1 - الدم من تحت طبيقات الجليد

في أحد تلك الليالي القاتمة، في ذلك المنزل ذا الجدران الهشة،سقفه كان ليسقط بلمسة بعوضة، على ذلك الكرسي الحديدي الصدئ، كان جالسا، وتفكيره انغمس في أغوار نفسه، يده على خده والأخرى تقلب ذلك الصحن شبه فارغ، وجهه كان شاحبا، عضلاته هزيلة بشكل لا يصدق، بقي الوضع على حاله لبضع ثواني، قبل ان يكسر حاجز الصمت قبضة متوجهة نحو الصحن، لتكسره، قبضة حاملة على متنها مشاعر مختلطة عنوانها اليأس والحزن والغضب...، إنتفض من ذلك المقعد الزائف، توجه نحو خزانة ما، تقدمت يده هي الأخرى لتفتحها، لتكشف عن معطف عفى عنه الزمن، أخذه بالإضافة إلى بعض العملات النحاسية، خنجر، وصندوق صغير كان مشبوها لحد ما، إرتداه و مضى في طريقه، خرج وأغلق ذلك الباب المحطم كقلبه، جل ما سمعه حينها كان عواء ذئاب الليل، بعيدا هناك في تلك الغابات المظلمة، الجو كان باردا، لدرجة أن ذلك المعطف البالي لم يكن يشكل فرقا، النسيم ذو الصقيع يحرك خصلات شعره الفضية، ليكشف عن ملامح الشيطان نفسه!، وجهه كان مخيفا، و جميلا في نفس الوقت...، ضوء القمر المنعكس على عينيه الذهبيتان، شكل أجمل لوحة فنية رأتها عين يوماً....، عيناه تمتص الروح، عميقة! وحزينة أيضا، مازادها رهبة و غموضا كان تلك الندبة المنقوشة على طول عينه اليسرى، من الواضح أنها تحمل ماضي أسود، كابوس... يريد أن يمحيه ذلك الصبي من ذاكرته، فتى في سن الزهور يحمل من الالم والمعاناة، لأخذ منها رجل غليظ رشفة لأنتحر، يحملها في صمت خلف تلك الإبتسامة المرسومة الخادعة، التي كانت لتخبرك قصة أخرى، أخفض رأسه، وأرجع يديه للوراء لتلتقط غطاء الرأس ذاك، وضعه على رأسه، و إنطلق....، مشى عبر ذلك التل للأسفل، غير مبالي بشيء من حوله، كما لو أنه كان من الأصل، بعد وقت من المشي، وقعت عيناه على أضواء، كانت راجعة لتلك الحانة، دخل لكنها كانت فارغة، تقدم نحو ذلك الكرسي المقابل لمالك الحانة، جلس..، سأله البائع :《 مالذي تريده أيها الضئيل؟ أهو الحليب؟ هذا المكان ليس للأطفال ياصبي، إرجع الى أحضان أمك!》، إلتزم الفتى بالصمت لا غير، لم يعجب الأمر الآخر ليبدأ بالصراخ في وجهه، آه لو يعلم أنه يصرخ في وجه الشخص الخطأ، آه لو يعلم بأن من يعبث معه..هو الشيطان!، نظر إليه الفتى بتلك الأعين العميقة، ارتبك الآخر، كأنه قام بالنظر الى روحه مباشرةً، حاول طرده مستعملا القوة، لكن...، قد فات الآوان بالفعل ليكتشف ان مافعله سيكلفه ثمنا لن يدفعه ولو بحياته، وقف الفتى، أستل ذلك الخنجر وطعنه في رقبته، طعنه بانعدام الرحمة، طعنه... كما يُطعن الحيوان، صرخة ألم وذعر تسربت من حلقه قبل أن يخرس للأبد، إسترجع السفاح الملثم خنجره الملطخ بالدماء الحمراء، نظر الى تلك الجثة المزرقة بعينين باردتين وابتسامة كاذبة، ترك الجثة على حالها، إرتشف كأسا من النبيذ، ومضى خارجا بكل برود، كأنه لم يسلب روحا قبل قليل... .

جريمة قتل بدماء حارة تحت بدر القمر المنسدل بين الغيوم...، ماهي خطيئة الماضي التي بنت جدارا حول قلب "كارلوس"؟ أهي ضحيته الأولى والأخيرة؟

2020/05/15 · 218 مشاهدة · 449 كلمة
MehdiDPower
نادي الروايات - 2024