حدثت واقعة صادمة بعد الانتصار في جبل كانغيان. رغم أن السلام قد استقر أخيرًا في المنطقة التي كانت وحدة برونو مسؤولة عن احتلالها، وخاصة بعد القضاء على بقايا مقاتلي الملاكمين .

لكن سرعان ما اندلع الجدل بين الجنود والضباط ، حيث قامت الشرطة العسكرية باعتقال عدد من الجنود، من بينهم ضباط صف وضباط مفوضون، لتورطهم في مؤامرة لاغتيال برونو.

ومن بين هؤلاء المتآمرين كان النقيب مولر، الذي كان برونو قد خاض معه العديد من النزاعات التافهة. ومع ذلك، رغم هذا التطور المفاجئ، لم يكن برونو مندهشًا تمامًا.

فقد كانت أفعاله حتى الآن قد جعلت منه العديد من الأعداء. لكن ما أذهله حقًا هو أن ضابطًا من الشرطة العسكرية اقترب منه وهمس له بشيء بدا ذا أهمية، رغم أن برونو لم يكن مدركًا لتفاصيله.

"أصدقاؤك في قسم المعلومات يرسلون تحياتهم..."

أصدقاء في قسم المعلومات؟ كان برونو على دراية بماهية هذا القسم، فهو في الأساس جهاز الاستخبارات العسكرية في الجيش الإمبراطوري الألماني. لكن لماذا بالضبط كان هناك من يحميه من هذا القسم؟ على حد علمه، لم يكن لديه أي اتصالات في هذه المؤسسة .

ومع ذلك، تظاهر برونو بأنه يعرف ما الذي يتحدث عنه ضابط الشرطة العسكرية، ووضع وجهًا صارمًا وأومأ برأسه شكرًا للرجل على جهوده.

"أنت والرجال في القسم لكم جزيل الشكر. إذا احتجتم لأي مساعدة يمكنني تقديمها، تعلمون أين تجدونني..."

لم يكن يضر إنشاء علاقات مع الشرطة العسكرية وضباطها، خاصة أن الشرطة العسكرية كانت تحمل انطباعًا جيدًا عن برونو باعتباره رجل عدالة، مثل كثير من أفرادها.

وبناءً على ذلك، أومأ ضابط الشرطة العسكرية برأسه وأكد لبرونو أنه إذا احتاج لدعمه، فسوف يأتي إليه. وبعد ذلك، انتهت المحادثة، حيث كان للشرطة العسكرية أمور أكثر أهمية لتوليها.

بعد سحب قائمة من الضباط وضباط الصف الأعلى ليواجهوا محكمة عسكرية وحكمهم، اقترب العقيد المسؤول عن الكتيبة التي كان برونو جزءًا منها واعتذر له نيابة عن الوحدة.

"أنا آسف، لم أكن على علم بأن الرجال تحت إمرتي كانوا يتآمرون ضدك. لقد أثبت أنك عضو مميز في هذه الوحدة، ومن المثير للدهشة أن يُكافأ تفوقك بهذه الخيانة. سأحرص على أن يكون الضباط الجدد الذين سيحلون محلهم على دراية بالعواقب الوخيمة لمثل هذا السلوك!"

أومأ برونو برأسه وقبل اعتذار العقيد. لم يكن بإمكانه بالطبع أن يطلب من الرجل أن يغادر بسبب جهله بمثل هذه المؤامرة ضد أحد ضباطه. فأي شخص كان يمكن أن يكون غافلًا عنها، بما فيهم برونو نفسه.

ورغم ذلك، كان برونو فضوليًا لمعرفة لماذا كان قسم المعلومات يحميه، ومن داخل صفوفهم كان قد أثار إعجابهم إلى هذا الحد. لم يكن بإمكان برونو أن يعلم أن زوجته هايدي قد استخدمت علاقاتها مع النصف الآخر من عائلتها، التي كانت أكثر صداقة معها، لمراقبته ومتابعة أي شخص قد يتحرك ضده.

كما لم يكن بوسعه أن يدرك أن أفعاله حتى تلك اللحظة قد نالت إعجاب القيادة العسكرية إلى حد كبير، لدرجة أنه عندما اكتشفوا المؤامرة، بادروا باتخاذ تدابير لحمايته. فمع استمراره في تحقيق النجاح والابتكار، كان يُنظر إليه كقائد مستقبلي واعد يستحق الدعم والرعاية..

