كانت تلك العائلة الكريمة تمر كل يوم لزيارة ذلك القبر و يبدو أنه قبر احدٍ عزيز عليهم من كثرة الدموع التي انهمرت من أعينهم، لكن لم يلق انتباهي إلا عينيها هي ،و كم كنت ازداد حسرة كل مرة تأتي إلي هنا و أري عيناها الملائكية تسقط لألئ الدمع .
اسمي غير مهم لأنني أدرك أنه لن يذكر بالخير ...أبي الفاضل يجعلنا ندور علي الطرقات و المنازل نتسول و نشحذ ،و أمي أمرأة ضعيفة الحيلة ترى ان ابي ادري بمصلحتنا و أن لا دخل لها بشئونه...فماذا كان لطفل مثلي في ١٥ من عمره بينما يري...كل هذا
سوي الإستسلام لهذا الواقع الأليم
لكن...جميعنا يكون لدينا نقطة تحول في حياتنا؛
تلك اللحظة التي يكون هناك فيها امل نسعي من أجله....حلمٌ يغيرنا ..حلم يشعلنا لنضئ او لنحترق
نحن نسكن في آحد الأحياء الفقيرة قرب المقابر.....و تلك البيوت احيانا تنبعث منها رائحة الموت...
عموماً..في احد الأيام كنت اتجول قرب المنزل حين رأيت مجموعة من الناس يبدو عليهم الوقار و النبل...متجهين لأحد القبور....لا أعرف لكن شيءً ما جعلني اتبعهم في صمت دون وعي ......
حينها علمت السبب...حين رأيتها جالسه هناك تبكي في حسرة....شئ ما جعلني أرغب في ان اهون عليها ...رغم اني أراها للمره الأولي في عمرى.
فتاة يبدو أنها في نفس عمري ...فائقة الجمال و الرقه...فقدت الأحساس بالعالم الخارجي حين رأيتها ...نسيت يأسي..نسيت حزني...نسيت دنياي....كل ما أحسست به هو انني أغرق في عيناها .....حتي ايقظني اخي بقوله :اخي أين ذهبت!؟
انا:م..ماذا أأين سأذهب..انا..هنا
اخي :لا يبدو لي (قهقه )..هيا دعنا نعود
انا :اوه حسناً
عاد جسدي إلي البيت لكن عقلي كان محلقا .
في الشهرين التاليين ...جاءت عدة مرات احياناً مع ناس كثر و احياناًمع والدها فقط....و اعترف اني كنت اذهب هناك بشكل شبه يومي أملاً أن أراها
حتي جاء ذلك اليوم الذي جاءت وحدها
لم أستطع ان أقف صامتاً دون الحديث معها
لكني في نفس الوقت لم أردها أن تعرف من أنا
لذا جلبت قطعة قماش ....علمت أني سأندم علي هذا ..لكن لا خيار... و..ربطتها علي عيناها ...و هي سارحه في خيالها
صرخت خائفه قائلة: م..ممن؟!!
انا:ل..لا تصرخي ...انا أسف ....لا تقلقي لن أؤذيكي
انا:كل ما أريده..أن تجيبي بعض الأسئلة
هي :و ل..لما قد أجيبك ....أستؤذيني إن لم أفعل
انا:لاا
هي :إذا؟ (بسخريه)
انا :همم كيف اشرح هذا...أ..تريدين ..أن ..نصبح أصدقاء ؟
هي :يا له من أسلوب مميز في تكوين الصداقات....!!
أنا:أسف
هي :حسنا..انزع هذا الرباط..أو أياً كان أسمه
هي:صدقني هو ليس مهماً(تمتمه)
انا :ماذا قلتي ؟؟
هي :قلت انزع هذا الشئ
انا :اسف ..هذه هي المشكله...لا أريدكي..أن تعلمي من أنا الآن..
هي :امرك عجيب...حسنا أسأل سؤالا واحد...ثم دعني أرحل
أنا: اممم....حسناً...قبر من هذا.......أجيبي لو سمحتي
هي :قبر أمي (بضيق)
أنا :البقاء و الدوام لله
هي بينما الدمع بدأ يتقطر من عيناها:نن..نعم
ابتل القماش الذي علي عيناها ....فشعرت بالذنب و عرضت عليها أن أنزعه..فرفضت و قالت :لا دعه لا أحب أن يراني أحدهم أبكي ...حينها سمعت أحدهم قادم ...فهربت مسرعاً.....ثم أتضح أنه والدها
الوالد :ما هذا القماش المبتل علي عيناكي ؟
نورا :لا عيناي ألمتني فوضعتها ....هذا كل شيء
الوالد: أسف أني تأخرت ...تعرفين عمتكي...سأتصل بالطبيب ليري ما بكي
نورا :لا ..لا داعي ...لا داعي (بحزن)
الوالد :أنتي دوماً هكذا مهمله في صحتكِ...هممم
نورا:لا ...لا بأس حقاً يا أبي
في منزل عائلة لورد...
