الفصل الرابع:

-ملك الجبل-

ملتفتين الى اتجاه الضجيج المدوي ، قام العديد من العبيد برفع رؤوسهم - فقط ليروا الصخور وشظايا الجليد الكثيفة تمطر عليهم من الأعلى. أصيبوا بالذعر فورا ، وابتعدوا في جماعات لا تسمع منها الا الصراخ. رقصت الظلال بسعادة على الحجارة السوداء حيث سقط هؤلاء العبيد على الأرض وسحبوا رفاقهم الآخرين معهم ، بسبب تشابكهم بسلسلة سميكة.

كان سوني واحدًا من القلائل الذين ظلوا في وضع مستوي ، غالبًا لأنه كان على استعداد لوقوعه في موقف مشابه لهذا. مسترخيا و جامعا لشتات نفسه ، حدّق في سماء الليل ، وعيناه المعززتان بخاصية (طفل الظلال) تخترقان الظلام ، وأخذ خطوة واحدة محسوبة إلى الوراء. في الثانية التالية ، اصطدمت قطعة من الجليد بحجم جذع رجل بالأرض أمامه مباشرة وانفجرت ، مصيبة كل شيء بشظاياها الحادة.

لكن للأسف لم يكن الآخرون بهذه السرعة. مع استمرار هطول أمطار من الجليد والحجارة ، أصيب كثيرون ، وفقد البعض حياتهم. ملأت الصرخات المتألمة الهواء حوله.

"قفوا على أقدامك أيها الحمقى! توجهوا نحو الحيطان!"

كان الجندي المخضرم - وهو الشخص الذي جلد سوني قبل ساعات قليلة - يصرخ بغضب ، محاولًا دفع العبيد إلى التحرك نحو الأمان المؤقت للمنحدر الجبلي. ومع ذلك ، قبل أن يستجيب أي شخص لأمره ، سقط كيان هائل الحجم ، مما أدى إلى زلزال في الأرض تحت أقدامهم. ساقطا مباشرة بين القافلة وسور الجبل ، ومغرقا كل شيء في الصمت لبضع ثوان.

في البداية ، بدا وكأنه كتلة من الثلج المتسخ ، مستدير الشكل تقريبًا وطوله مثل رجل راكب على جواده. ومع ذلك ، بمجرد أن ينبسط المخلوق بأطرافه الطويلة ويقف ، مرتفعا فوق المنصة الحجرية مثل نذير على الموت المشؤوم.

`` يجب أن يكون هذا الشيء بطول أربعة أمتار على الأقل ، '' فكر سوني بداخله ، مندهشا بعض الشيء.

كان للمخلوق ساقان قصيرتان ، وجذع هزيل و منحنٍ ، ويدان طويلتان بشكل غير متناسب - كلتاهما تنتهيان بمجموعة من المخالب النحيلة المرعبة ، واثنتان أخريان ،- هذه الأقصر-، تنتهي بأصابع شبيهة بالإنسان تقريبًا. الشيء الذي بدا للوهلة الأولى وكأنه كومة قذارة على الثلج تبين أنه فراء ، له لون رمادي مصفر و مظهر خشن ، سميك بما يكفي لإيقاف السهام والسيوف.

على رأسه ، كانت هنالك خمس عيون بيضاء حليبية اللون تنظر إلى العبيد بلامبالاة كانهم مجموعة من الحشرات. و تحت ذلك المخلوق ، كان هنالك مخلوق آخر يشبه الحشرة قبيحة الشكل فمها نصف المفتوح مزدحم بأسنان حادة ، و للأسف كان يمكن رؤية التالي بوضوح. حيث كان اللعاب اللزج يسيل من أسفل ذقن المخلوق ليقطر على الثلوج البيضاء.

أكثر ما أثار غضب سوني هو الأشكال الغريبة التي تتحرك بلا توقف الظاهرة تحت جلد المخلوق ، كانت شبيهة الشكل بدودة ، . كان بإمكانه رؤيتها بوضوح لأنه ، -ولسوء الحظ-، كان أحد تلك الأرواح غير المحظوظة التي ساقها القدر إلى أقرب مكان من ذلك الوحش ، حيث حصل على فرصة رؤية ذلك المنظر المقزز من الصفوف الأول.

