الفصل الثالث – المنجم القاتم
.
.
.
.
.
هز الطبيب رأسه، ثم قال بصوت منخفض يملؤه الأسى.
"فقدان الذاكرة صعب حقا، الأمر ليس مجرد فراغ في ذاكرتك، بل تمزق في هويتك، من لا يذكر من كان، لن يعرف من هو الآن، استعادة نفسك ستكون رحلة طويلة، وتحتاج إلى دعم فيها، ولكن وللأسف، لا استطيع مساعدتك في هذا، لا يمكنني تقديم علاج مجاني، فهذا ضد القواعد، يجب أن تجمع نقاط سجن كافية أولا."
عبس يعقوب. "نقاط سجن؟ ما هذا؟ كيف يمكنني الحصول عليها؟"
ارتسمت على الطبيب ابتسامة باهتة، كأنه اعتاد على سماع هذا السؤال.
"هنا كل شيء يعتمد على النقاط، لا علاج، لا طعام، ولا حتى راحة دون مقابل. تكسب النقاط بالعمل، عبر مهام يحددها المشرفون لك، النقاط هي العملة الوحيدة. كلما جمعت أكثر زادت فرصتك في النجاه."
"إذا... انا في سجن؟"
سأل يعقوب بهدوء.
"نعم"
رد عليه الطبيب بنفس الهدوء.
عندما أراد يعقوب أن يسأل أكثر، قاطعهم طرق على باب الغرفة.
فتح الطبيب الباب ببطء وبدون استعجال، دخل رجل طويل القامة، ملامحه صارمة، يبدو في اوائل الأربعين من عمره. عيناه بنيتان تلمعان بالحدة، كان يرتدي درع جلدي خفيف، يتدلى على خصره سيف متوسط.
القى نظرة خاطفة على يعقوب، ثم قال بصوت خشن عميق.
"هل هو جاهز؟ أحتاجه في المنجم بأسرع وقت ممكن."
اومأ الطبيب برأسه، ثم التفت إلى يعقوب.
"فقدان الذاكرة لا يعفيك من قوانين السجن. يجب أن تذهب معه آلان، إنه المشرف، سوف يشرح لك كل شيء."
يعقوب لم يتحرك، كان فقط ينظر إلى الشخص المسمى المشرف.
"لماذا انا في هذا السجن؟ هل قمت بجريمة أو شيء ما؟"
المشرف ضحك.
"هاهاها، هذا كان جديد، هل تريد أن تعرف جريمتك؟ سوف أخبرك بها إذا، جريمتك هي الضعف. لأنك ضعيف، انت هنا، هل فهمت الآن؟ الآن قم بسرعة قبل أن أجعلك بلا أرجل تمشي عليها."
'اللعنة، هل كل الناس في هذا العالم مجانين؟ يجب أن احذر أكثر، ليس لدي كثير من الخيارات على أي حال.'
نهض يعقوب من السرير بسرعة، ثم وقف أمامه.
ابتسم المشرف. "على الأقل انت ذكي لتعرف الاختيارات الصحيحة."
تقدم المشرف خارج الغرفة، تبعه يعقوب في صمت، بينما الأسئلة تنهش عقله ككلاب جائعة.
كانو يمشون بين ممرات ضيقة، حيث الجدران تنفث رائحة الرطوبة والعفن، كل خطوة يتبعها سؤال في عقله، النقاط، المنجم، السجن، النسيان...
حاول السيطرة على قلقه، لكن ذهنه بقي مشتتاً.
تمتم يعقوب بدون وعي.
"لماذا لا أتذكر شيئاً"
قطع المشرف أفكاره بصوته دون أن ينظر إليه.
"أنت الآن في ثورنهولد، سجن العبيد، العمل هنا ليس اختيارا، كل يوم يجب أن تعمل، نقاطك هي مقياسك. من يجتهد في العمل، يعيش. من يتكاسل، يعاقب. هذا بسيط، أليس كذلك؟"
استمع يعقوب لكماته بعناية. 'يريدون استهلاك روح الشخص، وليس جسده فقط؟ من المستحيل أن افعل هذا، أنه أكثر من اللازم.'
