الفصل 187: المحنة الأخيرة

استيقظ إيثان في صباح اليوم التالي وقد تلاشى عنه كل أثرٍ من التعب والإرهاق الذي أنهكه البارحة.

اغتسل سريعاً، ثم جاءه الحراس بفطوره. وبينما كان يأكل، أخذ ريف يطلعه على المستجدات.

قال ريف باحترام: "يا صاحب السمو، هذا العام بلغ عدد المتقدمين عشرة مليارات. لذلك ارتأت الأكاديمية أن تبدأ عملية الاختيار باختبار للفهم. سيزوّدونك بتعويذة من الدرجة العليا، تناسب عنصرك، ويجب أن تستوعبها في غضون ثلاث ساعات فقط. أما المرحلة التالية فلم يُكشَف عنها بعد."

أومأ إيثان متفكراً. أمر معقول. فالشخص العادي يحتاج على الأقل إلى شهر كامل كي يتقن تعويذة بسيطة، أما تعويذة عليا؟ فذلك يتطلب سنوات. ومع ذلك، الأكاديمية لم تمنحهم سوى ثلاث ساعات… وهذا وحده كفيل ببيان مستوى التحدي.

ليس غريباً إذن أن لا يلتحق بـ الأكاديمية العليا إلا أولئك الذين يشبهون الوحوش في هيئة البشر.

سأل إيثان: "ومتى سيسلّموننا التعويذات؟"

أجابه ريف: "العدد هائل جداً. لكنك تحمل رمز القبول، أليس كذلك يا صاحب السمو؟"

ابتسم إيثان: "نعم، أحمله. هذا الرمز كان في أسرتنا الملكية منذ أجيال. أحد أسلافنا حصل عليه، لكنه لم يستخدمه، واحتفظ به لمن يأتي في سلالته ممن يملك موهبة استثنائية."

تذكر كلمات والده: في كل عام، يجوب أساتذة الأكاديمية القارة البشرية بأسرها، ويمنحون هذا الرمز للمرشحين ذوي الإمكانات الكبرى. يحقّ للمرشح أن يستخدمه بنفسه أو يورّثه لأحد من نسله.

غير أن الأسلاف لم يروا في صاحب الرمز حينها مؤهلات كافية، فحفظوه عبر الأجيال، حتى وجدوا في إيثان الوريث الجدير. بل إن الجد الأعلى نفسه قد منح موافقته، ولهذا وصل الرمز أخيراً إلى يديه.

قال ريف: "بمجرد أن يدخل صاحب الرمز نطاق المئة كيلومتر من الأكاديمية، يُفعَّل الرمز وتُمنح له التعويذة الخاصة به. ومن ثم يكون لديه ثلاث ساعات فقط ليستوعبها ويُجريها أمام الرمز، ليمنحه الإداريون إذن الدخول إلى حرم الأكاديمية."

فهم إيثان العملية تماماً. "حقاً، هذا الرمز ثمين للغاية، أليس كذلك؟"

وافقه ريف على ذلك.

سأل إيثان: "ومتى يبدأ الأمر؟"

أجابه ريف بابتسامة خفيفة: "لقد بدأ بالفعل. بعد الطعام ينبغي أن ننطلق يا مولاي."

أنهى إيثان فطوره وغادر مع ريف نحو الأكاديمية. لم يأخذ معه حراساً آخرين، فالعاصمة – عاصمة الإمبراطورية البريطانية المقدسة – كانت أأمن مكان في القارة البشرية كلها، لا يجرؤ شيطان ولا حتى تنين على إثارة المتاعب فيها.

وبمجرد أن بلغا نطاق المئة كيلومتر، رأى إيثان من بعيد حشوداً لا تُحصى، جميعهم بملامح متوترة.

وما إن دخل النطاق، حتى أضاء الرمز الأبيض في يده بوهجٍ خاطف. وضع إيثان الرمز على جبهته، وهو الإجراء اللازم لتلقي التعويذة.