"حسنًا ، لقد كان... أكثر من اللازم" ، قالها بذهول داخل أفكاره.

بمجرد أن أنهى سوني هذا الفكرة ، كانما انفجرت أبواب الجحيم أمامه. تحرك المخلوق و قام اطلاق مخالبه في جميع الاتجاهات. لكن سوني كان متقدمًا بخطوة: دون أن يضيع لحظة واحدة ، قفز جانبيًا - بقدر ما تسمح به السلسلة - واضعا العبد ذو الكتفين العريضين بينه وبين الوحش بشكل مناسب.

لقد أنقذ رد فعله السريع حياته ، حيث قطعت تلك المخالب الحادة ،كل منها ذلك الرجل بشكل طولي كما لو كانت ضربة من سيف، و في محض جزء من الثانية بات الرجل عريض الكتفين عبارة عن تيارات من الدم تتطاير في الهواء. غارقة في السائل الساخن ،و بعد ذلك سقط سوني مرتطما بالأرض ، وسقطت عليه جثة زميله العبد من فوقه

'اللعنة! لماذا انت ثقيل جدا!

أصبح سوني أعمى مؤقتًا بسبب دماء رفيقه، ثم سمع عواءًا مخيفًا وشعر بظل هائل يمر من أعلاه. ليتبع ذلك، جوقة من صرخات تصم الآذان الليل كله. و لكنه لم يعرها أي اهتمام ، و حاول دحرجة الجثة إلى الجانب ، لكن أوقفته حركة قوية من السلسلة التي لويت معصميه لتملئ عقله بألم شديد. لقد شعر بالارتباك ، وشعر بأنه يُجر بضع خطوات ، لكن السلسلة تراجعت فجأة ، و حصل على فرصة للسيطرة على يديه مرة أخرى.

"هل رأيت؟! ، كان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ ..."

واضعا كفه على صدر الرجل الميت ، ودافعا بكل ما لديه من قوة. و بعد مقاومة كل محاولاته بعناد ، سقطت جثة الرجل عريض الكتفين أخيرًا بشكل جانبي ، مما أطلق سراح سوني. ومع ذلك ، فهو لم يستطع الاحتفال بهذه الحرية المكتشفة حديثًا ، حيث بدأ دمه فجأة بالتحول إلى جليد بسبب الخوف.

لأنه في تلك اللحظة ، بينما كانت راحة يده لا تزال مضغوطة على جسد العبد عريض الكتفين النازفة ، شعر بوضوح بشيء يتلوى تحت جلد الرجل الميت.

"كان عليك فقط التفكير في كيف يمكن أن تصبح الأوضاع أسوا، أليس كذلك ، أيها الأخرق؟" فكر ، ثم رمش مرة أخرى.

دافعا الجثة بساقيه ، زحف سوني بعيدًا عنها قدر استطاعته - والتي كانت حوالي متر ونصف المتر ، بفضل السلسلة الدائمة الى الأبد. سرعان ما نظر حوله ، ولاحظ كتلة من الظلال الراقصة"الصارخة" والصورة الظلية للوحش الهائج وسط الصراخ العبيد على الطرف الآخر من المنصة الحجرية. ثم ركز على الجثة ، التي بدأت تظهر عليها التشنجات مع تزايد الاهتززات بداخلها.

و على الجانب الآخر من الجثة ، كان العبد الماكر ينظر إليه بفكه المرتخي و تعبير مرعب على وجهه. لوح سوني لجذب انتباهه.

"إلى ماذا تحدق ؟! ابتعد عنه!"

حاول العبد الماكر الابتعاد ، لكنه سقط على الفور. كانت السلسلة الملتوية مشتركة بين الثلاثة ، مثبتة وزنها على الرجل عريض الكتفين.

قام سوني بالضغط على أسنانه.

ليرى تحت عينيه مباشرة ، كانت الجثة تمر بتدمير مرعب. اخترقت الزوائد العظمية الغريبة جلدها ، ممتدة مثل المسامير. نافخة العضلات لتملأها ، وكأنها تحاول تغيير شكلها. مغيرة شكل الأظافر الأصابع إلى مخالب حادة. شاقة الوجه قاسمة اياه ، مؤدية إلى فتح الفم بشكل ملتوي مع صفوف كثيرة جدًا من الأنياب الملطخة بالدماء الشبيهة بالابر.

