-لا تقلق سأطلب منك مساعدة يومية , هذا شيء صغير مقارنة بوعدي لك .
ضحكا سويا ثم قال إبرو متسائلا :
-ما هي مهنتك يا آية ؟
-مهنتي هي ساحرة . إبرو العظيم لا يعلم مهنتي ! هذه حادثة كبيرة .
كان عالما بطبيعة مهنتها السابقة . حقيقة كانت مهنتها السرية الماضية جيدة بشكل عام لكنه يعلم جيدا بوجود مهنة تستحقها أكثر . قال بهدوء متجاهلا تعليقاتها الساخرة :
-لدي معلومات ستفيدك لكن للأسف لن تفيدك حاليا . حين تذهبين إلى مدينة إهناسيا عليكِ بالذهاب شمالا نحو صدع إهناسيا . هناك ستجدين مفاجأة ستسرك . فقط لا تذهبي هناك قبل أن تتجاوزي المستوى الثلاثون على أقل تقدير . كذلك إن وجدت عصا سحرية تفيدك أو أي معدات قوية خاصة بالسحرة سأقوم بإعطائها لكِ قبل ذهابكِ لهذا المكان .
-صدع إهناسيا ؟ لم أسمع عنه قط ! أنت حقا صندوق أسرار متنقل يا إبرو .
ضحك إبرو على كلماتها ثم قال :
-الآن علي الذهاب إلى مدينة أبيدون . حين أنتهي من هذه المكيدة سأذهب إلى إهناسيا لمساعدتكِ .
-حقا ؟
-بلى , هذا وعد مني لكِ .
-حسنا سأثق في كلمتك إذن . سأحاول السعي حثيثا نحو تطوير مستواي . بالمناسبة هل تنصحني بتكرار تجربتك في تدمير الحصون ؟
كان يعرف أنها تشير إلى تلك المهمة التي أخبرها عنها . لم يكن محبذا تلك الفكرة فقال محاولا إثناءها عنها قائلا :
-للأسف لا تقدرين فعدد اللاعبين في قريتك لن يتجاوز عدد أصابع اليد . هذه المهنة بحاجة إلى جيش كبير من اللاعبين .
-لكنك قمت بتحقيقها بمفردك يا إبرو .
-هذا لأن معي لفافة إسطورية , هل معكِ لفافة أسطورية مثلي ؟
ضحكت ثم قالت بدلال زائف :
-لو أعرتني اللفافة سأكون قادرة على ذلك .
-أنتِ تمزحين , هذه اللفافة كنز عائلي سأورثه لأحفادي .
-أحفادك ! أنت رجل بخيل يا إبرو .
-هيا لا وقت لدي , سأتحرك لمدينة أبيدون الآن . لا وقت أمامكِ لتضييعه فأنا يمكنني الذهاب لإهناسيا اليوم قبل غد لكن أنتِ الآن تضيعين على نفسك فرصة اللحاق بي في أقرب وقت .
-حسنا حسنا سأذهب أيها الرجل البخيل .
ضحكا قبل أن تقوم آية بغلق المحادثة معه . شتان بين حالته قبل و بعد محادثته معها . نظر للبقعة التي كانت تشغلها شاشة عرض الفيديو الخاصة بالمحادثة لفترة طويلة دون حراك . ربما عاد من المستقبل وهو مليء بإعجاب لا نظير له تجاهها . لكن الحقيقة أنه بعد محادثاته معها اكتشف أن شعوره سابقا يختلف جذريا عما يشعر به الآن .. إنه الآن يبدأ في رحلة حبها عن حق !
-لا وقت أمامي الآن للتفكير في هذا الموضوع . علي أن أترك الأمور لتسير على طبيعتها . الآن أمامي رحلة شاقة في مدينة أبيدون .
