”كل شيء بدأ عندما قررت لعب تلك اللعبة...“

«لعبة رأس صفارات الانذار؟ اه...اضن انني سمعت عنها»

قلتُ لصديق لي دون اي اهتمام، مدّ هذا الاخير هاتفه واراني صورة لغلاف اللعبة قائلا:

« - إيما انتِ تحبين الاشياء المخيفة لهذا يجب عليكِ حقا لعب هذه اللعبة، ستعجبكِ حقا!»

- هل انت متأكد بيتر؟ لست معجبة كثيرا بألعاب الفيديو كما اننا لم نعد اطفالا لهذه الاشياء...»

رددت محدقة بشاشة هاتفه، لن انكر ان الغلاف لم يجذب انتباهي بل حتى نبذة اللعبة كانت مثيرة للاهتمام.

جندي يسمع اصوات صافرات انذار قادمة من الغابة ويذهب لالقاء نظرة فيجد رجلا عملاقا مخيفا ونحيفا برأس به صفارات انذار، الامر اشبه بسندرمان وتلك القصص.

« - هيا إيما! لقد جربت لعب هذه اللعبة بالفعل وكانت جيدة حقا. حمّلي اللعبة، انتِ ذاهبة في رحلة للعمل لايام، على الاقل حاولي الترفيه عن نفسكِ قليلا بالاشياء التي تحبينها!»

قهقهت لرؤية إلحاح بيتر تماما مثل الجرو الضريف.

بالتفكير بهذا، حبنا لافلام الرعب هو ماجمعنا معا وعمق صداقتنا منذ ان كنا مراهقين.
من المؤسف اننا لن نتمكن من الالتقاء كثيرا بسبب زواجه و طبيعة عملي كمصورة فوتوغرافية.

« - حسنا، حسنا...شكرا لك على توصيتك هذه اللعبة لي، سأقوم بتحميلها على الفور.

- هذا جيد...أه! »

انتفض بيتر امامي متحمسا.

« - الم تقولي انكِ ستمكثين في منزل قريب من الغابة هناك؟ الستِ محظوظة حقا؟»

نظرت اليه ماليّا وبقيت افكر، ثم ارتسمت ضحكة عريضة على وجهي وقلت مبتهجة:

« - معك حقا! »

***

« ألا تحتاجين الى اي مساعدة؟ يا أنسة»

سألت الجدة التي تمتلك هذا المنزل، هززت رأسي رافضًا وشكرتها على اهتمامها بي.

التفت خلفي لاجد النافذة، فبقيت اشاهد من خلالها الغابة.

ياله من مكان جميل، لم اكن اعرف بوجود مكان رائع كهذا الا قبل شهر.

هذه المدينة الصغيرة، هؤلاء الناس اللطفاء، هذه الغابة المذهلة...

بعد عدة سنوات من السفر من مكان لأخر، يمكنني الجزم ان الصور التي سالتقطها هنا سيكون من افضل الاعمال التي ساقدمها حتى الان. لايسعني الانتضار لرؤية الغابة من الداخل.

للاسف، لن ابقى سوى بضعة ايام...

اخذت بالكاميرا خاصتي وخرجت بسرعة من المنزل متجهة نحو الغابة.

«القاء نظرة سريعة هناك لن يضر بشيء»

هذا ما قلته لنفسي متوغلة بين تلك الاشجار.
انا احب حقا التقاط صور للطبيعة.

مرت ساعتان و ستار الليل بدأ ينخفض، رغم هذا لم الاحظ الفرق، كانت السماء غائمة تنذر عن سقوط الامطار باي لحظة.

بقيت امشي حتى وصلت الى بركة ماء.
اجلت بعدسة الكاميرا في كل مكان وتعالى صوت كبس الزر في الارجاء.

توقفت فجأة عن التصوير حالما رفعت عدسة الكاميرا لأعلى قليلا، انزلت الكاميرا من امام وجهي وبقية أحدق بالشيء خلف الاشجار.

كانت مجرد صافرة انذار عادية.

تنهدت والتقط صورة لها، للاسف لم تكن الشيء الحقيقي.

شعرت بقطرة ماء نزلت على رأسي، بدأت الامطار تهطل.

غطيت رأسي و حاولت تخبأت الكاميرا تحت ملابسي حتى لاتبتل واندفعت عائدة الى المنزل.

« كان هذا وشيكا...»

قلت منشفة رأسي.
القيت نظرة من خلال النافذة، كان المكان قد اشتد ضلمة، على هذه الحال قد تمطر الليل كله.