غرق قلب يعقوب، سأل بتردد، فيه شيء من الحذر.
"هل هناك حد للنقاط اليومية؟ ماذا يحدث إذا لم استطع جمع ما يكفي من النقاط؟"
رد عليه بطبيعة. "هذا بسيط أيضا، إذا لم تجمع ما حُدد لك من النقاط. هناك سجن انفرادي لمدة أسبوع، مع مئتا جلدة يومياً، كيف هذا؟ هل أرضيت فضولك؟"
اتسعت ابتسامته قليلا ثم أكمل.
"صدقني، أنت لا تريد أن تذهب إلى هناك"
شحب وجه يعقوب قليلا، لكنه لم يبدُ عليه الخوف. فقط إحساس بارد، برودة في كل جسده. لكنه تماسك وسأل مرة أخرى.
"إن جمعت نقاطا كفاية... هل يمكنني أن شراء حريتي؟ "
ضحك المشرف بسخرية واهنة.
"حسناً، لا اعرف بشأن هذا"
توقف المشرف فجأة.
"إلى هنا تنتهي محادثتنا"
أشار إلى باب خشبي ثقيل، ثم فتحه ليكشف عن غرفة بالكاد تتسع إلى ثلاث أشخاص بالغين.
رطوبة خافتة، جدران مغبرة، وسقف واطئ يشبه القبور أكثر من المساكن أو الزنزانات.
"مرحبا بك في مسكنك"
وقف يعقوب أمام العتبة، يحدق في الجدران المتشققة و الأرضية الملوثة، وبعض الضوء الذي يتسلل من فتحة ضيقة في الجدار المقابل له، كان هناك سرير حديدي وحيد في الزاوية، بجانبه طاولة صغيرة من الخشب البالي.
تنهد يعقوب متقبلا وضعه.
'حسنا، هذا متوقع، انه سجن للعبيد بعد كل شيء'
نظر إلى المشرف ثم سأله.
"أين أجد الطعام و الماء؟."
"المطعم الرئيسي، وجبتك الأولى مجانية، بعدها يجب أن تدفع بالنقاط."
اومأ يعقوب بصمت. النقاط... كل شي مربوط بها، كأنها الهواء في هذا الجحيم.
"واين اجد المطعم؟"
"فقط اخرج إلى الساحة واسأل أي شخص، سيخبرك"
نظر إلى يعقوب مرة أخرى ثم بدأ بالمشي بعيدا.
"أما عن العمل، بعد نصف ساعة، ابحث عني في الساحة، من هناك... إلى المنجم."
بقي يعقوب وحده، في سكون يخنق.
دخل إلى الغرفة، ثم جلس على السرير المعدني، أغمض عينيه، ثم بدأ يحاول التذكر مرة أخرى، الذكريات كانت كخيوط ضبابية تتطاير أمامه ثم تختفي في لحظة، كان يحاول جاهدا أن يمسك بأي شيء، لكن كلما اقترب من استرجاع صورة من ماضيه، كلما اشتد الألم في رأسه كإبرة تغُرسُ في عمق عقله. كان يشعر كأن هناك حاجز يمنع كل محاولاته، وكعقاب على محاولة تجاوزه، يعطيه جرعة من الألم.
"من كنت بضبط؟ أشعر أنني اتذكر، لكنني لا أتذكر في الوقت نفسه."
كان يعرف أنه لم يولد هنا، هذا أمر مؤكد، يتذكر أنه كان يعيش حياة عادية، كشخص عادي، في عالم عادي، بدون سحر، بدون قمر أحمر، بدون وحوش، كان هناك ضوء شمس دافئ، ضحكات، مقاهي يعج بها الناس. لكن ما محي من عقله هو التفاصيل. الوجوه التي كانت في حياته تناثر كاطياف عابرة، الأصوات أصبحت كهمسات تختفي ببطء، كل شيء كان غير واضح، كصور ضبابية في حلم بعيد.