مرت الأسبوعان التاليان بسلام نسبي. استمرت الكتيبة التي كان برونو ملحقًا بها في القيام بدورياتها للتأكد من أن الريف الواقع ضمن منطقة مسؤوليتهم كان مستقرًا ومسالمًا. لكن مع القضاء التام على المقاتلين في المنطقة بعد معركة جبل كانغيان، لم يكن هناك أي مشاكل خلال دورياتهم.

بدلاً من ذلك، اقترب قائد كتيبة برونو منه ودعاه إلى مكتبه لإجراء محادثة خاصة. هذا الأمر جعل برونو يشك في نوايا المحادثة، حيث كان من النادر أن يتحدث بشكل خاص مع العقيد ، وبعد الأحداث الأخيرة كان يشك في أن الموضوع سيكون خطيرًا.

"أرجو أن تجلس، لدي أمر هام أريد مناقشته معك…"

فعل برونو كما طُلب منه، وانتظر بصبر حتى يبدأ العقيد الحديث. لكن الرجل بدا أكثر اهتمامًا بجعل برونو يشعر بالراحة، حيث فتح خزانته وأخرج بعض المشروبات المقطرة التي صنعها السكان المحليون.

كانت هذه المشروبات جزءًا من مخزونه الخاص، وبعد أن صب كوبًا لنفسه، قدم واحدًا أيضًا لبرونو. في البداية رفض برونو العرض بحركة من يده، لكن العقيد بدا مصرًا بشكل غير عادي وأمر برونو أن يشرب معه.

"اشرب، أنا آمرك بذلك... صدقني، سترغب في أن تكون مسترخيًا لهذه المحادثة…"

نظرًا لجدية تصريحه، فعل برونو كما أُمر واحتسى الكأس بأكمله دفعة واحدة. ما أثار دهشة القائد الذي كان يظن أن تردد برونو في البداية كان علامة على ضعفه تجاه الكحول.

لكن برونو لم يكن يشعر بأي تأثير، فهو معتاد على الشرب بعد كل شيء. فقد اعتاد على تناول الجعة والنبيذ والمشروبات المقطرة منذ أن أصبح بالغًا، وكان من الطبيعي أن يتم شرب هذه المشروبات في الاحتفالات والنبلاء.

بعد أن رأى المقدم أن برونو قد شرب الكحول، تنهد قبل أن يدخل في صلب الموضوع.

"سأكون صريحًا معك. الفرنسيون طلبوا مساعدتنا في المنطقة التي يسيطرون عليها، فقد تكبدوا بعض الخسائر خلال الأشهر الماضية. ويبدو أن الأخبار قد وصلت إليهم بأننا نجحنا في تهدئة المنطقة الواقعة تحت مسؤوليتنا.

لذا، هم يطلبون دعمًا عسكريًا. وبما أنك أثبت جدارتك في مواجهة المتمردين بفعالية، قررت أن أرسلك مع وحدتك لتقديم المشورة للفرنسيين حول كيفية هزيمة خصومهم..

لا شك أن هذه المهمة ستعرضك لخطر غير ضروري، وقد أثبت كفاءتك بما فيه الكفاية هنا في الصين. لذلك، أقدم لك خيارًا استثنائيًا: يمكنك رفض طلبي إذا كنت تفضل قضاء ما تبقى من الشتاء مستريحًا في القاعدة.

لكن إن اخترت الرفض، سأضطر إلى إرسال شخص آخر بدلاً منك، ومع اعتقال الكابتن مولر وعدد من الضباط الآخرين بسبب تورطهم في مؤامرة الاغتيال، فإن خياراتي باتت محدودة جدًا.."

ظل برونو صامتًا لفترة قصيرة وهو يفكر في ما يحدث. كان ذلك في يناير 1901، بعد عدة أشهر من حصار جبل كانغيان والمعبد الذي اختبأ فيه المتمردين و نهاية الاحتلال الألماني تقترب بسرعة.

