"أستطيع إنقاذك، لكن.. هل أنت مستعدّة لدفع الثمن ؟"

تغيّرت تعابير المعلمة راموليا مباشرة بعد سماع ما قاله مَن يُفترض بأنه تلميذها شوفين، ولأنها عاشت لأكثر من خمسمائة عام فقد فهِمت بسرعة ما يجري هنا، لذلك عضّت شفتها السفلى لبعض الوقت قبل أن تقول بِتعابير مهزومة

"السـ.. أنت السلف الذي تحدّث معي عبر التخاطر.. ما الذي حدث لتلميذي ؟"

ضحك الشخص القديم باستعلاء وهو يقول

"لقد طلب مني إنقاذَكِ مقابل حياته وأنا أنوي تشريف ذِكراه، هل أنتِ راضية بِمثل هذا التلميذ الوفي ؟"

أراد شوفين التدخّل إلا أنه شعر وكأن التخاطر مُغلق ولا يستطيع فعل أي شيء وهو ينظر للدمع ينحدر على خدّي مُعلمته، أغلقَت بعدها عينيها لِبعض الوقت قبل أن تفتحهما بِحزمٍ وتقول

"أنا لا أريد أي مساعدة من الشخص الذي أخذ روح تلميذي، دعني أتبع تلاميذي وأرتاح"

عبس الشخص القديم وأصبحت تعابيرُه قبيحة قبل أن يلعن

"اللعنة.. ما الذي حدث لهذا العالم ؟
تلميذ مستعد للموت لأجل معلمته، ومعلمة مستعدة للموت لأجل تلميذها
هل صار الناس أكثر لطفاً مما كانوا عليه قديماً ؟"

قال هذا وهو ينظر إلى عيني المعلمة راموليا، بعد تأكُّدِه من إصرارها.. ابتسم وقال

"تلميذك بخير، سأستخدم جسدَه لبعض الوقت ثم أرجِعه إليه، هذا هو اتفاقي معه مقابل إنقاذك، وأنا شخص يفِي بوعودِه دائماً، فهل تريدين تضييع تضحية تلميذك ؟"

تلألأت عينا المعلمة راموليا عند سماعه وقالت مباشرة

"هل ما تقوله صحيح ؟
كيف أعرف بأنه لا يزال على قيد الحياة ؟"

رد عليها قائلاً

"لقد وعدتُه بجسدٍ مؤقت ريثما أقوم بتطوير جسدِه هذا، سأختار له جسداً مناسباً عندما نخرج، ويمكنك سؤاله حينها، أما الآن فنحن لا نملك الكثير من الوقت، فهل تريدين مني إنقاذَك أم لا ؟"

أومأت برأسها رغم أنها لا تصدّق كل ما قاله، وذلك لأن حالتها لا تسمح لها بالاشتراط كثيراً، ابتسم الشخص القديم وهو يقول

"اتفاقي مع تلميذِك هو أن أنقِذ حياتك، أستطيع إيقاف نزيفِك وإنقاذ حياتك، لكنك ستعيشين مُقعدة طيلة حياتك"

تغيّرت تعابيرها مباشرة لأن الأمل الذي تم إعطاؤه لها كان مجرد سراب، وهي التي تدرّبت لأكثر من خمسمائة عام والآن يطلب منها إمضاء حياتها في السرير، فأي ذل أكثر من هذا لِشخصٍ كان قد وصل لأعلى مراتب التدريب ؟

قهقه وهو يتصفّح تعابيرها ثم قال بابتسامة عريضة

"أستطيع إعطاءك جسداً جديداً وتدريبك بطريقتي الخاصة وسوف تستعيدين تدريبك خلال سنتين على الأكثر، لكن السؤال هو.. كيف ستدفعين لي ؟"

علِمت مباشرة بأن هذا الشخص ليس بسيطاً ويتلاعب بالكلمات، وقد خدَع تلميذها شوفين بهذه الطريقة، فاتفاقه مع شوفين كان إنقاذَ المعلمة وليس إعطاءها جسداً جديداً، وهذا هو ما جعلَه يستغل الفرصة للحصول على اتفاق جديد معها، لكن.. وبعد تفكيرٍ سريعٍ بدأت تركّز على ما قاله حول تدريبها، فمدة سنتين تُعتبر مثل غمضة عين في هذا العالم، ما يعني بأنها سيكون أمامها طريق مفتوح إذا دخلت مستوى تهئية الوعاء بعد سنتين فقط، وربما ستستفيد من هذا الخبير وتتقدّم إلى مستويات أكثر قوة إذا خدَمته جيداً، وبعد صراعٍ مع نفسها.. قالت أخيراً

