الفصل 63 - الحد الأقصي
دوّى صوت المذيع في أرجاء الساحة الهائلة:
"لقد حان الوقت! سَحب الجولة الثالثة يبدأ الآن!"
انتفضت الحشود واقفة. عيون متسعة. أفواه صامتة. كل نفس محتجز، أسير لجلال ما سيحدث.
فوق الساحة، دارت الكرة العظيمة تتوهج بطاقة كونية خافتة. بداخلها، لم يتبقَ سوى أربعة أسماء:
سولار. فينوس. تيان. تيراتا.
تباطأت حركة الكرة. وخفت الضوء داخلها حتى أصبح نبضًا خافتًا.
"الاسم الأول هو… تيان!"
سرت همهمة بين الصفوف. ثم صمت. ثم
"الاسم الثاني هو… تيراتا!!"
تحطم الصمت.
"مستحيل…!"
"هل تمزحون؟!"
"سيلعبون ضد تيراتا؟!"
"كوكب لم يُظهر أوراقه بعد… ضد من نزفوا للوصول إلى هذه النقطة؟!"
في المدرجات، تحولت الهمسات إلى هزّات. حتى أكثر المتابعين خبرةً رمشوا بدهشة. وفي جناح العلاج، وقف لوكاس، وجهه مزيج من الصلابة والعاصفة.
"تيراتا"، تمتم، صوته منخفض، وعيناه تضيقان. "إذًا نحن من سيكشف."
بعد لحظات، خرج الاسمان المتبقيان من الكرة:
"سولار ضد فينوس."
اشتعلت الساحة غليانًا.
في الشرفة العلوية، ضحكت حاكمة كوكب فينوس، إشراقتها فاتنة وسمها قاتل، بصوت ناعم كالعطر المسموم:
"سأجعل نيرانهم ترقص معنا"، همست، وأصابعها المرصعة بالجواهر تلوّح بخفة نحو محاربي سولار المشتعلين.
أما حاكم سولار، فلم يرمش حتى. نظرته، منصهرة وقاسية، ظلت ثابتة نحو الساحة. ثم استدار نحو المذيع.
"مستعد."
كلمة واحدة..
صوت المذيع ارتد مجددًا:
"الجولة الثالثة تبدأ… غدًا مع الفجر. تيان ضد تيراتا. سولار ضد فينوس. سينهض اثنان، ويسقط اثنان. استعدوا… فالدماء قادمة."
اليوم التالي — مع الفجر
تحول لون السماء فوق المدرج إلى بنفسجي قاتم، والظلال تتلوى عبر منحناها كطوالع قديمة. الحشود، التي لا تُعدّ ولا تُحصى، ملأت كل ركن في الأبراج المشاهدة.
اهتزت الأرض مع صرير البوابات وهي تنفتح.
"المقاتلون! إلى مواقعكم!"
توجهت كل الأنظار إلى أحد الجانبين. فُتحت بوابة كوكب تيان.
خرج لوكاس ودارلين معًا.
كانت دروع لوكاس تلمع بخيوط طاقة مُرمَّمة، لكن تعبيره كان أظلم من فجر السماء فوقه. عباءة دارلين ترفرف، ملطخة بدماء الأمس، لكنها كانت واقفة بثبات. شامخة.
سارا دون كلمات.
ثم… انفتحت البوابة المقابلة.
ولم يخرج أحد.
ترددت أنفاس الدهشة في المدرجات.
"أين فريق تيراتا؟" "هل يسخرون من البطولة؟" "هل خطتهم أن لا يحضروا ويخسروا؟"
فجأة، خفت ضوء الساحة. وانحرفت الإضاءة، كأنها تنسحب من شيء ما.
ثم ظهر هو.
شخص واحد فقط. حافي القدمين. شاب. يرتدي درعًا بدا وكأنه منحوت من عظام، أنيق ويخفق بالحياة. وعلى ظهره، عصا غريبة، ملتوية كأنها نبتت لا صُنعت.
لم ينظر حتى إلى خصومه.
دخل الساحة بثبات ميت، وضرب عصاه بالأرض.
ارتد صوت
ضربة
ومن تحت قدميه… انفتحت الأرض.
لم تنكسر. بل انفتحت.
بوابات دائرية مظلمة تفتحت كزهور سوداء، ومنها
الجحيم.
اندفعت وحوش شيطانية بأعداد غفيرة. كلاب بجماجم بلا عيون، أفاعٍ بأجنحة، عمالقة بستة أطراف، أشياء تصرخ لا بصوت، بل
بالذكرى
"وحوش شيطانية من الرتبتين A وS!" اختنق صوت المذيع. "كيف كيف يتحكم بهذا العدد؟!"
اختنق الهواء بهدير الوحوش.
كان صوت لوكاس مشدودًا، مركزًا.
"دارلين."
لم تومئ. لم ترد. فقط تحركت.
فعّل لوكاس قدرة هيبة الطاغية، و
انهار
تفجرت دماء السيادة داخل عروق دارلين، فتوقدت بلون قرمزي. ومع كل خطوة، تعمق تحكمها. بدأت أرض المعركة تميل لصالحهم قليلاً فقط.
لم يقاتلوا للبقاء.
ضربت الموجة الأولى بعنف. قفز لوكاس إلى إعصار من المخالب والعظام، وسيوف مبدّل اليدين تمزق الأطراف في رشقات من الظلام. كلما سقط واحد، حل مكانه آخر.
تحركت دارلين بينهم. نسجت شبكاتها الدموية، فقبضت على الوحوش في منتصف اندفاعها ومزقتها من الداخل.
ومع ذلك، لم تتوقف الموجات.