من خلال أفعاله، ساهم برونو في تسريع الانتصار الألماني في الصين، وكان من المحتمل أن يتم تفكيك فيلق الحملة الاستكشافية لشرق آسيا خلال الأسابيع القليلة القادمة، حيث سيعود المتطوعون إلى الوطن. هذا الأمر كان من المفترض أن يحدث في الربيع، وفقًا لتاريخ

إذا عاد إلى الوطن الآن، فسيكون قد بنى لنفسه سمعة كافية تضمن له فرصًا مميزة في الجيش مستقبلاً. لكن قبول عرض تقديم المشورة للفرنسيين قد يعني بقاءه في الصين لفترة أطول من بقية أفراد الكتيبة..

مع ذلك، فإن أداءه كمستشار عسكري للفرنسيين، وإثبات كفاءته في هذا الدور، قد يفتح له الباب للعب دور مشابه بعد سنوات قليلة، عند اندلاع الحرب الروسية اليابانية. وبالنظر إلى هذه الطموحات، قرر برونو في النهاية قبول العرض.

قال برونو: "لا داعي للقلق يا سيدي . سأقضي على بقايا المتمردين قبل أن يذوب الثلج ."

كان هذا وعدًا ينم عن ثقة مفرطة. ففي حين أن الوقت كان لا يزال في يناير، وبرونو لم يكن ملمًا بشكل كامل بتفاصيل الوضع الراهن للفرنسيين. ومع ذلك، كان أمامه أكثر من شهرين لتحقيق وعده، ومن وجهة نظره، كان هذا الوقت كافيًا..

ابتسم المقدم عندما سمع هذه الكلمات، وسرعان ما رد على ادعاءات برونو الجريئة بوعد من جانبه.

قال العقيد: "إذا نجحت في تحقيق ذلك، فسأقوم شخصيًا بإرسال توصية إلى القيادة المركزية للنظر في استثناء لقبول طلبك للالتحاق بكلية الحرب البروسية بعد انتهاء هذه

تفاجأ برونو بهذا الوعد، لكنه منحه دافعًا إضافيًا لإتمام المهمة في الوقت المحدد. فالقبول في كلية الحرب البروسية كان أمرًا صعب المنال، حيث كان يتطلب عادةً خمس سنوات من الخدمة كحد أدنى للتقدم إلى امتحانات القبول، التي كان معدل الرسوب فيها مرتفعًا.

لكن الأداء الاستثنائي في ميدان المعركة قد يعجل بالترقية. فالحروب لا تحدث كل عام، ويمكن للضابط أن يمضي كامل مسيرته العسكرية دون أن يخوض معركة واحدة. وقد منحته بضعة أشهر من الخبرة القتالية أفضلية على زملائه الذين لم يشاركوا في قمع التمرد في الصين .

ومع ذلك، فإن عدد المقبولين في كلية الحرب البروسية كان محدودًا جدًا، حيث يتم قبول مائة متقدم فقط في العادة، ومن بينهم يتخرج ما بين خمسة إلى ثمانية بعد ثلاث سنوات من التعليم والامتحانات. هذه النسبة المنخفضة للنجاح كانت مشابهة لاختبارات القوات الخاصة في القرن الواحد والعشرين.

لكن أولئك الذين يتخرجون من كلية الحرب البروسية يتم تعيينهم في هيئة الأركان العامة بشكل دائم. وهذا يعني أن برونو، إذا نجح في هذا المسعى، قد يصبح أحد أصغر الجنرالات في تاريخ الإمبراطورية الألمانية.

كانت الكفاءة والجدارة هي الأساس، وبما أن برونو قد أثبت نفسه كضابط استثنائي في الميدان رغم خدمته لمدة نصف عام فقط، فقد يحصل على ما يتطلع إليه. بالطبع، كان هناك احتمال أن يقوم شخص في الرتب العليا، يشعر بالغيرة من صعوده السريع، بعرقلة محاولاته لدخول كلية الحرب البروسية.

وهذا يعني أنه قد يضطر للانتظار عدة سنوات أخرى قبل أن يستوفي المتطلبات اللازمة للتقديم مجددًا. لكن، كان لديه ما يكفي من الوقت قبل اندلاع الحرب الكبرى، وهي الحرب التي يجب أن يصل فيها إلى رتبة جنرال إذا أراد تغيير مصير ألمانيا. وبالتالي، كان أمامه متسع من الوقت للاستعداد.

