1 - المجزرة تحت القمر الأحمر

الفصل الأول — المجزرة تحت القمر الأحمر

.

.

.

.

.

ظلام... عميق، دامس، ثقيل، كهاوية ابتلعت كل شيء.

الهواء بارد... لكنه يحمل معه رائحة كريهة... شيء من الحديد المنصهر واللحم المتحلل، لم يكن هناك صوت، ولا حركة، فقط صمت قاتل.

فتح عينه... أو ظن أنه فعل، لا شيء تغير، الظلام لا يزال طاغيًا، لم يكن يعرف إن كان هذا ظلامًا حقا، حاول أن يرفع يده، لم يشعر بها، 'أين جسدي؟' لم يكن متأكدًا أنه يملك واحدًا بعد الآن، هو فقط... هناك

ثم... بدأ يسمع شيئًا

طنين.

صوت منخفض، مشوَّه، يتصاعد ببطء، أشبه بصدى مطرقة تحطم جمجمته من الداخل، يتسلل إلى عقله كدودة تنهش وعيه، كأن ذهنه يحاول أن يستوعب شيئًا غير موجود، لم يكن يشعر بالوقت أو المكان، كان يشعر فقط بشعور غريب، كأنه في مكان يرفض وجوده.

اصابه ألم حاد، جعله يفتح عينه على مشهد من الجحيم.

ما رآه كان لا يصدق.

الأرض كانت بحر من الخراب. حفر عميقة، جثث مشوَّهة متناثرة في كل مكان، بعضها محطمة كأنها ضربت بنيزك، البعض الآخر ممزق، محترق، ذائب.

التربة تحته حمراء، لزجة، كأنها مستنقع من الدماء.

رفع رأسه ببطء، متجاهلًا الدوار العنيف الذي أصابه، كان يحاول تذكر شيئًا ما، ولكن لا شيء مهما حاول وحاول وحاول، لا شيء... عقله كان فارغًا، يرفض أن يعيد أي صورة من الماضي، كان يعرف فقط أنه ليس من هنا، هذا ليس عالمه.

رجف يعقوب.

لأنه رآه.

القمر.

قمر أحمر قانٍ، كالدم الطازج.

كان ضخمًا يحتل السماء كعين تنظر بازدراء إلى الخراب تحتها، ضوءه القاني صبغ العالم كله بلون الدم، جاعلاً الأمر يبدو كمشهد من الجحيم.

تنفس يعقوب بصعوبة، قلبه بدأ يخفق بجنون، عقله مشوَّه، يحاول تذكر أي شيء، 'أين أنا؟ ماذا حدث لي؟ كيف وصلت إلى هذا المكان؟ هل أنا ميت؟ هل هذا الجحيم؟' الألم بدأ يعصر رأسه، كل محاولة للتذكر كانت تعذبه.

ثم بدأ يسمع صوت.

مشّوه، متعدد الطبقات، كأن مئات الأصوات تتحدث في نفس الوقت.

'لن تنجو هنا'

'إلا إذا أحرقت هذا العالم... أولًا'

"ابحثوا عن ناجين! لا يمكننا التأخر أكثر!"

صرخة قاطعت الصوت وأفكاره.

تبعها أصوات خطوات ثقيلة تهز الأرض، أدار رأسه، ليرى مجموعة أشخاص، يبدون كأنهم من القرون الوسطى.

يرتدون دروعًا فضية مع خوذات معدنية عاكسة، تتلألأ تحت الضوء القاني للقمر.

كان بعضهم يحمل مشاعل.

والبعض الآخر يحملون سلاسل معدنية.

ورائهم عربات ضخمة، دواليبها محفورة بعمق في الوحل الدموي، تجرها خيول سوداء مخيفة.

كانت هناك أقفاص حديدية ممتلئة تجرها تلك العربات.

بها أشخاص، أشخاص وجوههم شاحبة، هالات الرعب تلتف حولهم، البعض يبكي، والبعض يحدق في الفراغ، كأن أرواحهم قد غادرت أجسادهم منذ زمن.

شعر بحركة خلفه.

