"لقد وجدتُك"

ابتهَج شوفين عندما قام بِتحديد مكان الوريد الروحي، وبخلاف توقّعاتِه فقد كان عبارةً عن بُحيرة مليئة بالطاقة السائلة، ومع ذلك.. شعر شوفين بأن هناك شيئاً غريباً بِخصوصها، شغّل مصفوفة التتبّع وركّز على منطقة قريبة من البحيرة الجوفية ثم ضمّ إليه رفيقَيه وانتقل بِهما، وفي لمحة عين.. كان قد ظهر أمام بُحيرةٍ لبنية مليئة بالطاقة الخام، شعرت راموليا بشعورٍ مألوف حيث كانت قد شاركَت مِن قَبل مع عشيرتِها في تهذيب الوريد الروحي وإصلاح التسرّبات التي مِن شأنها أن تجعل الطاقة تضيع هباءً، لذلك علِمت مباشرة بأنه وريدٌ روحي أقوى حتى مِن وريد عشيرتِها رغم أن حجمه صغير.

اتّسعت ابتسامة شوفين وأمسك ريكو مِن ذيلِه ثم قذَفه في البُحيرة وقال

"استمتِع به قبل أن أمنعَه عنك، وإن كُنتَ محظوظاً فقد تخترِق إلى مستوى تقوية الروح"

كان ريكو يُعاني مِن عنق الزجاجة، لذلك سيكون مفيداً له الاستعانة بِمصدر طاقة قوي، نظر شوفين نحو راموليا ثم قال

"علّمي تلميذَك كيف يتعامل مع الطاقة الخام حتى لا يختنِق بها"

قال هذا ثم دفعها هي أيضاً نحو البحيرة، أما هو فنظر نحو البحيرة اللبنية وقال

"والآن.. دعنا نكتشِف ما الذي يختبِئ في الأسفل"

قال هذا لأنه شعر بِهالةٍ أقوى من الطاقة اللبنية البيضاء تنبعِث من أسفل البُحيرة، رمى نفسَه داخل السائل اللبني فشعر بِضغطٍ قوي يخترِق جسدَه وروحه، بدأ بِامتصاص الطاقة مباشرة نحو عالمِه الفراغي فبدأت مساحتُه تتّسع وأجواؤه تتحسّن، ما جعل أرفود يبتهِج لِأنه كان يائساً مِن إصلاح العالم المدمَّر بِدون طاقة كافية.

غاص شوفين عميقاً بينما يتتبّع الطاقة الغريبة، وبعد عشر دقائق.. وصل إليها وكانت أقوى مِن أن يخترِقها بدون أساليب خاصة، اعتمَد شوفين على عينَيه واخترَق الهالة فاتّضح ما بِداخلها، تغيّرت ملامِحه مباشرة بين الفرح والاستغراب، وذلك لأنه رأى شيئاً لا يُفترض بِأن يظهر في هذه الأرض، لذلك تواصل مع أرفود عبر التخاطر وسأله

"منذ كَم وأنت في هذا الفراغ ؟"

قال أرفود

"منذ أكثر من سبعة آلاف سنة"

قال له

"هل سبق ورأيتَ أشخاصاً غرباء دخلوا دون إذن ؟"

أجاب مباشرة

"هذا لم يحدُث أبداً، لم يدخُل غير التلاميذ ذوي التدريب التافِه"

عبس شوفين وواصل تفكيرَه، وأخيراً.. توصّل إلى أن هذا الشيء ربما كان هنا منذ وقتٍ طويل لِدرجة أن مَن وضعَه هُنا قد مات ولم يعُد له مالِك، لذلك بدأ مباشرة بِرسم مصفوفة قوية لاحتوائِه لأنه سيكون أكبر جائزة له، وفي نفس الوقت.. قال في نفسِه بِنبرة عاطفية نوعاً ما

'سويكا، يبدو أن القدَر يُريد مِنكِ أن تأتي معي'

ومع أنه فكّر في هذا إلا أنه لا يُريد إرغامها على الذهاب معه، لذلك خطط أن يعود إليها بعد بضع سنين، حينها ستكون أكثر نُضجاً وأقرب للخطر، ما سيجعها تذهب معه بالتأكيد، خاصة أنه سيكون أقوى في ذلك الوقت وأكثر قابلية لِحمايتِها.

...