'لا يجدر بهذا ان يحدث.'

ارتعش سوني ، و اصابه شعور برغبة قوية لتفريغ معدته.

"ال..- السلسلة!"

كان العبد العالِم على بعد خطوات قليلة فقط من الرجل الماكر، مشيرًا إلى أغلاله بوجه شاحب مثل الشبح. لم تكن تلك الملاحظة مفيدة على الإطلاق ، لكن في ظل الظروف المحيطة ، كانت صدمته مفهومة. كان التقييد بالأغلال سيئًا بما فيه الكفاية ، لكن التقييد بهذا الأوضاع المخيفة كان حقًا وضعا ظالما.

لكن استنتاج سوني بأن الأمور لم تكن صحيحة لم يأتِ من شفقته على ذاته. لقد كان يقصد أن هذا الموقف برمته لم يكن صحيحًا بشكل حرفي: فالتعويذة ، مهما كانت غامضة ، فلازالت تملك مجموعة من القواعد الخاصة بها. و كانت هناك قواعد خاصة بنوع المخلوقات التي يمكن أن تظهر في أي كابوس معين أيضًا.

كان لمخلوقات الكوابيس تسلسل هرمي خاص بها: بداية من الوحوش الطائشة إلى المسوخ، ثم تليها العفاريت و ثم الشياطين ثم الطغاة و بعدهم الأهوال ، وأخيراً الجبابرة الأساطير ، والمعروفين أيضًا باسم "الكوارث". لطالما كان الكابوس الأول دائمًا مأهولًا بالوحوش و المسوخ ، ونادرًا ما يكون هناك شيطان فيها. ولم يسمع سوني أبدًا عن أي شيء أقوى من شيطان واحد يظهر فيها.

ومع ذلك ، من الواضح أن المخلوق قد قام للتو بخلق نسخة أقل من نفسه - وهي قدرة محصورة لا يمتلكها الا من في رتبة الطغاة ، وملوك تعويذة الكابوس ، ومن هم في مراتب أعلى منهم.

ما الذي يفعله هذا الطاغية في الكابوس الأول؟

ما مدى قوة تلك الخاصية اللعينة [المقدّر] ؟!

لكن للأسف سوني لم يمتلك أي وقت للتفكير.

سواء كان عادلا ام لا، لم يكن هناك الآن سوى شخص واحد يمكنه إنقاذ سوني - وهو سوني بنفسه.

ارتفعت جثة الرجل ذو الأكتاف العريضة - او ما تبقى منها - ببطء ، و قام فمه باصدار أصوات نقر خفيفة. قبل أن تعطي سوني فرصة ليستعيد ربطة جأشه، شتم سوني قبل ان يقفز إلى الأمام ، ممسكًا بطول السلسلة المتراخية.

انطلقت إحدى ذراعي الوحش ، المجهزة بالكامل بخمسة مخالب خشنة الملمس، إلى الأمام لمواجهته ، لكن سوني استطاع تجاوزها بحركة واحدة محسوبة من طرفه.

و ما أنقذ جلده هذه المرة لم يكن رد فعل سريعًا ، بل مجرد حضور ذهني. ربما لم يتعلم سوني أي تقنيات قتالية مذهلة، حيث قضى معظم طفولته في الشوارع لا في المدرسة. لكن الشوارع أيضًا كانت نوعًا من المدارس. فلقد أمضى حياته كلها يقاتل من أجل البقاء ، و قد تكون بشكل حرفي في كثير من الأحيان. قد وهبت له هذه التجربة فرصة للاحتفاظ برأسه مثبتا على كتفيه في خضم أي صراع قد يواجهه.

لذلك بدلاً من ان يتجمد في مكانه أو يصبح فريسة يستهلكها الخوف والشك ، قام سوني بالتصرف في هذا الموقف.

عندما أصبح مقتربا منه ، ألقى السلسلة حول كتفي الوحش وشد يديه إلى جسده. كيلا يتمكن المخلوق ، الذي ما يزال بطيئًا ومترنحًا من التحول ، ويتمكن من من الرد على هجوم سوني ، لف سوني السلسلة حول الوحش عدة مرات ، و محاولا في نفس الوقت الا يتعرض للعض من قبل المخلوق المرعب.