"ما الذي يحدث لي؟"
ضغط على رأسه محاولاً أن يتذكر بقوة أكبر، لكن، كلما حاول أن يبحر أعمق في تلك الذكريات، أشتد الألم، في مرحلة من المراحل، شعر أن رأسه ينتفخ، وكأنه سوف ينفجر، شعر أنه يحاول أن يفتح باب مغلق بمفتاح مفقود، ألم شديد جعله يرتد للخلف، ثم بدأ يلهث بقوة.
"هل.. هل يعقل أن هناك من يعبث بعقلي؟ أم أنني مجرد... هل أنا ميت؟"
همس بتلك الأسئلة وهو يحاول أن يضغط على رأسه اكثر، لكن الإجابات لم تضهر أبدا.
حاول أن يهدأ بينما يحدق في السقف الرمادي.
"لا شيء منطقي، لا دخولي إلى هذا العالم، لا الذكريات الغائبة، ولا حتى نفسي"
صوته أصبح فيه لمحة من التعب.
"أشعر وكأنني... لا اعرف وكأنني لست حقيقي، كأنني سُكنت من قبل أحد آخر، غريب حتى على نفسي، كأنني فقدت جزءا مني، ولكنني لا أعرف ما هو."
صمت لوهلة، والهدوء يحيط به من كل جانب، إلا من صوت أنفاسه المتسارعة.
نظر إلى يديه، وكأنهما ليسا ملكه.
"هل حياتي السابقة كانت وهما؟ هل هذا هو العالم الحقيقي؟"
هز رأسه بعنف.
"لا، هذا مستحيل، أنا اعرف، بل أنا متأكد، كنت هناك. عشت. ضحكت. كنت شخصا طبيعياً... وهذه الحياه. هذا المكان لا انتمي له، هذا ليس عالمي."
"لكن هذا لا يهم الآن. فتفكير في الماضي لن ينقذني."
تذكر ما حدث في القافلة، الحراس الذين قتلو الناس بدم بارد، الوحش الذي أحدث مجزرة لن ينساها، كلام المشرف، هذا السجن.
كل شيء يشير إلى شيء واحد.
يجب أن تكون قويا لتنجو، لا مكان للضعفاء في هذا العالم.
"إن أردت أن اعيش، أن افهم ماذا يحدث لي، فعلي أن اركز على الحاضر، واخطط للمستقبل، أول شيء المعلومات،أن أجمع أكبر قدر منها، يجب أن افهم قواعد اللعبة."
نهض يعقوب ببطء، قدمه كانت ثقيلة، لكنه لم يهتم، توجه بخطى بطيئة إلى المطعم.
خرج من غرفته، ثم اتبع المسار الذي سلكه المشرف للساحة.
عندما خطى خارج الممر، أصابه ضوء يعمي، أجبر عينيه على الفتح بصعوبة.
تفاجأ قليلا.
النسيم البارد كان يصفع وجهه لا يلمسه، الهواء في الخارج لم يكن من منعشاً، بل كان امتداد لعقوبة غير معلنة. رفعه رأسه دون أن يدرك السبب، بداخله كان يتوقع رؤية القمر الأحمر، لكن تفاجئ بشمس غربية تلمع بقسوة في المساء، تبث ضوءا بارداً، لا دفء فيه.
وقف لثوان، يحدق في الفضاء المفتوح أمامه.
تنهد بعمق، ثم بدأ السير نحو الساحة، كانت الساحة واضحة، تمتد على طول مرأى العين، بها أشخاص يتحركون ببطء، رجال ونساء، من الواضح أن كل منهم يحمل قصة مأساوية مكتومة لم تروَ. كان بعضهم يجلس على الأرض، بعضهم يمشي بلا هدف، البعض في مجموعات يتكلمون.
اقترب يعقوب ببطء من إحدا المجموعات، نظر إلى رجل نحيل، بشرته متشققة من الشمس، برأس أصلع، كان يجلس بلا حراك.
تردد يعقوب للحظة، ثم سأل بصوت منخفض نسبيا. "مرحباً، أين يمكنني أن أجد المطعم الرئيسي؟ "
التفت إليه كل المجموعة مرة واحدة، فتح الرجل عينيه ببطء، نظر نحوه، ثم رفع يديه مشيرا إلى اتجاه معين.
