أسلانغا المنظمة الافريقية - تونس
ساعة 07:00
تحت شمس تونس اللاهبة، زادت حرارة الجو اختناقًا
فوق اختناق الحشود. الهواء أثقل مما يُحتمل، وكأن المدينة ذاتها تحبس أنفاسها.
كانت الرطوبة تتسلل من شقوق الأرض، وتلتصق بالجلود المتعرّقة، والوجوه الجامدة، والأعين المترقبة. أصوات متداخلة من لغات ولهجات إفريقية تملأ المكان: الفرنسية، السواحيلية، الأمازيغية، العربية، وبعض كلمات إنجليزية مكسّرة. أشبه بمهرجانٍ قاتم، لكن لا موسيقى هنا… بل فقط نبض انتظار لا يرحم.
البوابات الثلاث العملاقة مغلقة بإحكام، وخلفها، على امتداد عشرات الأمتار، تنتصب الأسوار العالية المحاطة بشبكة كهربائية خفيفة تصدر طنينًا خافتًا، مرعبًا، مستمرًا… لا يمكن كتمه.
طائرات استطلاع صغيرة ترفرف مثل الحشرات الطنانة فوق الرؤوس، ترصد وتوثق وتحلل الوجوه، وتبث صورها مباشرة إلى الداخل. كاميرات خفية تظهر وتختفي في زوايا الجدران، والأشعة تحت الحمراء تمسح الأجساد بصمت.
بين المتقدمين، بعضهم يحدق إلى الأفق في صمت، وآخرون يراجعون خطوات القتال في أذهانهم، وثمّة من يتصنّع الثقة… وقلقه يفضحه.
قُبيل العاشرة صباحًا، خفتت الأصوات فجأة دون سبب واضح. وكأن شيئًا خفيًا اجتاح المكان، وعلت همسات مترددة:
> "هل هذا هو المكان الذي مات فيه أخواه؟"
"سمعت أن نصف الدفعة الماضية لم تصل حتى إلى نهاية اليوم الأول…"
"إنه اختبار للوحوش، لا للبشر."
العجائز البائعون على الأرصفة القريبة انسحبوا منذ الفجر. حتى الحمائم التي كانت تحوم حول المسجد القريب، اختفت. كأن الجميع فهم أن شيئًا مريعًا على وشك البدء.
ومع كل ثانية تمر، يزداد الضغط في الصدور، وتتحوّل اللحظات إلى جمرٍ متقد.
لا أحد يبتسم. لا أحد يثق.
إنه اليوم الذي يسبق النار.
اليوم الذي يُكشف فيه من سيولد من الرماد… ومن سيُحرق تمامًا.
اليوم هو يوم ما قبل الاختبار الكبير.
أمام البوابة الحديدية، اصطفّت الحشود كالسيل الجارف، المئات من الفتيان والفتيات، جاؤوا من مختلف بقاع القارة: من أدغال الكونغو، وسهول السودان، وجبال الأطلس، وصحراء النيجر، وصولاً إلى قلب العاصمة تونس.
صراخ، وشجارات خفيفة، وجدل حول من دخل أولًا ومن تأخر، حراس يرتدون بزات سوداء يحاولون فرض النظام، فيما كانت طائرات مراقبة تحوم فوقهم كالغربان الصامتة.
أجهزة كشف الهوية البيولوجية وضِعت عند كل مدخل، والجنود يصيحون بأوامر:
> "الرقم 104… إلى اليسار!"
"احملوا هويتكم البيومترية على الكتف الأيسر!"
"لا تسأل، فقط تحرّك!"
ومع اقتراب الساعة من الحادية عشرة صباحًا، انفجرت وسائل التواصل الاجتماعي في مختلف القارات بصور ومقاطع وأخبار عاجلة تحمل عناوين صارخة:
> "منظمة إفريقيا تستعد لإطلاق الجيل الجديد من نخبة العالم."
"اليوم... تبدأ الرحلة التي لا يعود منها إلا الأقوياء."
"بلاك داون تظهر من جديد: هل ستُكرر خطابها الشهير؟"
امتلأت "الستوريز" على الإنستغرام بلقطات مسرّبة من الحشود المكتظة أمام البوابة الحديدية، بينما تناقلت "تيك توك" مشاهد سريعة لأطفال في عمر الزهور يضعون توقيعاتهم على ملفات تسجيل، أو يقفون بجمود وهم ينظرون نحو السماء، كأنهم يعرفون أن الطائرات تراقبهم.
هاشتاغ #اختبار
المنظمة و#بلاك
وفي بث مباشر على موقع المنظمة الرسمي، ظهرت شاشة سوداء لحظات… ثم بدأت تومض كلمات بلون دموي:
> "المجلس الأعلى للمشرفين يعقد جلسته الآن…
الكلمة الرسمية ستُوجَّه للأطفال والعالم خلال دقائق."
وقبل أن ينتهي العداد التنازلي، ظهرت صورة قديمة… مشوشة… ثم بدأت تتضح تدريجيًا:
امرأة ترتدي معطفًا أسود طويلًا، شعرها رمادي فاحم يصل إلى أسفل ظهرها، ووجهها خالٍ من أي انفعال… فقط عينان جليديتان لا ترمشان.
تحت الصورة، كتبت الكلمة التي يعرفها الجميع:
> "بلاك داون - المشرفة الأولى."
وارتفعت درجة الترقّب إلى أقصاها… فالكل يعلم: حين تتحدث بلاك داون، يبدأ شيء لا يمكن إيقافه.
مع حلول منتصف النهار، أصبح الاختبار القاري للمنظمة الإفريقية حديث الساعة، ولم يعد شارعٌ في تونس يخلو من شاشة تنقل التغطية المباشرة.
فيسبوك:
المنشورات تنفجر واحدة تلو الأخرى:
> "ابني تم قبوله!! دعواتكم له #اختبار_المنظمة"
"هل تعلم أن نسبة النجااة أقل من 1%؟ هذا جنون والله!"
"وصلنا قبل خمس ساعات ولسا ما دخلنا، الزحمة نار!!"
"منظمة إفريقيا: الاختبار يبدأ غدًا… من سيبقى حيًّا؟"
"بلاك داون ستظهر بعد قليل #الرعب_القادم"
قنوات الأخبار:
قناة "الواقع 24" تنقل بثًا مباشرًا من أمام بوابة المنظمة:
> "كما ترون خلفي، الحشود تغمر الشوارع المؤدية إلى منظمة إفريقيا، وهناك أنباء عن حالات إغماء واختناق بسبب الازدحام."
ثم تظهر لقطة مهيبة من قاعة داخلية ضخمة…
الرئيس أكاي يقف خلف منصة رمادية، بين صفوف من المشرفين ذوي السترات السوداء.
بصوته الهادئ والقوي:
> "نحن جاهزون. نظام الحماية يعمل بدقة. المتقدمون سيُختبرون، والعالم سيشهد."
التلفاز - سلسلة صور متلاحقة:
تبدأ شاشة قناة "ARCS" بعرض ملف مصور سريع:
وجه "بلاك داون" وهي تسير وسط الممرات المظلمة.
"
ثم يظهر شعار المنظمة… يرفرف كراية فوق دخان أسود…
تتردد الكلمات:
> "من هنا… تُولد الوحوش."
الأنظار معلقة، الأعصاب مشدودة، والقادم... مجهول.