"ما الذي يطلبه السلف العظيم ؟"

ابتسم الشخص القديم بطريقة منحرفة ثم قال

"لقد كُنت محبوساً هنا لأكثر من خمسين ألف سنة، وأنا بحاجة إلى جارية تخدمني، ما قولك ؟"

تغيّرت تعابيرها مباشرة واسودّ وجهها لأنها فهِمت مباشرة ما تعنيه ابتسامتُه، هل يريد استعبادها جنسياً وهي الخبيرة التي يُضرب لها ألف حساب بين العشائر القوية ؟
كم شخصاً أراد التقرّب منها خلال الخمسمائة سنة الماضية ورفضتهم جميعاً بسبب تركيزها على التدريب ؟

تصارعت الأفكار في ذهنها وتعرّق جبينها بسبب الألم الذي عاود أطرافها المنزوعة، وقبل أن تُجيب.. قال لها

"راموليا.. اقبلي وسأجعلك ترَين هذا العالم من زاوية أخرى"

قال هذا ثم انحنى نحو الطفلة الصغيرة التي لا زالت المعلمة راموليا تحضن جسدها البارد، أمسك الطفلة الميتة من رقبتها وكأنه يخنُقها ثم وضع أصبعه على جبينها لِبضع ثوانٍ قبل أن يُخرِج حزمة ضوئية من جبينها ويدفعها بطرف أصبعه نحو جبين المعلمة راموليا، لم تعلم ما الذي فعله، لكن.. وبمجرد دخول الضوء في جبينها.. تغيّرت الرؤية أمام عينيها ورأت بعض المشاهد الغريبة حيث كانت وكأنها داخل صندوق زجاجي وحولها مجموعة من الأشخاص يلبسون الأبيض، ويبدو بأنهم يتحدثون بلغة غريبة، ورغم أنهم يُشبهون البشر الذين تعرِفهم إلا أن أشكالَهم كانت أغرب وأكثر تفصيلاً وكأنهم مخلوقات أخرى.

لم تستطِع تحريك عينيها لإنهما مثبّتتان للأمام، لذلك كانت ترى زاوية ثابتة فقط، ورغم ذلك.. رأت مجموعة من الصنادق الزجاجية التي تُشبه الصندوق الخاص بها، لكن الغريب هو أن الصناديق كان داخلها شيءٌ مُرعب يصعُب تصديقُه لدرجة أن الفزعة جعلَتها تخرُج من الرؤيا وتنظر برُعبٍ نحو الشخص الذي احتل جسد تلميذها

ابتلعت ريقها وحاولت الحديث، إلا أن الكلمات لم تُرِد مغادرة لسانها لأنها فهِمت بعض الأمور وخافت أن تكون حقيقية، وقبل أن تقول شيئاً.. ابتسم الشخص القديم وقال

"هذه آخر ذكريات هذه الصغيرة، حصلتُ عليها لأنها مولودة حديثة، وستختفي هذه الذكريات تلقائياً بعد بضعة أشهر أخرى، إذا أردتِ أن تعلَمي ماذا كان ذلك وماهية هذا العالم وسكانِه..، حسناً، تعلمين ما عليك فِعله، على الأقل سيكون أفضل من عيش حياتِك معاقة على السرير"

أغلقت عينيها وذرفَت بضع دمعات قبل أن تُحملِق فيه وتقول بِحزم

"لقد وعدتَ تلميذي، ووعدتَني، أتمنى ألا تُخلِف وعودَك، أنا أوافق على خِدمتِك، يُمكِنك إصلاح جسدي الآن.. سيدي"

ضحك مباشرة بعد انتهاء حديثها لِدرجة أنها ظنّت بأنه يتلاعب بها ويتضاحك على مصيبتها، إلا أنه أمسك جبهتها وقال ساخراً