خارج بوابة الفراغ

مضى أقل من أسبوع على دخول التلاميذ إلى الفراغ، وبعد انتشار قصة السلاح السفلي.. اجتمعَت الكثير من العشائر وعلى رأسِها العشائر الثلاث الأولى، وبهذا صارَت المنطقة مليئة بالخِيام والمقاتلين وكأنه معسكر حربي، وذلك لأن سلاحاً سفلياً واحداً بإمكانِه أن يجعل التوازُن مختلاًّ بين القِوى.

استغلّت العشائر الضعيفة هذه الفرصة لِخدمة العشائر الكبيرة بِغرض التقرّب منها، وإذا نجحوا في بناء علاقة جيدة فسيتمكّنون من إرسال تلاميذِهم للتدرّب عندَهم، ما سيزيد من حظوظِهم في المستقبل.

وبينما الجميع في أنشطتِهم المختلفة.. سمِعوا أصواتاً غريبة قادمة من المنصة الحجرية التابعة لِبوابة الفراغ، وقف الشيوخ وسارعوا إليها فرأوا العديد من الثقوب الضبابية وبدأت أجساد الطلاب تسقط منها، عبس شيوخ العشائر الثلاث المُشارِكة وسارعوا إلى تلاميذِهم، تنهّد الجميع عندما وجدوا بأنهم لا يزالون أحياءً رغم أن أجسادهم قد تمّ استنزافُها من الطاقة، وبعد دقائق قليلة.. خرجَت سويكا وكانت الوحيدة التي لا تزال في حالة جيدة، بالإضافة إلى بعض الأقوياء الذين كانوا بالكاد يستطيعون الوقوف.

سارعَت العشائر الثلاث إلى علاج أتباعِها في الوقت الذي عُقِد فيه اجتماعٌ مُستعجل بين جميع القِوى، وبعد تأكّد العشائر الكبيرة بأن هذه الظاهرة لم تحدُث من قبل.. بدؤوا باستدعاء التلاميذ الذين تحسّنت حالتُهم، وكانت سويكا بينهم أيضاً، وأثناء استجوابِها.. لم تُخفِ شيئاً وأخبرتهم عمّا فعله شوفين بالجميع، حينها.. صرخت سولان بِصوتٍ مخنوق

"لماذا أنتِ الوحيدة التي لم يستنزِف قوتك ؟"

مع أن سولان من نفس عشيرة سويكا إلا أن إهانة شوفين لها ونظرتَه الدونية نحوَها قد أشعرَتها بِأن سويكا ذات اللباس المُحتشِم أفضل منها، لذلك اشتعَلت الغيرة في قلبِها وقرّرت إسقاط سويكا أولاً قبل أن يرجِع شوفين.

ارتجفَت سويكا ولم تعلم ماذا تقول لهم، وذلك لأنها لا تستطيع إخبارَهم بأن شوفين كان يتحدث معها حول القلب البدائي، وإن قالت هذا فربما سينقلِب اهتمام العشائر القوية وينسَون السلاح السفلي مقابل الحصول عليها تقديمها هدية لأسيادِهم أو استغلالها بأنفسهم، لذلك تجمّدت في مكانِها ولم تجِد ما تقوله.

شعرت سولان بالهيمنة فقالت مرة أخرى

"هل أنتما شريكان ؟"

اسودّ وجه سويكا وهي تنظر نحو سولان ولا تدري لماذا تُريد الإطاحة بها بهذه الطريقة، خاصة أنها لم تتعامل معها من قبل وليس بينهما أي علاقة، هنا.. بدأت تتّضح مسألة في قلبِها، هل يُعقل بأن سولان تغار منها بسبب شوفين ؟

وقبل أن تُجيب سويكا.. قال الشاب البارد ابن الشيخ راجو بصوتٍ بارد

"آنسة سولان.. لا تُلقي التّهم جُزافاً، سويكا لم تلتقِ بذلك الوغد من قبل"

قاطعَه سومراي تقريباً بِنبرة حانِقة

"يبدو أنك لا تعرِف النساء جيداً يا إغماس، أنا واثق بأنه قد قام بإغرائها دون علمِك"

اسودّ وجه إغماس ونظر نحو سويكا بدون شعور، ومع أنها كانت نظرةً سريعة إلا أن سويكا شعرَت بالبرود ونيّة الإتّهام منه، وهذا جعل معنوياتِها تتدمّر إلى الحضيض.

