"هل تُصدّقونَني الآن ؟"
رفع الحاكم رمزاً صغيراً متوهّجاً ثم اقترَب من شوفين فزاد توهّجُه، توقّف وقال
"هذا الرمز لم يتم تفعيلُه بعد، أوقِفوا المصفوفة حتى تتأكدوا بِأنفسكم"
كان هذا هو نفس الرمز الذي كانت تحمِله تلك السيدة في اجتماع العشائر، حينها.. أظهرت الرمز لِمبعوث الحاكم وأخبرتهُ بأن شوفين ينتمي إلى القصر الحاكِم، وذلك لِأن الرمز كان يتوهّج عندما اقترَب منه شوفين، لكنه كان حينها مجرّد مشلول ويملِك طباعاً سيئة، لذلك لم يحاوِلا أخذَه معهُم.
يتم استخراج مثل هذا الرمز عند تقديم طلب الحصول على مولود جديد، ويتوهّج عند الاقتراب من الطفل المرتبِط به كدليلٍ على مِلكيتِه، وعندما يلمِسُه.. سيشتعِل ويختفي، ويبدو بأن شوفين الأصلي عند وِلادتِه قد ضاع ولم يتمكّن القصر مِن إيجادِه بِسبب إرسال الأطفال بِطريقة عشوائية إلى مكانٍ قريب من العنوان المُحدّد، لذلك يضيع الكثير من الأطفال، وهذا لا يعني بأن شوفين الأصلي هو ابن الحاكِم، بل في الغالب أن هذا مجرّد ادّعاء منه للحصول على شوفين، لأن القصر الحاكِم هو أكثر من يطلُب المواليد الجُدد في دولة روسكيا، وتلك السيدة كانت تحمل معها العديد من الرموز لعلها تلتقي بِصاحبها يوماً ما، وهذا ما حدث حينها.
في البداية.. أتى الحاكِم للحصول على شوفين والسلاح الذي معه، ولم يكُن يهتم بِشوفين ما دام مشلولاً، لكن ما حكاه التلاميذ الناجون قد جعلَه يفهم بأن شوفين يُجيد المصفوفات، وهذا هو أفضل ما يُمكِن أن يفعَله شخصٌ مشلول، وقد ظهر في التاريخ مقاتلون أقوياء يعتمدون على المصفوفات، بل وهناك من يرسم المصفوفات على جسدِه ويستخدمها في القتال، وبما أن شوفين موهوب في المصفوفات فقد قرّر الحاكِم الادّعاء بأنه ابنُه حتى يذهب معه شوفين وهو راضٍ.
ظهر شوفين فجأة قرب الحاكِم وقال، عبس الجميع وصرخ أحدهم
"دعني أرى هذا الرمز"
"كيف خرج من المصفوفة ؟"
كانت المصفوفة لا تزال مُفعّلة، ولكن شوفين خرج منها بِطريقة ما، والوحيد الذي رأى ما حدث كان الشيخ الأول السابق لقصر الحاكم، وكان خبيراً قديماً يملك عينَين جيدتين وكأنه صقر عجوز، عبس وهو ينظُر إلى شوفين لأنه لم يخُرج من المصفوفة وإنما انتقل مكانياً، وهذا يعني بأن مهارته في المصفوفات أكبر ممّا اعتقد.
ابتسم الحاكِم نحو شوفين وقال بِفخر
"هذا هو ابني"
أمسك شوفين ذلك الرمز بِيده تحت أنظار الجميع، وفجأة.. اشتعل ثم اختفى، حينها فقط شعر الجميع بأن القصر الحاكِم قد ربِح هذه الجولة وأن تعبَهم قد ذهب سُدىً.
نظر شوفين نحو الحاكِم بِهدوءٍ ثم قال
"أنا بِحاجة إلى مكانٍ أرتاح فيه، وقصر الحاكِم يبدو جيداً"
عبس الحاكِم قليلاً لأن شوفين لا يبدو فرِحاً لأنه ابن الحاكِم، لا يهم إن كان للحاكِم العديد من الأبناء أو إن كان سيُهمِل شوفين عندما يأخذُه معه، لكن أي شابٍّ عادي سيفرح ويتهلّل، وشوفين يقول بأنه بِحاجة إلى مكانٍ يرتاح فيه ؟
تماسك الحاكِم وكتم غضبه ثم ابتسم وقال
"بالتأكيد، فأنت ابني، هل ترغَب في توديع أحدٍ قبل الرحيل ؟"
هزّ رأسه وقال
"لا، دعنا نرحل"
وفي هذه اللحظة.. سُمِعت صرخة من الصفوف الخلفية
"دعني ... أطلِق سراحي"
تراجع الجميع أمام أنظار الحاكِم حتى يرى ما يحدُث، وكانت الصرخة من سويكا التي حرّرت نفسها من الأشخاص الذين كانوا يحتجِزونها منذ شهرَين أو أكثر، تحرّرت مِنهم وهربَت تِجاه شوفين وهي تبكي وتقول
"إنه كما قُلت لي، لا أستطيع البقاء هُنا، أرجوك.. خُذني معك"
كانت مثل الغريق الذي يتمسّك بِقشّة، وبِما أن أحوال شوفين قد تحسّنت قليلاً فلَم تجِد أفضل منه للهروب إليه، خاصة أنه كان قد عرض عليها اتّباعَه، وصلَت إليه وسقطَت عند قدمَيه تقريباً لولا أنه قام بإمساكِها من يدِها ورفعَها، بالنظر إليها.. علِمَ مُباشرة ما حدَث، وفي هذه اللحظة.. صرخ الشيخ راجو من مكانٍ قريب
"ما هذا يا سويكا، هل ترغبين في الهروب مِن سيّدِك ؟"
تجمّدت سويكا في مكانها لأن الشيخ راجو يستطيع استرجاعها بِحجّة أنها مِلكُه، فالأبناء والخدَم في هذا العالم مثل الأملاك للأشخاص الذين قاموا بِتقديم طلب الحصول عليهِم.