«مهلا، افضل وقت للعب العاب الفيديو هو هذا الوقت، كما ان الوقت لازال مبكرا...حسنا! لقد حسم الامر!»

رددت متحمسة وجلست على المكتب فاتحة حاسوبي المحمول، وضعت السماعات على رأسي وشغلت اللعبة.

لا اعرف كم من الوقت امضيته وانا العب.
بالرغم من ان وحش رأس صفارات الانذار ليس بشهرة بقية الوحوش الاخرى الا ان من صمم هذه اللعبة كان محترفا حقا.
علي الاعتراف ان لبيتر ذوق جيد في العاب الفيديو.

نزعت السماعات من رأسي ونهضت من الكرسي، حان وقت النوم.

" بالنسبة إلى - أين هو الساعة الثلاثين القادمة - أنا - ثانية - - إذا احتجت - هذه - المساعدة - ستقوم المحطة بإجراء اختبار لحالة الطوارئ - هل يمكن لأي شخص - إذاعة البث - أن يسمعني. هذا فقط - دعني أختبر - هذا مجرد اختبا--- "

تجمدت بمكاني عند سماع هذا الصوت والتفت خلفي.

لقد كان نفس كلام و صوت رأس صفارات الانذار من اللعبة.

نظرت الى حاسوبي مستغربة، انا متأكدة تماما اني اغلقت اللعبة الان.

صفعت نفسي لاعود الى واقعي، لم اعد اسمع الصوت مجددا.

يبدو انني تأثرت باللعبة كثيرا او ان احدهم يقوم بمقلب علي. في كلتا الحالات ذهبت الى فراشي محاولة تجاهل ماحدث الان.

***

لم تمضي ثوان منذ ان اغلقت عيني حتى سمعت صوت غريب، كان مثل صراخ امرأة، رجل، بكاء رضيع، وانذار صادرين من مكبر صوت.

نهضت من الفراش بسرعة، واجلت ببصري في المكان. لم اكن بغرفتي.

نظرت من خلال النافذة، كان المكان اشبه بمخيم عسكري، كنت ارتدي زيا عسكريا واحمل مصباحا يدويا.

الامر كان كما لو انني داخل اللعبة.

التفت الى يساري لأرى أحدا بالغرفة نائما،
على الارجح زميلي في الغرفة حسب اللعبة.

ايقضته من نومه لاسأله عن اذا بامكانه سماع صوت صفارات الانذار لكنه صرخ علي بغضب قبل ان اسأله.

«مارك! كم من مرة علي ان اقول لك الا توقضني في الليل لاسباب تافهة؟! هذه المرة الرابعة! ان كنت تسمع صوت صفارات الانذار الان فعليك الذهاب لطبيب نفسي! فانا لا اسمع اي شيء»

غطّى الشاب نفسه وعاد للنوم.

مارك...انه نفس اسم الشخصية اللاعبة في اللعبة، انا حقا في حلم مستوحى من تلك اللعبة.

لم اكن خائفة لان كل هذا مجرد تخيلات لكن لم استطع تحمل كل تلك الاصوات العالية، بدى وكأنها تلعب من داخل الغابة. تجعلني احس وكان عقلي سينهار باي لحظة.

ابدو كالحمقاء لتحمسي ورغبتي في التحقيق من مصدر الصوت لكن لم تكن بمشكلة، فكل هذا مجرد حلم.

واصلت المشي والمشي دون ايجاد اي شيء لكن الاصوات كانت تزداد شدة.

انا متأكدة انني اقترب منه اكثر.

انتهى الامر بي امام بركة ماء، والان حين اعدت النظر حولي، هذه الغابة تشبه كثيرا تلك الغابة من العالم الواقعي.

احسست بالصوت اوضح بكثير خلفي فاستدرت، ثم رأيت شيئا.

كانت عتمة الليل اشد من المعتاد وبسبب المطر احسست بتكون الضباب في ارجاء المكان، لكن مع هذا يمكنني رؤية شيء غريب حقا في الظلام.

امسكت بمصباحي اليدوي بثقة ووجهته نحو ذلك الشيء في منتصف الطريق امامي.

لقد رأيته.

رجل نحيف يبلغ طول شجرة شاهقة، له ذراعان طويلان يمكن ان يصلا الى قدميه.
بالنسبة لرأسه، فكان مجرد صافرتان من صفارات الانذار متصلان بانبوب واحد.
كان نحيفا للغاية، كما لو كان مجرد كتلة من العضام ولكن يمكن ان ترى بعض اللحم عليه وبعض الاسلاك المعدنية تمر عبر جسمه.