وقبل أن يستوعب ما يحدث، يد قاسية أمسكت بكتفه، وسحبته للأعلى بعنف، نظر إلى صاحب اليد...

رأى خوذة معدنية تعكس القمر الأحمر كمرآة مشوَّهة.

"هاه... أخيرًا واحد حي، ويبدو بصحة جيدة أيضًا"

الحارس تأمل يعقوب، كأنه يقيم قطعة لحم، لا بشر.

ثم التفت إلى حارس آخر قربه ساخرًا.

"أنا من وجدته أولًا، رأيته قبل أن تلمحه حتى، لا شكوى"

يعقوب كان خائفًا، متجمدًا، مصدومًا، لا يفهم ما يجري.

'من هؤلاء؟ أين أنا؟؟ كيف وصلت إلى هنا؟'

شعر وكأن عقله يغلق كل مرة يحاول التذكر. كل ما يشعر به هو الألم في رأسه، وكانت تلك الأسئلة تقطع عقله.

' !لا... لا يجب أن أدعه يمسكني... لااا'

حاول يعقوب التحرر من قبضة الحارس.

لكن دون فائدة، السلاسل كانت أسرع.

ارتطمت حول معصميه، شعر ببرودتها تصل إلى عظامه، حاول الصراخ، ولكن لا صوت خرج من فمه.

جره الحراس بقوة نحو القافلة، ما زال يحاول التحرر، لكن السلاسل كانت كثعبان ممسك بفرسيته، لم تتزحزح.

في طريقه، اصطدمت قدمه بشيء ناعم، نظر...

رأس بشري، مقطوع، يحدق به بعينين جامدتين ولسان متدلي.

توقف الزمن في داخله.

لكن الألم حقيقي، برودة الحديد حقيقية، والرعب... حقيقي جداً.

توقف الحارس عن جره، نظر يعقوب إلى الأمام، فوجد امامه قفصًا حديديًا ضخمًا، به ما لا يقل عن عشرين شخصًا.

فتح أحد الحراس على الجانب القفص.

رماه الذي يمسك به إلى القفص مع الأشخاص الآخرين.

ثم أغلق الباب الحديدي مرة أخرى.

القفل أحكم.

العجلات بدأت بالدوران مرة أخرى.

تحركت القافلة عبر ساحة المعركة كأنها شبح يزحف فوق أطلال عالم محطم.

حاول يعقوب أن يتنفس ببطء، بعدها بثانية، بدأ يسعل بقوة.

الهواء داخل القفص كان مشبعًا برائحة العرق والدم، ممتزجًا برائحة الخشب القديم والحديد الصدئ.

مع ذلك الصوت المزعج الذي يصم الأذان، وكأن السلاسل تصرخ،

داخل الأقفاص، جلس السجناء متلاصقين، بعضهم يئن من الألم، والآخر غارق في صمت، كانوا يبدو كأن أرواحهم قد غادرت أجسادهم بالفعل.

يعقوب كان يراقب بعينين نصف مغمضتين، يحاول استيعاب أين انتهى المطاف. تذكر للحظة كيف كان في مكان آخر، في عالم آخر. لكنه لم يستطع تذكر التفاصيل، ولا يتذكر كيف حدث هذا التحول، كيف انتقل إلى هنا.

كأن هناك شيء يرفض أن يدعه يتذكر، كلما حاول الألم يزداد في رأسه.

قاطع قطار أفكاره صوت جاء من يمينه.

"أرجوكم.. دعوني أعيش! دعوني أخرج! لدي عائلة! لا" أريد أن أموت هنا!"

صوت مبحوح، مليء بالرجاء.

كان صاحبه رجل مسن، جسده المهترئ مغطى بالكدمات والجروح، عيناه المتوسلتان مبتلتان، تبحثان عن أي ذرة شفقة.

لكن لم يكن هناك شفقة.

الحراس لم يهتموا، بل العكس، بدأوا بالضحك.

جاءته صفعة قوية من أحد الحراس، لدرجة أنها هشمت أسنانه.

سقط الرجل أرضًا، جسده العجوز يترجف من الألم. رفع رأسه بصعوبة...

وكأن هذا لم يشبع الحارس بعد، سحب سيفه ببطء وغرس الشفرة في عنقه.