الخبر الجيد هو أن الوحش لم يستطع تحريك يديه الآن.

اما الخبر السيئ هو أن المسافة في السلسلة التي استخدمها لشل حركته قد نقصت ، ولم يترك أي مسافة تقريبًا بينه و بين الوحش.

"أنتما أيضا!" قام سوني بالصراخ مخاطبًا رفاقه العبيد. "اسحبا تلك السلسلة كما لو كانت حياواتكم تعتمد عليها!"

لأنه كانت تلك هي الحقيقة.

العبد الماكر والعبد العالم سخطاه باعينهما ، ولكن بعدما فهما ما كان يفكر فيه ، بدآ في التحرك. ثم قاموا بإمساك السلسلة من الاتجاهات المعاكسة ، وساحبين اياها بأقصى ما في وسعهم ، وشادين قبضاتهم على الوحش بدون ان يتركوا له فرصة للنفاذ.

'مذهل!' فكر سوني.

قام الوحش بنفخ عضلاته محاولةً منه لتحرير نفسه. الى أن بدأت السلسلة بالتشقق، عالقة في مسامير مصنوعة من عظام الجثث ، رغم انها بدات الانهيار ببطء.

'لم يعد مذهلا الآن!'

دون إضاعة أي وقت ، ألقى سوني يديه في الهواء و قام بإمساك رقبة المخلوق بسلسلة قصيرة رفيعة رابطا سلاسله ببعضها البعض. ثم قام بالدوران حول الوحش بخطوة سريعة جاذبا إياه ، وانتهى به الأمر معه ظهرًا مقابلا لظهر - بعيدا عن فك الوحش بقدر استطاعته.

كان سوني يعلم أنه لم يكن قوياً بما يكفي ليخنق رجلاً بيديه العاريتين - ناهيك عن وحش شبيه بالمسخ غريب ومرعب مثل الذي يحاول أكله الآن. ولكن في هذه اللحظة ، مستخدماً ظهره كرافعة ووازنا كامل كتلته لسحب الأغلال ، كان لديه على الأقل فرصة.

قام بانزال وزنه مستخدما جل قوته ، شاعرا بجسم الوحش و هو يضغط عليه ، والمسامير العظمية تخترق جلده. لكن الوحش استمر في النضال ، والصراخ بصوت عالٍ محاولا كسر السلسلة التي كانت تربطه بعيدًا عن فريسته.

الآن كان الأمر مجرد سؤال مالذي سينكسر أولا؟

السلسلة أم الوحش نفسه.

'مت! مت ، أيها الوغد!

كان العرق والدم يتدحرجان على وجه سوني بينما هو يسحب ويسحب ويسحب لأسفل مستعملا كل ما يملك من قوة.

كل ثانية شعر بها و كأنها الدهر كله!. قوته وقدرته على التحمل - القليل الذي كان لديه ليبدأ به - سرعان ما بدأ بالنفاذ. ظهره المجروح ،معصماه وعضلاته التي اخترقتها الأشواك العظمية تاركةً ألما شديدا.

و لكن بعد لحظة وجيزة ، أخيرًا ، شعر سوني بجسد الوحش يستسلم.

و بعد لحظة أخرى ، رن طنين صوت مألوف في الهواء.

كان أجمل صوت سمعه على الإطلاق.

[لقد قتلت وحشًا في سباته ، يرقة ملك الجبل.]

يتبع......

ملاحظة من المترجم

توضيحا للأحداث الآتية قمت بترتيب رتب الوحوش من الأقوى الى الأضعف

١-الجبابرة الأسطوريون و يدعون بال"كوارث"

٢-الأهوال

٣-الطغاة

٤-الشياطين

٥-العفاريت

٦-المسوخ

٧-الوحوش

الوحش الكبير ذو الفرو الأبيض و الأرجل القصيرة الذي سقط عليهم كان من رتبة "طاغية" أما الوحش الذي سيطر على جسد العبد عريض الكتفين فقد كان من رتبة "وحش"

----

شكرا على القراءة و رجاء لا تبخلوا في الدعك بالتعليقات المشجعة🌹

تحيات المترجم Drunken sailor

twitter : @abidiclash

2022/08/09 · 2,034 مشاهدة · 1876 كلمة
Drunken Sailor
نادي الروايات - 2025