‎لم تكن هناك حاجة للقتال.

‎بل للحكم.

‎"إيفا" نظرت إلى الدائرة، رجال ونساء تحيطهم الشكوك، العرق، وضغط الموت الذي لا يظهر… بل يُشمّ.

‎خطت خطوة واحدة.

‎واحدة فقط.

‎وفي تلك اللحظة…

‎انكسر العالم.

‎اهتزّت الجدران، وانكمشت الأرض، وانسحبت الألوان من كل شيء، حتى صارت القاعة رمادية… بلا حرارة، بلا ظل، بلا حياة.

‎ومن كفّ "إيفا" اليمنى… خرج خيط أسود، يلتفّ في الهواء كدخان حيّ،

‎صعد، ثم اتّسع…

‎اتّسع…

‎اتّسع…

‎حتى خلق دائرة كاملة، تشبه عينًا إلهيةً تنظر من السماء.

‎صوتٌ غير بشريّ صدر من كل الجدران:

‎> "سِــجـن الـــروح."

‎توقاي شهق.

‎الحرس تشنجوا.

‎العصابة بكاملها… اختُطفت.

‎في رمشة، لم يعودوا في القصر.

‎بل في مجالٍ دائريّ، لا مخرج له.

‎المكان؟

‎أرضٌ من عظام سوداء متداخلة.

‎سماء داكنة بلا نجوم.

‎وعلى الحوافّ… رؤوس ضخمة، معلقة في الفراغ، ضاحكة.

‎لكن ضحكتها؟

‎لم تكن بشرية.

‎بل أصوات تسحب ما فيك من شعور.

‎ضحكة كأنها تستهزئ بوجودك نفسه.

‎كلّ العصابة التفتت في ذهول،

‎ثم أدركوا... أنهم لا يستطيعون الحركة كيفما يشاؤون،

‎ولا يستطيعون كسر الجدار،

‎ولا حتى التنفس بعمق…

‎كأن الهواء هنا يمرّ على أعينهم أولًا، قبل رئاتهم.

‎ثم… حدث ما لم يتوقعه أحد.

‎ايفا : دووميييينو و رمت أربعة نرود على الارض

‎من وسط المجال، خرجت نسخٌ منهم.

‎كل شخص... أمامه أربعة منه.

‎بنفس ملامحه. نفس وزنه. نفس المهارة. نفس الحركات.

‎ولكن...

‎بعقلٍ آخر.

‎نسخةٌ منه تعرف كيف يفكر.

‎تعرف أين يخاف.

‎تعرف كيف يتردد.

‎تعرف من خان.

‎تعرف مَن قَتل.

‎تعرف السرّ الذي دفنه في طفولته ولم يعترف به.

‎رعب صامت.

‎كأنهم واجهوا شياطينهم في أجسادهم.

‎"توقاي" شهق حين رأى نفسه يبتسم بسخرية أمامه، ثم يسمعه يقول:

‎— "أعرفك. أكثر مما تعرف نفسك."

‎"إيفا"، في وسط الدائرة، كانت واقفةً في الجو.

‎فركت راحتيها ببطء...

‎ثم تربّعت على الهواء.

‎نعم، جلست كأنها تتأمل، كأنها في معبد، وكأن هذا الجحيم مجرد حديقة.

‎أما "ميشا"؟

‎فكأن شيئًا لا يحدث.

‎كانت تتجول داخل المجال، تمرر أصابعها على رأس تمثال،

‎تنظر في عيني أحد الوجوه المعلقة، ثم تضحك بخفة:

‎— "ضحكتك تشبه ضحكة رجل التقيناه في مدريد… كسرنا عنقه لاحقًا."

‎ولم يتحرك شيء بعدها.

‎لا صراخ. لا مقاومة.

‎بل فقط انتظار... لنهاية تُفرض من الداخل.

‎في اللحظة التي خرجت فيها النسخ من الظلال،

‎توقّف الهواء.