صمت..

لم يكن هناك صوت غير صوت اللحم وهو يقطع، والدم وهو يتدفق.

أطرافه ارتعشت للحظات، كأن روحه كانت تحاول التمسك بالحياة، ثم.. هدأ.

لم يتحدث أحد، بل لم يجرؤ أحد على التحدث، كان الكل خائفًا، خائفًا من أن يكون التالي.

يعقوب أغمض عينيه، محاولًا الهدوء وسط هذه الفوضى.

قال أحد الحراس وهو يتنهد "حتى ولو كان عجوزًا وبدون فائدة عملية، ما كان يجب أن تقتله، حسنًا لا يهم، أزل الجثة، الرائحة كريهة بالفعل، لا أريد أن تصبح أسوأ."

نظر إليه الحارس الذي قتل الرجل العجوز وهز كتفيه.

"حسنًا حسنًا لا تتذمر"

عندما فتح باب القفص محاولًا جر الجثة، تجمد الحارس في مكانه، لم يكن وحده من تجمد، بل كل الذين في القافلة.

سمعوا صوتًا..

لا، ليس صوتًا، بل زئيرًا مروعًا.

لم يكن صوتًا بشريًا أو حيوانيًا.

بل شيئًا... شيطانيًا

موجة صوتية اهتزت معها القافلة بأكملها.

الخيول جفلت في خوف، العبيد التصقوا بجدران أقفاصهم، عيونهم تتسع من الرعب.

في أحد الزوايا، يمكن رؤية شيء كأنه يخرج من العدم.

وحش هائل من الظلام ككابوس متجسد

كان ضخمًا. جلده أسود كالعدم. لا يعكس الضوء، بل يبتلعه.

عيناه حمراء كالجمر ملتهبتان في وجه، كأنه بلا ملامح.

التقت عيونه بعيني يعقوب للحظة.

لحظة واحدة، كانت كافية لتزرع في رعب لا ينسى.

، جسده بدأ يرتجف بقوة مرعبة.

"ما.. ما هذا"

بعدها بلحظة قصيرة، اختفى الوحش من أمام عين يعقوب.

ليراه بعدها ينقض على أول حارس.

يده العملاقة قبضت على جسده... سحقته بالكامل، كقشرة بيضة هشة.

مزق صدره، بينما قلبه مغروس في إضفره الحاد.

كان هناك حراس آخرون حاولوا الهرب بعيدًا.

لكن هذا كان خطأ قاتلًا.

لم يكد يقطع ثلاث خطوات ... حتى برأسه في الهواء، عينيه واسعة في صدمة.

حارس آخر رفع رمحه، مواجهاً الوحش بشجاعة، حتى ولو كان يرتجف.

لكن... لا جدوى

الوحش وبكل بساطة أمسك به من قدميه، وشقه نصفين.

لم يكن هناك بشر بعد الآن... فقط قطع متناثرة من اللحم والعظام.

هذه ليست معركة، بل مجزرة

تحولت القافلة إلى جحيم حي.

الاشلاء تتطاير.

العربات تنقلب.

السجناء يصرخون.

بعضهم تمزق داخل قفصه نتيجة الفوضى.

البعض الآخر حاول الهرب، لكن الأقفاص منعتهم.

كان هناك شخص نجح في الخروج من القفص، قفز منه محاولا الهروب.

في ثانية واحدة، تمزق جسده في الهواء.

أحشاؤه غطت وجوه من خلفه.

يعقوب كان فقط يشاهد، الرجفة توقفت، رأسه فارغ، كأنه استسلم لمصيره.

ثم بدأ يسمع صوت... نفس الصوت الذي سمعه عندما انتقل إلى هذا العالم.

'شاهد جيدا'

لم يفهم ما كان يعنيه، ولم يحاول أن يفهم حتى.

فقط كان يشعر بشيء ما ينمو داخله.

شيء... غير مفهوم...

.

.

.

.

.

اعطوني رأيكم في الفصل ~

2025/04/16 · 46 مشاهدة · 1244 كلمة
𝑭𝑶𝑿
نادي الروايات - 2025