«هذا ليس مخيفا..هذا ليس مخيفا...»

رددت نفس الكلمات محاولة تهدئة نفسي.

صحيح انني معجبة بالاشياء المخيفة ونادرا ما اشعر بالخوف لكن، هذا فقط لانني اعرف ان هذه الاشياء مجرد تخيلات من صنع البشر.
رغم هذا، هذا الشيء امام، يبدو اكثر من مجرد أوهام.

شعرت بالرعب الشديد وانا انضر اليه.
خطوت للخلف ببطء، فتعثرت وسقطت على الارض.

شعرت بشيء تحتي، كدت ان انسى انني احمل مسدسا معي، تماما مثل مارك من اللعبة.

دون اي ثانية للتفكير، اخذت المسدس واطلقت النار عليه.

لم يمت، كنت متأكدة انني ارى الدماء يتدفق من مكان الرصاصة، لكن بدلا من اضهار علامات الالم، شرع بالتقدم نحوي.

نهضت بسرعة واندفعت صارخة بسرعة للاتجاه المعاكس، فقط اركض الى اي مكان طالما ان بامكاني الابتعاد عنه.

قامت صفارات الانذار بمحاكاة صراخي ولعبه مرة اخرى.

كان جسدي يقشعر دائما عند سماع صوت صفارات الانذار اثناء لعب اللعبة، غير ان تجربة الامر من قرب كان اكثر رعبا.

ثم بدأ رأس صفارات الانذار بلعب اصوات غريبة اخرى، مثل تحذيرات من الاعاصير والكوارث، الاعلانات التنبيهية، والمعلنين الذين يتحدثون بشكل عام عن اشياء مخيفة مثل جرائم القتل، مجرمين هاربين.

كنت متأكدة انني اركض بسرعة، لكن بالرغم من ان ذلك الشيء كان يمشي، الا ان المسافة بيننا لم تكن كبيرة ابدا، لنقل انني بعيدة بما فيه الكفاية حتى لا يمسكني.

تسارعت دقات قلبي وصرت اتنفس بصعوبة، مع هذا لم اتوقف للحظة واحدة من الركض ولازلت استطيع رؤيته في الظلام.
لم تتغير المسافة بيننا حتى، كما لو انني اركض على طريق لا نهائي.

أخيرا، يمكنني رؤية المخيم حيث افقت، شعرت بالراحة وتذكرت ان كل هذا كان جزءا من اللعبة وهذا مجرد حلم.

تعثرت بغصن شجرة على الارض وسقطت مجددا، كان الطريق موحلا.
شعرت بألم شديد على قدمي، على الارجح جرحت من الاغصان.

ألم؟ لكن اليس هذا مجرد حلم؟ الايفترض ان استيقض الان؟

رفعت راسي بسرعة باكية لكن تفاجأت بإيجاد المنزل الذي اقطن فيه امامي عوض المخيم.

التفت للخلف بسرعة، لم اجد الوحش خلفي ولم اعد اسمع صوته.
كما لو انني كنت اتوهم كل هذا.

لم اشعر بالخوف لهذه الدرجة من قبل، هذه الليلة ومن دون اي شك اسوء تجربة في حياتي.

اقتربت من الباب وفتشت جيوبي، لقد نسيت مفاتيحي.

طرقت بقوة حتى تسمعني صاحبة المنزل.

لم يرد أحد.

تنهدت واتجهت نحو اقرب منزل، وطرقت مجددا.

لم يرد أحد.

المنزل الذي بعد وبعد، لم يرد اي احد ابدا.

داعب الهواء البارد شعري و شعرت بالقشعريرة.
يمكنني سماع صوت صافرة قوية تتذبذب باذني.

غطيت فمي بيدي احاول حبس انفاسي وتهدئة نفسي قبل ان يجن جنوني، ثم التفتت خلفي.

كان وحش صفارات الانذار لايزال هنا...


اندفعت اجرى بعيدا عنه، لكنه لم يتحرك من مكانه.

ركضت في شوارع هذه المدينة الصغيرة كالمجنونة لكن لم ارى اي احد حولي، كان المكان فارغا تماما.
حتى ان كان الوقت متأخرا كثيرا هكذا فمن الغريب الا اجد احدا مع ان اضواء المصابيح الكهربائية مفتوحة.