"وهل تعتقدين أن صنع جسدٍ بسيط لهذه الدرجة ؟
ثم.. ما الذي سأفعله بجارية عجوز مثلِك ؟
سأمنحُك جسد هذه الصغيرة لأنها لا تعاني من جروحٍ خطيرة، كما أنها تملك جسداً موهوباً وسيُفيدك كثيراً في تدريبك"

وقبل أن تُوافق أو ترفُض.. شعرَت وكأن وعيها قد بدأ يتلاشى بِبطء، وبعد وقتٍ غير معلوم.. فتحَت عينيها وشعرت بأنها تملك جسداً جديداً وأن تدريبها قد اختفى تقريباً، لكن الشيء الغريب الذي جعلَها تندم على قرارها تقريباً هو أن الشخص القديم كان قد نزع ملابِسها ووَضع يده على صدرها، هل سيمارس معها حتى قبل أن تستيقض ؟
حسناً.. لقد وافقت مُسبقاً بأنها ستكون جاريته، لكن.. ألا يستطيع الانتظار قليلاً ؟
هل هو مِن هذا النوع من الأشخاص ؟

ابتسم الشخص القديم بطريقة ساخرة ثم قال

"أنا أُخرِج السم من جسدِك أيها الحمقاء"

احمرّ وجهها مباشرة لأنه علِم ما الذي تُفكر فيه، وكانت قد نسيَت أن الفتاة الصغيرة قد ماتت مسمومة بعد تصادُمِهم مع بعض وحوش السموم ولم تستطِع الدفاع عن نفسها بسبَب تدريبها الضعيف، أغلقت المعلمة راموليا عينيها وبدأت تستشعر جسدَها الجديد وتحاول التكيّف معه، ومع أن تأثير السم الشديد كان يختفي بسرعة إلا أنها لم تكُن سعيدة حيث يجب عليها بدء التدريب من جديد وخسارة مكانتِها القديمة مع ما كان يُصاحبها من مُميزات.

انتهى سحب السم أخيراً ولبست ثيابها من جديد ثم تبِعت الشخص القديم الذي بدأ بمغادرة الكهف بخطى مُتسارعة، وبعد ساعتين كانا قد خرجا من الكهف وتوغّلا في غابة قريبة، كانت تتبَعه بصمتٍ وكأنها خائفة من الحديث، وبعد دخولهما الغابة بدأت تشعر بِبعض الغرابة لأن الشخص القديم كان ينظر هنا وهناك وكأنه يبحث عن شيءٍ ما، وبعد بضع دقائق.. قفز بِخُطىً سريعة وكأنه يركب الرياح، وفي لمحة عين.. عاد وفي يده قردٌ صغير لديه أربعة أيدي وقدمين طويلتين ويبدو مِن شكله مشاكساً ومُفتعلاً للمشاكل.

ظنت المعلمة راموليا -في البداية- أنه جائع يريد الأكل، إلا أن فِعله التالي جعل لون وجهِها الصغير يتغيّر حيث وضع يده على جبهة القرد المشاكس، بعد وقتٍ قصير.. بدأ القرد بالصراخ بطريقة غريبة جعلت قلبها يرتجِف، خاصة بعد رؤية الشخص القديم يبتسِم بطريقة شريرة، وقبل أن تسأل.. قال لها الشخص القديم

"ما هو اسم الطفلة التي حصلتِ على جسدِها ؟"

استغربت من تغييره للموضوع وكأنه يُخفي شيئاً ما، ابتلعت ريقها وقالت بِصوتٍ طفولي رقيق

"لقد وُلِدَت قبل شهر فقط، لذلك لم تختَر اسماً لِنفسها بعد"

هزّ رأسه وقال

"هممم.. هذا جيد، سيكون اسمُك راموليا، تكريماً للمعلمة الفقيدة"

رفع القِردَ من ذيلِه وقال له

"من اليوم.. سيكون اسمك قردوح، تستطيع الحديث معي ومع راموليا عبر التخاطر، نحن الإثنان فقط من نستطيع سماعك، أما اسمُك -شوفين- فسيكون مِلكي ما دُمتُ أستخدم جسدَك"

رفعت راموليا يدها الصغيرة وضربت جبهتها بأسف وهي تقول

"اللعنة.. هذا ما كنتُ أخشاه"

2020/01/08 · 1,061 مشاهدة · 1250 كلمة
simba
نادي الروايات - 2024