مدينة أبيدون الأسطورية , أو كما كانت معروفة في حياته الماضية بمدينة البوابة . أطلق عليها اللاعبون هذا اللقب لأنها كانت بمثابة بوابة عبور اللاعبين من مختلف أنحاء العالم للعالم الخفي الخاص باللعبة . امتلأ العالم آنذاك بمختلف أنواع السيناريوهات و المكائد و الخبايا و النظريات الخاصة بهذا العالم الذي أسماه البعض بنرو . لا يعرف منبع هذا الاسم و مدى علاقته باللعبة نفسها و لا يعرف إن كانت النظريات و الرؤى الخاصة باللاعبين من محض خيالاتهم أم حقائق اكتشفوها بالصدفة البحتة . حقيقة أنه لم يعرف أي حقائق عن عالم نرو بسبب أنه لم يستطع الذهاب نفسه إلى هذا العالم أو حتى الذهاب إلى مدينة أبيدون . على حد علمه لم يذهب من النطاق المصري سوى حفنة قليلة من اللاعبين و هم أنفسهم الأحد عشر لاعب الذي اختارهم ليكونوا ضمن فريقه . حين تذكر هؤلاء الكسالى الذين لم يتواصلوا معه حتى الآن شعر بغضب عارم تجاههم . هو لا يعرف وضعهم في اللعبة , هل تسير رحلتهم على ما يرام مثل آية أم هم كسالى كذلك في تطوير مستواهم باللعبة ؟ لو تكرر التاريخ مجددا لصار مستواهم قريبا للغاية من مستوى آية , فهم كانوا أسرع لاعبي النطاق المصري في التطور قديما . لم يملك رفاهية تضييع وقته بالخروج من اللعبة و إرسال رسائل نصية لهم , فها هو يومه الثاني باللعبة على وشك الإنتهاء . أخرج عملته الخاصة بجواز إنتقاله إلى مدينة أبيدون ليفحصها عن كثب . هو لا يعرف كيف يقوم بإستخدامها , فلا توجد أي تلميحات خاصة بتلك العملة . أمسك بالعملة و قلبها بين يديه أكثر من مرة . كان على جانب منها نقش لبعض من الكلمات التي لا يفقه عنها أي شيء و الجانب الآخر كان محفور وجه لشخص لا يعلمه . أمسك بالعملة و فركها بين أصابعه حيث شعر بوجود بعض من الغبار فوقها ثم قام بالنفخ فيها ليصبح سطحها الأزرق لامعا من جديد . لم تتوقف العملة عن اللمعان الذي بدأ يزداد بشكل ملحوظ و غريب . قرب العملة منه ليجد صوتا يصدح في أذنيه :
-يا فتى هل ترغب في الذهاب إلى مدينة أبيدون الآن ؟ مستواك ضعيف للغاية . مستوى الخامس عشر , هذا مستوى متدني .
اتنفض إبرو ذعرا من هذا الصوت المباغت الذي فاجئه على حين غرة . تلفت حوله في شك لكنه لازال وحيدا بين خرائب القرية . تسائل في ريبة :
-من أنت ؟ لماذا أنت مختفي ؟
-هاهاها , أنا لست مختبيء منك فأنا بين يديك يا فتى . أنا أعشق دوما ردة فعلكم حين أظهر للمرة الأولى لكم يا حملة العملة . هذه لحظة لا تقدر بأي عملة براندو .
-هل أنت شبح العملة ؟
-شبح ؟ البعض يطلق علي ذلك في المرة الأولى لرؤيتي . لست الأول يا فتى . أنا لست بشبح , أنا شخص عادي مسئول عن قبول طلبات القدوم إلى داخل أسوار أبيدون .
-مسئول طلبات دخول أبيدون ؟! ألا تقوم العملة بمنحي فرصة دخول المدينة مباشرة ؟
-نعم ولا . أنت تملك عملة أبيدون الخاصة للإنتقال إلى مدينة أبيدون , لكن قبل ذلك عليك أولا أن تمر بمرحلة تفتيش قبل دخول المدينة . الحقيقة أن هذا الإجراء فيه حماية لك , فأنت تبدو ضعيف للغاية و لن تقدر على الصمود في المدينة لدقيقة واحدة .
أدرك أن هذا الصوت قادم من مدينة أبيدون نفسها , و أن من يحدثه يقوم الآن بتقييمه و هذا ما كان مفاجأة غير متوقعة له . تذكر كل ما قيل عن تلك المدينة لكنه لم يتذكر قط وجود مرحلة تفتيش قبل دخولها . هو يعرف جيدا أنه إن لم ينجح في دخول مدينة أبيدون فسيكون مصيره بشعا للغاية . لذا حزم أمره و قرر فعل أي شيء لدخول هذه المدينة , فقال في سرعة :
-أعرف أن مستواي قليل للغاية للدخول إلى مدينة أبيدون , لكن سمعت كثيرا عن مدينة أبيدون و شهرتها الأسطورية . لذا حين قررت الذهاب من قريتي الخاصة نحو المدينة لم أنتقِ المدينة التابعة لها قريتي و لكن اخترت أبيدون .
-ولماذا تقوم بتلك المخاطرة يا فتى ؟ عليك ألا تتعجل مصيرك . حصولك على عملة أبيدون يعني أنه مقدر لك عبور أسوار أبيدون . لكن أنصحك ألا تقوم بتلك الخطوة الآن و أنت ضعيف هكذا .
