-اممم , أعتقد أنك ستخسر بضع مستويات في اللعبة .

-تخمين خاطيء , حاولي مجددا .

-هل ستقوم بإزالة كل المعدات الخاصة بك ؟

-تخمين خاطيء أيضا , المحاولة الثالثة و الأخيرة .

صمتت قليلا تفكر بجدية هذه المرة كما لو كان الأمر تحديا لذكائها ثم قالت :

-ستقوم اللعبة بتقليل نقاط الخبرة التي تكتسبها حين تقتل الوحوش لفترة طويلة .

-خطأ مجددا .

-ما هي إذن العقوبة ؟ أخبرني !

-إنها عقوبة لا يمكن توقعها بسهولة لكن في الواقع هي منطقية للغاية . سأسألك سؤالا : ماذا يفعل اللاعب حين يصل للمستوى العاشر في قرية المبتدئين ؟

-يذهب اللاعب بالطبع لحاكم القرية حتى يقدر على الذهاب للمدينة التي يتبعها . مهلا , هل منعتك اللعبة من دخولك للمدينة ؟

-أنتِ على صواب و خطأ في الآن ذاته . اللعبة لم تقم بمنعي من دخول المدينة , لكنها قامت بعرقلتي عن دخولها .

-ماذا تعني يا إبرو ؟

تنهد إبرو و هو يقول في ضيق :

-لكي يمكن للاعب الدخول للمدينة عليه الاستعانة بمساعدة حاكم القرية . قريتي حاكمها قد مات على يد الوحوش , و القرية نفسها تم تدميرها و لا وجود لها الآن . كي أقدر على دخول مدينة منف علي إذن أن أقوم بالسفر تجاه أقرب قرية مبتدئين و أستعين بحاكمها لدخول المدينة , أو أن أقوم بالسير نحو مدينة منف نفسها .

-هذا مستحيل ! لا يمكنك في المستوى الراهن الإنتقال في البرية بمفردك ناهيك عن أنك لا تعرف مكان مدينة منف أو أي قرية مبتدئين , كلا الاختيارين حكم عليك بالموت .

-أعرف , لهذا أنا الآن محبط .

صمتت ولا تعرف ماذا تقول له . لو كانت مكانه لشعرت بنفس الإحباط ذاته الذي يعتريه الآن . لكن في الوقت نفسه شعرت بالغرابة من تصرفاته , حتى لو كانت مجنونة فلن تصل إلى حد تدمير القرية مثلما فعل هو . كانت تلك بمثابة إكتشاف جديد بشأنه . أما عن رحلة البحث عن أي من الحلين فلن تكون رحلة سهلة ولا صعبة بل مستحيلة ! هذا يعني أن عقوبته أن يظل في مكانه دون دخوله للمدينة . حتى يقوم اللاعب بتطوير نفسه عليه بدخول المدينة , فهناك سيرتقي في مهنته و يتعلم سكلات جديدة و يحصل على مهام لا يمكن للقرية أن تمده بها . يكفي أن هناك منطقة انتقال في كل مدينة تجعل اللاعب قادرا على الإنتقال لأي مكان يشاء ! صمتت و أخذت تفكر في طريقة تقدر بها على مساعدته . هي بعيدة تماما عنه ولا يمكنها أن تساعده إلا بعد أن تنجح في الوصول للمدينة . هذا حل صعب للغاية و غير عملي على الإطلاق فهي لازالت في المستوى الثالث و أمامها الكثير حتى تصل للعاشر . كذلك إن انتظر إبرو كل هذا الوقت حتى تذهب للمدينة و تشتري لفافات عودة و تذهب إليه أو ترسلها له في صورة طرد خاص حينها سيفقد ميزته التي اكتسبها بتقدم مستواه للغاية عن جميع اللاعبين باللعبة .

-لدي حل لك لكنه سيعطلك كثيرا عن بقية اللاعبين .

-ما هو الحل ؟

-أن تنتظر في مكانك حتى أقوم بالذهاب للمدينة ثم أشتري لفافة عودة منها و أنتقل إلى قريتك و أقوم بمنحك اللفافة . أو يمكنني أن أرسلها لك على هيئة طرد شخصي .