بعد عشر دقائق بدأ لوكاس يشعر بالثقل.
ليس الإرهاق. ولا الخوف.
"لا يحاولون هزيمتنا"، تمتم بصوت مسموع. "إنهم يختبرون مدة صمودنا."
صدّت دارلين ضربة، وغرزت رمح دماء في حلق كيميرا، ثم تراجعت إليه.
–.
تطاير الدماء في الهواء بينما كانت شبكاتها القرمزية تمزق جانب الوحوش التي تفوقها حجمًا بثلاث مرات. ارتفع الصراخ عبر ساحة المعركة، ليتوقف فورًا بعدها بصوت تمزق شبكة أو همسات سمها القاتل التي تتسرب إلى الجسد.. لم تكن تقاتل بالقوة العمياء بل كانت تصطاد، أنيقة وقاسية بلا رحمة.
وقف لوكاس إلى جانبها، مغطى بالأوساخ، أنفاسه حادة وغير منتظمة. كان جسده مغطى بالعرق والدم دمه ودمهم وغبار من ساحة معركة…. مُشكلاً سيوفًا لتمزيق اللحم، ثم يتحول إلى دروع، رماح، فؤوس أي شيء كان يحتاجه، فورًا، بلا تردد. لم يتوقف. لم يكن يستطيع أن يتوقف.
الوحوش كانت تأتي بلا توقف.
الكاهن من تيراتا.
كانت عباءته نظيفة. عصاه تتلألأ بألوان أرجوانية غريبة. لم يتحرك منذ أن بدأت المعركة.
ثم تحدث. بصوت منخفض. هادئ. لدرجة أن الصوت بالكاد يُسمع.
"أنتم أقوياء... ولكن هناك اثنان فقط منكم. كم من الوقت يمكنكم التحمل؟"
لوكاس، وهو يلهث بشدة، مسح الدم من فمه باستخدام ظهر معصمه. منحنى شفتيه ابتسامة دموية.
في المدرجات، كان الجو مشحونًا بالتوتر.
كان الحكام يراقبون في صمت. حتى كسر حاكم سولار الصمت بصوته المشبع بالإعجاب المكبوت.
"مقاتلو تيان نادرون... ليس من حيث العدد، ولكن من حيث العمق. أمالت حاكمة كوكب فينوس رأسها، وأصابعها تنقر بتناغم على صولجانها الفضي.
"ذلك الفتى... لوكاس. طاقته لا تتحول فقط بل
تتكيف
على ساحة المعركة، أخيرًا تحرك الكاهن.
شق راحة يده وسمح للدم بالتساقط على عصاه. اهتزت الأرض. اتسعت رمزية سوداء وقرمزية تحت قدميه، ينبض قلبها كما ينبض القلب..
انشقت الأرض.
من أعماقها، ظهر شيء قديم ومرعب تنين شيطاني ضخم، جسده محاط باللهب الأسود، وعيناه تتوهجان بالجوع الخاوي. تجمدت الساحة، الجمهور،الهواء.
كان كل كائن حي يشعر به. رعب. رعب حقيقي بدائي.
تنهد المذيع، فغر فمه في دهشة. "ذلك... ليس استدعاء. تلك
رباط طقوسي
تراجع لوكاس للخلف. للمرة الأولى في المعركة، تلألأ الشك في عينيه
دارلين.
كانت واقفة بثبات، الدماء تتناثر على ذراعيها، ولكن حضورها لا يزال عظيمًا. ملكة في اللون القرمزي.
فعلت "دماء السيادة" كانت عروقها تتوهج باللون الأحمر، والمانا تتفجر من جوفها في أمواج ثقيلة، خانقة.
قبض لوكاس على قبضتيه.
صوته أصبح مشدودًا. رؤيته تصبح حادة.
إدمان العطش للدماء: مفعل.
صرخ كل شعور في جسده للقتال، للقتل، للـ
نهاية
"لننهي هذا"، قال بصوت منخفض، وهو يشحنه قوة مشبعة بالدم.
أطلقت دارلين شبكاتها القرمزية ستة منها مسلحة بالسم الذي يسبب الشلل ومربوطة بقوة حياتها. لفّت حول أجنحة وأرجل التنين، مما أبطأ حركته مع صرخة حادة
"مبدل اليدين" (الحد الأقصي!).
استدعى لوكاس رمحًا من الظلال والدم سلاحًا ينبض بتوافق مع ضربات قلبه. قفز في الهواء، وخلفه انطلق أثر من الطاقة الحمراء.
أصدر التنين زئيرًا، اللهب يتدفق في الخارج.
صرخت دارلين بينما كانت الحرارة تحرق جلدها، لكنها تمسكت بشبكاتها. لم تتركها.
رمى لوكاس الرمح.
دارت الشبكة، قاطعة الهواء ككويكب.
ثم الاصطدام.
مباشرة في قلب الوحش.
توقف الزمن لحظة.
ثم انفجار.
انفجار هائل من المانا والنار السوداء انفجر من صدر التنين. اهتزت الساحة. وميض الحواجز..
زأر التنين صرخة أخيرة وسقط.
انحنى الكاهن على ركبتيه. تحطمت عصاه.
رفع الحكَم يده.
"[الفائز: كوكب تيان.]"
سادت الساحة صمتًا ميتًا.
ثم انفجر.
موجة من الضوضاء والصراخ اجتاحت المكان كالموج العاتي. وقف الناس. هتفوا. بعضهم بكى. وآخرون فقط نظروا في دهشة.
في البلكونات الملكية، وقف سيمان وصفق ببطء
...
لوكاس، في ساحة المعركة، سقط على ركبتيه. ضباب في رؤيته. شعر بالدفء يتسرب من أذنه.