الفصل الرابع : ملك الجبال | عبد الظل
.
.
.
ملتفتين نحو صوت الهدير المدوي، رفع العديد من العبيد رؤوسهم—ليشهدوا الصخور وقطع الجليد الثقيلة تتساقط عليهم من الأعلى. ساد الذعر على الفور، فاندفعوا مبتعدين في فوضى من الصراخ المتعالي. بينما كانت الظلال ترقص بفرح على الحجارة السوداء، تعثر بعض العبيد بسبب تشابك السلاسل الثقيلة التي قيدتهم، فسقطوا على الأرض متسببين في سحب الاخرين معهم
كان "ساني" من القلة الذين بقوا واقفين، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى أنه كان مستعدًا لحدوث شيء كهذا. حافظ على هدوئه ورباطة جأشه، ونظر إلى السماء المظلمة، حيث اخترقت عيناه المعززة بالسمات السحرية الظلام، ثم خطا خطوة مدروسة إلى الخلف. وفي اللحظة التالية، اصطدمت قطعة جليدية بحجم جذع رجل بالأرض أمامه مباشرة وانفجرت، ممطرة بالشظايا حادة في كل مكان عليهم .
لم يكن الآخرون سريعون بنفس الدرجة. وبينما استمر تساقط الجليد والصخور، أصيب الكثيرون بجروح، وبعضهم فقد حياته. ملأت الآهات الموجعة الهواء
"على أقدامكم، أيها الحمقى! إلى الجدار! "
كان الجندي المخضرم—الذي جلد "ساني" قبل ساعات قليلة—يصرخ بغضب، محاولاً دفع العبيد نحو أمان نسبي عند سفح الجبل. لكن، قبل أن يتمكن أي أحد من الاستجابة لأوامره، سقط شيء ضخم من السماء، مهتزًا الحجارة تحت أقدامهم. ارتطم بين القافلة وجدار الجبل، مما أدى إلى لحظات قصيرة من الصمت المطلق
في البداية، بدا ككتلة من الثلج القذر، ذات شكل دائري تقريبًا وبحجم فارس على ظهر حصان. ولكن بمجرد أن بسط المخلوق أطرافه الطويلة ونهض، بدأ يهيمن على المنصة الصخرية كأنه نذير موت كابوسي
'ذلك الشيء لا بد أن طوله أربعة أمتار على الأقل'، فكّر "ساني" مدهوشا بعض الشيئ وهو ينظر للمشهد المتشكل امامه
كان للمخلوق ساقان قصيرتان، وجذع هزيل منحني، وذراعان طويلتان بشكل غير متناسب ومفاصل متعددة—كل ذراع منهما تنتهي بمخالب عظمية مرعبة. بالإضافة إلى ذلك، كان لديه ذراعان أقصر تنتهي بأصابع شبه بشرية. الفرو الذي بدا كأنه ثلج قذر اتضح أنه فرو كثيف رمادي مائل إلى الأصفر، مهترئ وسميك بما يكفي ليصد السهام والسيوف
على رأسه، خمس أعين بيضاء كالحليب كانت تنظر إلى العبيد بلا مبالاة كالحشرات. وتحتها، فك مليء بأسنان حادة كالمشارط كان مفتوحًا نصف فتحة، وكأنه ينتظر بفارغ الصبر. لعاب لزج كان يتدفق من فمه ويسقط على الثلج.
لكن ما أزعج "ساني" أكثر كانت الأشكال الغريبة التي تتحرك بلا توقف تحت جلد المخلوق، وكأنها ديدان. كان بإمكانه رؤيتها بوضوح، لأنه لسوء حظه كان من بين أقرب الأشخاص إلى الكائن المرعب، مما منحه رؤية مقربة ومقززة.
'حسنًا... هذا كثير جدًا!'، فكر "ساني" مذهولاً.
بمجرد أن انتهى من التفكير، عمّ الفوضى. المخلوق تحرك، موجهاً مخالبه في اتجاه "ساني". لكن "ساني" كان مستعدًا: من دون أن يضيع لحظة واحدة، قفز جانبًا—بقدر ما سمحت له السلسلة—ووضع العبد العريض الكتفين بينه وبين الوحش
رد فعله السريع أنقذ حياته، إذ أن المخالب الحادة—التي كان كل واحد منها بطول السيف—مزقت العبد العريض الكتفين بعد جزء من الثانية، لترسل شلالات من الدم في الهواء. غارقًا في السائل الساخن، ارتطم "ساني" بالأرض، وسقط جثمان زميله فوقه
'تبا! لماذا أنت ثقيل إلى هذا الحد! '
مؤقتًا، أصيب "ساني" بالعمى بسبب الدم، بينما يسمع عواءً مرعبًا ويشعر بظل ضخم يمر فوقه. على الفور، تعالت صرخات مروعة في الليل.
