فتح الباب ببطء مدويا صوتا مخيفا يقشعر له البدن، وفور الفتح خرج تيار هواء قوي جعل من كيكيمورا يندفع إلى الخلف بضع خطوات مخفي وجهه بيده اليمنى وماسكا شعره المتطاير بيده الأخرى.
كان الظلام دامس داخل الغرفة، ولا يمكن رؤية أي شيء سوى اللون الأسود. لولا وجود العجوز سون قربه لظن كيكيمورا أنه في حلم ما.
"آآه، الجو بارد هنا." لم يستطع كيكيمورا تحمل برودة الجو، خصوصا لما خرج ذلك التيار المفاجئ. فبدأ بضم يديه نحو صدره لعله يشعر ببعض الحرارة. لكنه توقف عن ذلك عندما إشتعلت بضعة أعواد ضخمة معلقة على الحائط بالنار فجأة ودون سابق إنذار مما أدفأ الجو قليلا ونتج عن ذلك إضاءة الغرفة بلون برتقالي يميل إلى الأحمر.
كانت الغرفة مليئة بالغبار وشباك العناكب، فعلى ما يبدوا، مر وقت طويل منذ أن فتحت الغرفة.
"هيا ندخل."
تبع كيكيمورا العجوز سون ببطء داخل الغرفة محملق في جوانبها ومستغرب من حجم الأعواد المشتعلة، يوم بعد يوم يفهم كيكيمورا أنه مازال صغيرا مقارنة بما يوجد في الخارج.
عندما كان كيكيمورا صغيرا وقبل دخوله للأكاديمية، كان حلمه أن يصبح ساحرا قويا يحترمه الجميع كوالده، فهو قد سمع منه على أنه كان ساحرا قويا يخافه القوي والضعيف لكن فور موت زوجته توقف عن العمل كساحر وإعتزل في المنزل، لكن كيكيمورا كان قد قرر أن يكمل مسيرة والده ويصبح أقوى من أي شخص كان. لكن آماله تحطمت فور دخوله للأكاديمية، وزادت الأحوال سوءا عندما توفي والده، عندها تلاشت أحلامه ولم يعد له أي هدف في الحياة.
بالرغم من لقائه مع سيرس والتدرب تحت إشرافه، وحتى عندما حصل على عائلة جديدة التي قضى معها مدة كافية للقول أنها عائلتي والمكونة من سيرس وماهيرا والوحش، إلا أنه مازال بلا هدف. كل ما يفعله الآن هو التدرب لأنه يلوم نفسه على موت والده، والذي يظن أنه لو لم يكن ضعيفا لما آلت الأمور إلى ذلك.
"وصلنا." تكلم العجوز سون أخيرا مخاطبا كيكيمورا ورافعا رأسه للأعلى، كم حجم ذلك الشيء الذي يجعل من العجوز سون الضخم أن يرفع من نظره لكي يراه؟
تبع كيكيمورا الإتجاه الذي ينظر إليه العجوز سون لتتسع عينيه من الدهشة.
تمثال حجري أسود اللون لشيطان ضخم مربعا على الأرض، كان منحوتا بطريقة رائعة، فقد كان يبدوا كأنه على قيد الحياة.
ذو قرنين ضخمين في جوانب رأسه وشعر طويل نسبيا يصل لكتفه، يرتدي درع صلب ورجلين حافيتين مع أظافر طويلة وحادة. وحجمه فاق حجم سون أضعاف الأضعاف، فهو قد وصل لسقف الغرفة تقريبا، ولولا الأعواد المشتعلة لما رأيت وجهه.
وكيكيمورا لا يصل حجمه لظفره حتى، فقد كان يبدوا كالنملة بالمقارنة معه.
تعابير كيكيمورا مختلطة لا يعرف إذا ما يخاف أو يندهش أو يصرخ. كل التعابير المتعبة جعلت من وجهه مليء بالعرق البارد المنهمر من جبهته، فيمكنك بوضوح رؤية جوانب شعر كيكيمورا مبتلة به.
"هذا التمثال هو جسد أول ملك عالم الشياطين، وتم ختمه هنا في هذه الغرفة."
علم سون أن كيكيمورا يتوق لمعرفة ما هذا التمثال لذلك لبى رغبته.