العمه:لما تأخرتم...ماذا حدث(بنفور)
الوالد:لا شئ
مرحبا أناا نورا دوك ريتشارد لورد...نادوني نورا إن شأتُم..هذا منزلي ...الذي منذ وفاة والدتي و سيطرت عليه عمتي ...اللتي لم تحبني يوماً بالمناسبة ...و..أبي يثق فيها ..أشعر بالوحده هنا..لا حب..لا عائلة...لا ضوء...لو يمكنني أن أجري إلي أبعد مكان ممكن ....بكن لا نور في عيناني...أنا كفيفة...
في عائلة بسيطه.....لا أسم لها....،
الأم:لما لا تأكل بني ؟...ما خطبك؟
الأبن :ل..لا شهيه لدي
الأخ :كل يا فتي ...لم يكن سهلا الحصول علي الطعام في المقام الأول...لذا كل ...لا تتعبني معك...تكفي قسوة الحياة معنا..لا ينقُص أن نقسو علي أنفسنا...
أبي : دعوه..ليوْفِر حصته لأخوته...من يتذمر لا ينجو (بغضب و نفور)
قمت من علي الأرض و ذهبت للنوم علي المفارش..جاء أخي بعدها بقليل ..وقال لي ...أنت مختلف لديك طموح..لكن صدقني أنا أيضا كنت طموحاً!
ثم جاء الخيار ..أنا أم نحن...و لم أستطع إلا أختيار
نحن...هذا ما أنا عليه
أنا :لما....لما ..لما فقط أذهب حقق ذلك المستقبل الذي ينتظرك (بإنفعال)
صمت أخي
أنا :هل أنت سعيد بحالك؟؟!!
أخي :ن....ل....نعم...أأنا كذلك...أنا سعيد
أنا :حسنا ....دعني أنام (بحزن)....'كاذب'...
قلبي كان يتقطع و انا اعلم أن أخي ضحي من أجلنا .....عقلي في ذهاب، و أياب بين تفكيري في أخي ،و تفكيري في الفتاة التي إقتحمت عالمي
في اليوم التالي......
كانت نورا تستعد للذهاب لقبر أمها
الوالد:دعيني آتي معكي
نورا :لا ...لا داعي أبي
وقفت نورا أمام القبر ،و غطت عيناها بالقماش أملا أن يراها الغريب من المرة السابقة....كان هذا مثيرا للسخرية كيف أنها تعلم جيداً أنها لا تحتاج هذا القماش لكن وضعته من جانب الحيطه لأجل أن لا يظنها عمياء ضعيفة إن كان يبطن لها شراً
علي العموم سار الأمر كما تريد نورا ،و إذا به يراها ...ويسرع نحوها
هو :من فعل هذا !
نورا :أنا
هو : لما؟؟!
نورا :هذه هي الطريقة الوحيده للتعارف ..فأنت لا تريدُني أن أعلم كيف تبدو ....أليس كذلك
هو :أعتقد ذلك
نورا : حسناً أنا سأبدأ....ما أسمك ؟
هو :رودجر
نورا: دورك
رودجر:ما..اوه ....حسنا ما إسمك؟
نورا :نوووورااا
رودجر: أسم جميل كصاحبته(برقه)
نورا (بإرتباك ): حسناً ....دوري كم عمرك ؟
رودجر :١٥
نورا :انت بمثل عمري ....أنا في ١٤(بسعادة )
رودجر : هل مجيئك إلي هنا اليوم يعني أنك قبلتي ....طلب صداقتي ..
نورا :أظن ....أجل .
تبعت كلماتها ضحكه مشرقه تترنم في أذنيه
نورا:دعني أخبرك بما أننا الأن أصدقاء...فأنت الصديق الوحيد الذي أملك
رودجر: غريب
نورا : ما الغريب !؟
رودجر :فتاة مثلك ليس لديها أصدقاء!
نورا :لما ...ألأنني ثريه ؟؟
رودجر :لا...لأنكِ مميزة من كل الجوانب ....كما أنكي حساسه، و ذكية، و مليئة بالحياة
نورا :ما الذي يجعلك واثقا؟
رودجر :لدي نظرة جيده حيال الأشخاص (بثقه )
نورا :لكنك لا تجيد إظهار صورة جيدة عن نفسك (بسخريه )
رودجر : هاهاهاها.....أنا أعرف ...أنا أعرف
نورا : حسنا...وداعا نلتقي قريبا
رحل رودجر مسرعاً قبل أن تنزع نورا القماش ....