سرعان ما انطبعت التعويذة ورسمها في ذهنه.

كانت تعويذة من المستوى التاسع. لكنه لم يكن ملزماً سوى بفهم المستوى الأول منها.

واسمها كان:

"المحنة الأخيرة."

جلس إيثان متربعاً وشرع في استيعابها.

في الأكاديمية العليا للسحرة

سأل أحد الأساتذة: "كيف تبدو الأمور هذا العام؟ كم بلغ عدد من حصلوا على التعويذة حتى الآن؟"

أجابه الرجل الجالس على الكرسي وهو يتابع شاشة سحرية: "ثمانية مليارات وتسعمئة مليون… والعدد في ازدياد."

أومأ رئيس الإدارة برأسه، وهمّ بالمغادرة، غير أن أحد مساعديه نهض فجأة.

"سيدي، أمر جلل حدث للتو!"

رفع الرئيس حاجبيه: "حقاً؟ ماذا هناك؟"

قال المعلم المساعد بلهفة: "لقد أُرسلت تلك التعويذة… إلى أحد المرشحين!"

تجمد رئيس الإدارة لحظة ثم قال مذهولاً: "أأنت واثق؟ لقد وضع العميد هذه التعويذة منذ ملايين السنين، ولم يظهر قطّ من قدّر له أن يتلقاها. والآن ظهر؟ إنها التعويذة العليا للبشرية، القادرة على إبادة قارة بأكملها! وهي التعويذة الوحيدة التي تركها العميد مجاناً ليظهر صاحب القدر الذي يبحث عنه!"

ثم أضاف بصوت عميق: "أرني حاله الآن. فتلقي التعويذة شيء، واستيعابها شيء آخر. آمل أن يجتاز الاختبار. امنحه مهلة يومٍ كامل بدلاً من ثلاث ساعات."

أومأ المساعد فوراً، وأظهر المشهد على الشاشة: فتى ذو شعر فضي طويل، جالس متربع العينين مغمضتين.

قال الرئيس: "هيا أيها الصغير… أرنا ما لديك. إن نجحت، فقد يختارك العميد ليكون تلميذه الشخصي الوحيد."

أما إيثان، فكان يتأمل مخطط التعويذة. بدت أصعب بكثير مما توقع، لكنه لم يسبق له التعامل مع تعاويذ عليا، فظن أنها جميعاً بهذا التعقيد.

لم يستغرق وقتاً طويلاً ليحفظ الرسم الأول.

كانت التعويذة تنصّ على أن الساحر يستطيع استدعاء صاعقة كارثية تبعاً لمقدار تحكمه في المانا ونطاق سيطرته. ولتنفيذها على نطاق واسع، كان لا بد أن يبلغ الساحر مرتبة "الساحر الأعلى".

وبعد خمسة وعشرين دقيقة فقط، نهض إيثان واقفاً.

تفاجأ الإداريون. هل استسلم بهذه السرعة؟ ألم يرَ أنهم قد مدّدوا له المهلة؟ أم أنه يفتقر حتى إلى الجرأة ليستغل الوقت؟ شعروا بخيبة أمل.

لكن سرعان ما سمعوه يقول كلاماً صاعقاً: "ريف، أريدك أن تجد لي مساحة مفتوحة بقطر خمسة كيلومترات لأجرب التعويذة."

كان ريف واقفاً خلفه كالعبد الأمين، فتجمد مذهولاً، لكنه أجاب على الفور: "كما تأمر يا صاحب السمو."

لكن قبل أن يخطو خطوة، انقطع الهواء من حوله وظهر رجل طويل القامة، يرتدي رداء ساحرٍ أرستقراطي.

ارتجف ريف، لا خوفاً بل من وطأة الضغط. فهذا الرجل يشعّ قوة تضاهي قوة الجد الأعلى نفسه.

2025/09/06 · 93 مشاهدة · 762 كلمة
Abdesselam
نادي الروايات - 2025