ابتسم إبرو إبتسامة واسعة شعرت معها آية أن الحل قد راقه . الحقيقة أنه قد فكر في هذا الحل لكنه حذفه من قائمة خياراته المتاحة , و ذلك لأنه سيتأخر في المستوى عن الجميع رغم أنه الآن في المستوى الخامس عشر . المشكلة تكمن في أن القرية قد تدمرت بالكامل لذا لن يقدر على التطور و الترقي بشكل مناسب كما يخطط بل سيتأخر كثيرا . ربما يكون محافظا على ترتيبه العالمي كأعلى لاعب في المستوى لكنه كان بإمكانه التطور بشكل أسرع بكثير و الوصول لمستوى أعلى من ذلك . ما جعل إبتسامته تتسع هو ذاك الإهتمام الذي أبدته آية درويش ناحيته و تفكيرها في حل لمعضلته . هذا أشعره بكثير من الرضا .

-للأسف هذا الحل غير مجدي يا أويا .

-لماذا ؟ هل تخشى ألا توافق اللعبة على انتقالك لمدينة غير التي أنت تابع لها ؟ هذا غير منطقي فحين نذهب لمدينة ما يمكننا من خلالها فورا الإنتقال من مدينة لأخرى . لفافة العودة تلك بمثابة بوابة عبور متاحة لأي لاعب لإستخدامها .

-معذرة هل يمكنكِ أن تكرري ما قلتيه مجددا ؟

-هل لم تكن مركزا معي يا إبرو ؟

شعر إبرو بلمحة من الغضب في نبرة صوتها فسارع بالقول :

-لا لا , أنا فقط شعرت أنني قد نسيت شيئا ما مهما للغاية و كلماتك تلك شعرت أنها تذكرني بهذا الشيء .

بدا عليها عدم الإقتناع بما يقوله لكنها رغما عن ذلك قالت :

-أخبرتك أنه يمكنك استخدام لفافة العودة للمدينة بدون أي عواقب من اللعبة . فاللفافة تتيح لأي لاعب الإنتقال للمدينة مادام يملكها , فهي بمثابة جواز سفر لعبوره بوابة المدينة !

-جواز سفر لعبور بوابة المدينة .. جواز سفر لعبور بوابة المدينة ..

أخذ إبرو يكرر كلماتها بشكل جاد و عميق تماما مفكرا فيما تحمله هذه العبارة من معان خفية وان بدا لآية كالمجذوب . كان يشعر في داخله بوجود صوت ما يصدح في أعمق جوانب عقله حين يقول تلك العبارة . تلك العبارة لها مردود قوي في عقله و هذا يعني أنه يمتلك شيئا شبيها له . حين رأته آية هكذا شعرت أن كلماتها قد ألهمته بشيء أو على وشك أن تلهمه , لذا لاذت بالصمت التام مراقبة لكل لمحة من لمحاته . بدا لها وسيما وهو يفكر بتلك الطريقة الجادة . ما أعجبها فيه أنه رغم إحباطه و وضعه المزري إلا أن عقله لازال متمسكا بأمل الخروج من مأزقه . هذه اللمحة البسيطة من شخصيته أعجبتها . ظلت تراقبه لدقائق و هو يقف في مكانه لا عليه سوى تكرار عبارتها التي قالتها بتلقائية . فجأة توقف إبرو عن الهمس لنفسه كالمجنون و برقت عيناه بشكل جعله أكثر جنونا ! رفع رأسه و بدأ يضحك بشكل هستيري تماما . على ما يبدو أنه يحتاج للتمرن على التحكم بأعصابه , فهذه ثاني مرة ينسى فيها شيئا مهما وسط إنسياقه وراء إنفعالاته . نظر نحو آية بإمتنان بالغ ثم قال بسعادة :

-لقد وجدت الحل لمشكلتي يا آويا .

-حقا ؟! أخبرني !

-الفضل كله يعود لكِ .

ثم قام بإخراج عملة معدنية ذات لون أزرق ثم قال بفرح :

-هذه هي عملة أبيدون , و هي جواز سفر لحاملها تنقله فورا إلى بوابة مدينة أبيدون الأسطورية .

-عملة أبيدون ؟ مدينة أبيدون الأسطورية ؟ ما هذا الذي تقوله يا إبرو ؟

ضحك إبرو من جديد , فمن الطبيعي ألا تكون عارفة بوجود تلك المدينة الهامة في هذه المرحلة من اللعبة . الحقيقة أنه لم يسمع أي لاعب عنها إلا بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات تقريبا , أي أنها في حياتها الماضية لم تسنح لها الفرصة بمعرفة وجود تلك المدينة .

