[ الجزء الأول ]


عندما استيقظت، تعرضت عيناي لضوء ساطع أعمى بصري

أغمضت عيني باستياء ثم فتحتها ببطء لتعتاد على السطوع

وإذا بي أرى امرأة حسناء شقراء تحدّق بي.

فتاة جميلة.... لا، شابة جميلة وصفٌ ملائم.


(من تكون يا ترى؟)


يجلس بجانبها شابٌ ذو شعر بنيّ متبسمًا بابتسامة متصنعة.

رجل متعجرف قوي البنية مفتول العضلات.

شعرٌ بنيّ ومتعجرف... مظهره الجمري [1] كافٍ لينفرني منه لكن من الغريب أنني لم أشعر ببغض تجاهه.

شعره البنيّ جميلٌ حقًا، ربما لأنه لون طبيعي وليس مصبوغا.

ابتسمت المرأة نحوي وتكلمت.

"....##......#####"

ماذا قالت؟ لم أسمعها بوضوح ولم أفهم شيئًا على الإطلاق.

أليست اليابانية؟

أجابها الرجل بابتسامة لطيفة.

".........#####...###"

ماذا قال للتو؟ لم أفهم شيئًا.

"........##.....###"

صوتٌ ثالث صدر من مكان ما في الغرفة، لم أستطع رؤية صاحب الصوت.

حاولت النهوض لكي أسألهم "ما هذا المكان؟ ومن أنتم؟".

بغض النظر عن كوني إنسان انطوائي، فأنا لم أنسَ كيف أتواصل مع الآخرين.

يمكنني فعل شيء كهذا على أقل تقدير.

" آ آه.. آآآه......"

لا أدري ما الذي خرج من شفتيّ، أكان أنينًا أم صوت أنفاسي؟

لم أستطع تحريك جسدي.

أشعر بأطرافي وأناملي لكني لا أستطيع تحريك بدني.

انحنى الرجل وحملني.

"###... #####"

هاه؟ ما الذي يحدث؟ وزني تخطى المئة كيلو جرام ورفعني بكل سهولة. أمعقولٌ هذا؟

لا، ربما كنت في غيبوبة لأيام عديدة ونحف جسمي.

من المحتمل أني فقدت أحد أطرافي في ذلك الحادث العنيف.

(مصيرٌ أسوأ من الموت، هاه...)

هذا ما تبادر إلى ذهني في ذلك اليوم.

[ الجزء الثاني ]

مضى شهر على الحادثة.

يبدو أني وُلدت من جديد، وأخيرًا أدركت هذه الحقيقة.

مجرد رضيع.

تأكدت من هذا بعد أن رأيت جسدي الصغير وأنا أُحمَل.

لا أعرف سر احتفاظي بذكرياتي السابقة لكن لا ضير في هذا.

بقاء الذاكرة بعد التناسخ [2] من الأوهام التي يتسلّى فيها المرء ولو لمرة في حياته.

لكن لم أتصوّر أبدًا أن هذا الوهم سيصبح حقيقة.....

الزوجان اللذان رأيتهما في البداية هما والداي.

يبدو أنّ عمرهما في أوائل العشرينات مما يجعلهما أصغر مني في حياتي السابقة.

فلنقل أنهما شابان يافعان من وجهة نظر امرئٍ قد بلغ الرابعة والثلاثين من عمره.

قدرتهما على الإنجاب وهما في هذا العمر جعلتني غيورًا.

لاحظت الأمر منذ البداية، نحن لسنا في اليابان واللغة مختلفة.

ملامح والديّ ليست يابانية وكذلك ثيابهما الملبوسة تعطي انطباعًا أنهما من قرية ريفية.

لم أرَ أي جهاز إلكتروني في المنزل، والسيدة التي ترتدي زيّ الخادمة تنظف المكان بخرقة قماش.

جميع الأطباق والأواني والأثاث مصنوعة من الخشب.

لعلها ليست بدولة متقدمة.

مصدر الإضاءة هو الشموع والفوانيس وليست المصابيح الكهربائية.

من المحتمل طبعًا أنها أسرة فقيرة غير قادرة على تسديد فواتير الكهرباء.

... ربما نسبة هذا الاحتمال مرتفعة بعض الشيء؟

في البداية اعتقدت أنها أسرة ميسورة الحال لأنها تملك خادمة منزل.

لكن ليس غريبًا أن تقوم بالتنظيف إن كانت من أهل البيت كأخت أبي أو أمي مثلًا.

كنت آمل في بداية جديدة لكن العيش مع أسرة لا تستطيع تسديد الفواتير مربكٌ لي.

[ الجزء الثالث ]

مضى نصف عام.

بدأت أستوعب الأمور تدريجيًا بعد استماعي لمحادثات والديّ في الأشهر الماضية.

