137 - معدِن الدم الصخري

"اِستعدّا للخروج، بقِيَ أقل مِن دقيقةٍ على الاصطدام"

اجتمَع كل الإخوة في مقدّمة السفينة وتمّ تخصيص مِساحةٍ فارِغة حتى ينطلِق منها شوفين و رافين حيث سيخرُجان ويعودان بِخفّةٍ قبل أن تؤذيهما النيازِك القوية، وما هي إلا لحظاتٌ قليلة قبل أن يصِل سِرب النيازِك فقال باهان

"تذكّرا بأن الفوز لا يعتمِد على كمّية النيازِك التي تصطادانِها وإنما على قيمة المعادِن التي بِداخلِها"

قال شوفين

"الفائز يحصُل على كل المعادِن، موافِق ؟"

لم يُجِبه رافين وإنما أومأ بِرأسِه وركّز عينَيه على النيازِك التي بدأَت تصطدِم بالحاجِز وتهزّ السفينة بِقوّة، وبعد ثوانٍ قليلة.. قام رافين بِتعزيز جسدِه بِدرعٍ من الطاقة وقفز إلى خارِج الحاجِز من الجانِب السفلي الذي بقِي مفتوحاً، خرج بِخفّةٍ والتقَط أحد النيازِك التي راقب قدومَها مِن بعيد، عاد في لمحة عينٍ وهو يبتسِم لأنه كان أول مَن بدأ، بقي شوفين ساكِناً يُراقِب النيازِك عبر قدراتِه البصرية ولم يُبدِ أي نيّةٍ على الخروج حتى بعد خروج رافين لِعدّة مرّاتٍ وعودتِه بِأكثر من خمسة نيازِك، وهذا جعل الجميع يستغرِبون من هدوء شوفين ولا يعلمون إن كان هدوء جبانٍ أم حِكمة حكيم.

كان رافين يضَع صيدَه على سطح السفينة في المنطقة المُخصّصة له، وبعد خروجِه لِأكثر من عشرين مرّة.. صارَت مِنطقتُه مليئةً بالنيازِك المُختلِفة، وهذا جعل بعض إخوتِه يصيحون تشجيعاً له لِأنه كان يُغامِر بِحياتِه في الخارج، حتى أن ثِيابَه قد تضرّرت بِسبب تَلقّيه لِبعض الضربات القوية.

بعد بِضع دقائق.. بدأَت النيازِك تقِلّ، وهذه كانَت علامةً على نِهاية السّرب، ابتسم شوفين أخيراً وقال

"المعادِن النادرة لا تكون في المقدّمة، والصيد يبدأ الآن فقط"

وفجأة.. سمِع الجميع صوت شيءٍ يسقُط على الأرض في المنطقة المُخصّصة لِـ شوفين، تغيّرَت ملامِح الجميع وعلى رأسِهم باهان و رافين لأن الذي سقط كان نيزكاً لامِعاً باللون الرمادي، وما هي إلا ثانيةٌ واحِدة حتى سقط نيزكٌ آخر بِلونٍ مُختلِف، وبعدَها.. توالَت النيازِك بالسقوط على الأرض وكأنها تخرُج من الهواء، لكنّهم لم يستطيعوا اكتشاف أي طاقةٍ أو هالةٍ خارِجة من جسد شوفين أو حول منطقة سقوط النيازِك، لذلك كان الجميع مَبهورين وغير راغبين في التصديق.

خِبرة باهان جعلَته يُلاحِظ بِأن النيازِك كانت تختفي في الخارِج وتظهَر مُباشرة أمام شوفين، لكنّه أيضاً لم يستطِع رؤية خيوط تقنية النور المظلِم والتي كانت مصنوعةً من طاقة الظلام المخلوط مع طاقة الفراغ، وذلك لِأنها كانت مُندمِجة مع المحيط ويستحيل الشعور بِها تقريباً، وهذا جعل شوفين أكثر غرابةً في عيني باهان.

احمرّ وجه رافين عندما رأى بأن شوفين كان يُنفّذ المهمّة بِدون تعب، وما أزعجَه أكثر هو أن جودة النيازِك التي كان يحصُل عليها أفضل بِكثيرٍ من التي جمعَها هو، لذلك قرّر العودة لِلصيد قبل فوات الأوان.