في النهاية، قبل برونو منصبه الجديد، وتم نقله مع وحدته بسرعة لتقديم المشورة للفرنسيين حول تكتيكات مكافحة التمرد.

---

كان القائد ليون سينكلير ضابطًا في الجيش الفرنسي، ويكبر برونو بعدة سنوات. خدم في الجيش الفرنسي لأربع سنوات قبل اندلاع تمرد الملاكمين، وكان من بين أوائل الوحدات التي شاركت في الصراع. خاض عدة معارك حتى الآن، بما في ذلك معركة بكين.

ومع ذلك، عانت وحدته خلال الأشهر الأخيرة من كمائن متكررة واشتباكات مع مقاتلي الملاكمين. وعلى الرغم من أن مقاتلي الملاكمين كانوا في الغالب مسلحين بالسيوف والرماح، معتقدين أن "التشي" الداخلية ستحميهم من الرصاص، مما جعلهم سهلين للتعامل معهم، إلا أن بعضهم كان أكثر واقعية في نهجه تجاه الحرب.

كانت هذه الوحدات تختبئ خلف الغطاء، وتستخدم الأسلحة النارية والمتفجرات في مواجهة الفرنسيين. ورغم أن الخسائر التي تكبدها الجيش الفرنسي كانت طفيفة، فقد أصيب أو قُتل ما لا يقل عن اثني عشر جنديًا من جنود ليون في المعارك.

في المقابل، كان الألمان قد تعاملوا بالفعل مع مقاتلي الملاكمين في جميع المناطق التي سيطروا عليها. ونتيجة لذلك، طلب الجنرال الفرنسي المسؤول عن القوات المحتلة الدعم من الجيش الألماني، وهو ما اعتبره العديد من الجنود الفرنسيين أمرًا مهينًا.

كان والد ليون قد قُتل في الحرب الفرنسية البروسية، وكطفل صغير، شاهد القوات البروسية وحلفاءها يدخلون قصر فرساي ويعلنون إمبراطوريتهم الجديدة، مؤكدين أن سلطتهم أصبحت العليا في أوروبا، مما أنهى هيمنة فرنسا على القارة.

لذلك، كان تأييد ليون لفكرة الثأر الفرنسي أمرًا لا لبس فيه. كانت كراهيته للألمان والإهانة التي لحقت به، وبعائلته، ووطنه عميقة وغير محدودة. لم ينسَ أبدًا، ولم يكن مستعدًا للغفران.

لذلك، لم يكن مفاجئًا عندما بصق الرجل ذو الشعر الأحمر على الأرض أمام قدمي برونو عندما قابله لأول مرة كمستشار أرسله الألمان لمساعدة الفرنسيين في جهودهم لقمع بقايا مقاتلي الملاكمين.

لم يتردد ليون في التعبير عن رأيه، لكنه تحدث بالفرنسية، معتقدًا أن الألمان لا يفهمونه.

قال ليون بازدراء: "أن يطلب جنرالنا المساعدة من هؤلاء الأوغاد الألمان؟ يا له من جبان!"

ابتسم برونو ابتسامة صغيرة عندما سمع الإهانة، ورد عليه بالفرنسية بطلاقة، مما صدم ليون وجنوده، حيث قال:

"لو كنتم أيها الفاشلون الذين ينهارون عند أول مواجهة تعرفون كيف تؤدون مهامكم بشكل صحيح، لما اضطررنا إلى القدوم هنا لتعليمكم كيفية خوض الحروب."

ساد الصمت المطبق بعد هذه الكلمات. نظر الفرنسيون إلى برونو بعيون متسعة ومليئة بالكراهية. ولم يكن هناك شك في أن التوتر بين الوحدتين بلغ ذروته على الفور.

===========

لا أعلم ما الذي جرى للمؤلف في الفصلين الأخيرين، لكنني لاحظت تراجعًا واضحًا في جودة الكتابة وأسلوب السرد. اضطررت إلى إعادة صياغة أكثر من نصف الفصل لجعله مقروءًا... 😮‍💨 على أي حال، سأبذل قصارى جهدي للحفاظ على نفس مستوى الجودة، وإن حدث أي تراجع، فاللوم يقع على المؤلف وليس عليّ.

2024/10/13 · 51 مشاهدة · 1788 كلمة
AMON
نادي الروايات - 2024