تعجبت من سرعة فهمي للغتهم الغريبة فأنا لم أكن فالحًا بالإنجليزية في حياتي السابقة.

أصحيحٌ ما يقولونه أنه من السهل تعلم لغة أجنبية وأنت محاط بالناطقين بها؟

أم إن عقل هذا الجسد ممتاز؟

قد يعود هذا لحداثة سني وتذكري للأشياء بسرعة.

يمكنني أن أحبو الآن.

صدق من قال إنّ الحركة بركة.

لم أشعر قط بهذا القدر من الامتنان.

"سيندفع فجأة لمكانٍ ما إذا غفلت عنه عيني للحظة."

"أليس من الجيد كونه نشيطًا؟ لقد كنت قلقًا جدًا لأنه لم يبكِ أبدًا أثناء ولادته."

"ما زال عديم البكاء حتى هذه اللحظة."

دار هذا الحوار بين والديّ عندما لاحظاني أحبو كلما سنحت لي الفرصة.

بالطبع لست بحاجة للبكاء بصوت مرتفع عند شعوري بالجوع.

المزعج هو أنني دائمًا أخسر النزال ضد مؤخرتي في إبقاء مستوطنيها بالداخل لذا خضعنا لمشيئة الطبيعة.

صحيحٌ أنه لم يكن باستطاعتي سوى الحبْو لكن من خلاله عرفت بعض الأمور.

في البداية، تيقنت أن هذه الأسرة ميسورة الحال.

المكان الذي نعيش فيه مؤلف من طابقين وهو عبارة عن منزل خشبي يحتوي على أكثر من خمس غرف، ولدينا خادمة منزل واحدة.

في بادئ الأمر، كنت أحسب الخادمة عمتي أو ما شابه لكن اتضح من سلوكها المحترم تجاه والديّ أنها ليست من الأقارب.

نحن نعيش في قرية.

يمكنني رؤية المناظر الطبيعية المنعشة والأراضي الزراعية عبر النافذة.

هناك بضعة منازل في الجوار، وتوجد أسرتان أو ثلاثة بمحاذاة حقل القمح.

قرية ريفية خالية تمامًا من مظاهر الحياة العصرية. لا أسلاك كهربائية ولا مصابيح ولا شيء من هذا القبيل.

سمعت أن البلدان الأجنبية تمدّ الأسلاك تحت سطح الأرض ولكن عجيب أن هذا المنزل يخلو من الكهرباء. ربّما لا يوجد مولد كهرباء بالجوار.

قرية بدائيةٌ جدًا. أمرٌ مؤلم بالنسبة لشخص ذاق طعم الحضارة.

حتى لو كانت حياة جديدة، أود الحصول على جهاز حاسب.

طريقة تفكيري هذه انتهت في ظهيرة أحد الأيام.

تسلقت كرسيًا بجوار النافذة لأمتّع ناظريّ بجمال الطبيعة كالعادة فلم يكن لدي شيء آخر لأفعله.

لكن تفاجأت مما رأيته في فناء المنزل. كان أبي يلوّح بسيف.

(هاه؟ ما الذي يفعله؟)

أما زال يلهو بأشياء كهذه وهو في مثل هذا العمر؟ طفولة متأخرة؟

(اوه، تبًا... )

اختل توازني نتيجة الدهشة فوقعت من على الكرسي.

أمسكت بالكرسي بيدي الصغيرة لكنها لم تكن قادرة على تحمل وزني وارتطمت مؤخرة رأسي بالأرض.

"يا لهوي!"

سمعت صرخة فور ارتطامي بالأرض.

أوقعت أمي سلة الغسيل وهرعت إليّ بوجه شاحب مفجوع وحملتني.

"رودي! هل أنت بخير؟!"

تفحصت رأسي ثم وضعت يدها على صدرها وهي تتنفس الصعداء.

قالت وهي تحدّق بي.

"... حمدًا لله، تبدو بخير"

(سيدتي، من الخطر تحريك رأس شخص تلقى ضربة للتو.) ذكّرتها بهذا في قلبي.

من سلوكها القلق، يبدو أنّ سقطتي كانت خطِرة.

كان من الممكن أن أصاب بالبلادة نتيجة ضربة الرأس. لن تفرق في كلتا الحالتين.

ما زلت أشعر بوخز ألم في مؤخرة رأسي. لحسن الحظ، إمساكي بالكرسي خفف من سرعة السقوط.

من ردة فعل أمي الهادئة وهي تفحص رأسي بعناية، أفترض أنه لا يوجد دم. ربما تورّم فحسب.

تعبير وجهها يقول لو ثمة إصابة لكانت خطيرة.