استمرّ الصيد لِأقل من دقيقةٍ أخرى وكان شوفين قد حصل على خمسة عشر نيزكاً بينما حصل رافين على ثلاثةٍ وسبعين، تقدّم باهان أمام الاثنَين وقال

"سأقوم بِنزع الشوائب عن النيازِك التي حصلتُما عليها حتى نستطيع تحديد قيمَتِها"

أومأ شوفين ولم يعترِض فأخرج باهان طاقتَه الروحية وكانت صفراء اللون أيضاً، بدأ يصقُل النيازِك واحداً تِلو الآخر فعلِم شوفين بأن باهان يملِك بعض الخِبرة في صقل المعادِن، لكنّه لم يقُل شيئاً وإنما انتظر بينما كانت تعابيرُه هو و رافين تتغيّر بِسبب كثرَة النيازِك الفارِغة، ولِحدّ الآن.. كان باهان قد صقل أكثر من أربعين نيزكاً ولم يجِد فيها غير ثلاثة نيازِك معدنية ذات جودَة عادية، لكنّ هذا تغيّر فجأةً وظهرَت الفرحة على وجه باهان عندما أزال الشوائب عن نيزكٍ أحمر لامِع، ابتهج وقال

"جيد"

رفع رافين رأسه وسأل بِسعادة

"أليس هذا معدن الدم الصخري ؟"

قال باهان

"نعم، وسِعرُه مُرتفِعٌ جداً في متاجِر المعادِن لأنه يُستخدَم في صِناعة أفران الكيميائيّين"

يُعتبر الفرن الجيّد أداةً مهمّة للكيميائي الذي يُريد صقل حبوبٍ من المستوى الثالث فما فوق، لذلك يسعى الكيميائيون إلى امتِلاك أفرانٍ جيدة ومصنوعة من المعادِن النادِرة، ومعدِن الدم الصخري أحد هذه المعادِن المطلوبة بِسبب مُقاومتِه للحرارة وشدّة التفاعُلات الكيميائية.

تنقسِم الحبوب الطبية إلى نوعَين، نوعٌ عادي وآخر استثنائي، ومع أن الحبوب الاستثنائية نادِرةٌ ويستحيل -تقريباً- العثور على كيميائيٍّ يستطيع صقلَها.. إلا أن الصنف الآخر هو الشائع بين الناس ولا أحد يُفكّر في صِناعة حبّةٍ استثنائية، وهذا التصنيف ليس لديه اسمٌ غير "حبوب طبية"، ومستوياتُها تكون عادةً بين 1 و 7، حيث تُعتبر حبّةٌ طبّية من المرتبة السابعة مثل الكنز الذي قد يتسبّب بقِيام حربٍ لِأجل الحصول عليها.

رغم أن الحبوب الاستثنائية تُعتبر من الأساطير.. إلا أن بعض الحبوب قد تظهَر بين فترةٍ وأخرى مع مستوىً استثنائي مثل 8 أو 9، وذلك بِسبب قيمتِها الطبية الأعلى من المستوى 7، وهذا يجعلُها تلقائياً وكأنها حبوبٌ استثنائية، لكن هذا الأمر لا يُمكِن الجزم بِه لأن أغلب الأحياء لم يسبِق لهُم رؤية حبوبٍ استثنائية من قبل.

مع أن باهان قد فرِح بِهذا الإنجاز إلا أنه كان خائفاً مِن أن يكون في نيازِك شوفين ما يهزِمُهم به، لكن السعادة عادَت إليه مرّة أخرى حين صقل آخر ثلاثة نيازِك وكان أحدُها أيضاً من نفس المعدِن، ما يزيدُ مِن قيمة حظ رافين في الفوز إذا جمع قيمة المعدِنَين مع أكثر مِن عشرة معادِن أخرى قام باستخراجِها من باقي النيازِك رغم قيمتِها العادية.

