسلوب الداخلي كان مجرد أسلوب مساعد، ونادرًا ما يتمرن عليه التلاميذ، إلا أن قدرته على التعافي من الإصابات قد استرعت انتباهه بشدة، فتدفق طاقة التشي الحقيقي لأسلوب الكركي الأخضر لا يساعد المتمرن على الشفاء فحسب، بل يمكنه أيضًا من شفاء الآخرين عبر بثها في أجسادهم، سواء كانت الإصابات داخلية أم خارجية.