وأخيرًا، وضعت راحة يدها على رأسي وقالت:

"لأطمئن فقط…
فلتتحول قوة الرب إلى محصول وافر يُمنح لمن فقد قدرته على النهوض من جديد『شفاء』"

كدت أنفجر ضاحكًا وأقول "مهلًا مهلًا، أهذه لعبتكما لشفاء ألم الأطفال؟"

أيعقل أن أمي أيضًا تعاني من طفولة متأخرة كوالدي الذي ما زال يلعب بسيفه؟

زواجٌ بين مقاتل وشافية؟

بينما أنا أفكر في هذا، إذ بيد أمي تومض ضوءًا خافتًا وبلحظة اختفى الألم.

(... معقول؟)

قالت لي أمي بنبرة متباهية.

"كل شيء سيكون على ما يرام، والدتك كانت مغامرة مشهورة."

أصابني الذهول.

سيف، مقاتل، مغامر، شفاء، ترنيمة، شافية. كل هذه المفردات تردد صداها داخل رأسي.

ماذا حدث للتو؟ ماذا فعلت؟

"ما الخطب؟"

طلّ والدي من النافذة بعد أن سمع صراخ أمي.

كان كامل جسمه مغطى بالعرق من تلويحه بالسيف.

"استمع إلى ما حدث يا عزيزي، تسلّق رودي الكرسي... وكاد أن يصاب إصابة بليغة"

"حسنًا، حسنًا. هكذا هم الأطفال مفعمون بالنشاط"

أمٌ قلقة وأبٌ لا يضخم الأمور محاولًا إرضاؤها. مشهدٌ نراه كل يوم.

لكن أمي لم تسكت، ربما لأن مؤخرة رأسي ارتطمت بالأرض أولًا.

"لحظة يا عزيزي! طفلنا لم يكمل عامه الأول بعد، فهلّا قلقت قليلًا!"

"بغض النظر عن ذلك، ينبغي للطفل أن يعتاد على السقوط كي ينمو جسده، فبهذه الطريقة سيكون بكامل عافيته. ثم حتى وإن أُصيب، أليس من السهل عليكِ شفاؤه؟"

"ولكني خائفةٌ عليه. أقلق أن يصاب بمكروه أعجز عن شفائه..."

"سيكون على ما يرام."

هذا ما قاله أبي قبل أن يحتضنها.

احمرّ وجه أمي خجلًا.

"كنت قلقة لعدم بكائه في البداية، لكن طالما أنه بهذه الشقاوة فسيكون بخير......"

أغرقها أبي بقبلاته الساخنة.

لحظة، لحظة، يا محترميْن! تتعمدان فعلها أمامي، صحيح؟!

بعدها وضعاني في الغرفة المجاورة كي أنام، ثم صعدا للطابق العلوي ليشرعا في طقوس تحضير الأطفال.

حتى لو صعدتما، فلا زلت قادرًا على سماع أصوات المواء، تبًّا لناس الأوفلاين الناجحين!

(ولكن، سحر...؟)

[ الجزء الرابع ]

لاحقًا، بدأت أعير اهتمامًا أكثر للمحادثات التي تدور بين والديّ والخادمة.

وبدأت أسمع العديد من الكلمات الجديدة التي لم تكن بمخزون مفرداتي.

أسماء البلدان والمقاطعات وعدة مواقع أخرى على وجه الخصوص.

وكذلك بعض المصطلحات التي لم أسمعها من قبل.

أيعقل أن هذا المكان...

لا، أنا واثقٌ من هذا.

نحن لسنا في الأرض، إنما عالمٌ آخر.

عالمٌ آخر يتعامل بالسحر والسيف.

في هذه اللحظة، جاءتني لحظة إلهام.

... ربما أنا قادرٌ على تحقيق إنجاز في هذا العالم.

إنه عالم سيف وسحر؛ عالمٌ مختلف عن عالمي السابق ومنطقه.

ربما بإمكاني أن أحظى بحياة طبيعية وأن أعمل بجدية كشخص طبيعي وأن أعاود النهوض عند فشلي وأن أحيا حياتي على أكمل وجه.

مت في السابق وصدري مليءٌ بالحسرة على ضياع حياتي دون تحقيق شيء يذكر.

لكني خضت تلك التجربة المريرة واحتفظت بذكرياتي السابقة...

يمكنني فعلها بلا شك!

... يمكنني العيش بجد.

------------------- ------------- --- - --- - --------------- ---------------- ------------------------------ -------------------
[1] الجمري: مصطلح نشأ في مجلس البوابة الرقمية لوصف الشخص ذو الطباع الهمجية والمستفزة والهجومية (DQN).

[2] التناسخ (تينسي): المقصود هنا وفي عنوان الرواية هو انتقال الروح لجسد جديد (Reincarnation).


الترجمة (بتصرّف): سايفر

تنقيح: تاي

2017/07/22 · 4,854 مشاهدة · 1418 كلمة
Mejaw
نادي الروايات - 2024