ساد الصمت داخل غرفة الاجتماع بعد كلمات العجوز ذوا اللحية البيضاء، قوة سحره وحضوره كانا كافيان لمنع أي تدخل أو محادثة غير مرغوب فيها. كان يتكلم بطريقة حكيمة، ومن خلالها تستطيع التخمين أنه مر بالعديد من المواقف، والنظرة التي يرمقها بعينيه كانت كافية لدب الرعب في قلوب الحاضرين. كل من بالغرفة كان متوترا منتظرا كلمات العجوز التالية.

"لنبدأ الاجتماع."

كان العجوز جالس على رأس الطاولة المستطيلة الشكل، بجانبه يجلس مستشاره الشخصي باحترام ووقار، وبالجهة اليسرى كانت تجلس حفيدته ذات العشر سنوات. بالرغم من صغر سنها إلا انها استطاعت الوصول إلى مكانة تخولها لحضور الاجتماع، لكن الجميع يظن بانها اكتسبت مكانتها بسبب علاقتها بمدير المدرسة وهذا صحيح نسبيا، ففي نظر العجوز ذو اللحية البيضاء حفيدته هي الوريث التالي الذي سيترأس المدرسة عندما يدخل في السبات لذلك كان يشركها في بعض الأحداث سواء كانت مهمة أم لا لكي تأخذ خبرة كافية.

من خلال نظرتها يمكنك القول إنها ناضجة فكريا بالرغم من كونها في العاشرة فقط، كان شعرها أبيض اللون كالثلج، يتخلله يعض الشعيرات الرمادية التي جعلت منه أكثر جاذبية، لون عينيها لم يكن مغاير للون شعرها إلا أنه كان أكثر ميلانا للون الأسود، كان وجهها متناسق بطريقة غير عادية، يمكن لأي شخص ان يقع في سحر جمالها بسهولة.

بالنسبة للمواقع الأخرى كانت مقسمة حسب رتبة الشخص.

كلما كانت رتبتك أكثر علوا كلما اقتربت لكرسي المدير، بطبيعة الحال لا يستطيع المشاركة في الاجتماعات إلا من له رتبة عالية، أو لديه مكانة مرموقة في المدرسة. ببساطة لا يجلس قرب العجوز سوى الأقوى. ليس الأقوى قتاليا فقط بل حتى فكريا، فقد كان ضمن الاجتماع أكثر الأشخاص ذكاء وأكثر الاستراتيجيين فطنة في المدرسة كلها.

"في الآونة الأخيرة، لاحظنا اختفاء عدة طلاب من مدرستنا وبالرغم من عمليات البحث إلا أننا لم نصل لأي نتيجة" كسر مستشار المدير الصمت وفتح موضوع الاجتماع الرئيسي، ثم أكمل قائلا بعد أن بدأ بتقليب بعض الأوراق الموضوعة أمامه لبرهة.

"في الأول اعتقدنا أن سبب الاختفاء هو بعض الوحوش، أو بسبب القتالات الداخلية للمدرسة إلا أن التحقيقات خرجت بنتائج مغايرة لذلك."

"صحيح، حتى لو اشتدت النزاعات داخل الطلاب لن تصل لعملية القتل وحتى لو وصلت لما كانت بهذه الكثرة." تكلم أحد مشرفي الأقسام الجالس في الجهة اليمنى من الطاولة.

"صحيح..."

"بالطبع، وحتى الأطفال الصغار لن يخرجوا لقتال الوحوش بتهور أيضا."

"نعم، هذا مؤكد."

"لابد من وجود سبب مغاير لهذه الأسباب."

اشتدت النقاشات بين الحاضرين بسبب تصريح المستشار، فبطبيعة الحال هم لاحظوا عملية اختفاء الأطفال ولهاذا عقدوا الاجتماع، وهم متأكدين أن سبب الاختفاء مغاير للأسباب التي نفاها المستشار، فحتى لو تقاتل الطلاب فيما بينهم وتصارعوا فلن ينتج عن ذلك سوى بضع قتلى، وأيضا قتل الوحوش للطلبة هو أمر غير منطقي، فحادث واحد أو إثنين كافي لدب الرعب في الطلبة والابتعاد عنهم. لذلك لابد من وجود سبب مخالف.

حرك مدير المدرسة رأسه مؤيدا لكلام الحاضرين ثم بدأ بحك لحيته البيضاء مفكرا. في المقابل بقيت حفيدته صامتة مغمضة العينين وهي تستمع لمناقشات المجتمعين.

أكمل المستشار كلامه بعد أن لاحظ بأن المناقشات بدأت تغير من الجو الرسمي للاجتماع: "كما قلت سابقا، الأسباب ليست داخلية، لابد أن شخصا ما مسؤول عن هذا الأمر."

"لا بد أنه شخص قوي لكي يدخل إلى المدرسة دون أن نرصده."

"نعم، لا بد من ذلك."

"هذا مستحيل." تكلم شخص يجلس في مؤخرة الطاولة المستطيلة بصوت مرتفع كافي ليلتفتوا له جميعا.

"أنا المسؤول عن حاجز المدرسة، وأنا متأكد أنه لم يدخل أي أحد دون الإذن مني."

"هذا صحيح." تكلم أحد المجتمعين بتعابير واثقة.

"نعم، بالطبع كدت أنسى أنه هو المسؤول عن حاجز المدرسة."