ابتسم شوفين نحوَها فشعرَت وكأن جميع مشاكِلها قد اختفَت، جرّها من يدِها ودفعها خلفَه ثم نظر نحو راجو وقال بِسخرية
"سمِعتُ بأنها كانت ابنتَك، وبعد أن كبُرَت قليلاً.. قُمتَ بِتحويلها إلى خادمة، أتساءل لماذا ؟"
اسودّ وجه الشيخ راجو لِأن هذه القصة وإن كانت غير منتشرة إلا أن العديد من أبناء العشيرة وشيوخِها يعلمون ذلك، لكنهم لم يكونوا لِيهتمّوا لولا الاستماع إلى سؤال شوفين، ويبدو بأن الجميع قد فهِموا قصدَه فبدؤوا ينظروا بِتعابير الاتّهام نحو راجو، وذلك لأن عقد التبنّي يُعتبر مُقدّساً في هذا العالم، والتلاعُب فيه بِهذه الطريقة أمرٌ مُشين، خاصة عندما تكون القضية متعلّقة بِفتاة جميلة.
شعر راجو بأنه لن يسترجِع سويكا، لذلك صرخ عليها
"أنتِ تعلمين بأني الوحيد الذي يستطيع حِمايتك، كما أني الوحيد الذي يستطيع جعل حياتِك جحيماً"
تغيّر لونُها عند سماعِه يقولُها بِهذه الطريقة، فإلى جانب شوفين، يكون الشيخ راجو هو الوحيد الذي يعلم حقيقة القلب البدائي الذي تملِكُه، وإذا قام بِفضحِها فستكون حياتُها جحيماً حقيقياً.
قهقه الشيخ راجو عندما رأى تعابيرَها، إلا أنها تمالَكت نفسها وقالت بِقوّة
"الموت أفضل عندي من البقاء معك"
قطّب الشيخ راجو حاجِبيه قليلاً ثم صرخ بِغضب
"بِما أنكِ قُلتِ هذا فلا مانِع عندي إذن، الأمر يتعلّق بـ.. بـ.. بـ.."
.:: النحلة القاتلة ::.
وقبل أن يُكمِل كلامه.. سقط أرضاً وظهرَت بُقعةٌ سوداء على جبينِه، عبس الجميع ومِن بينِهم أقوى شخص من قصر الحاكِم لأنه لم يُفلِح في رؤية ما حدث، نظر الجميع لا شعورياً نحو شوفين الذي كان على وجهِه تعبير غاضب، تقدّم نحو جثمان الشيخ راجو وكان قد فارق الحياة لأن شوفين قد أرسل إليه خيط النور واستخدَم تقنية استخراج الأغراض المخزّنة من طرف الخيط، وفيه كانت إحدى الإبر المسمومة الثلاثة التي سبق وصنعها في قصر الكيميائي واريان، وبِسبب طبيعة الهجوم فقد أطلق عليها اسم النحلة القاتلة.
كان واريان حاضراً أيضاً، وهو الوحيد الذي علِم يقيناً بِأن شوفين هو مَن قتل الشيخ راجو، لكنه لم يعلَم كيف فعلها، خاصة أن الإبرة ثقبت جبينه ثم اختفت مرة أخرى في لمح البصر.
صل شوفين إلى جثمان الشيخ راجو وقال له
"كيف عِشتَ إلى اليوم وأنت تملك هذا الفم الثرثار ؟"
حينها فقط علِم الحاضرون بِأن شوفين هو الفاعل، ولأنهم لم يروا ما حدث فقد شكروا حظّهم لأنهم لم يتصادموا معه، وفي نفس الوقت.. تراجع باريمآن واختفى عن الأنظار حتى لا يكون القتيل التالي.
تغيّرت تعابير شيوخ القمر الأحمر وصرخ الرئيس
"ما هذا الذي فعلته يا شوفين ؟"
نظر إليه شوفين بابتسامة هادئة وقال
"إنه شخص فاسد، وأنت تعلم هذا جيداً يا رئيس، أليس كذلك ؟"
--------------
معلومة سريعة:
التعليق والإعجاب يزيد من عدد الفصول وجودتِها