بين الأثنين كان هناك شيء يشدهما لمعرفة المزيد عن بعضهما الآخر......علي الرغم من العالم المشغول حولهم و الأشياء المحبطه التي قد تكون في حياة أي منا ...و لكن عندما يلتقيان لا يتذكران سوي الجمال ،و المرح، و الحياة......نعم ....أستمرت اللقاءات بينهما....و أصبحت علاقتهما أقوي كما لو يعرفان بعضهما من زمن بعيد ...........حتي رأي لايدر ،؛و هو أخ رودجر الكبير أخيه مع تلك الفتاة.....بعد عدة لقاءات قرر أن يواجهه بما رأى ......و في فجر هذا اليوم و الناس نيام...
لايدر :رودجر أعلم أنك مستيقظ
رودجر :ماذا هناك أخي ؟!
لايدر :هل تعلم من هذه الفتاة التي تلتقي بها....و من أي عائلة هي ...
رودجر :منذ متي و أنت تعلم ....أنت لم تخبر احد...صحيح؟
لايدر :منذ أيام ....لا تقلق
رودجر : أعلم أخي أنها من عائلة ريتشارد لورد العريقة
لايدر : أخي لا داعي لأشرح لك لما أنتما لا تتناسبان مع بعض ....فأنت رغم صغر سنك لكنك عاقل، و تفكر قبل أن تفعل....أ تفهمني! ..؟؟
رودجر : حتي الأن هي لا تعلم من أنا ....و هناك فكرة في عقلي أنا منها خائف ....
لايدر: ماذا ؟؟
رودجر: أفكر في الرحيل عن هنا (بحزن)
لايدر: لأين (بدهشه)!
رودجر :لتغيير مصيري
لايدر :ماذا عن عائلتك !؟؟
رودجر: سأخفف عنهم العبء (بحزن)....و سأعود لأسحبهم من ظلمات الفقر ،والجهل ....بينما أنا شخص ذا قيمة.....من المهم لي أن أكون ذا قيمة..أخي
لايدر : لست أدري ماذا يخبئ لك المستقبل ....لكن ما أعلمه أنك ولدت لتكون شئً ما مختلف .....و لكن ماذا عن الفتاة..
رودجر: هي أهم سبب لفعلي هذا.....لكي أعود لها يوماً ما ....و أمسك يدها دون خزي أو خجل ......هي تستحق الأفضل ..لذا يجب أن أكونه
عانق الأخ أخاه في لهفه ....كل منهما كان يعلم أنهما أقرب أثنان لبعضهما البعض
لايدر:'أذهب أخي حقق حلمك لا تكن ضعيف مثلي '
بدأ رودجر التجهيز لرحلته المميزه ....ويفكر في كيف يشرح لنورا بُعدَهُ عنها
و نورا في الجهه الأخرى تفكر في أنه آن الآوان ليعلم رودجر أنها لا تبصر، و أنه لا حاجه للقماش الذي يحك عيناها كل مرة و هي في منتهى السعادة تحضر للقائها به ...و إذ بإبنت عمتها تقتحم غرفتها كالمعتاد
نورا : ماذا هناك ؟
باتريسا: لا شئ ما سر هذه السعادة المفرطة.....
نورا :لا شئ .....بعد كل شيء لي الحق لأسعد أيضا
باتريسا : كيف و أنتي محرومه من رؤية هذا العالم الجميل
نورا : هناك ميزه عزيزتي ....فأنا منعمه بطهاره عيني من أمثالك
باتريسا: اخرسي......ثم خرجت منزعجه من الغرفه
و حان موعد اللقاء الذي كان لدي الأثنان ما يخبرانه فيه ....و لذلك لاأحد منهما تغيب ....
رودجر : أنا سعيد بلقائك اليوم
نورا : أنا أيضاً في منتهي السعادة...و لدي شئ مهم لأقوله
رودجر: أسف ...لكن دعيني أبدأ........أنا سأغادر المدينه
نورا : أنت ماذا !!(بحزن و خوف )
رودجر :سأرحل لأكوْن نفسي ثم سأعود لكي كي أخذ بيدكي (بثقه )
صدمت نورا و لم تدري ماذا تقول و لم ييقظها من الصدمة إلا يد رودجر التي تنزع القماش من علي عيناها
و يقول :الأن ألقي نظرة ثاقبه علي .....أحفظى ملامحي لأني سأعود من أجلك
أهتز قلب نورا حزنا ،و حسرة و هي حتي لا يمكنها أن تراه ....و بدأت الدموع تسقط من عيناها كما لو أنهم الحضور للجنازة في قلبها......أنتهي الوداع بنفس سرعه اللقاء.........و عادت نورا للمنزل و هي تردد بصوت عالٍ ....باتريسا معها حق ما أسوأ أن تكون أعمي... ما أسوأ أن تكون أعمي(بحزن)و اليأس مرسوم علي وجهها ......بينما رودجر أنطلق في طريقه؛ و عيونه مليئة بالإصرار ....