"ألم يكن من الطلبة المتفوقين في جيله؟"

"نعم، لقد سمعت أن رتبته كانت مرتفعة، كما أن سحره قوي جدا، فهو يترأس إقامة الحاجز منذ أكثر من خمس سنوات."

"إسمه كارديس أليس كذلك، أنا أحصل على شرف لقائه فقط في مثل هذه الاجتماعات."

اشتدت المحادثات بين المجتمعين عن الشخص الذي تكلم سابقا، كان يبدوا في الثلاثينات من عمره، ومن نظرته تستطيع أن تحس بهالته القوية الكافية لصد أقوى السحرة. كان من الأوائل في جيله من الطلبة واستطاع الحصول على منصبه بسبب قوته وبعض العلاقات الداخلية. ومن خلال قوته وتاريخه المليء بالإنجازات العظيمة تم نفي احتمال دخول أي شخص إلى المدرسة من الخارج.

في المقابل كان كارديس يجلس مغمض العينين بتعابير واثقة مشكلا وجها يجعل من الشخص يشعر بعدم الارتياح من النظر إليه أكثر من مرة.

(هؤلاء الأغبياء، فقط ببضع كلمات مني نفوا احتمالية دخول أشخاص من الخارج، هاها، كلكم حفنة من الضعفاء. لا أستطيع الانتظار للمباشرة بالخطة لرؤية نظرات عدم التصديق على وجوهكم.)

فتحت حفيدة العجوز ذو اللحية البيضاء أعينها ببطء وحركت رأسها في اتجاه كارديس لتنحرف الجهة اليمنى من شفتيها وأطلقت بسمة صغيرة مستهزئة، ثم أغلقت عينيها ثانية بعد أن عاد رأسها ينظر للأسفل كالسابق.

------------------------------------

استيقظ كيكيمورا بصعوبة بسبب الآلام التي شعر بها أثناء عملية تشكيل العقد، كم من مرة تمنى فيها الموت على الشعور بذلك الألم، لم يكن تعذيب جسدي فقط بل كان نفسي أيضا، لو شعر أحد بذلك الألم لفقد عقله في أفضل الأحوال.

بطبيعة الحال عملية تشكيل العقد ليست السبب الوحيد لشعور كيكيمورا بالألم، لقد تم فتح مسامات عروق السحر قصرا، وهذا أمر لا يمكن تصوره بالعقل.

بالنسبة للطالب العادي سيمر بعدة أشهر وعدة وضعيات تأملية بالإضافة إلى الإكسيرات والأعشاب الطبية لفتح المسامات، وعملية الفتح تكون بطيئة، في الأول ستفتح المسامات الرئيسية الموجودة على بطنه ورأسه، لتتبعها الثانوية لتتفرع بباقي الجسد، والمدة الفاصلة بين فتح المسام الرئيسية والثانوية لا يمكن تجاهلها. هناك من يقف في عملية فتح المسام الرئيسية ويصل إلى طريق مسدود، ويبقى لسنوات حتى يفتح المسام الثانوية.

بالنسبة للأعشاب الطبية والإكسيرات فهي تساعد على تسهيل العملية وعدم الشعور بالألم.

بطبيعة الحال هناك تقنيات تفتح المسام الرئيسية قصرا لكن ينتج عنها ألم لن يتحمله الإنسان الطبيعي، زد على ذلك أغلب التقنيات تفتح المسام الرئيسية فقط، بينما الثانوية تبقى بيد المتدرب ليفتحها لاحقا.

بالنسبة لكيكيمورا فقد تم فتح مسامه الرئيسية والثانوية قصرا بالإضافة إلى ألم تشكيل العقد، بكل بساطة لا يمكن للعقل البشري أن يتصور الألم الذي شعر به، كما يقول الحكماء: "لا يعلم بألم الموت إلا الميت."

مرت أيام منذ أن إستيقظ كيكيمورا، منعه العجوز سون من أن يتدرب على سحر الظلام حتى يتعافى كليا.

في تلك المدة، بقي كيكيمورا يتدرب على طاقة الكي، ويحاول الشعور بسحر الظلام داخل جسده، وكلما حاول تجميع السحر كلما شعر بشعور غريب، كما لو أن حشرات تزحف داخل جسده. لكن هذا الشعور بدأ بالاختفاء متزامنا مع عملية شفائه.

يجلس كيكيمورا حاليا على سريره الأبيض مقرفص ونصف عاري، بينما الرياح الآتية من النافذة خلف ظهره تلعب بشعره الطويل يمينا ويسارا جاعلة من وجهه الوسيم يظهر كليا، يمكن للشخص العادي معرفة أن كيكيمورا قد زاد جمالا عن قبل أن يشكل العقد، ربما ذلك بسبب فتح المسامات أو ربما بسبب شيء آخر.

كان في بعض الأحيان يشعر بالحكة في موضع وشميه، كما لو أن شيئا ما يحاول الخروج. وفي بعض الأحيان كان شبه متأكد ان شيئا ما قد خرج من الوشم، لكن عندما يلتفت للتأكد لا يجد شيئا.

دخل ماركوس بشكل مفاجئ بعد ان ركل باب الغرفة وهو يصرخ:

"أيها الغبي، حان وقت تدريبك."

2017/06/02 · 630 مشاهدة · 1101 كلمة
Alae_Essaki
نادي الروايات - 2024