-إنها مدينة تقع خارج كافة نطاقات مدن اللعبة , يمكنكِ اعتبارها بداية للعالم الحقيقي الموجود خلف اللعبة .

صمتت قليلا آية محاولة إستيعاب ما قاله إبرو لتوه . لقد أخبرها قبلا أنه ملم بأسرار اللعبة الحالية و المستقبلية , لذا خمنت أن ما يقوله عن وجود تلك المدينة الغريبة صحيح تماما و يعتبر جزءا من أسرار اللعبة التي ستكتشفها في المستقبل . ما كان غريبا بالنسبة لها هي طريقة تعبير إبرو عن تلك المدينة . طريقة حديثه تنبؤها بوجود عالم خلف العالم الذي تلعب فيه , هذا العالم على ما يبدو أن إبرو يعرفه جيدا .

-أنت تقول أنه يوجد عالم خلف عالم اللعبة الذي نلعب نحن فيه الآن .

-نعم , هذا العالم لا يجب لأحد أن يكتشفه الآن , حتى من يراقبونكِ و يبتزونكِ لا يعرفون كل التفاصيل بعد . لكن أؤكد لكِ أن هذه اللعبة ليست كبقية ألعاب الواقع الإفتراضي التي لعبتيها من قبل .

-لماذا كل هذا الغموض و السرية في هذه اللعبة بالذات يا إبرو ؟

-لا يمكنني إخبارك بذلك الآن , ليس لأني أحب الأسرار و ما شابه لكن حماية لكِ . فكما ترين فاللعبة لم يسعدها ما أعرفه .

-أنت تتحدث عن اللعبة كما .. كما لو كانت شخص حقيقي يا إبرو !!

تنهد إبرو في تردد , فهو يعرف أنه لن يقدر على الصمت التام حيال الأسرار التي يعرفها . كذلك هو خائف , خائف للغاية عليها . فقد تحرر من مكيدة اللعبة ضده بإعجوبة , فماذا عنها ؟ هو لا يريدها أن تعاني مثلما عانت في حياتها الماضية .

-لا تسألي عن المزيد فذلك فيه خطر عليكِ . كل ما يمكنك تخمينه هو صحيح , و لا تسألي عن أي أسرار خفية عن اللعبة في الوقت الراهن حتى تصبحي في موطن قوة يسمح لكِ بالدفاع ضد أي مكائد أو أزمات قد تتسبب فيها اللعبة .

قد أجاب على سؤالها بشكل مجازي . لم تعرف إن كان عليها السعي خلف تلك الأسرار التي يعرفها إبرو أم تثق في تحذيره القوي تجاه مغبة معرفة تلك الأسرار في الوقت الراهن . أخيرا قررت أن تثق فيه لكنها لم تكن مستعدة بعد لتركه يفلت هكذا من قبضتها .

-لن أسألك مجددا عن تلك الأسرار . أعدك ! لكن في المقابل عليك أن تقوم بمساعدتي .

تصنع الجهل التام بما تعنيه حيث قال مستفسرا :

-أساعدكِ ؟ ماذا تريدين مني أن أساعدكِ به ؟

-الآن لا تعرف ما أعنيه ؟ أريدك أن تساعدني بتطوير مستواي و قدراتي في اللعبة .

-ألا يندرج ذلك تحت بند الأسرار ؟ أنتِ وعدتيني لتوك بعدم سؤالك عن أسرار اللعبة .

-لا , هذا لا يندرج تحت بند أسرار اللعبة . أريد منك توجيهات بشأن مهنتي و ما يمكن أن أقوم به من مهام في اللعبة يا إبرو .

صمت إبرو قليلا متصنعا التفكير العميق في الأمر . لم تنتظر آية كثيرا حيث تدخلت مقاطعة تمثيليته الصغيرة :

-لا تتعامل معي هكذا . لا حاجة لك لتصنع التفكير أمامي , فتمثيلك ضعيف للغاية . هيا قل لي نذرا قليلا مما تعرفه يا فتى !

ضحك إبرو حين كشفت لعبته الصغيرة , بعدها قال بجدية مصطنعة :

-حسنا سأساعدكِ . لكن لا تعتادي على هذا يا فتاة .

2020/02/04 · 631 مشاهدة · 1579 كلمة
Ranmaro
نادي الروايات - 2024