رد عليه كيكيمورا مندهشا: "ختم؟ لماذا؟"
"كانت قوة أول ملك الشياطين لا تصدق ببساطة، وكان مهيبا بشكل لا يوصف، فهو حتى لا يطلق قوته الكاملة لكيلا يدمر ما حوله. كان الجميع يهابه ويحترمه في نفس الوقت. لكن حدث ما لم يتوقعه أي أحد. في ليلة ما أغلب أقوياء عالم الشياطين خرجوا بأمر من شخص ما للهجوم على عالم البشر، مما أدى لفسخ عقد السلام بين العالمين. وإنتهت المعركة بخسارة عالم الشياطين، لكن كحال جميع المعارك تحمل العالمين خسائر لا توصف. لكن الغريب في الأمر أن ملك عالم الشياطين لم يأمر حينها أي أحد بالهجوم، فعلى ما يبدوا أن شخصا ما قام بذلك دون إذنه، مما أدى إلى غضب الشعب ودخل عالم الشياطين إلى فوضى عارمة.
حدث إنقلاب ضده في النهاية، فبالرغم من أنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون التغلب عليه إلا أنهم أملوا ذلك، في المقابل ملك الشياطين يستطيع أن يدمر عالم الشياطين بأكمله إذا أراد لكنه لم يفعل ذلك وخرج بحل لتهدئة الأمور ألا وهو ختم نفسه والدخول في سبات أبدي مما أدى إلى نهاية الإنقلاب.
وهذا الماثل أمامك هو ذلك الملك النبيل الذي ضحى بنفسه من أجل عالم الشياطين."
فور إنتهاء العجوز سون من الكلام وعلامات الإحترام والوقار لم تغادر محياه منذ بداية الحديث، إلتفت إلى كيكيمورا ليجده غارق في دموعه.
"واااااه، يالها من قصة حزينة، ل-ل-لقد كان ملك الشياطين نبيلا حقا. أنا لا أستطيع تخيل مدى نبله حتى لو حاولت. وااااه، أنا آسف لأني كنت أحمل أفكار مسبقة حول الشياطين."
"أفكار مسبقة؟ آآه هذا الفتى الغبي، هل هو حقا تلميذ سيرس؟"
مسح كيكيمورا دموعه وإسعاد رباطة جأشه ليباشر بالكلام: "إذن، من كان سبب هجوم الشياطين؟"
لم يجب سيرس في البداية وإكتفى بعلامات الحزن ليرد في الأخير قائلا: "لم نستطع تحديد من قام بذلك، وهذا الأمر محزن حقا، فهو قد ضحى بنفسه من أجل ذنب لم يفعله."
ثم توقف عن الكلام قليلا ليبدأ بالبكاء بقوة: "واااه أيها الملك الغبي لما فعلت ذلك؟"
"وااااه توقف توقف لا تبكي أرجوك"
عندما بدأ العجوز سون بالبكاء فبسبب حجمه الضخم كانت الدموع كالشلال حقا، ولم يستطيع كيكيمورا تحمل ذلك وكل ما إستطاع فعله هو تفادي الدمعات العملاقة صارخا: "أيها العجوز سون أرجوك لا تبكي. توقف وااااه."
--------------------------------------------------------------------
في مكان ما في عالم البشر وبالضبط في مدرسة الجليد.
كان رجل واقف ويبدوا عجوزا من شدة التجاعيد، ذوا لحية بيضاء ويرتدي رداء أزرق طويل يغطيه وصولا لرجليه، كان يقف فوق منصة عالية والرياح تجعل من ردائه يرفرف متزامنا مع لحيته وشعره الأبيض.
كان الوقت ليلا والقمر كان ضخما أكثر من العادة، ولا أثر للسحب كما لو أنها إختفت. كانت السماء صافية.
لم يستطع العجوز محو إحساسه لما شعر بالقوة المخيفة سابقا والتي كانت مألوفة فكيف له أن ينساها فهو قد قاتل مع صاحبها جنبا إلى جنب مع صاحبها.
"يبدوا أنك قررت الخروج أخيرا يا صديقي القديم، لا أعلم لماذا لكني أظن أن لديك سبب وجيه لذلك."
فجأة جاء خادم راكعا قرب الرجل العجوز قائلا: "سيدي لقد حان وقت الاجتماع."
"حسنا أنا قادم." أجابه العجوز بعد أن رفع يديه ليتبعه ببطء.
لكنه توقف عن المشي لينظر إلى القمر بعينين مليئتين بالحنين ليقول بعدها بصوت يصعب سمعه: "لا أعلم لماذا لكن يبدوا القمر حاليا كأنه قمر جديد."