نظر باهان نحو شوفين وقال

"القيمة التقريبية لِحصيلة رافين هي ثلاثة أحجار خضراء، سأبدأ الآن بِصقل النيازِك التي قُمتَ باصطيادِها أنت"

أومأ شوفين ثم أشار إلى أحدِ النيازِك وقال

"هذا وحدَه يكفي للتغلّب عليكُم"

نظر الجميع نحو النيزَك وكان قبيحاً مثل الفحم، كتم رافين ضحكتَه ولم يقُل شيئاً لأن شوفين في نظرِه ليس أكثر مِن خبيرٍ في التباهي، وذلك لأن معرِفة محتويات النيزك أمرٌ مُستحيل قبل إزالة شوائبِه، أما باهان فقد عبس وهو ينظُر إلى النيزك المُتفحّم، رفعَه وبدأ يصقُله قبل أن تتغيّر ملامِحُه ويصرُخ

"حجر تخزين"

اتّسعَت أعيُن الجميع وهُم ينظرون إلى حجرٍ أسود لامِع بِحجم القبضة، ومع أن أغلبهُم يجهلون الكثير عن المعادِن إلا أنهم جميعاً يعلمون بأن أدوات التخزين غاليةٌ جداً رغم أنها تَستخدِم قطعةً صغيرة جداً من حجر التخزين، وحجرٌ بِهذا الحجم يُمكن تقسيمُه لِصناعة آلاف الخواتِم، وبالتالي فإن قيمتَه أكبر بِكثيرٍ من حصيلة رافين.

اقترَب شوفين من باهان وأخذ منه الحجر ثم أرسل شُعلةً روحية إلى باقي النيازِك فتغيّرَت ملامِح الجميع لِأن قوّة شوفين الروحية قد كانت صفراء أيضاً، أما باهان فقد صُدِم لِأن شوفين كان يصقُل جميع النيازِك في نفس الوقت، ما يجعلُه أكثر خِبرةً منه في صقل المعادِن، لكن الذي جعل الجميع ينبهِرون هو أن جميع النيازِك التي اصطادَها شوفين قد كانت مليئةً وليس فيها أي نيزكٍ فارِغ، فهل كانت هذه مجرد مُصادفةٍ أم أنه كان يستطيع تحديد النيازِك القيِّمة وهي في الخارِج ؟

بينما كان الجميع مبهورين بِطريقة شوفين في الصقل.. ابتسم نحو باهان وقال

"أنا الفائز، أليس كذلك ؟"

نظر باهان نحو رافين بِبعض الأسى ثم تنهّد وقال

"حجر التخزين وحدَه يعني بِأنك الفائز، ناهيك عن قيمة المعادِن الأخرى التي لا زِلتَ تصقلها"

ابتسم شوفين قبل أن يزيد من قوّة الشعلة الروحية ويُذيبَ جميع المعادِن مرّة واحِدة، وفي نفس الوقت.. أرسل نارَه نحو المعادِن التي اصطادَها رافين وجعلَها تندمِج مع معادِنه، ولم يترُك منها إلا القِطعتَين الأكثر قيمةً لِأنه لا يُريد دمج معدن الدم الصخري مع معادِن أقلّ قيمة، استغرَب الجميع مِن هذا الفِعل الذي استمرّ لِأقلّ من دقيقةٍ واحِدة، وكان شوفين قد حصل على كرةٍ من المعادِن المخلوطة، أمسكَها في يدِه وحجر التخزين مع قِطعتَي معدن الدم الصخري في يدٍ أخرى ثم استدار وقال

"أتوقّع استلام جائزتي عِندما نخرُج مِن مسار النقل الكوني، سأذهب إلى غُرفتي للراحة قليلاً"

نظر إليه الجميع باستغرابٍ لأنه شخصٌ هادئ رغم صِغر سنّه، وهذا مُختلفٌ عن رافين الذي يبدو أكبر مِن شوفين ومع ذلك يتصرّف بغرورٍ وصِبيانية على الدوام، وهذا قد انقلبَ عليه بعد خسارتِه وصار وجهُه أسوداً مثل الفحم.

غاب شوفين عن أنظارِهم فقام باهان بإزالة حاجِز الحماية وتشغيل السفينة لِمواصلة الطريق من جديد، وفي هذه اللحظة.. سمِع باهان صوتاً مُدوّياً في ذِهنه يقول له عبر التخاطُر

"أنتظِرك في غُرفتي"

--------------
سؤال الفصل:
في رأيك.. لماذا يُريد شوفين اللقاء مع باهان ؟

#تحت_المجهر
--------------

صفحة الرواية على فيسبوك:
https://fb.com/MicroShowFine

2020/02/11 · 532 مشاهدة · 1219 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024