"من هناك، فقط تابع السير وسوف تجد لافتة كبيرة عليها كلمة مطعم."
توقف للحضة ثم اكمل.
"يبدو انك جديد، احذر أن تصنع مشاكل مع الحراس، أنهم كضباع جائعة عندما يغضبون."
بعد أن أكمل كلامه أغمض عينيه مرة أخرى.
لم يسأل يعقوب المزيد، فقط شق طريقه في صمت.
بعد مدة قصيرة من المشي، ظهر أمامه مبنى عملاق، به لوحة مكتوبة فيها، مطعم بحجم كبير.
أكمل السير إلى الداخل بسرعة.
"أخيرا سأكل شيئاً ما"
بعد دخوله، شعر كأنه انتقل إلى عالم آخر. الضوء الخافت يتدلى من مصابيح معلقة على أطراف و سقف المبنى، يرمي ظلالاً طويلة على الأرض الرمادية.
الهواء كان دافئاً، يحمل مزيجاً من روائح الطهي والرطوبة. الطاولات الخشبية مرصوصة بانتظام، لكنا متشققة قليلاً، مغطاة ببقع تبدو قديمة. المقاعد تبدو صلبة، منخفضة، مصممة ببرود لتجعل الجلوس فيها مؤقتا وغير مريح.
في منتصف القاعة، برزت شاشة ضخمة تبث قائمة الطعام بتوهج سحري، كل طعام جنبه رقم تسعير خاص به، كان يبدو كأنه مزيج بين السحر و التكنولوجيا، فوقها، شيء معيون غريبة مصنوعة من تروس صغيرة بيضاء.
الحراس كانو واقفين بجمود في الزوايا، وجوههم مغطاة بالخودات المعدنية.
يعقوب كان واقف بذهول، ينظر إلى الشاشة، ناسياً كل شيء حوله.
"هذا العالم يفاجئني كل مرة حقا"
تمتم تحت أنفاسه، وهو ما زال مذهولا.
اقترب منه أحد الحراس.
"انت جديد؟"
خرج يعقوب من ذهوله، ثم أجاب في مفاجئة.
"نعم، تم أخباري أن اتي لأخد وجبتي المجانية الأولى."
اومأ الحارس برأسه وقال له.
"الوجبة المجانية أعلى الشاشة"
أشار إلى أساور معدنية فوق طاولة كانت أمام الشاشة.
"خد واحدة بعدها اختر من الشاشة. لا تلمس شيء آخر."
تقد يعقوب أمام الطاولة، ارتدى أحد الأساور المعدنية، ثم مرر الشاشة للأعلى واختار خيار الوجبة المجانية.
سمع صوت خفيف، بعدها خرج صحن من فتحة أسفل الشاشة، كأنه أنتج من آلة خفية. قطعة خبز يابسة قليلا، وشوربة دافئة بلون رمادي باهت، مع رائحة خافتة من شيء يشبه البقوليات.
كان يعقوب يفكر في مفاجئة.
'لقد اشتغل حقا، لكن، كيف يعمل هذا بضبط؟'
نظر إلى السوار بفضول.
' لا يهم، لن افهم إلى أي حال.'
امسك بصحنه، شكر الحارس، ثم جلس في مكان عشوائي وبدأ بالأكل. الخبز كان مذاقه باهت وصلب قليلا، الشوبة كذالك، كانت فاترة بلا طعم، كأنك تشر ماء.
"هذا اسوء من طعام الكلاب، لا طعم فيه."
بدأ يراقب السجناء الآخرين اثناء الأكل. بعضهم كان يلتهم الطعام كحيوان جائع، آخرون كانو يأكلون ببطء، أو بحزن، لم يكن يعرف حقا.
أدرك يعقوب شيئا مهما من رأيته للسجناء. الجوع لا يقتصر على المعدة فقط... بل يمتد إلى الروح.