‎"توقاي" بقي واقفًا في مكانه، لا يتحرك.

‎عيناه تراقبان… لا يتدخّل.

‎فهو يعلم أن هذا ليس مكانه الآن.

‎أما بقيّة العصابة… فقد اختاروا النار.

‎— "هــيـــــــــا!"

‎صرخ أولهم، وهو يندفع بسيفٍ طويل يتلوّى كالأفعى.

‎أطلق لسانه الناري نحو نسخةٍ منه...

‎لكنها صدّت الهجوم بذات الأسلوب.

‎ثم هاجمته قبل أن ينهي زفيره.

‎في رمشة عين...

‎ذراعه طارت.

‎نعم، ذراعه طارت في الهواء قبل أن يفهم ما الذي حدث.

‎وسقط على ركبتيه… يحدّق في وجهه الآخر وهو يبتسم بنفس الابتسامة التي كان يتفاخر بها في كل انتصار.

‎الثانية، "نيرا"،

‎فتاة بشعر أحمر، تتحكم بموجات الصوت، تُمزّق الأحشاء بأصوات غير مسموعة.

‎أطلقت زئيرها.

‎ارتجّ المجال كله.

‎لكن نسختها... فتحت فمها أولًا.

‎أطلقت صدى أعلى، أسرع، أنقى.

‎فانفجرت أذنا "نيرا".

‎ثم نزف أنفها.

‎ثم تقيأت دمًا.

‎وقبل أن تسقط، همست نسختها في أذنها:

‎— "كل ما تظنين أنه سلاح… هو صوتك حين بكيتِ آخر مرة."

‎"دياغو"، ضخم الجسد، يتحكم بالجاذبية،

‎رفع الأرض ليجعلها ترقص.

‎لكن النسخ الأربعة المحيطة به… لم تنتظره.

‎رفعوه أولًا.

‎سحبوه إلى الأعلى، ثم رمَوه كحجر نحو نفسه.

‎اصطدم بنفسه.

‎تكسّر صدره.

‎تحوّلت عظمه إلى شظايا داخله.

‎لم يمت…

‎بل بَقي يتنفس الألم كأنفاس أخيرة لا تُرحم.

‎القتال؟

‎لم يكن قتالًا.

‎بل مرآة تنكسر على وجهك.

‎كل نسخة ليست مجرد انعكاس.

‎بل كأنها النسخة التي كانت ستخرج منك… لو لم تكذب على نفسك ذات يوم.

‎— "لا أريد أن أموت!"

‎صرخ أحدهم،

‎لكن نسخته اقتربت وهمست:

‎— "بل أنت ميتٌ منذ اخترت طريق الجبناء."

‎ثم طعنته… من قلبه.

‎ولم ينزف دما…

‎بل ذكرياته.

‎في هذه الأثناء،

‎كانت "إيفا" ما تزال جالسة في الهواء،

‎تشاهد، تتأمل، كأنها تُحلّل، لا تتدخل.

‎"ميشا"، كانت تسير فوق رؤوس المقاتلين دون أن تلمسهم.

‎قدّمت قطعة علكة لنُسخة أحد أفراد العصابة، ثم قالت:

‎— "قتالكم لطيف... لكنه يفتقر للموسيقى."

‎ضحكت.

‎ثم قفزت وجلست على ظهر أحد النسخ، كأنها تركب حصانًا.

‎العصابة تُباد.

‎واحدًا بعد الآخر.

‎الصراخ يرتفع.

‎النسخ تُدمّرهم بأساليبهم.

‎ولم يتبقّ... سوى "توقاي".

‎واقفًا، ساكنًا، لا يشارك.

‎ينظر بعينٍ لا تُفاجأ، ولا تخاف،

‎بل... تُفكّر.

‎العاصفة في أوجها.

‎وسجن الروح لا يرحم أحدًا.

2025/08/03 · 5 مشاهدة · 740 كلمة
onitchannn
نادي الروايات - 2025