و لكن . دون أن يعيرها أي اهتمام، حاول دفع الجثة جانبًا، لكنه توقف فجأة عندما شدته السلسلة بعنف، ملتوية معصميه وأغرقت عقله بألم حارق. مشوشًا، شعر بنفسه يُسحب لبضعة خطوات، ثم تراخت السلسلة فجأة، ليعود له التحكم بيديه.
'انظر، كان يمكن أن يكون الأمر أسوأ.....'
ضاغطًا كفيه على صدر الرجل الميت، دفع بكل قوته. قاومت الجثة الثقيلة محاولاته بعناد بحجمها . لكنها أخيرًا سقطت إلى الجانب، مما حرره.
ومع ذلك، لم يُتح له الاحتفال بحريته المكتشفة حديثًا، إذ تحول دمه فجأة إلى جليد
لأنه في تلك اللحظة، مع يديه اللتان لا تزالان مضغوطتين على جسد العبد العريض النازف، شعر بوضوح بشيء يتحرك تحت جلد الرجل الميت
'كان عليك فقط التفكير في كيف يمكن أن تصبح الأمور أسوأ، أليس كذلك، أيها الأحمق؟'، فكّر، ثم قفز مبتعدًا
دافعًا الجثة بقدميه، زحف "ساني" بعيدًا عنها قدر الإمكان—حوالي متر ونصف فقط، بسبب السلسلة التي كانت دائمًا حاضرة. بسرعة، ألقى نظرة حوله، ملاحظًا كتلة من الظلال المتراقصة وشبح الوحش وهو يعيث خرابًا بين العبيد الصارخين على الطرف الآخر من المنصة الصخرية. ثم ركز على الجثة، التي بدأت تتشنج بعنف متزايد
على الجانب الآخر من الجثة، كان العبد المتملص ينظر إليها بفك مرتخي وتعبير مرعب على وجهه. لوح له "ساني" لجذب انتباهه
"ماذا تحدق فيه؟! ابتعد عنها! "
حاول العبد المتملص، لكنه تعثر وسقط على الفور. كانت السلسلة ملتوية بينهم وبين الرجل العريض الكتفين، مما جعل الحركة شبه مستحيلة
قبض "ساني" على أسنانه
تحت عينيه مباشرة، كانت الجثة تمر بتحول كابوسي. نمَت عظام غريبة اخترقت الجلد وامتدت مثل الأشواك. انتفخت العضلات وتحركت، وكأنها تحاول تغيير شكلها. الأظافر تحولت إلى مخالب حادة، والوجه انشق وانفتح، كاشفًا عن فم مشوه يحوي صفوفًا زائدة من الأنياب الدموية الحادة
'هذا ليس صحيحًا.'
ارتعش "ساني"، وهو يشعر برغبة قوية في التقيؤ
"السلسلة! "
كان العبد المثقف على بعد خطوات قليلة فقط خلف العبد المتملص، يشير إلى الأغلال بوجه شاحب كالأشباح. كانت ملاحظته بعيدة عن أن تكون مفيدة، لكن بالنظر إلى الظروف، كان الذعر مبررًا. أن تكون مكبلاً كان سيئًا بما يكفي، لكن أن تُقيد إلى هذا الرعب كان حقًا غير عادل
لكن استنتاج "ساني" بأن الأمور ليست صحيحة لم يكن بسبب الشفقة على النفس. كان يقصد أن هذه الحالة كلها ليست صحيحة حرفيًا: السحر، رغم غموضه، كان له مجموعة من القواعد. كان هناك قواعد بشأن نوع الكائنات التي يمكن أن تظهر في أي كابوس معين
كائنات الكوابيس لها تسلسل هرمي: من الوحوش الغبية إلى الوحوش الحقيقية، يليها الشياطين، الأبالسة، الطغاة، الرعب، وأخيرًا الجبابرة الأسطوريون المعروفون بالكوارث. كان الكابوس الأول دائمًا تقريبًا مليئًا بالوحوش والوحوش الحقيقية، ونادرًا ما يظهر فيه شيطان. ولم يسمع "ساني" أبدًا عن أي شيء أقوى من شيطان واحد يظهر فيه
ومع ذلك، فإن المخلوق قد خلق بوضوح نسخة أقل من نفسه—قدرة تنتمي حصريًا للطغاة، أسياد تعويذة الكابوس، ومن هم أعلى منهم.
ماذا كان يفعل هذا الطاغية في أول كابوس؟
كم كانت قوة تلك السمة اللعينة [المقدرة]؟!
