قتل شخصا قبل ثواني تحصى على أنامل اليد، لا تعبير على وجهه الشاحب الثلجي يدل على ما ارتكبت يداه...، ليس وكأنها أول ضحية له...، يتجول في أزقة تلك الشوارع المخفية في الظلام، في صمت..، قلسونته تعلو رأسه، في طريقه، كان شارداً من كل ماتفكر به العقول، يفكر... ويفكر مجددا...ومجددا...ومجددا! حتى لم يعرف فيما كان يفكر من الأصل، يفكر في ماذا؟، كان يجول في فكره حقيقة وجوده، مالهدف الذي يسعى له؟، انتفض واقفا أمام إحدى المرايا الخاصة بأحد الحانات، ونظر لانعكاس نفسه..،《 فتى في ربيع عمره...، مراهق لم يتجاوز 16 عشر عاما بعد...》، يتسائل،《إلى أين؟ مالذي يخبئه لي القدر بين طياته؟ أهو الموت؟ أم سيأخذني لرحلة لما بعد الأفق؟》من يدري؟، لم يعرف مالذي عليه فعله بعد الآن، إستمر في مشيه تحت المطر الفائض، قطرات الندى المرتحق تتهاوى من كتفيه، صوت خطواته الحزينة تعزف سيمفونية الألم لكل من يسمعها، سقط بؤبؤيه على تلك المتداعية تحت خشبة متدلية من عمود كهربائي، جالسة و رأسها بين كتفيها، تغطيها سترة جلدية خفيفة أرجوانية، بدا واضحا أن الفقر أخذ منها حصته، حاول الإقتراب منها في صمت، لا جدوى،فقد سمعته...، رفعت رأسها ببطئ لتتلاقى أعينهما، خصلات شعرها الشقراء تغطي وجهها، قطرات المطر المتدلية على عينيها الزمرديتين، وجهها الشاحب الذي يخبرك أنها لم تأكل منذ أيام...، مع هذا، كانت جميلة بالنسبة له، كانت بالفعل أجمل ماقد رأت عيناه من قبل، شعر بوخز متقاطع في صدره، قلبه يألمه بشدة، لا يدري لما، تجاهل ذلك، وحاول سؤالها :《ما إسمك؟》،كان صوته بحتا لكنه عذب، لم ترد عليه، أشارت إلى بطنها بيدها الصغيرة الحريرية، فهم الأمر و سألها ما إن كانت ترغب في أن يأخذها لتناول بعض الطعام، لم ترُّد أيضا، اكتفت بإيماء رأسها بالإجابة. ذهبا إلى أحدى تلك الحانات الخاتمة للشارع ، دخلا، كان "كارلوس" يضع قلسونته فوق رأسه لإخفاء ملامحه، أما الشقراء فقد كانت تتعثر في مشيتها، الجوع أخذ قضمته منها، كانت الحانة ممتلئة لأقصاها على عكس التي سبقتها ، لم يكن منظرهما لافتا للانتباه، لذا لم يلحظ أحد دخولهما، تقدم "كارلوس" و جلس على الكرسي المقابل للبائع، اكتفت الشقراء بالوقوف قبل أن يقول لها "كارلوس" بإنزعاج :《إجلسي!》، جلست الفتاة بدون أي تغير في ملامح وجهها البارد وكأنها لا تسمح لمشاعرها بالظهور، سأل"كارلوس" كأسين من النبيذ و قارورة ماء،ليقابله البائع بالإجابة، بعد بضع دقائق، من الهدوء الدائر بين الإثنين، كسر حاجز الصمت "كارلوس" قائلا للشقراء التي كانت في عالم آخر تماما بعد أن تذوقت طعم ذلك النبيذ الذي أخذ عقلها في رحلة لا نهاية لها، :《يا أنتِ، بما أنك إرتويتي من عطشك الآن، يمكنك المغادرة》، لم يرد "كارلوس" البقاء مع أحد ولا أن يتحمل مسؤولية الإعتناء بأحد، لم يحب الكرم من الأساس..، ولكنه ساعدها لأنه رأى من خلالها، رأى من روحها التي ذكرته بألم الماضي، ذكرته بنفسه...، لم تنطق الشقراء ببنت شفة، قبل أن توقفت عن الأكل فجأة أردفت بهدوء :《إسمي "ستينا"》، ولم تضف بشيء بعدها لتعود لتكمل طعامها، انزعج "كارلوس" من تجاهلها لأسئلته رغم أنه أنقذ حياتها للتو، دفع لصاحب الحانة، وخرج من دون أن يقول أي شيء، توقفت "ستينا" عن ابتلاع كل شيء أمامها كالمجنونة، وأسرعت للحاق به، شعر "كارلوس" بأنها تتبعه ولكنه تجاهل ذلك وأكمل سيره، كان متوجها للغابة المجاورة للقرية ليبحث عن شيء معين...، تقدمت "ستينا" من دون سابق إنذار، واقفة أمام "كارلوس" الذي نظر لها بأعين مستغربة وقال :《مالذي تفعلينه؟ ابتعدي من طريقي ودعيني أمر!》، ردت عليه "ستينا" بصوت ملائكي يعكس شخصيتها التي ظهرت فجأةً مع ابتسامة عريضة تزين وجهها قائلة :《شكرا على الطعام يا سيدي! آسفة، ولكن يجب أن تموت هنا والآن!》.... .

من تكون "ستينا" هاته؟ ومالذي تخبئه وراء ذلك المظهر البالي والوجه الجميل؟ أهو خطر محدق؟ أم مصير ضحية للعبة القدر؟

2020/05/15 · 230 مشاهدة · 569 كلمة
MehdiDPower
نادي الروايات - 2024