استمرّت اتهامات التلاميذ لِسويكا قبل أن يتدخّل أحد شيوخ عشيرة السيف المائي قائلاً

"ضعوها في خيمةٍ وأبقوا عيونكم عليها حتى يأتي كِبار عشيرتِها"

قال هذا لأن الحاضرين كانوا مجرد شيوخ عاديّين من العشائر، وذلك لأنهم اعتقدوا بأن الفراغ لن يطرُد تلاميذ العشائر الثلاث إلا بعد ثلاثة أشهُر، وبسبب هذه الحادثة الطارئة.. كان عليهم أن يستدعوا الجميع بسبب خبرة شوفين في المصفوفات، خاصة تلك المصفوفة التي انتقل عبرها إلى مكانٍ آخر كما أخبرَهم التلاميذ، لذلك كان عليهم استدعاء خبراء المصفوفات لِبناء مصفوفةٍ قوية تحجِزُه بِمجرّد خُروجِه، كما يجِب أن يكون الكبار حاضرين حتى يأخذوا منه السلاح السفلي الذي معه.

...

مرّ الوقت بسرعة داخل الفراغ، بقي شوفين لِأكثر من أسبوعٍ داخل البحيرة في محاولةٍ مُستَميتة للحصول على جائِزته التي تتجاوز قيمتُها الوريد الروحي، وعلى سطح البحيرة اللبنية.. كانت ريكو على وشكِ الاختراق إلى مستوى تقوية الروح، وكانت راموليا في قمّة مستوى تقوية الروح، وظهرَت عليها بوادِر الاختراق أيضاً، وهذا جعل همومَها تخفّ قليلاً لأنها لم تستغرِق سوى بضعة أشهُر للوصول تقريباً إلى المستوى الذي وصلَته في خمسمائة سنة وهي في جسدِها القديم، ما يعني بأن بقاءَها مع شوفين قد كان ذا فائدة لا يمكن تخيّلها.

استمر شوفين في قاع البحيرة باستخدام مصفوفةٍ خاصة للاستحواذ على شيء يُشبِه حجراً أملساً أسود اللون، وفي نفس الوقت كان يسحَب الطاقة الصافية إلى عالمِه الخاص حيث اتّسع الآن وكأنه سهلٌ واسع، وبعد اتّساعِه واختفاء الضباب.. بدأت تظهر معالِم كثيرة بعضُها طبيعي وأخرى من صنع البشر، وذلك لأن هذا العالم قد كان يوماً ما يحتوي على العديد من السكان تحت إدارة وإرادة شوفين القديم.

مرّت ثلاثة أيامٍ أخرى على نفس الحال قبل أن يتنهّد شوفين ويسحَب الجسم الغريب بقوّةٍ وكأنه لا يُريد الذهاب معه، لكن المصفوفة كانت قد أحاطته ولم تعُد لإرادتِه أي فائدة، تنهّد ورمى الجسم الغريب داخل عالمِه، لكنّه وضعَه في خزانة خاصة وليس على المنصة أو في المبنى الذي يضع فيه أغراضَه في العادة، نظر حولَه ثم بدأ يتحرّك في قاع البحيرة، وبعد تصفّحِها.. ابتسم بِسعادة لأنها ليست بحيرةً طبيعية وإنما تم وضعُها هنا من قِبل البشر، ما يجعها أقرب من حوضٍ صناعي وليس بُحيرة، وهذا يعني بِأن نقل الوريد سيكون أكثر سهولة ممّا توقّع.

صعد للأعلى وتصفّح الاثنَين بسعادةٍ حيث كان ريكو قد اخترق إلى مستوى تقوية الروح وبدأ يكتشِف قوتَه الجديدة، أما راموليا فقد واجهَت عُنق الزجاجة ولم تستطِع الاختراق إلى مستوى تهئية الوعاء، وهذا أمرٌ مفهوم لِأن وعاءَها سيحتاج إلى المزيد من الاستقرار قبل الاختراق، لذلك طمأنها قائلاً

"الاختراقات السريعة ليست جيدة لك، سنعمل على استقرار وعائِك أولاً، حينها سيكون اختراقُك أسهل وأكثر فاعلية"

أومأت بِرأسها لأنها تعلم هذا بالفِعل، خرج الثلاثة من البحيرة ثم بدأ شوفين يصنع مصفوفة أخرى، وكانت هذه المرّة أكبر وأكثر تعقيداً حيث سيعتمِد عليها لِنقل هذا الحوض العملاق إلى عالمِه الخاص.

وهذا وحده سيأخذ وقتاً طويلاً.

--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها

2020/01/13 · 664 مشاهدة · 1294 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024