صرت اتساءل ان كانت احلم او اعيش في الجحيم.

بقيت اجري واجري.
فقط اجري دون الالتفات خلفي.

بعد الجري طويلا لمحت باب احدى المنازل مفتوحا، لا استطيع الاستمرار بالركض للابد، لهذا لم ارى اي خيار سوى الاختباء.

دخلت المنزل بسرعة واغلقت الباب خلفي.
بقيت اخفض رأسي حتى لا يتم رؤيتي من خلال النافذة.

" تسعة. ثمانية عشر. طفل. واحد. سبعة عشر. إزالة. حقير. "

بدأ وحش صفارات الانذار بتكرار هذه الكلمات، وبكل ثانية تمر يشتدت حدة الصوت.

انه قريب.

زحفت بهدوء على الارض واختبأت تحت طاولة وغطيت اذني وعيني.

يمكنني الشعور بهزة ارضية مع كل خطوة يخطوها، ثم توقف فجأة مع صوت صفارات الانذار.

بعض الاشخاص قد يضنون ان الامر قد انتهى، لكن انا كنت اعرف، ذلك الوحش لازال هنا.

انهالت دموعي وتسارعت انفاسي. لم استطع حتى التفكير بوضوح.

انا خائفة...
ارجوك ياإلاهي، ان كان هذا مجرد حلم فدعني استيقض منه الان...
ارجوك..توقف...
ارجوك...لا تقترب مني اكثر...
ارجوك..دعني وشأني..
ارجوك...
انا خائفة....
انا خائفة، انا خائفة كثيرا!
رجاءا اي احد! انقذني!
لا اريد الموت...
لا اريد الموت...لا اريد الموت...
رجاءا...
لا اريد الموت....
ارجوك... لا اريد الموت....
اي احد...
انا خائفة حقا...
أمي....
لا اريد الموت. ارجوك...

لا اريد الموت...
لا اريد الموت
لا اريد الموت... إلاهي...
انقذوني..
أبي...
لا اريد الموت...
انا خائفة...
بيتر...
أي أحد...ارجوك...


« هل تحبين العاب، إيما؟ »

فتحت عيني مصدومة عند سماع ذلك الصوت المتذبذب من صفارة الانذار.

كيف لهذا الوحش ان يعرف اسمي؟

يجب ان يكون هذا كابوسا لاينتهي، لكن لقد كان حقيقة.

نظرت الى الباب أمامي، كان مفتوحا قليلا. بكل هدوء بدأ يُسحب الباب و يُفتح ببطء.

بقيت احدق بالباب بصمت لدقيقة كاملة.
بدأ صوت صفارات الانذار باللعب مجددا لكن اكثر حدة من قبل، كما لو انها اصبحت بداخل عقلي الان.
وعلى حين غرة ضهرت يده العملاقة من وراء الباب.



فتحت عينيّ صارخة واخذت التقط انفاسي.
نظرت حولي متفاجئة.
كانت الشمس قد بزغت بالفعل، لقد كنت في غرفتي، على فراشي.

القيت نظري على جسدي مستغربة، لم اكن مصابة بقدمي او ملطخة بالطين والتراب.

فُتِح باب غرفتي بسرعة ودخلت صاحبة المنزل قلقة.

«هل انتِ بخير إيما، سمعتكِ تصرخين!»

شعرت بدمعة دافئة تسيل على خدي وابتسمت.

هذا جعلني فضولية كثيرا، هل كل ما حدث مجرد كابوس؟
هل كنت حقا اتوهم؟

مهما كانت الاجابة، فقد انتهى الامر، للان على الاقل، كان الامر سيكون جميلا لو انتهى للابد.
اردت فقط اعتبار الامر ككابوس طويل، لكن لم استطع تجاوز الامر ابدا.

بعد ذلك...لقد زعم الجميع على انني فقدت صوابي.
اخبرت الجميع عن ماحدث، لا احد صدقني، لقد زرت حتى الاطباء النفسيين.
دائما كنت احصل على نفس الاجابة،
"انه مجرد توهمات لا اكثر نتيجة التعب"

لقد بدأت حتى بتكذيب نفسي، لكن كنت واثقة من شيء واحد فقط.

لازال بإمكاني سماع صوت صفارات الانذار تلك.

رأس صفارات الانذار لازال يتبعني...



-END-


2020/08/05 · 216 مشاهدة · 1874 كلمة
KiraSama9
نادي الروايات - 2024