لكن لم يكن هناك وقت للتفكير
سواء كان الوضع عادلاً أم لا، لم يكن هناك شخص واحد الآن يمكنه إنقاذ "ساني" سوى نفسه
الرجل عريض الكتفين — أو ما تبقى منه — نهض ببطء، بينما كان يصدر من فمه أصوات طقطقة غريبة. دون أن يمنحه الوقت ليستعيد وعيه بالكامل، شتم "ساني" وقفز للأمام، ممسكاً بطول السلسلة المتراخية.
امتد ذراع الوحش، المجهز الآن بخمسة مخالب حادة، في اتجاهه، لكن "ساني" تفادى الهجوم بحركة محسوبة.
ما أنقذه هذه المرة لم يكن رد الفعل السريع، بل حضور الذهن. لم يكن "ساني" قد تعلم أي تقنيات قتالية متقدمة، فقد قضى طفولته في الشوارع بدلاً من المدارس. لكن الشوارع أيضاً كانت معلمة بطريقتها الخاصة. قضى حياته بأكملها يقاتل من أجل البقاء، وغالباً بشكل حرفي. ذلك الصراع الدائم أكسبه الخبرة التي سمحت له بالحفاظ على رأسه بارداً وسط أي صراع.
لذلك، بدلاً من أن يتجمد مكانه أو يستهلكه الخوف والشك، تصرف "ساني" ببساطة
تقدم خطوة وألقى بالسلسلة حول أكتاف الوحش، ثم شدها، مما شلّ حركة يديه وقيده بجسده. وقبل أن يتمكن الوحش، الذي لا يزال بطيئاً ومنهكاً بسبب تحوله، من الرد، لف "ساني" السلسلة حوله عدة مرات، بالكاد متجنباً أن تلتهمه فكوك الوحش المرعبة.
الخبر السار: الوحش لم يعد قادراً على تحريك يديه.
الخبر السيئ: الطول الذي استخدمه "ساني" لتثبيت الوحش جعله قريباً جداً منه.
صرخ "ساني" موجهاً كلامه إلى العبيد الآخرين:
"أنتم الاثنين! اسحبوا السلسلة وكأن حياتكم تعتمد على ذلك!"
لأن حياتهم كانت بالفعل على المحك.
حدّق العبيد الآخرون فيه، ثم، بعد أن فهموا خطته، بدأوا يتحركون. أمسكوا السلسلة من الاتجاهات المعاكسة، وشدوا بكل ما أوتوا من قوة، مما أحكم قبضة السلسلة على الوحش ومنعوه من الإفلات
' رائع! '
فكر "ساني".
بدأ الوحش يضغط عضلاته، محاولاً التحرر. متسببا في جعل السلاسل تصدر أصوات صريرعالية ، عالقة في النتوءات العظمية، وكأنها توشك على الانكسار.
' ليس رائعا ! '
دون إضاعة المزيد من الوقت، رفع "ساني" يديه وأمسك بعنق الوحش باستخدام السلسلة القصيرة الرفيعة التي تربط أصفاده معاً. ثم دار حول الوحش بخطوة سريعة وشدّ، منتهيًا في وضع يجعل ظهره ملاصقًا للوحش، وبعيداً قدر الإمكان عن فكه المفترس.
كان "ساني" يعلم أنه ليس قوياً بما يكفي لخنق رجل بيديه العاريتين — ناهيك عن مخلوق غريب ومرعب مثل هذا الذي يحاول التهامه. ولكن باستخدام ظهره كرافعة ووزن جسمه بالكامل للضغط على الأصفاد، كان لديه فرصة.
شدّ بكل قوته، يشعر بجسد الوحش يضغط عليه، والنتوءات العظمية تجرح جلده. واصل الوحش المقاومة، يصدر أصوات طقطقة ويضغط لفك السلاسل التي تقيده.
الآن، الأمر يتعلق بمن سينكسر أولاً — السلسلة أم الوحش.
' مت! مت أيها اللعين! '
كان العرق والدم يتدفقان على وجه "ساني" بينما كان يشد ويشد ويشد بكل قوته.
كل ثانية كانت تبدو كأنها أبدية. قوته وقدرته على التحمل — القليلة أصلاً — كانت تستنزف بسرعة. ظهره المصاب، معصماه، وعضلاته التي اخترقتها النتوءات العظمية كانت تصرخ من الألم
وأخيراً، شعر "ساني" بجسد الوحش ينهار مستسلماً.
بعد لحظة، سمع صوتاً مألوفاً خافتاً يتردد في الهواء.
كان أجمل صوت سمعه في حياته
[ لقد قتلت وحشاً نائماً، يرقة ملك الجبل. ]
.
.
.