"أرجو ألا أصبح مثلهم مع الوقت"
بعد أن أنهى طعامه، خرج إلى الساحة من جديد. لكن الساحة الآن بدت مختلفة. الناس تتحرك بشكل أكثر انتظاما، أصوات اسماء تنادى في كل مكان، مجموعات تتجمع عند الزوايا.
بعد قليل من البحث، رأى يعقوب المشرف الذي ألتقى به سابقا واقفاً عند الحافة، يحمل قائمة يراجع بها اسماء وأرقام غير معروفة. اقترب منه يعقوب، كان قد خف نبضه قليلا لكنه ما زال مضطرباً.
عندما رآه المشرف، بدأ بالتكلم.
"سوف تعملون في المنجم لمدة ثماني ساعات يومياً، لكل ساعة عمل، نقطة واحدة. عند جمع ثلاثمائة نقطة، تحصل على أول مكافأة ق.."
قاطعه أحد السجناء بقرب يعقوب.
"ما هي المكفاءة بضبط؟"
"..... لا تقاطعني، هذا أول إنذار لك، تم خصم خمس نقاط منك، المرة الثانية بعشرين نقطة"
حاول السجين التكلم مرة أخرى.
"ل.. لكن انا لا املك نقاط بعد!!"
"خصم عشرين نقطة"
السجين فهم الوضع، احنى رأسه وصمت.
يعقوب فكر بغضب في عقله
'هذا اللعين، هو فقط يسأل، لا حاجة لكل هذه العدوانية'
أكمل المشرف كلامه.
"سوف يتم توزيعكم داخل المنجم، كل واحد فيكم سيعينُ له مشرف يدربه."
توقف للحضة.
"هل من أسئلة؟"
عندما لم يتكلم أحد استدار ثم بدأ بالمشي.
"اتبعوني."
قادهم في صمت، خطواته تصدر صدى باهتا على الأرض الحجرية، أدخلهم في ممرات ضيقة، بين جدران رطبة تنزل منها قطرات الماء بصوت منتظم.
كلما تعمقو، أصبح الهواء أكثر ثقلاً، كأن الأكسجين يتلاشى تدريجياً، بدأ يشم رائحة غبار رطب ممتزجة بعرق قديم، كأنه لم يغادر المكان مند زمن، الرائحة خنقت يعقوب وجعلت صدره يضيق.
وصلوا أخيرا إلى بوابة المنجم، فجوة سوداء في الحائط، يحيط بها سياج حديدي مهترئ، عليه مصابيح زيتية شاحبة، تلقي بظلال راقصة على الصخور.
أشار لهم المشرف، ثم عبروا العتبة.
شعر يعقوب بشيء غريب يحدث في جسمه. حرارة خفيفة في مؤخرة رأسه، وخزٌ على جلده، لكنه لم يعر له اهتمام كبير، لقد بدأ يعتاد على غرابة الأشياء في هذا العالم.
ألقى نظرة فاحصة على المكان، الداخل كان مزيجا من الانفاق الملتفة والممرات الضيقة التي تتفرع كعروق متفرقة، الجدران الصخرية كانت متشققة.
شعر يعقوب بقشعريرة خفيفة تجري في جسده.
'هل هذا حقا أمن؟ ألن ينهار فجأة؟'
بدأ يسمع أصوات المعاول تظهر ببطء، خفيفة، ثم منتظمة، كأنها إيقاع منجم حي، ينبض بالتعب، ظهر أماه سجناء يعملون بصمت، معاولهم تضرب الصخور بقوة.
توقف يعقوب.
ليس وحده، بل كل من معه.
لم يكن خوفا ما أوقفهم... بل رهبة. المكان كان يشبه كابوس لا يمكن الهروب منه.
أنزل يعقوب عينيه، ثم رفع يهديه قليلا، ينظر إليهم...
هذه اللحظة كانت إعلانا صامتا في قلبه."لن اكون كما كنت بعد الآن"
شد قبضته، وأجبر نفسه على التقدم بينما يفكر في نفسه.
'مهما كان هذا الجحيم مظلما، علي أن أجد النور فيه... أو أن أصير جزءا من ظله'
.
.
.
.
.
استمتعو ~