-لا تقلق سيدي المراقب , فأنا لم أقم باختياري هذا بإندفاع اللحظة و إنما بعد تفكير عميق . أنا وصلت لمستواي هذا في أقل من يومين فقط . لا أريد أن أكون مثل أي شخص عادي , أنا عاشق للتحدي و أرى أن مدينة أبيدون تحدي مناسب لي .
صمت الصوت قليلا كما لو كان يفكر في كلمات إبرو . بعد هنيهة قال محذرا :
-ما وراء أسوار أبيدون يفوق كل تخيلاتك يا فتى . فكر من جديد .
-لا تقلق , فمعي لفافة أسطورية اسمها أرض النار , إن وجدت مأزق سأقدر على الخروج منه بسهولة .
-لفافة أسطورية ؟ لديك عملة أبيدون و لفافة أرض النار الأسطورية في المستوى الخامس عشر ؟!!
-بلى . لذلك لا تقلق علي . أخبرتك أنني أعشق التحديات و مدينة أبيدون بمثابة تحدي جديد لي .
-أنت تروق لي يا فتى . رغم علمي بخطورة وجودك خلف أسوار أبيدون لكن شجاعتك تعجبني و سأسمح لك بالعبور . هذه هي الروح التي نحتاجها في أبيدون . حسنا سأقوم بإرسالك إلى خلف الأسوار الآن و كهدية مني لك سأمنحك طقم معدات ذهبي مصنوع في أبيدون . هذا الطقم سيعجبك للغاية و سيساعد على حمايتك مما هو آت . أخبرني ما مهنتك ؟
تسمر إبرو قليلا مندهشا مما سمعه لتوه . هل قال هذا الرجل أنه سيمنحه طقم كامل مجاني تماما دون أي مقابل لأن شجاعته أعجبته ؟ ما طبيعة الحال في أبيدون حتى يمكن لشخص عادي مثله أن يقوم بإهداء مثل هذا الطقم الغالي لشخص لا يعرفه ؟ سارع إبرو بالإجابة على الرجل خشية أن يتراجع عن هديته قائلا :
-مهنتي هي ساحر أسود .
-مهنة جيدة . هذا يفسر الكثير من مقدرتك على الترقي بتلك السرعة خلال يومين . أخبرني كم سكلة تملك ؟
-أملك ثلاث سكلات خاصة بمهنتي .
-ثلاثة فقط ؟ أنت تمزح ! كم مرة استخدمت فيها لفافة أرض النار ؟ هل استخدمتها كلها ؟
-لا سيدي , فأنا استخدمتها مرتين .
-مرتين فقط ؟ استطعت الوصول لمستواك ذاك بواسطة ثلاث سكلات و مرتين من لفافة أرض النار ؟ هذه سابقة يا فتى . حسنا أنت تروق لي أكثر فأكثر . لن أمنحك فقط طقم المعدات الخاص بمهنتك بل سأهديك ثلاث سكلات قوية مميزة ستساعدك على البقاء حيا وراء أسوار أبيدون .
هل اليوم انقلب من أتعس يوم في حياته لأسعد يوم فيها ؟ لم يعرف بم يقول مجيبا على الرجل . هل تغيرت معاملة اللعبة معه بتلك الطريقة المفاجئة ؟ إنه مندهش للغاية مما سمعه لتوه ! ظل في مكانه متسمرا وقتا طويلا دون أن يقول أي شيء في حين قال الصوت من جديد مع وابل من الضحك :
-أنا أعشق حقا التعامل مع الجدد أمثالك . أنت يا فتى تظن أن ما أقدمه لك كنز كبير , لكن في الحقيقة هو مجرد نذر يسير مما يوجد حقا خلف أسوار أبيدون . لن أخبرك بأي معلومة أخرى . لتنتظر حين تصل إلى أبيدون و سترى كل شيء بنفسك . هذا إن بقيت على قيد الحياة . هاهاها أنت تعجبني للغاية يا فتى . سأنتظر قدومك لمدينة أبيدون بفارغ الصبر . حين تصل إليها ابحث عني , أُدعى ميراث .
-وأنا أدعى إبرو .
-حسنا يا إبرو . رحلة موفقة لك . حين تصل خلف أسوار أبيدون ستجد ما وعدتك به في إنتظارك . خزنه فورا ولا تتباطيء . أمسك بالعملة جيدا ففي غضون ثوان خمس سأنقلك إلى ما خلف أسوار أبيدون . نصيحتي لك ..
ثم صمت قليلا و العملة بدأت في الوميض بلون أحمر مباغت كالنبض . ما إن مرت ثلاث ثوان حتى قال الرجل في سرعة و نبرة حملت تلذذا بما سيقوله :
-حين تصل خلف الأسوار لا تقف مكانك .. اركض بكل قوتك !